فيروس كورونا المستجد.. وأثره على الالتزامات التعاقدية
المعلومة القانونية – بشرى الوهاب
- خريجة ماستر المهن القانونية والقضائية بكلية الحقوق طنجة
مقدمة
يعد فيروس كورونا من أهم المستجدات التي شغلت العالم بأسره فقد مس مختلف جوانب الحياة الصحية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء . فهو كما اطلقت عليه منظمة الصحة العالمية ” بجائحة عالميه ” بل أكثر من ذلك أصبح هذا الوباء يشكل تهديدا على الالتزامات التعاقدية للأطراف فيما يعرف بنظرية القوة القاهرة , فكما نعلم جميعا أنه من الاثار المترتبة على مبدأ سلطان الارادة القوة الملزمة للعقد وذالك تطبيقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ,او بعبارة اخرى مبدا سلطان الارادة يفيد ان بإمكان الافراد عن طريق التقاء اراداتهم من اقرار قانون خاص بهم ,ولكن هذه القاعدة باتت تعرف استثناءات عديدة فرضتها مجموعة من الظروف التي قد لايكون لأي من المتعاقدين دخل بحدوثها او في الحالات التي يسمح فيها القانون للقاضي من اجل التدخل لإعادة التوان للعقد ….وامام كل هذه الامور نجد انفسنا امام اشكال قانوني محظ يحيلنا الى معرفة مصير العلاقات التعاقدية في ظل انتشار فيروس كورونا وهل يمكن اعتباره قوة قاهرة تعفي احد الاطراف المتعاقدة التحلل من المسؤولية ؟
وعليه ارتاينا تناول هذا الموضوع انطلاقا من محورين سنعرضهم وفق التحليل التالي:
المحور الأول: القوة الملزمة للعقد ونظرية القوة القاهرة
ينص الفصل230 من( ق.ل.ع )المغربي بما يلي : ” الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون” .
وهذا معناه أن للعقد قوة ملزمة أكتسبها من إرادة المتعاقدين أو اتجاهها إلى ترتيب آثاره ، وبهذا فإن الحقوق و الالتزامات التي تتولد عن العقد واجبة التنفيذ و الإلزام
وبالتالي لا يمكن نقض العقد أو تعديله إلا وفقا لاتفاق الطرفين ، أو للأسباب التي يقررها القانون . وفقا لمبدأ القوة الملزمة للعقد ، فما اتفقت عليه إرادة الأطراف هو القانون الذي يجيب أن يتبع ، ويحكم العلاقة ما بين المتعاقدين ، فحرية الإرادة تبدو واضحة وفقا لهذا المبدأ العقد شريعة المتعاقدين فلا يكون الأطراف ملزمين إلا وفقا لما قررته إرادتهم ، ويقومون بتنفيذ التزاماتهم وفقا لما جرى عليه الاتفاق في العقد ، هذا كأصل عام لأن هناك قيودا كثيرة تحد من قوة هذا المبدأ و هذه القيود منها ما يتعلق بإمكانية تعديل العقد و منها ما يرتبط بضرورة تنفيذ العقد بطريقة تستوجب حسن النية .
حيث ينص الفصل 231 من (ق.ل.ع) المغربي :” كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل ايضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون، أو العرف أو الانصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته ” .
فيجب على كل طرف أن ينفذ الالتزامات الملقاة على عاتقه وفقا لمضمون العقد مع مراعاة حسن النية ، فلا يجيز القانون للمتعاقد القيام بتنفيذ العقد بطريقة تدل على سوء نيته، أو بطريقة يكون فيها متعسفا في استعمال حقه في المجال التعاقدي ، هذا لأنه إذا كان من حق المتعاقد أن يقوم بتنفيذ العقد حسب ما اتفق عليه مع المتعاقد الآخر ، فإن ذلك يجب أن يكون وفق حسن النية الذي يهيمن على العقود جميعها ، وكذلك على الشخص عدم التعسف في استعمال حقه الذي خوله له القانون . ذلك أن هذا المبدأ يعد في القانون الحديث قاعدة عامة تشمل جميع العقود ، ولقد قرر المشرع ذلك في الفصل 231 بما يلي : “يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه بحسن نية..” .
