الدكتور نور الدين الناصري: مسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الكوارث

المعلومة القانونية – الدكتور نور الدين الناصري

  • أستاذ التعليم العالي

تمهيد

تمثل الأخطار وما ينتج عنها من كوارث أحداثاً مفجعة تصيب مناطق مختلفة من العالم، و نادرا ما نجد دولة من الدول لم تصب بكارثـة مـن أي نـوع سـواء أكانـت كارثـة طبيعيـة أو كارثـة من صنع الإنسان خاصة الناتجة من تحرر أو انسكاب لمواد خطر[1].

وتوجد ثلاثة أنواع من الكوارث وهي الكوارث الطبيعية والكوارث من صـنع الإنسـان وكوارث مشتركة بين الطبيعة والإنسان.

فالكوارث الطبيعية هي ظواهر غير طبيعية يكون ضررها على الإنسان كبيرا، ومنها الزلازل الأرضية والانفجارات البركانية والسيول المحملة بالطين والحجارة والأعاصير والعواصف الشديدة والفيضانات وغيرها من الكوارث المفاجئة، إضافة إلى تغير طبقة الأوزون وتلوث المياه وتآكل التربة والمطر الحمضي وغيرها من الكوارث الناتجة عن النشاطات البشرية.

أما الكوارث التي من صنع الإنسان، فهي الكوارث الناتجة عن تغيرات غير محسوبة تصيب الأهداف العامة بالدولة وينـتج عنـها خسـائر جسيمة في المنشآت والأفراد وتنحصر في الكوارث الصناعية و البشرية، فأما الصناعية فهي مثل التي تصيب المنشآت الصناعية الكبرى مثل انفجار مصانع الكيماويات أو المفاعلات الذرية، في حين أن الكوارث البشرية مثل التي تصيب أعدادا كبيرة من المواطنين كوقوع حوادث التصادم والغرق الجسيمة٠

أما الكوارث المشتركة بين الطبيعة والإنسان، فهي تلك الكوارث التي تبدأ بفعل الإنسان ثم تلعب الطبيعة دورا أساسيا في زيـادة حجمهـا وآثارها، ومن أمثلتها حرائق القرى التي قد تبدأ محدودة نتيجة للإهمال البشري، ثم تعمل سرعة الريـاح على انتشارها إلى الحد الذي يأتي على القرية بأكملها، أو العكس أي أن تبدأ الكارثة بفعل الطبيعـة، ثم يؤدي سوء التصرف من جانب البشر إلى زيادة حجم الخسائر، ومن أمثلتها التدافع الناجم عن حدوث الزلزال.

إن الكوارث العالمية لم تعد مشكلة إقليم أو بلد بعينه، فمن الالتهاب الرئوي الحاد اللانمطي في آسيا إلى جنون البقر في أوروبا إلى الإيدز في كل العالم، ومن ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى المد الأحمر وتسونامي وحرائق الغابات وتلوث البيئة، هذه الحقائق رسالة إنذار للبشرية بأن أمن العالم لم يعد قضية جزئية، بل أزمة كلية، تؤثر وستواصل التأثير في المناطق والدول، أيا كانت اختلافاتها الثقافية.

أهمية الموضوع:

       مما لاشك فيه، أن البحث في أي موضوع من المواضيع القانونية، تكون وراءه دوافع وأسباب تتجلى بالأساس في ما يكتسيه من أهمية، وما يكتنفه من غموض، وما يلعبه من دور في المجال القانوني، وما يطرحه من تساؤلات وإشكاليات تستوجب البحث والتحليل والمناقشة بغية الحسم فيها، وبالتالي الوصول إلى حلول قانونية واضحة.

هكذا، يمكن تحديد الأهمية التي يكتسيها الموضوع من خلال كثرة تعرّض الناس في حيا تهم للوقائع الكارثية، فهم يتساءلون عن حكم القانون فيه، فكان لابد من إعطائه حّقه من البحث، بغية إيضاح الطريق أمامهم وتحديد الأساس القانوني لرفع قضاياهم أمام المحاكم.

كما لا تنحصر أهمية الموضوع في هذا فحسب، بل إن الأضرار التي تسببها الكوارث لم يتطرق إليه المشرع المغربي إلا حديثا، وبالتالي فإن هذا النوع من الأضرار، وإن كان كثير الوقوع في المغرب، فإن التعويض عنه كان يتم في ظل القواعد العامة المتمثلة في ظهير الالتزامات والعقود وفي بعض المبادرات الملكية.

دوافع اختيار الموضوع:

اختيار هذا الموضوع كان لأهميته في الحياة العملية للمواطنين بالدرجة الأولى، حيث يعتبر كل منا مهدد بخطر الوقائع الكارثية في ظل ازدياد وارتفاع حجمها، كما أنه يعد من المواضيع المستجدة على الساحة القانونية الدولية والوطنية، وخاصة وأن المشرع المغربي لم يؤطر هذا النوع من المخاطر إلا مؤخرا بمقتضى القانون رقم 14-110 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم 17-99 المتعلق بمدونة التأمينات.

صعوبات البحث:

من الصعوبات التي صادفناها عند إنجازنا لهذا الموضوع ندرة المراجع المتخصصة، وبالتالي لم يكن هناك بد من اللجوء إلى الاستعانة بالمراجع الفقهية العامة بهدف تطويعها على هذا النوع الجديد من المسؤولية الإدارية.

إضافة إلى ذلك، لمسنا ندرة في الأحكام والقرارات القضائية الفاصلة في دعاوى الوقائع الكارثية، نظرا لحداثة التنظيمات التشريعية الدولية والإقليمية والوطنية في هذا النوع من المسؤولية.

إشكالية الموضوع:

إن معالجة أي موضوع أكاديمي يتطلب طرح الإشكاليات التي يثيرها، بل ويتعين معالجتها ومناقشتها، وتقديم الدليل على المواقف المتخذة بشأنها، حتى يؤدي البحث وظيفته الأساسية، وهي إغناء الموضوع محط الدراسة والمساهمة في تطوير البحث العلمي.

والموضوع محل الدراسة يطرح بدوره إشكالية أساسية، تتمحور حول الكيفية التي بموجبها تدخلت التشريعات الدولية والإقليمية عامة والتشريع المغربي خاصة لتنظيم مسؤولية الدولة عن ضحايا الكوارث؟ وما إذا كان هذا التدخل قد أدى إلى المساس بالركائز الأساسية التي تقوم عليها المسؤولية الإدارية؟ وبعبارة أخرى؛ هل استطاعت تلك التدخلات التشريعية والتنظيمية تخفيف الخسائر الناجمة عن الكوارث؟ وأين تتجلى مسؤولية الدولة في تعويض ضحايا هذه الكوارث؟

المنهج المتبع:

إن المنهج البحث الذي سنسلكه في معالجتنا لهذا الموضوع، يقوم على المزاوجة بين الجانب الوصفي الذي لا غنى عنه في دراسة أي موضوع قانوني، والمنهج التحليلي الذي يأخذ في الاعتبار الأساليب التالية: أولا: الأسلوب الاستقرائي الذي ينطلق من بسط الجوانب القانونية المنظمة “لمسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الكوارث”، وربطها بغيرها من النصوص القانونية ذات الصلة بها. ثانيا: الأسلوب النقدي الذي يتأتى من خلال استجلاء الغموض عن التنظيم القانوني “لمسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الكوارث”، واستنباط مكامن الضعف والقصور في هذا النوع من المسؤولية.

