امحمد العزوزي: فيروس كورونا المستجد ونظرية الظروف الطارئة

المعلومة القانونية – امحمد العزوزي

  • طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية – طنجة

تقديم:

منذ شهرين ووباء كورونا المستجد “كوفيد19” يؤرق سكان الكوكب، بعد أن تم اكتشاف هذا الفيروس لأول مرة في ووهان بالصين، ثم انتشر منها إلى جميع أنحاء العالم بستثناء القليل من المناطق، ومع أنه من المبكر التنبؤ بنهاية هذه الأزمة فإنه يمكن قياسها على مثيلات سابقة لها  مثل ( الإيبولا وانفونزا الخنازير…) و إعطاء  صورة تقريبية عن نهاية هذا النوع من الأوبئة.

واعتبارا لتأثير الأوبئة على القاعدة القانونية والاقتصادية، فقد أقدمت التشريعات الوضعية الغربية بوضع أمثلة تطبيقية لنظرية الظروف الطارئة، مثل الحرب والوباء وفي هذا الإطار يمكن إدخال وباء كورونا المستجد واعتباره هو الآخر بظرف طارئ، إلا ان هذه التشريعات لم تضع تعريفا لنظرية الضروف الطارئة، مما دفع الفقه إلى اعتبارها تلك الحوادث التي لا تؤدي إلى جعل تنفيذ التزام المدين مستحيلا لأنه لو صار مستحيلا سينقضي الالتزام وينفسخ العقد، ومنه يمكن التساؤل حول مدى تأثير فيروس كورونا في هذه المرحلة الاستثنائية على العلاقات التعاقدية بصفة عامة ؟

 

أولا: تحديد نظرية الظروف الطارئة

إن تغير الظروف الاقتصادية يؤثر على المعاملات وهذا التغيير يمكن أن يؤدي إلى إرهاق المتعاقد المدني عند تنفيذه التزامه بسبب ظروف اقتصادية غير متوقعة، إذ يبرم العقد في ظل ظروف معينة، فيطرأ من الأحداث ما يؤثر على السير العادي للعقود كأن تحدث أزمة اقتصادية نتيجة “حرب أو وباء أو جفاف أو هلاك محصول…” [1]

وإذا كانت بعض التشريعات الحديثة تخول صلاحية واسعة للقاضي لتعديل بنود العقد إذا ما حدثت ظروف طارئة، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي تدخل بمقتضي الأمر الصادر بتاريخ 10 فبراير 2016 ليخول للقضاء بواسطة المادة 1195 إمكانية اعتماد الظروف الطارئة، لكن لم يخول للقضاء صلاحية التدخل لمراجعة العقد بحجة تغير الظروف الاقتصادية في إطار ما يطلق عليه بنظرية الظروف الطارئة، بحجة أنه من شأن الأخد بها أن يؤدي إلى اهتزاز إستقرار المعاملات إضافة إلى إمكانية أن تؤدي إلى تحكم القضاة. [2]

وباعتبار المشرع المغربي لم ينص على قاعدة الظروف الطارئة ، وسلك مسلك التشريعات التي تجعل من القوة الملزمة للعقد أساس للتعامل، وأسباب استقراره وثباته،حيث أن حرية التعاقد هي السائدة مشكلة المبدأ الأساسي، وإن كان المشرع المغربي لم يراعي تقلب الظروف الاقتصادية، وإن نظرية الظروف الطارئة في القانون أثارت النقاش في الفقه والقضاء في القرن التاسع عشر في معرض تطبيق المادة 1134 من قانون 1804 في القضية الشهيرة التي عرفت بقضية canal crepanne، حيث نقضت محكمة التمييز الفرنسية قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف  قضى بتعديل العقد الجاري في 22 حزيران 1567 بين مستثمري محطة الماء في منطقة  pélissance  نتيجة التغيير في الظروف التي رافقت إنشاء العقد حيث أصبحت الموجبات المتبادلة غير متوازنة بشكل واضح.

وقد قضت محكمة التمييز بعدم جواز مخالفة نص المادة 1134 المشار إليها فيما يخص القوة الإلزامية للعقد، وعدم جواز تدخل القضاء بتعديل العقد بحيث يعطل الإرادة المنشئة للالتزام.[3]

ومنذ صدور هذا القرار والفقه والاجتهاد المدني الفرنسيان يتمسكان بهذا الموقف بالرغم من بعض الآراء التي كانت تؤكد على ضرورة تحقيق العدالة في هذه المسألة. وبغية الحفاظ على نوع من التوازن بين المصالح الاقتصادية للأطراف المتعاقدة وقد خولت بعض التشريعات المدنية للقاضي إمكانية التدخل لتوزيع تبعة الظرف الطارئ على عاتق الطرفين. ورد الالتزام إلى الحد المعقول والمنطقي.

ونظرا للانتقادات التي واجهت هذه النظرية من باب تعارضها مع مبدأ سلطان الإرادة، وتنافيها مع دواعي استقرار المعاملات، وضع أنصارها بعض الضوابط والشروط لتطبيقها نجملها فيما يلي :

–       أن يكون الحادث أو الظرف الطارئ غير متوقع الحصول عند إبرام العقد.

