التدابير القانونية والإجرائية لمكافحة الهجرة غير النظامية في الوطن العربي

المعلومة القانونية – سعيد شرو

  • باحث في العلوم القانونية

مقدمة

فرضت مسألة الهجرة غير النظامية نفسها بقوة على جداول الأعمال الدولية، وذلك بفعل آثارها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وكذا بسبب استغلال شبكات التهريب المختلفة لهذه الظاهرة التي أضحت تهدد على نحو متزايد أمن واستقرار الدول بل قارات بأكملها، مما جعل الهجرة غير النظامية ظاهرة دولية تهم بالخصوص دول المصدر والعبور والاستقبال باعتبارها المتضرر الأكبر من هذه المشكلة، وقد عمدت هذه الأخيرة إلى وضع سياسات مشددة وسن قوانين عقابية صارمة رادعة لمكافحة الظاهرة، فضلا عن محاولة هذه الدول لإيجاد إطار دولي يسهل من إيجاد حلول مشتركة وتوافقية لها.

واعتبارا أن الهجرة غير النظامية أصبحت ذات بعد دولي، وأمام غياب هيئة دولية تعنى بضبط هذه الظاهرة، لجأت الدول المتضررة من انعكاسات الهجرة غير النظامية إلى إيجاد حلول لهذه الظاهرة بغية الحد منها، مع ضرورة الحفاظ على الحوار الدائم والتنسيق فيما بينها لتخطي الآثار السلبية الناجمة عنها، وذلك بإبرام اتفاقيات ومعاهدات على الصعيد الدولي أو الإقليمي، بمساعدة ومساهمة المنظمات الدولية التي تسعى بدورها في إيجاد حلول دائمة ومعالجة شاملة لقضايا الهجرة بشتى أنواعها وعلى جميع مستوياتها. 

وسنقتصر في هذه المداخلة على الاتفاقيات الإقليمية العربية وأجهزتها المختصة في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، ومنه فالإشكالية المؤطرة للموضوع تتمحور حول ما مدى نجاعة الآليات القانونية والمؤسساتية من خلال الاتفاقيات المبرمة بين بلدان المغرب العربي في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية؟

وللإجابة عن الإشكالية وفق تصميم منهجي وتحليلي ومقارن سنعمد إلى تقسيم الموضوع إلى مبحثين:

المبحث الأول: الاتفاقيات الإقليمية العربية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية.

المبحث الثاني: دور الأجهزة الإقليمية العربية والمجتمع المدني في مكافحة الهجرة غير النظامية.

المبحث الأول: الاتفاقيات الإقليمية العربية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية

تعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط من المناطق التي تعرف أكبر تدفقات للمهاجرين بشتى أنواعها في العالم، كما أن هذه التحركات ليست وليدة الوقت الراهن، فالمنطقة من الناحية التاريخية عرفت بكونها مجالا هاما للتبادل الثقافي، الاقتصادي، وكدا مساحة هامة للتحولات السياسية وقد تطورت في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي فزيادة على الموقع الاستراتيجي الهام لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وأهميتها الجيوسياسية، تعد أيضا منطقة منتجة للطاقة وسوقا قويا لأوروبا، وبعدا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية.

ونتيجة لتقييد القنوات النظامية للهجرة، ظهرت موجات الهجرة غير النظامية لأوروبا لتتخذ في العقدين الأخيرين منحى مهول وخطير في الوقت ذاته، ومرد ذلك إلى عوامل عديدة ومتعددة، يتمازج فيها البعد الديمغرافي، الاقتصادي والسياسي، الاجتماعي والثقافي، والتي من شأنها أن تولد الرغبة في الهجرة وتغذيها.

المطلب الأول: الاتفاقيات الإقليمية العربية

تعود مظاهر التعاون العربي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة إلى سنة 1960، حيث قامت بهذا الصدد بإنشاء المكتب الدائم للمخدرات، عهدت إليه مكافحة وانتاج وتهريب المخدرات، كما تعمل المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي على مكافحة الجريمة المنظمة عبر دراسة أساليب واسباب هذا النوع من الجريمة، وكيفية معاملة  المجرمين، وصفاتا التعاون بين أجهزة الأمن للدول الأعضاء.