الإعلان عن التصميم:

لاشك أن موضوع ”مسؤولية الدولة عن تعويض ضحايا الكوارث” يمكن مقاربته من أكثر من جانب، إلا أن انعدام التراكم على مستوى العمل القضائي، وطبيعة الدراسة كقراءة أولية سابقة على التطبيق العملي، فرضت علينا مقاربة الموضوع من خلال المحاور الأولية التالية:

المطلب الأول: المجهودات الدولية للحد من الوقائع الكارثية

المطلب الثاني: أساس مسؤولية الدولة عن الوقائع الكارثية

 

المطلب الأول: المجهودات الدولية للحد من الوقائع الكارثية

لقد أطلقت الأمم المتحدة في دجنبر 1999 الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث التي تهدف إلى تحسين التأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية والحد من الأضرار التي تحدث بسبب الأخطار الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات وحالات الجفاف والأعاصير من خلال نظام الوقاية.

وتم توسيع نطاق إستراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث في سنة 2001 لتعمل كمركز تنسيق منظومة الأمم المتحدة للحد من الكوارث، وتقوم الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث بتنسيق الجهود الدولية في حملة الحد من أخطار الكوارث لخلق وعي عالمي بفوائد الحد من أخطار الكوارث، والدعوة إلى مزيد من الاستثمارات في إجراءات الحد من الأخطار، وإعلام الناس بتقديم خدمات عملية وأدوات مثل شبكة الحد من الأخطار ”شبكة الوقاية”، وإصدار منشورات بشأن الممارسات الجيدة وتقرير التقييم العالمي للحد من أخطار الكوارث التي تعتبر تحليلا لأخطار الكوارث العالمية والاتجاهات العالمية.

وقد أصدرت الأمم المتحدة إعلانا أشارت فيه إلى أنه مع تغير مناخ الكرة الأرضية والتحول الحضري السريع في دول كثيرة، ستسبب الكوارث الطبيعية مزيدا من الأضرار للبشرية، وحسب الإعلان، فإنه حتى عام 1990، شهد العالم 261 كارثة طبيعية، وبلغ عدد المنكوبين 90 مليونا؛ ولكن في عام 2003، ارتفع الرقمان إلى 337 و254 مليونا كل على حدة. وخلال ثلاث عشرة سنة، ازداد عدد المنكوبين نحو ثلاثة أضعاف. مع تغير المناخ، سيزداد عدد وقوة كوارث الفيضانات والجفاف والأعاصير والزلازل الأرضية في المدى المتوسط والبعيد[2].

وتحتاج منظمات المساعدة الإنسانية في حال وقوع كارثة طبيعية إلى موافقة الدولة المتضررة للتدخل، وفي بعض الأحيان تواجه الجهات الفاعلة الإنسانية رفضا من السلطات الوطنية. لكن بخلاف هذه الحالة المتطرفة، غالبا ما تواجه المساعدة الدولية في حالات الكوارث الطبيعية صعوبات بيروقراطية بسبب اختلال في القدرة الإدارية المحلية وعدم مطابقة الإجراءات المحلية للمقام في هذه الحالات.

وبغية تيسير العمليات وتوضيح أدوار الدول المتضررة والجهات الفاعلة الإنسانية الدولية، قام الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر بصياغة مجموعة توصيات، تسهم في التأهب للمشروع الوطني لمواجهة الكوارث الطبيعية.

ففي سنة2007، وبعد ست سنوات من البحوث والمشاورات الرسمية مع الدول والجمعيات الوطنية، اعتمدت المبادئ التوجيهية المتعلقة بالقيام على الصعيد المحلي بتيسير وتنظيم الإغاثة الدولية في حالات الكوارث والمساعدة المقدمة من أجل الإنعاش الأولي.

وتدرج المبادئ التوجيهية عددا من التوصيات التي تعيد التأكيد على سيادة الدول ودور الجهات الفاعلة المساعدة، وفي المقابل، فإنها تبسط الشكليات القانونية والإدارية للدول من أجل الوكالات الأجنبية.

وتتمثل التوصيات الأساسية فيما يلي:

  • على الدول المتضررة تحمل المسؤولية الأساسية في أراضيها عن الكوارث لتقديم المساعدة في مجالي الإغاثة والإنعاش؛
  • يجب على الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بصفتها جهات فاعلة في المجتمع المدني المحلي أداء دور داعم أساسي على المستوى المحلي؛
  • يجب على الجهات الفاعلة المساعدة وعلى موظفيها التقيد بقوانين الدولة المتضررة والقانون الدولي الواجب التطبيق، والتنسيق مع السلطات المحلية واحترام كرامة الإنسان للأشخاص المضارين من الكارثة في جميع الأوقات؛
  • على الجهات الفاعلة المساعدة أن تكفل تقديم مساعدتها للإغاثة من الكارثة والمساعدة الأوّلية للإنعاش وفقًا لمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة؛
  • وبغية تقليل الآثار العابرة للحدود ومضاعفة فعالية أي مساعدة دولية قد يتطلبها الحال، على جميع الدول أن تضع إجراءات لتيسير تبادل المعلومات حول ما يحل بها من كوارث وأن تتعاون مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المعنية بالأنشطة الإنسانية؛
  • يجب على الدول أن تعتمد أُطرًا شاملة قانونية وسياساتية ومؤسسية والتخطيط من أجل درء الكوارث والتخفيف من آثارها والتأهب لها وتقديم الإغاثة والإنعاش التي تراعي بشكل تام الدور المساعد للجمعية الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر؛
  • على المجتمع الدولي، بما في ذلك الجهات المانحة، والجهات الفاعلة الإقليمية والمختصة الأخرى، أن تقدم الدعم للدول النامية وللجهات الفاعلة المحلية من المجتمع المدني والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر لبناء قدراتها للوقاية من الكوارث والتخفيف من آثارها والتأهب لها والتصدي لها على المستوى المحلي؛
  • ينبغي الشروع في الإغاثة من الكوارث أو تقديم المساعدة الأولية للإنعاش فحسب بموافقة الدولة المتضررة ومن الناحية المبدئية استنادًا إلى مناشدة؛
  • على الدولة المتضررة أن تقرر بطريقة آنية مناسبة التوقيت ما إذا كانت تطلب أو لا تطلب الإغاثة من الكارثة والمساعدة الأوّلية للإنعاش وإرسال قرارها بشكل فوري؛
  • ينبغي نشر أصول وموارد عسكرية للإغاثة في حالة الكارثة أو تقديم المساعدة الأوّلية للإنعاش فحسب، بناء على طلب أو بموافقة صريحة من الدولة المتضررة بعد أن تكون قد درست عدة بدائل مدنية مشابهة[3].

المطلب الثاني: أساس مسؤولية الدولة عن الوقائع الكارثية

أولا: المسؤولية بوجه عام

المسؤولية بوجه عام هي حالة الشخص الذي يرتكب خطأ يستوجب المؤاخذة[4].