ولكن هذا المبدا يعرف العديد من الاستثناءات من بينها,ان يطرأ حادث استثنائي عام ومفاجئ أي خارج عن المالوف بحيث لايمكن للرجل العادي ان يتوقعه عند ابرام العقد فالمعيار هنا موضوعي ومثاله الحرب او الزلازل او اوجراد او وباء ويجب ان لاتكون هذه الحوادث خاصة بالمدين بل يجب ان تكون عامة شاملة لطائفة من الناس وفكما سبق الاشارة اليه فوباء كورونا يمكن اعتباره قوة قاهرة وللتوضيح اكثر نرجع الى النص القانوني في الفصل
269 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي الذي عرف القوة القاهرة ومن خلاله يمكن استنتاج ان من شروط تحقق القوة القاهرة عدم التوقع واستحالة الدفع وعدم صدور خطا المدين المتمسك بالقوة القاهرة.++++++++++++++++
المحور الثاني: اثار كورونا على الالتزامات التعاقدية
ان فكرة “العقد شريعة المتعاقدين” تنبني على ثلاثة أسس, أولها قانوني قوامه مبدأ سلطان الإرادة وثانيها، أخلاقي يتمثل في احترام العهود والمواثيق وثالثها ذو طابع اجتماعي واقتصادي يترجمه وجوب استقرار المعاملات.
وهي فكرة توجب احترام مضمون العقد سواء من طرف المتعاقدين أو من جانب القضاء.
لكن الأوبئة الصحية واقعة مادية صرفة، تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص، حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود يصيب بعض القطاعات الاستثمارية، مما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخر تنفيذها.
وهو وضع قد يمس المؤسسات الصناعية والتجارية الخاصة والعامة، الصغيرة والكبيرة والمتوسطة على السواء، بالنظر للارتباط الكبير والوثيق بين أنشطتها، حيث يكفي أن تصاب إحداها بأزمة اقتصادية لكي تهدد الأخريات بدورها.
ومن هنا تبنى الفكر القانوني والاجتهاد القضائي عبر العالم آليتين تعتبران من الوسائل الحمائية للمدينين، هما نظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة التي ترميان إلى علاج الحالات، التي يصير فيها الالتزام التعاقدي مستحيل التنفيذ (القوة القاهرة)، أو صعب التنفيذ (الظروف الطارئة).
وهما في الأصل يعدان تطبيقا لمبدأ أخلاقي عام، مفاده أنه لا تكليف بمستحيل أو لا تكليف بما يتجاوز الطاقة العادية للإنسان.
فلكي يسأل المدين عقديا يجب أن يكون قد أخل بالتزامه العقدي، ومن صور ذلك الإخلال، عدم التنفيذ في الوقت المتفق عليه وهو ما يتم وصفه بالتماطل.
غير أن هذه المسؤولية العقدية، قد ترتفع عن صاحبها إذا ما تمسك بأحد الأسباب الأجنبية عنه، والتي تمثل في جوهرها كل الظروف والوقائع المادية أو القانونية، التي يمكن للمدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية أن يستند إليها لكي يثبت أن الضرر لا ينسب إليه، ولا دخل له فيه، وإنما هو نتيجة حتمية لذلك السبب.
وتمثل القوة القاهرة أهم صور هذا السبب الأجنبي.
وما نلمحه اليوم من تأجيل عدد من الرحلات الجوية والأسفار السياحية (العمرة)، والأنشطة واللقاءات والتظاهرات مما تضرر معه الشركاء والمؤسسات المعنية بها، فضلا عن المقاولات التي ترتبط أنشطتها التجارية بشكل كبير بالمقاولات الصينية، التي بدأت تشتكي من ركود معاملاتها، سيثير النقاش مجددا حول نظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة ومدى إمكانية استفادة هذه المقاولات منها للتحلل من التزاماتها العقدية وتعديلها أو التخفيف منها. وفي سياق الحديث على سبيل المثال نشير الى مباراة الملحقين القضائيين فوج 44 والذي تقرر تاجيل اختباراتها الشفوية في وقت لاحق وذلك في اطار التدابير الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا فهنا يطرح التساؤل حول مصير المتعاقد مع شركة القطار الفائق السرعة في حالة ادائه ثمن التذكرة في وقت سابق على صدورالبلاغ حيث في هذه الحالة الشركة لامحالة ستتمسك بالقوة القاهرة كون هذا التاجيل لايرجع الى تقصير من طرفها فيما تعفى من التعويض المادي للمتعاقد.
خلاصة لما سبق عرضه الامر هنا تجاوز صحة الانسان ليصبح شبحا اقتصادي مخيف قد يؤثر سلبا على الاوضاع الاقتصادية للمجتمعات وعلى الطبقة ذو الدخل المحدود اذ ماتسبب هذا الوباء في وقف بعض المصانع والمقاهي …..وربما الايام المقبلة ستكشف العديد من خفايا هذا الوباء على مختلف الاصعدة.
المراجع المعتمدة:
- الاثار القانونية لفيروس كورونا المستجد على الالتزامات التعاقدية محمد الخضراوي
- http://www.labodroit.com القوة الملزمة للعقد في القانون المغربي
- القانون المدني مصادر الالتزام الجزء الاول عبد الرحمان الشرقاوي