وفي إطار الهجرة، سعت الدول العربية من خلال الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة التي وافق عليها مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب، في اجتماعهما المشترك المنعقد مقر الأمانة العامة بجامعة الدول العربية بالقاهرة بتاريخ 2010/12/21، ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 2013/10/05، اي بعد مضي ثلاثين يوما من تاريخ إيداع وثائق التصديق أو القبول أو الإقرار عن سبع دول لدى الأمانة العامة.

وقد نصت المادة 13 من الاتفاقية المذكورة على منع جريمة تهريب المهاجرين، كما أكدت على تعهد الدول بإعمال تدابير ملائمة في قوانينها الداخلية لتجريم الأفعال العمدية الممارسة من قبل الجماعات الإجرامية الناشطة في مجال الجريمة المنظمة، كتهريب المهاجرين على نحو غير مشروع إلى دولة طرف من أجل الحصول على أي منفعة مباشرة أو غير مباشرة، مالية أو عادية، أو تسجيل وثائق سفر مزورة أو انتحال هوية أو حيازة وثائق بطريقة غير مشروعة، وكذلك مساعدة الشخص على البقاء في دولة معينة لا يعتبر من رعاياها بأي وسيلة أخرى غير مشروعة.

ويتعين على كل دولة حسب الاتفاقية أن تعمل بما هو ملائم لنظامها القانوني على تشديد العقوبة في حق الشبكات الإجرامية المنظمة على تعلق الأمر بتهديد حياة المهاجرين وتعريض سلامتهم للخطر أو معاملتهم معاملة قاسية وغير إنسانية.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 13 لم تمنع من اتخاذ تدابير قانونية صارمة في حق كل شخص ارتكب سلوكا يعد بمقتضى قوانين الدولة المرتكب فيها جرما ومعاقبته عليه. ولو لم يكن معاقبا عليه في دولته الأصل.

المطلب الثاني: المؤتمرات الإقليمية العربية

لقد عقدت العديد من المؤتمرات الإقليمية التي تسعى لتعزيز الجهود نحو الحد من هذه الظاهرة، لما يترتب عليها من مشاكل أمنية تهدد أمن واستقرار الدول المستقبلة للمهاجرين وحتى دول العبور، وفي الوقت نفسه تهدد حياة المهاجرين نتيجة استخدام قوارب، لا بل بالأحرى نعوش الموت التي تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط نحو الضفة الأوربية، بالإضافة إلى التعرض للابتزاز والاستغلال الجنسي، والإتجار بهم وبأعضائهم.

الفقرة الأولى: المؤتمر الوزاري الإقليمي الأول حول أمن الحدود بليبيا لسنة 2012

انعقد هذا المؤتمر يومي 11 و12 مارس 2012 بطرابلس بحضور وزراء الدفاع والداخلية لعشر دول عربية وإفريقية وهي ليبيا، مصر، السودان، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا، تشاد، النيجر، مالي، وممثلين عن الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة بصفة مراقبين.

وقد تولى المؤتمر تحديد كافة الأسباب الجدرية والاجتماعية والاقتصادية ومخاطر الأمن على المستوى الوطني والإقليمي، وانتشار الأسلحة والتهريب ومكافحة الإرهاب ونفاذ القانون وتشديد أمن وإدارة الحدود بما في ذلك الهجرة غير النظامية.

وتضمن مؤتمر طرابلس خطة تضمن حلولا مشتركة تهم التنمية البشرية المستدامة والاستجابة للاحتياجات التنموية الخاصة بالمناطق الحدودية بهدف رفع مستوى المعيشة لساكنتها بما يساهم في تحقيق الأمن الحدودي، فضلا عن ضرورة توفير التدريب التخصصي في مجال أمن الحدود وتطوير القوانين والبرامج المعلوماتية لمتابعة الجرائم ذات الطبيعة المنظمة والإرهاب الدولي.

وقد خصصت لجنة المؤتمر والمكونة أساسا من خبراء ومختصين في مجال الهجرة وتأمين الحدود على المستويين الثنائي والإقليمي، إلى ضرورة اعتماد استراتيجية مشتركة، وتفعيل الاتفاقيات الثنائية والإقليمية ذات الصلة بتأمين المناطق الحدودية، والعمل على وضع آلية دائمة للتعاون الإقليمي فيما يتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وتنفيذ الاتفاقيات الثنائية بشأن أوامر اعتقال وتسليم المطلوبين للعدالة.