فالأفراد لهم الحق في استعمال حقوقهم في دائرة ما تبيح لهم القوانين وفي نطاق ما تخوله لهم الاتفاقات التي يبرمونها مع الآخرين. وفي حالة تجاوزهم لهذه الحدود المرسومة، فإنهم يسألون عما يحدثونه من ضرر للغير.

وتتنوع المسؤولية إلى مسؤولية أدبية ومسؤولية قانونية، وبخصوص هذه الأخيرة،  فإنها تنقسم إلى مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية، وفي مجال المسؤولية المدنية نجد المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.

1: المسؤولية الأدبية والمسؤولية القانونية.

أ-المسؤولية الأدبية:

تتحقق المسؤولية الأدبية حين يرتكب الفرد خرق لقاعدة من قواعد الأخلاق، وهذه المسؤولية هي مستقلة تماما عن النتائج، فقد تتحقق بمجرد القصد أو ما يخالج النفس من إثم وعدوان. والجزاء في هذا النوع من المسؤولية هو جزاء أدبي يتمثل في تأنيب الضمير.

ب-المسؤولية القانونية:

الخطأ موضع المؤاخذة في المسؤولية القانونية هو خطأ قانوني، وهذه المسؤولية لا تتحقق إلا بحصول ضرر قد يصيب المجتمع أحيانا، وقد ينحصر في فرد معين، وقد يصيبهما معا.

2: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية

*المسؤولية الجنائية

تقوم المسؤولية الجنائية على أن ثمة ضررا أصاب  المجتمع، نتيجة قيام الشخص بعمل أو امتناع يجرمه القانون الجنائي، ويأخذ الجزاء هنا شكل عقوبة، تطبق في حق المسؤول تحقيقا للردع الخاص والرجع العام.

-المسؤولية المدنية

تقوم المسؤولية المدنية إذا أخل الشخص بالتزام في ذمته، فألحق ضررا بالغير، ويكون الجزاء هنا عبارة عن تعويض يلزم المسؤول بدفعه إلى المتضرر.

3: المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.

*المسؤولية العقدية:

تقوم المسؤولية العقدية نتيجة إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته العقدية، على نحو سبب الضرر للمتعاقد الآخر، الذي يجب تعويضه من قبل المسؤول عن هذا الإخلال.

*المسؤولية التقصيرية

تقوم المسؤولية التقصيرية نتيجة إخلال الفرد بالتزام قانوني يتمثل في عدم الإضرار بالغير مثال ذلك أن يسقط شخص على مال الغير فيتلفه، فيصبح مسؤولا عن تعويض المتضرر عن الضرر الذي أصابه[5].

كما تعرض المشرع في الباب الخاص بالالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم، إلى حالات خاصة من المسؤولية، وهي التي تتعلق بمسؤولية موظفي الدولة والبلديات، ومسؤولية القاضي الذي يخل بمقتضيات منصبه، ومسؤولية حائز الأشياء.

فبخصوص هذا التمييز الأخير بين المسؤولية العقدية والتقصيرية اختلف الفقه بشأنه ما بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون وهم أنصار ازدواج المسؤولية يرون ضرورة التمييز بينهما ويسوقون بهذا الشأن جملة من الحجج.

أما المعارضون وهم أنصار وحدة المسؤولية فيذهبون عكس ذلك، ويرون بأن لا مجال لهذا التمييز بين المسؤوليتين، وسنتعرض بإيجاز لهاتين النظريتين:

*نظرية ازدواج المسؤولية

يذهب أنصار هذه النظرية إلى أن ثمة فروقا هامة بين المسؤوليتين العقدية التقصيرية، تستوجب التمييز بينهما وتتجلى هذه الفروق فيما يلي:

1-الأهلية

تشترط هذه النظرية أهلية التعاقد في المسؤولية العقدية، في حين تكتفي بالتمييز في المسؤولية التقصيرية[6].

2-الإثبات

يقول أنصار هذه النظرية بأن ثمة فرقا جوهريا فيما يخص عبء الإثبات ففي المسؤولية العقدية يلتزم المدين بإثبات أنه قام بالتزامه العقدي، بعد أن يقوم الدائن بإثبات العقد.

أما في المسؤولية التقصيرية فالدائن هو الذي عليه أن يثبت بأن المدين قد أخل بالتزامه القانوني، وأن يثبت جميع أركان الفعل الضار[7].

3-الإعذار

في المسؤولية العقدية لا يكفي وقوع الخطأ أو تقصير المدين لتوافر المسؤولية، بل يجب إعذار المدين حتى يثبت التقصير في حقه ويستحق الدائن تعويضه عن الضرر الذي لحق به.

أما في المسؤولية التقصيرية، فلا داعي إلى القيام بإعذار المسؤول عن دفع التعويض لأنه يكون معذرا بحكم القانون.

4-من حيث التعويض

يكون التعويض في المسؤولية العقدية عن الضرر المباشر المتوقع لأن المتعاقدين هما اللذان نشأ التعويض عن الإخلال به، ولم يدخلا في حسابهما ضررا لم يتوقعاه.

أما في المسؤولية التقصيرية فالتعويض يكون عن الضرر المباشر كله، سواء كان متوقعا أو غير متوقع، لأن الالتزام الذي تم الإخلال به وضعه القانون وحدد مداه دون تدخل المتعاقدين[8].

5-التضامن

لا يقوم التضامن بين المسؤولين في المسؤولية العقدية، بل لابد أن يرد في الاتفاق أو يتم التنصيص عليه في القانون أو أن تحتمه طبيعة المعاملة.[9]

6-الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية

يجوز للمتعاقدين الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقدية، لأن العقد نشأ بإرادتهما، فالمسؤولية العقدية ليست من النظام العام.[10]

أما بخصوص المسؤولية التقصيرية فلا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها لأنها من النظام العام، وكل شرط مسبق يقضي بذلك يكون باطلا وعديم الأثر.[11]

7-التقادم

تتقادم دعوى المسؤولية التقصيرية بمضي خمس سنوات تبتدئ من تاريخ علم المتضرر بالضرر وبالمسؤول عنه. وتتقادم في جميع الأحوال بمرور عشرين سنة تبتدئ من يوم حدوث الضرر.

أما دعوى المسؤولية العقدية فتتقادم مبدئيا بمرور خمس عشرة سنة ما عدا الاستثناءات المنصوص عليها قانونا.

نظرية وحدة المسؤولية

يذهب أنصار هذه النظرية، إلى أن الفروق والاختلافات التي جاءت بها نظرية ازدواج المسؤولية، هي فروق ظاهرية فقط وقاموا بتفسيرها كالتالي:

1-الأهلية:

إذا كانت النظرية السابقة تشترط الأهلية في المسؤولية العقدية وتكتفي بالتمييز في المسؤولية التقصيرية، فإن أنصار وحدة المسؤولية يرون أن الأهلية ليست شرطا في المسؤولية العقدية، وهذه الأخيرة هي نتيجة الإخلال بالتزام سابق. وهذا الإخلال ليس تصرفا قانونيا يتطلب قيامه الأهلية، بل هو مجرد عمل مادي.