–       أن يكون الحادث غير ممكن تفاديه.

–       أن يقع الحادث بعد إبرام العقد وقبل تنفيذه.

–       أن يكون من شأن الحادث أن جعل تنفيذ الالتزام بالغ الإرهاق للمدين وليس مستحيلا.

 

ثانيا: موقف المشرع المغربي من نظرية الظروف الطارئة

إذا كان النظام العام يعرف بالنسبية والتغير في نطاق المحتوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحيث المعيار الظابط له هو معيار المصلحة العامة ، وباعتبار ان العقد شريعة المتعاقدين لايمكن نقضه ولا تعديله الا بارادة الطرفين،[4]  إلا أن مقتضيات العدالة أشارت وأملت على المشرع أن ينص في حالات معينة على تخويل القاضي أو أحد المتعاقدين سلطة نقض العقد أو تعديله كما هو الحال بالنسبة لحالة الظروف الطارئة.[5]

وباعتبار أن قانون الالتزامات والعقود المغربي لم يسمح للقاضي بأن يأخذ بعين الاعتبار عنصر الزمن والظروف قصد تعديل اتفاقات الاطراف، وهو ما يتضح من خلال قراءة الفصل 230من ق ل ع،وبذلك فتح المجال للاطراف بالنص في عقودهم على إمكانية تعديل العقد.

وبخصوص الإجتهاد القضائي المغربي لم يكن هو الآخر أقل عداءا  لهته النظرية بسبب تغيير الظروف سواءا كانت الأسباب أوبئة كما هو الحال لما تشهده بلادنا في هته المرحلة  الاستثنائية ( من تفشي فيروس كورونا )، وقياس على ذلك بتغيير الظروف الاقتصادية ، وذلك وفقا للقرار الصادر عن محكمة النقض في غرفتها المدنية بتاريخ 4 نونبر 1957حيث جاء فيه مايلي”…بمقتضى الفصل 230من ق ل ع ، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال خرق القوة الملزمة للعقد بدعوى أن الالتزامات الناتجة قد أصبحت مرهقة لأحد الأطراف.

وعليه فالمكتري الذي تعهد بالبيع مقابل الثمن المتفق عليه ، لا يستطيع أن يمتنع عن التنفيذ بحجة أن تنفيذ البيع مقابل هذا الثمن من شأنه أن يلحق به غبنا فاحشا بسبب عدم التكافؤ بين الاداءات الناتجة عن التقلبات الاقتصادية التي طرأت بعد ابرام العقد،[6]  أما بالنسبة للإجتهاد القضائي المقارن فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29/12/2009 بمناسبة قضية تتعلق بوباء (chikungunya) الذي ظهر شهر يناير 2006 معتبرة أن شرط عدم التوقع الذي يبرر فسخ العقد لم يتحقق مادام أن الإتفاق تم شهر غشت 2006 أيبعد ظهور الوباء بأشهر.[7]

 

ثالثا: شروط تحقق رخصة نظرية الظروف الطارئة

لتطبيق نظرية الظروف الطارئة لا بد من توفر ثلاث شروط أساسية وهي كالتالي:

  • أن يكون هناك حوادث استثنائية عامة ليس في الوسع توقعها ، وهو ما يعني ضرورة التمييز بين المخاطر غير العادية و المخاطر العادية، أي تلك المخاطر التي ليس بوسع المتعاقدين عادة توقعها عند ابرام العقد ( فيروس كرونا مثلا).
  • أن تكون الحوادث أجنبية عن العقد، أي أنها غير ناتجة عن عمل أو اخلال بالالتزامات.
  • أن يكون من شأن هذه الظروف الإخلال الجسيم بالتوازن المالي.

 

خاتمة

ومنه  فإذا ما أردنا الدفع  بتطبيق نظرية الظروف الطارئة في هاته الحالة الراهنة التي يعيشها العالم والمغرب بالخصوص، بوجود ضرف طارىء يتمثل بانتشار وباء عالمي وهو فيروس كورونا المستجد، يجب تحقق الشروط الثلاث التي تم  دكرها.

بيبليوغرافي

[1]    البشير الدحوتي. أثر التحولات الاقتصادية على العقد. بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،2003/2004 ص 105.

[2] د عبد الرحمان الشرقاوي. القانون المدني، دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام في ضوء المفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، مصادر الالتزام،  ص 257.

[3]   Les grands arrêts de la jurisprudence civil. Opacit. Arrêt de crapanne. P409/410.

[4] سليمان مرقص الوافي في شرح القانون المدني-الالتزامات ج9

[5] سلطان الارادة في ضوء ق ل ع المغربي أسسه ومظاهره في نظرية العقد ص 273

[6] مجلة المحاكم المغربية ،10نونبر 1957ص123،ماخوذة عن محمد الشيلح م س ص274.

[7] محمد الخضراوي. الآثار القانونية لفيروس كرونا المستجد على الالتزامات التعاقدية.

قد يعجبك ايضا