كل هذه التوصيات أطلق عليها اسم خطة عمل طرابلس، والتي تمحورت أساسا حول أهم إشكالات الدول المشاركة، والمتمثلة في ضرورة الفهم المشترك للتحديات الأمنية، وتعزيز التعاون الإقليمي الذي يشمل تبادل المعلومات، وأمن وإدارة الحدود والهجرة غير النظامية.

الفقرة الثانية: المؤتمر الوزاري الإقليمي حول أمن الحدود بالرباط لسنة 2013

جاء هذا المؤتمر تأكيدا واستكمالا لخطة عمل طرابلس، وبحث سبل تفعيلها في إطار رؤية مستقبلية تستند إلى الاستراتيجيات الدولية والإقليمية في إطار مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والإرهاب، ومراقبة الحدود.

وعقد مجلس وزراء داخلية دول الاتحاد المغرب العربي اجتماعهم بتاريخ 13 أبريل 2013 بالرباط، فضلا عن أزيد من 16 دولة، والعديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية.

وعقب الجلسات توافق الحاضرون على مجموعة من النقاط، والتي تشمل الإرهاب والجريمة المنظمة، مكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، ومنع وحظر المؤثرات العقلية وترشيد الحماية المدنية، والعمل الجاد على تنفيد التوصيات والقرارات المتخذة في المؤتمر.

أما بخصوص مكافحة الهجرة غير النظامية، فقد أكد الحضور على تكثيف الجهود في إطار المسؤولية المشتركة للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية والجرائم المتعلقة بالإتجار البشر، وذلك بالتعاون مع الشركاء الأوربيين والمنظمات الدولية المعنية بالهجرة، من أجل ضمان معالجة أفضل لتدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى دول اتحاد المغرب العربي، التي تحولت إلى بلدان استقرار، مع ما يترتب من أعباء مادية بالنسبة لها، وخاصة المخاطر المرتبطة بالجريمة المنظمة، والدعوة إلى تعزيز حرية التنقل والإقامة بين دول الاتحاد باعتبارها مكسبا معياريا من خلال آليات يتم الاتفاق بشأنها والعمل على بلورة استراتيجية مغاربية من مجال مكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر، تعزز وتكمل الجهود الإقليمية والدولية في هذا المجال.

وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى المؤتمر المنعقد بالعاصمة الإيطالية روما في 6 يوليوز 2017 بمشاركة وزراء دول إفريقية وعربية ومنظمات دولية، وقد حضر في اشغال المؤتمر كل من وزراء خارجية، السودان، ليبيا النيجر، تشاد، مصر، تونس، الجزائر، المغرب، إثيوبيا، فضلا عن وزراء خارجية فرنسا، هولندا، ألمانيا إلى جانب منظمة الهجرة الدولية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

المطلب الثالث: الاتفاقيات الثنائية العربية

تعقد هذه الاتفاقيات بين الدول التي تتزايد وتتعاظم بها مشاكل المهاجرين غير النظاميين بشكل لافت ومهول، والغاية منها هو إعادة ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى مواطنهم الأصلية، وتعرف باتفاقيات الترحيل أو الطرد ولا تشمل من له صفة لاجئ، وتتضمن هذه الاتفاقيات عدة مقتضيات تروم التخفيف من آثار هذه المظاهرة برصد رؤية واقعية وملائمة ومنسجمة عند التطبيق، وتحديد المشاكل المشتركة بين البلدان في إطار الثنائية بهدف تسهيل التعامل بينها، وتبسيط الإجراءات عنة طريق العمل الثنائي خاصة في ضفتي المتوسط سواء في إطار تعاون شمال ـ جنوب أو تعاون جنوب ـ جنوب.

الفقرة الأولى: الاتفاقيات الثنائية في إطار شمال ـ جنوب

قامت دول الاتحاد الأوروبي بإجراء اتفاقيات مع دول المغرب العربي في مجال تنظيم الهجرة وانتقال المواطنين فيما بينها وفي مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، وعلاج الآثار المترتبة عنها ولعل أبرز هذه الاتفاقيات:

اتفاقية 2007 بين ايطاليا وليبيا: والتي بموجبها تنظم ليبيا وايطاليا دوريا بحرية بست قطع بحرية مستعارة مؤقتا من البحرية الايطالية ويتواجد على متنها أطقم مشتركة من البلدين بهدف أعمال التدريب والتكوين والمساعدة الفنية على استخدام وصيانة القطع.