إذن فالأهلية حسب هذه النظرية هي شرط في إبرام العقد، فإذا تم هذا الأخير صحيحا أصبح المتعاقد مسؤولا عن الإخلال به حتى ولو أصبح بعد ذلك ناقص الأهلية[12].

2-الإثبات

حسب نظرية ازدواج المسؤولية فإن عبء الإثبات يكون على عاتق المدين في المسؤولية العقدية، ويتحمله الدائن في المسؤولية التقصيرية.

أما بالنسبة لنظرية وحدة المسؤولية، فإن الذي يقع عليه عبء إثبات الإخلال بالالتزام يكون إما المدين أو الدائن حسب ما إذا كان الالتزام التزاما بعمل أو التزاما بالامتناع عن عمل.

ففي المسؤولية العقدية، نجد أن المدين هو الذي يتحمل هذا الإثبات إذا كان الالتزام التزاما بعمل، حيث يجب عليه أن يثبت بأنه قام بالعمل الذي التزم به، ويتحمله الدائن إذا كان الالتزام التزاما بالامتناع عن عمل حيث عليه أن يثبت أن المدين قد أتى العمل الذي التزم بالامتناع عنه.

أما في المسؤولية التقصيرية، فالدائن هو الذي يتحمل عبء الإثبات، لأن الالتزام الذي تم الإخلال به هو دائم التزام سلبي يتمثل في عدم الإضرار بالغير.

إذن فالعبرة فيمن يتحمل عبء الإثبات، لا يكون بنوع المسؤولية هل هي عقدية أو تقصيرية، بل بالالتزام الذي تم الإخلال به هل هو التزام بعمل أو التزام بالامتناع عن عمل.[13]

3- الإعذار

لا يعتبر صحيحا أن الإعذار يشترط في المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.

فالإعذار لا يشترط في الالتزامات السلبية لأنه سيكون عديم الفائدة مادام أن الفعل الممنوع قد ارتكب، لأن الهدف من هذا الإجراء هو دعوة المدين إلى الوفاء بالتزامه.

ولما كان الالتزام في المسؤولية التقصيرية هو دائما التزاما سلبيا فلا حاجة إذن للإعذار.

وفي المسؤولية العقدية لا يشترط هذا الإجراء إذا كان الالتزام الذي تم الإخلال به التزاما سلبيا.

إذن فالعبرة في وجوب الإعذار لا يكون بنوع المسؤولية عقدية أم تقصيرية، ولكن بنوع الالتزام الذي تم الإخلال به هو التزام إيجابي أو سلبي.[14]

4- مدى تعويض الضرر

حسب أنصار ازدواج المسؤولية، فإن تعويض الضرر في المسؤولية العقدية يكون على الضرر المباشر المتوقع، بينما في المسؤولية التقصيرية يكون عن الضرر المباشر متوقعا كان أم غير متوقع. في حين يرى أنصار وحدة المسؤولية أن السبب في كون التعويض في المسؤولية العقدية لا يشمل الضرر غير المتوقع فلأن  المتعاقدين لم يدخلانه في حسابهما لأنهما لم يكونا يتوقعانه.[15]

5- التضامن

إن الاختلاف الذي أشارة إليه النظرية السابقة بكون التضامن في المسؤولية التقصيرية عند تعدد المسؤولين يكون بقوة القانون، جعل أنصار وحدة المسؤولية يفسرونه انطلاقا من العلاقة بين الخطأ والضرر، فإذا اشترك ثلاثة أشخاص في إحداث الضرر كل بخطئه، فإن خطأ كل منهم يعتبر سببا في حصول الضرر، ويصبح ملزما بالتعويض بكامله مما يجعل التضامن قائما بينهم جميعا.[16]

6- الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية

يرى أنصار وحدة المسؤولية، أن السبب في عدم جواز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية، كون أحكامها قد تم تنظيمها بمقتضى القانون، وهي بالتالي من النظام العام.[17]

7- التقادم

إن الفرق الذي يوجد في التقادم بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية هو فرق تنظيمي، ولا علاقة له بطبيعة المسؤولية. أو بتعبير آخر إذا كان المشرع قد فرق في التقادم بين المسؤوليتين فقد كان في وسعه ألا يفرق.[18]

نخلص مما سبق من آراء، أن النظريتين نظرية ازدواج المسؤولية ونظرية وحدة المسؤولية تقومان كجزاء للإخلال بالتزام سابق.

لهذا، فإنهما تتفقان في الأمور التالية: أولا في الأهلية التي تشترط في  العقد وليس في المسؤوليتين العقدية والتقصيرية، وثانيا في الإثبات والإعذار حيث أن الأمر كما رأينا لا يتوقف على طبيعة المسؤولية، بل على نوع الالتزام هل هو التزام بعمل أو التزام بالامتناع عن عمل.

وإذا كانت المسؤوليتان العقدية والتقصيرية تتفقان في كونهما جزاء للإخلال بالتزام سابق، فإن هذا الأخير يختلف حسب نوع كل مسؤولية فهو التزام قانوني في المسؤولية التقصيرية، والتزام عقدي في المسؤولية العقدية. وبناء على ذلك فالمسؤوليتان تختلفان في عدة أمور:

أولا في مدى تعويض الضرر، فالتعويض يكون في المسؤولية التقصيرية تعويضا شاملا للضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، بينما في المسؤولية العقدية فالتعويض يقتصر على الضرر المباشر المتوقع فقط.

ثانيا في التضامن، حيث يكون بقوة القانون في المسؤولية التقصيرية، أما في المسؤولية العقدية فلابد أن يحصل به الاتفاق بين الأطراف أو يكون بنص القانون أو تحتمه طبيعة المعاملة.

وثالثا في الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية، فهذا الإعفاء لا يجوز في المسؤولية التقصيرية لأنها من النظام العام ويجوز في المسؤولية العقدية.

رابعا في التقادم، حيث أن مدد التقادم تختلف في المسؤوليتين العقدية والتقصيرية طبقا لإرادة المشرع.

هذا والملاحظ أن هذه الاختلافات سلم بها أنصار وحدة المسؤولية لأنها حسب رأيهم لا تتعارض مع نظريتهم، لأنها اختلافات مصدرها القانون ولا ترجع إلى اختلاف في الطبيعة بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية.

عدم جواز الجمع أو الخيرة بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية.

قد يرتكب الشخص فعلا واحدا يترتب عليه إخلال بالتزامين التزام عقدي وآخر قانوني، وكمثال على ذلك ارتكاب المستأجر خطأ يؤدي إلى إتلاف العين المؤجرة، وكذلك أمين النقل الذي يرتكب خطأ يلحق ضررا بالراكب. ففي هذين المثالين نلاحظ تحقق شروط المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية، فهل يحق للدائن أن يجمع بين المسؤوليتين في رجوعه على المدين.

إن الدائن يمنع عليه الجمع بين المسؤوليتين، والمطالبة بتعويضين أحدهما على أساس المسؤولية العقدية والآخر على أساس المسؤولية التقصيرية كما لا يجوز له الجمع بين مزايا المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية[19]، ولا يحق له أن يجمع بين المسؤوليتين بمعنى أنه إذا ما رفع دعوى على أساس إحداهما فخسرها، فلا يحق له أن يلتجئ إلى الأخرى، لأن مبدأ حجية الأمر المقضي يمنعه من ذلك، لأن الدعويين متحدتين في الخصوم والمحل والسبب.[20]

هذا والملاحظ أن التعبير الذي استعمل، والمتعلق بالجمع بين المسؤوليتين تعبير غير سليم، وأن المقصود هو الخيرة بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية، أي هل يحق للدائن أن يختار دعوى المسؤولية التي يراها أكثر فائدة.

إن الرأي الغالب بهذا الخصوص يذهب إلى عدم جواز الخيرة بين  المسؤوليتين[21]، فالمسؤولية العقدية تحكم وحدها العلاقة بين المتعاقدين، فمتى وجد عقد فلا يصح للدائن مقاضاة مدينه إذا أخل بالتزاماته العقدية خارج دعوى المسؤولية العقدية.[22]

أما الذين يقولون بجواز الخيرة فهم قلة،[23] يعتمدون في تبرير موقفهم على أن المنطق القانون يمنح في رفع الدعوى متى توافرت شروطها. فإذا توافرت شروط المسؤولية التقصيرية، وشروط المسؤولية العقدية كان للدائن الخيار بينهما.

وفيما يخص القضاء نشير إلى أن الاتجاه الغالب يذهب إلى عدم جواز الخيرة بين المسؤوليتين، وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية[24]، وهذا ما قضت به أيضا محكمة النقض المصرية.[25]

كما قضى المجلس الأعلى -محكمة النقض حاليا- بدوره بعدم جواز الخيرة بين المسؤوليتين.[26]

ثانيا: أساس المسؤولية الإدارية

ظهرت المسؤولية الإدارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث كان في السابق يسود مبدأ عدم مسؤولية الدولة والإدارة العامة لما لها من امتياز السيادة والسمو، إلا أنه وجه الانتقاد لمبدأ عدم مسؤولية الدولة، فظهر مبدأ مسؤوليتها بالتدريج من مسؤولية العامل الموظف، إلى المسؤولية عن الأخطاء الجسيمة فقط إلى مسؤولية الدولة عن كل خطأ إداري مرفقي يسير أو جسيم، إلى مسؤوليتها عن أعمالها الضارة بدون خطأ على أساس نظرية المخاطر[27].

فكان أول أساس تقوم عليه مسؤولية الدولة هو وجود عنصر الخطأ، ليتطور هذا الأخير الذي يشكل القاعدة العامة في إطار مسؤولية الدولة إلى ظهور المسؤولية بدون خطأ التي أصبحت تشكل استثناء بجانب الخطأ، وتقوم بدور تكميلي لها وذلك في الحالات التي يتعارض فيها اشتراط الخطأ مع فكرة العدالة تعارضا صارخا، كنظرية المخاطر ومبدأ المساواة أمام الأعباء العامة وذلك في الحالات التي يكون فيها الضرر ناتجا عن عمل قانوني للإدارة كإصدار القوانين أو عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية لاعتبارات تتعلق بالصالح العام، إلا أن مسؤولية الإدارية لم تقف في تطورها إلى هذا الحد، بل توسعت أكثر فأكثر لتشمل أساسا آخر هو مبدأ التضامن الوطني.

تعتبر نظرية المسؤولية الإدارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي والتي جاءت نتيجة حتمية لازدياد تدخل الدولة وتوسع أنشطتها التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث أخطاء تسفر عن إصابة الأشخاص من جراء هذه الأنشطة[28] والمسؤولية الإدارية نوعان إما مسؤولية إدارية على أساس الخطأ،أو مسؤولية إدارية بدون خطأ.

فباعتبار أن الإدارة شخصا معنويا يمارس نشاطه عن طريق موظفين تابعين له، فالإدارة لا تخطئ إلا بواسطة العاملين بها والذي قد يكون إما خطأ شخصيا يسأل عنه مرتكبه أو خطأ مرفقي تسأل عنه الإدارة[29].

فالمسؤولية الإدارية بدون خطأ تعني أن الإدارة تكون مسؤولة عن الضرر الذي أصاب المضرور نتيجة قيام الإدارة بأعمالها، حتى ولو لم يصدر منها أي خطأ وعلى المضرور أن يقو م بإثبات العلاقة السببية بين نشاط الإدارة والضرر الذي أصابه دون حاجة إلى إثبات خطأ الإدارة.

وبالرجوع إلى الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود، والفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية نجدهما ينصان على ما يلي:

-الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها.

-تختص المحاكم الإدارية مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام ومركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.

ويستشف من هذين الفصلين، أنه بإمكان المدعي في حالة تضرره أن يطالب بالتعويض في ضوء المسؤولية على أساس المخاطر.

ونظرا لتطور وتضاعف نشاطات الدولة في مجالات تدخلاتها على مجموعة من الأصعدة، فقد ظهرت العديد من الحالات الجديدة للمسؤولية الإدارية، خاصة بعدما أبانت الأسس الكلاسيكية للمسؤولية الإدارية، التي تعرضنا لها سابقا عن عدم قدرتها لتعويض بعض الحالات التي تعرضت للأضرار، الشيء الذي أدى إلى البحث عن أسس جديدة من أجل تعويض هذه الفئة من الضحايا وعدم تركهم يعانون نتائج الأضرار لوحدهم.

وقد اتجه القضاء الإداري[30] إلى تحميل الدولة المسؤولية وإلزامها بالتعويض إثر بروز حالات جديدة واستثنائية، كالحوادث الإجرامية ومخاطر بعض العلاجات الطبية والاعتداءات الإرهابية والكوارث الطبيعية إلى غير ذلك من النشاطات المشروعة أو غير المشروعة أو الفجائية التي تسبب أضرارا للأفراد سواء كانوا مرتفقين أو أغيارا، وهذا الاتجاه بناه القضاء الإداري على أساس حديث يضاف إلى الأسس المتعارف عليها في المسؤولية وسماه التضامن الوطني أو الاجتماعي.

إن هذا الأساس يستند إلى وجود مركز قانوني للمتضرر اجتماعيا في علاقته بالدولة، والذي بموجبه تصبح له حقوق خاصة لم تعد ترتبط بفكرة المسؤولية على أساس الخطأ أو المخاطر وفقا للقواعد العامة، بل أصبحت تشكل التزاما اجتماعيا وقانونيا أساسه الإنصاف والتكافل، وفلسفته التلاحم والتعاون بين الدولة من جهة وباقي مكونات المجتمع من جهة أخرى في مواجهة الظروف العصيبة والشديدة التي قد تثقل كاهل المتضرر جسديا أو معنويا أو ماليا[31].

ولقد وردت فكرة التضامن الاجتماعي في القرآن الكريم بشكل جلي في العديد من الآيات نذكر منها قوله تعالى:

﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾[32].

وقوله تعالى:

﴿والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم﴾[33].

وهي نفس الفكرة التي تؤكدها أحاديث نبوية كثيرة، منها على سبيل المثال الحديث الشريف: “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”[34].

ومن جانبه لم يتغافل الدستور المغربي عن هذا الأساس الجوهري، حيث كرسه في الفصل 40 بقوله: “على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”[35].

ثالثا: التأطير التشريعي لتعويض ضحايا الكوارث.

لقد بدأت الدول في الأخذ بكل ما هو جديد في مجال الحماية من الوقائع الكارثية، وذلك عن طريق القيام بتحديد مختلف الأخطار التي تواجهها، ثم تحليلها و قياس احتمال حدوثها وبعدها إعداد خطط لمواجهة هذه الأخطار ومنها خطر الكوارث الطبيعية والجرائم الإرهابية، من خلال تسخير كافة الإمكانيات البشرية والمادية وفق خطط استراتيجية مدروسة، حماية للأرواح البشرية من جهة، و حماية لاقتصادها وصناعتها من جهة أخرى.

ويعتبر التأمين من بين السياسات التي أخذت بها هذه الدول[36]، للتخفيف من آثار هذه الكوارث و التقليل ٕ من حدتها، كتقنية هامة وأداة فعالة من أدوات إدارة الخطر بصفة عامة، والكوارث الطبيعية بصفة خاصة من خلال التأمين عليها، فيتم تحويل هذا الخطر لشركات التأمين بعد أن كانت الدول هي المسؤولة عن تعويض الخسائر من أموال خزينتها العمومية.

ويتمثل التأمين في قيام شركات متخصصة بإبرام مختلف العقود التأمينية ومنها عقد التأمين ضد الكوارث الطبيعية، مع المؤمن لهم، من أجل تغطية الأخطار التي يواجهونها، ويتم ذلك بإصدار عقود التأمين مقابل أقساط يدفعها المؤمن لهم في حين تلتزم شركات التأمين بتعويضهم في حالة تحقق الأخطار المؤمن عليها[37].

ويعد نظام التأمين من أهم النظم التي تقوم عليها الحضارة الحديثة لما يلعبه مـن دور فعـال فـي حمايـة الأشـخاص ضـد الأخطـار التي يواجهونهـا سـواء فـي ممتلكـاتهم أوفـي مسـؤولياتهم المدنيـة أو فـي شخصـهم ذاتـه، ومـن جهـة أخـرى لمسـاهمته فـي التنميـة الاقتصـادية والاجتماعيـة لمـا يـوفره مـن مـوارد ماليـة معتبـرة يمكن توظيفها في أوجه الاستثمار المختلفة.

وباعتبار المغرب من البلدان المعرضة للعديـد مـن الكـوارث، فقد تم إحـداث نظـام جديـد لضـمان آثـار الوقائع الكـارثية[38].

فقد صادق المجلس الحكومي المنعقد في 04 مارس 2016 على مشروع قانون تحت رقم 110-14 يتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم 17-99 المتعلق بمدونة التأمينات.

وفي 24 ماي 2016، تم تقديم المشروع المذكور إلى مجلس النواب، وبعد المناقشات التفصيلية في 13 يونيو 2016، وافقت اللجنة عليه كما عدلته بـأغلبية 8 أصوات.

وفي 21 يونيو 2016، وافق المجلس في جلسة علنية على المشروع بالإجماع.

وبعد إحالة المشروع على مجلس المستشارين في 27 يوليوز، وافق عليه في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 05 غشت بأغلبية 30 صوتا.

ويتكون القانون المذكور من 71 بندا تنقسم إلى ثلاثة أقسام، يتمحور القسم الأول حول الإجراءات المتعلقة بوضع نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية، وبلجنة متابعة الوقائع المذكورة ثم بصندوق التضامن الخاص بالحالات الكارثية وتحديد قواعد تدبيره. ويتعلق القسم الثاني، بالإجراءات التي تعدل وتتمم القانون 17-99 المتعلق بمدونة التأمينات التي تهدف إلى فرض التأمين ضد الوقائع الكارثية، فيما يتمحور القسم الثالث حول مقتضيات ختامية.

ويهدف هذا القانون إلى وضع آليات تعويض فعالة ومستدامة لصالح ضحايا الكوارث في جميع أشكالها[39]، خاصة بعد أن أظهرت عمليات التضامن التي تجرى بشكل مستعجل وغير منظم عن عجزها في مواجهة الوقائع الكارثية، مما يفرض تنظيما مسبقا لضمان التغطية والتعويض للضحايا. كما أن القانون المذكور يروم وضع نظام مزدوج لحماية وتعويض ضحايا الكوارث، يجمع بين نظام تأمين لصالح الأشخاص المتوفرين على عقد تأمين، ونظام تضامن لصالح الأشخاص الذاتيين الذين لا يتوفرون على تغطية[40].

كما يسعى القانون أيضا إلى تمكين الأشخاص الموجودين على التراب الوطني من الاستفادة من الحد الأدنى للتعويض على الأضرار التي قد يتعرضون إليها في حالات الكوارث التي تنتج عنها إصابات بدنية[41] أو فقدان البيوت[42]، وكذا توفير عرض يتضمن تغطية عواقب الكوارث التي قد يتعرض إليها الأشخاص الذين يتوفرون على عقد تأمين.

خاتمة:

لقد أصبح التعويض في مفهومه الحديث مسؤولية الدولة والمجتمع فمن واجبهما أن يتضامنا لحماية الضحايا.

فقد تغيرت الأسس التقليدية للمسؤولية الإدارية، حيث لم يعد ينظر إلى الضرر على أنه مجرد عنصر أو ركن في المسؤولية، وإنما أصبح ينظر إلى وجوب رفعه على الضحية، بغض النظر عن مصدره، وهو ما ينطبق على ضحايا الكوارث والأوبئة والإرهاب.

وتأتي حماية الأفراد من المخاطر الاجتماعية من أهم المهام والأدوار التي وجب على الدولة أن تتدخل لحماية الأفراد منها، أصبح التعويض الذي يصرف لضحايا الوقائع الكارثية هو بمثابة حق قانوني تقرره كل الدساتير، والتزام الدولة بتعويض الضحايا مبني على مبدأ التضامن الوطني أساسه التكافل الاجتماعي.

بيبليوغرافيا

[1] الكارثة هي اضطراب خطير يحدث خلال فترة قصيرة نسبيا تتسبب في خسائر بشرية ومادية واقتصادية وبيئية واسعة النطاق، والتي تتجاوز قدرة المجتمع على التغلب عليها باستخدام موارده الخاصة.

وفي اللغة، يقصد بالكارثة هي المصيبة العظيمة، انظر في هذا الصدد:

-ـ أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، 2008، ص 1918.

– يعرف الاتحاد الدولي للصليب الأحمر الكارثة بأنها “اختلال خطير في أداء المجتمع، وهو ما يشكل خطرا جسيما وواسع الانتشار يهدد حياة الإنسان والصحة والممتلكات والبيئة، سواء كانت ناجمة عن حادثة أو من النشاط الطبيعي أو الإنساني، وسواء ظهرت فجأة أو نتيجة عمليات طويلة الأجل، ولكن مع استثناء النزاع المسلح”.

– إعلان مؤتمر الأمم المتحدة للوقاية من الكوارث الذي عقد في جنيف عام 2004.

[2]إعلان مؤتمر الأمم المتحدة للوقاية من الكوارث الذي عقد في جنيف عام 2004.    

[3]المبادئ التوجيهية للقوانين الدولية للاستجابة في حالات الكوارث الصادرة عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر  أثناء انعقاد المؤتمر الدولي الثلاثين للصليب الأحمر والهلال الأحمر في سنة 2008.

وتعتبر هذه المبادئ التوجيهية غير ملزمة. وهي مستوحاة من الصكوك الدولية القائمة، ومن بينها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182 المؤرخ 1992 و57/150 المؤرخ سنة 2003، والتدابير الرامية إلى التعجيل بالإغاثة الدولية المؤرخة سنة 1977، وإطار عمل هيوغو لسنة 2005. والهدف من هذه المبادئ التوجيهية هو مساعدة الدول على ملاءمة أُطرها التنظيمية المحلية من أجل تيسير جهود الإغاثة الدولية قبل أن تضرب الكارثة بلدها. 

[4]الدكتور سليمان مرقس: الوافي في شرح القانون المدني-الجزء الأول- المجلد الأول، ص 1.

[5]وردت أحكام المسؤولية التقصيرية في الفصول من الفصل 77 إلى الفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود. وقد جعل المشرع المغربي المسؤولية عن الأعمال الشخصية تقوم على خطأ واجب الإثبات، بينما جعل المسؤولية في بعض الحالات تقوم على خطأ مفترض، وهذه الحالات هي حالة المسؤولية عن فعل الغير باستثناء –حالة مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشباب أثناء تواجدهم تحت رعايتهم- وحالة حارس الأشياء وحارس الحيوان ومالك البناء.

[6]الدكتور عبد المنعم فرج الصدة- مصادر الالتزام-دار النهضة العربية 1992 ص 468.

[7] عبد المنعم فرج الصدة: المرجع السابق، ص 468.

عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، الجزء الأول،  دار النهضة العربية، القاهرة، بدون سنة الطبع، ص 749.

[8] عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق ص749.

-عبد المنعم فرج الصدة، المرجع السابق ص 470.

-سليمان مرقس، المرجع السابق، ص 22 و23.

[9]– ينص الفصل 164 من ظ.ل.ع على ما يلي ” التضامن بين المدنين لا يفترض ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو من القانون أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة”.

[10] – سليمان مرقس: المرجع السابق ص 27.

عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 750.

[11] – حسين عامر وعبد الرحيم عامر: المسؤولية المدنية (التقصيرية والعقدية) طبعة 1979 دار المعارف، ص 37.

[12]– عبد المنعم فرج الصدة: المرجع السابق ص 71.

[13]– حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المرجع السابق ص 27.

[14]– عبد المنعم فرج الصدة، المرجع السابق، ص 469.

عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 751.

-حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المرجع السابق، ص 25.

[15]عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 752.

-حسين عامر وعبد الرحيم عامر، المرجع السابق، ص 38.

[16]-عبد المنعم فرد الصدة، المرجع السابق، ص 471.

– عبد المنعم فرج الصدة، المرجع السابق، ص 471.[17]

عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 752.[18]

[19] عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 757.

– سليمان مرقس، المرجع السابق، ص 69.

[20] – عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 758-757.

-عبد المنعم فرج الصدة، المرجع السابق، ص 478.

[21] -من الذين قالوا بهذا الرأي نذكر:

-حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام، الطبعة الثانية، ص 419.

-عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط، الجزء الثاني، ص 711.

-سليمان مرقس، الجزء الأول، المرجع السابق ص 77.

[22] – عز الدين الدناصوري، المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء،طبعة 1988، ص 26.

[23] -نذكر من بينهم: الدكتور محمد شفيق، الوسيط في القانون التجاري الطبعة الثانية جزء 2 الفقرتان 198 و 206.

-مصطفى مرعي، المسؤولية المدنية، الطبعة الثانية 1936  فقرة 28.

-الدكتور شكري السباعي في مقاله: الخيرة بين المسؤوليتين التقصيرية والعقدية وارتباطهما بتطور القضاء المغربي منشور بالمجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد عدد 13 و 14.

[24] -قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 6 مارس 1945 منشور بدالوز 1945 ص 217.

-قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 9 مارس 1970 منشور بمجلة الأسبوع القانوني JCP 1970 العدد الرابع ص 141.

[25] – نقض مدني 31 مايو 1956 مجموعة أحكام النقض 7-642-77

-نقض مدني 30 نونبر 1956، مجموعة أحكام النقض، 16-220-35.

[26] – قرار المجلس الأعلى عدد 262 بتاريخ 10 يونيو 1970 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 20 ص 17.

[27] – عبد الرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة، الطبعة الثانية 2015، ص: 128.

[28] – عبد الرحمان البكريوي، الوجيز في القانون الإداري المغربي، الطبعة 1990، ص: 33.

[29] – سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الثاني، قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام، دار الفكر العربي، ص: 118.

[30] إن أول اجتهاد قضائي مغربي أقر بمبدأ التضامن الوطني، كان من خلال القرار المبدئي الصادر عن المجلس الأعلى بغرفتيه الإدارية والتجارية،  ويتعلق بقضية السيدة “أنطونيا كويباس” التي راحت ضحية الهجمات الإرهابية التي عرفها فندق إيسلي بمراكش بتاريخ 24 غشت 1994، وكان عمرها آنذاك 34 سنة، فتقدم زوجها أصالة عن نفسه ونيابة عن أبنائه القاصرين بمقال افتتاحي يحمل فيه المسؤولية للفندق المذكور وللدولة المغربية عن فقدان المتوفية أنطونيا نتيجة تقصيرهما في حماية زوجته، ويطلب فيه تعويضا ماديا ومعنويا عن الاضرار التي لحقته هو وأبناؤه نتيجة الأحداث الإرهابية المذكورة، فأقر المجلس الأعلى بعد استئناف الحكم الابتدائي بمسؤوليتهما ليس بناء على المبدأ العام للمسؤولية المتمثل في الخطأ المرفقي، وإنما على أساس آخر جديد  يتمثل في مبدأ التضامن الاجتماعي، وهكذا جاء في إحدى حيثياته ما يلي: “حيث إن الدولة لا تسأل عن ضمان وسلامة أي متضرر فوق أراضيها بصورة مطلقة ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم…، وأن تسرب سلاح ناري الحدود لا يكفي وحده لإضفاء صبغة الخطأ الجسيم على الفعل، وذلك بالنظر إلى ظروف النازلة وإلى طول الحدود ووعورة تضاريسها، غير أنه استجابة لقواعد العدالة والإنصاف، ولموجبات الإنسانية المبنية على التضامن الوطني الذي تتكفل دول المعمور بموجبه – وعلى سبيل الإسعاف والمساعدة وفي حدود الإمكان- بصرف تعويضات لكل متضرر، كلما وقع مس خطير بالنظام الأمني العام عن طريق اعتداء إرهابي ذي طابع عبر وطني… وهو ما يبرر تعويض ذوي حقوق الضحية في هذه النازلة”.

 وسيرا على نفس النهج نجد بأن محكمة النقض أقرت مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن أعمال الشغب والإحراق والنهب، واعتبرت المسؤولية قائمة في حق الدولة  بدون خطأ، مع حقها في الرجوع على المتسبب في الضرر ، وهذا ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرار لها عدد 4 بتاريخ 8 يناير 2015 والذي جاء فيه  ” من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن الأضرار الناتجة عن أعمال الشغب التي تقوم بها جماعات تحركها قناعات وخلفيات مشتركة ….من أجل تحقيق أهداف وغايات تروم ضرب استقرار الدولة وزرع القلاقل فيها والمساس بأمنها، تسأل عنها الدولة في إطار التضامن الوطني بصرف النظر عن قيام الخطأ في جانب مرفق الأمن من عدمه”.

[31] وسيرا على مبادئ التضامن الاجتماعي فيما يتعلق بأحداث 16 ماي 2003 فقد أصدر الملك ظهيرا قضى بتخصيص تعويض ومساعدات مالية لضحايا الإرهاب وأسرهم حددت في منحة إجمالية جزافية قدرها 500.000.00 درهم عن كل ضحية، وتصرف من الميزانية العامة وفق القواعد المنصوص عليها في المواد 11-12-13 من ظهير 2 أكتوبر 1984 بمثابة قانون المتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك. وجاءت المبادرة الملكية لسد الفراغ والعجز الذي تعرفه النصوص القانونية المنظمة للتعويض، والذي كان من المفروض على قانون 03.03 أن يسد هذا الفراغ.  وإعمالا لنفس المبدأ أيضا، تم تحديد ما يقارب 84 مليون دولار كتعويض إجمالي لكافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص.

[32]– سورة المائدة، الآية 2.

[33] سورة المعارج، الآيتان25،24.

[34]رواه مسلم.

[35]في هذا الصدد، قررت المحكمة الإدارية بالرباط في قرار لها تحت رقم 251، بتاريخ  23/01/2014 موضوع الملف رقم 807/12/2010 تحميل الدولة مسؤولية الأضرار المترتبة عن الفيضانات التي سببتها الأمطار الغزيرة والاستثنائية واعتبرت الأمر لا يشكل قوة قاهرة وإنما قرينة على ترتب المسؤولية، لكون وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سببا أجنبيا للإعفاء من المسؤولية، مما يعطي للقوة القاهرة في حقل القانون و القضاء الإداري مفهوما متميزا و خاصا يتلاءم و طبيعة روابط القانون العام تتحمل آثاره الدولة.

واعتبرت المحكمة الإدارية بالرباط في قرارها المذكور “المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي مسؤولا بحكم مهامه عن تأمين مرفق تصريف المياه لدرء الخطر عن أراضي المواطنين الفلاحين، ومسؤولا عما تحدثه من أضرار للغير، وهذه المسؤولية موضوعية مبناها الضرر طبقا لقواعد العدالة والإنصاف، والموجبات الإنسانية المبنية على التضامن الوطني الذي تتكفل دول المعمور بموجبه وعلى سبيل الإسعاف والمساعدة، وفي حدود الإمكان بصرف تعويضات لكل متضرر كلما وقعت أضرار بيئية خطيرة، والمغرب بدوره لم يحد عن هذه القاعدة بصرفه مبالغ محددة من الميزانية العامة لفائدة ضحايا الكوارث”صندوق الكوارث”، وهو ما يبرر بالقياس وفي إطار المعاملة بالمثل تعويض المدعي المضرور في هذه النازلة في نفس الاتجاه.

وانطلاقا من المبدأ الدستوري القاضي بلزوم تحمل الدولة والمواطنين بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد، الفصل 40 من الدستور، ورعيا لما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض استنادا إلى الأضرار المادية اللاحقة بالمدعي وتبعا لتقرير الخبرة و إعمالا لتشطير المسؤولية التي تفرضها قواعد التضامن قررت تحديد التعويض المستحق له في القدر الوارد بمنطوق الحكم”.

[36]جاء في تقرير مؤرخ في أبريل 2016 للمجلس الأعلى للحسابات حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية في المغرب بعد إحصاء 96 كارثة كبرى عرفتها أكثر من 300 منطقة في المملكة خلال خمسة عقود ونصف، أن تلك الكوارث تضاعفت أربع مرات بين 1980 و2000، وبنحو 22 مرة بين 2000 و2014.

وكان البنك الدولي أشار في تقرير له، إلى أن الكوارث الطبيعية تؤثر على الاقتصاد المغربي، حيث تسببت في خسائر مادية وصلت إلى 800 مليون دولار سنويا، فضلا عن الخسائر البشرية.

وذهب التقرير الذي كشف عنه المجلس، الذي يعتبر المحكمة المالية للمملكة، إلى أن الأخطار الناجمة عن الأحوال الجوية، هي الأكثر تهديداً، خاصة الفيضانات وموجات الحر والبرد، غير أن أبرز الكوارث التي عرفتها المملكة في العقود الأخيرة، تمثلت في زلزالي مدينتي أكادير والحسيمة، من دون إغفال الحرائق والجراد.

وذهب التقرير إلى أن الكوارث الطبيعية أظهرت فقر البنيات التحتية ونقص التدابير اللازمة لمواجهة هكذا كوارث، مشيرا إلى أن فيضانات 2014 وقبلها زلزال أكادير، كشفت عن مكامن الضعف المرتبطة بهشاشة النسيج الاجتماعي والاقتصادي.

وكشفت وزارة الماء عن حوالي 400 موقع مهدد بالفيضانات في المغرب، حيث يستدعي تخصيص 9% من قيمة المخطط الوطني للماء، الذي تصل قيمته إلى 22 مليار دولار، من أجل إصلاح تلك المواقع وتفادي ما يهددها.

كما لاحظ التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات، أن الاهتمام ينصب عند وقوع الكوارث على تدبير الحالات العاجلة عند ظهورها، عوض الاهتمام بتدابير الوقاية من المخاطر قبل حدوث الكارثة. وسجل عدم دمج أية سياسة في مجال الوقاية في الاستراتيجيات التنموية المعتمدية، وعدم تخصيص الوسائل الضرورية للتقليص من مخاطر الكوارث في الميزانيات

[37]لقد تم تعويض المستحقين من الأشخاص المتوفين في الاعتداءات الإرهابية الشنيعة التي تعرضت لها مدينة الرباط يوم 16 ماي 2003 بمنحة مالية إجمالية جزافية حددت في مبلغ 500.000 درهم عن كل ضحية من الضحايا، توزع على المستحقين وفقا للقواعد المنصوص عليها في المواد 11-12-13 من ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك، ونص هذا القانون على أن هذه المنح المالية تصرف من الميزانية العامة للدولة.

   كما يمكن أن نضيف في هذا المجال ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص، حيث تم تخصيص مبلغ مهم كتعويض لضحايا الاضطهاد والقمع والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، على ضوء تقرير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان  المرفوع إلى صاحب الجلالة. 

[38]القانون رقم 14.110،المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم .152..9.16 في 1 بتاريخ 21.من ذي القعدة 1437 (25 .أغسطس .2016)، الجريدة الرسمية عدد 6502 بتاريخ 20 ذو الحجة 1437 (22 شتنبر 2016).ص 6830.

[39]المادة الأولى من القانون رقم 14.110

[40]المادة 28 من القانون 14.110

[41]المادة 30  وما بعدها من القانون 14.110.

[42]المادة 36 وما بعدها من القانون 14.110.

قد يعجبك ايضا