وتقوم هذه الوحدات البحرية بعمليات المراقبة والبحث والانقاذ في مواقع انطلاق وعبور قوارب نقل المهاجرين غير النظاميين سواء في المياه الإقليمية الليبية أو الدولية، كما التزمت إيطاليا من خلال هذا الاتفاق بتزويد الجانب الليبي بثلاث وحدات بحرية في مدة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق.

كذلك فيما يخص الشراكات بين تونس وايطاليا فقد وقعت 4 اتفاقيات أولها في 6 غشت وأخر ما تم توقيعه في أبريل 2011، تسعى جميعها للحد عن الهجرة غير النظامية الوافدة على الشواطئ الأوربية حيث تمكن الاتفاقيات التونسية الايطالية من إعادة المهاجرين التونسيين بعد إقامتهم في مراكز الاحتفاظ في ايطاليا.

وتفضي الاتفاقيات بعدد من الدورات التكوينية والتدريبية سنويا لعناصر الشرطة التونسيين المتخصصين في مكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى وضع نظام لتبادل المعلومات الخاصة بكل ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية بين البلدين وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المناطق التونسية التي تنطلق منها موجات المهاجرين.

كما تهدف هذه الاتفاقية إلى تقرير التعاون بين اللبدين في مكافحة الهجرة غير النظامية وتتضمن بنودا تخص إعادة المهاجرين غير النظاميين التونسيين لوطنهم خصوصا مع ما آثاره الربيع العربي من تدفقات للمهاجرين بجنوب ايطاليا والمشاكل المترتبة عنه وخاصة ارتفاع معدلات المهاجرين الوافدين بطريقة غير قانونية، وارتفاع طلبات اللجوء تزامنا مع الأزمة الأوربية.

وعلى نفس النهج عقدت اتفاقية ثنائية بين الجارتين اسبانيا والمغرب تتويجا لسلسلة من الاتفاقيات يعود أولها لسنة 1992، مرورا بمذكرة تفاهم حول العودة القاصرين غير المصحوبين لسنة 2003، وذلك تأكيدا للتعاون المغربي الإسباني في مجال محاربة الهجرة غير النظامية.

وفي سنة 2007 انعقدت اتفاقية تعاون بين الطرفين بغية تجاوز ثغرات مذكرة التفاهم والتي كانت تتعارض مع التشريعات الوطنية الإسبانية والاتفاقيات الدولية حيث تمت الإشارة في الاتفاقية إلى أن الطرفان سيعملان على حماية وضعية القاصرين في إطار الاحترام التام للمصلحة الفضلى للطفل، واحترام التشريعات الوطنية والمعايير الدولية.

كما تضمنت الاتفاقية أسس واضحة لمعالجة الظاهرة، والحد من الهجرة والشغل وذلك عبر تحسيس القاصر وعائلته بأخطار الظاهرة و محاربة الشبكات التي تشتغل في مجال تهريب القاصرين والحماية الأولية للقاصرين المغاربة غير المصحوبين من قبل السلطات الإسبانية وفق ما تضمنته المادة 4 من الاتفاقية، كما تقوم السلطات الإسبانية بتزويد نظيراتها المغربية بكل المعلومات الخاصة بوضعية القاصر وفق الفقرة الأولى من المادة المذكورة، إضافة إلى عدة معلومات عن وضعية القاصر بالمغرب، كما نجد المادة 5 جاءت بإجراءات العودة إلى الوطن أو إلى مؤسسة وصية أو إلى مراكز الاستقبال، وتجدر الإشارة إلى أنه تم التوقيع بين المغرب وإسبانيا سنة 2006 على بروتوكول بناء مركزين الأول بمدينة طنجة والثاني بمدينة مراكش لاستقبال 280 قاصر غير مصحوب، وكذلك الإطلاق الفوري لعملية تحسيسية مغطاة إعلاميا، للتعريف بمخاطر الظاهرة لا سيما بالنسبة للقاصرين غير المرفقين.

وفي نفس الإطار وقعت اتفاقية بين الجزائر وإسبانيا، والتي تهم ترحيل عددا من المهاجرين غير النظاميين في سياق مكافحة الهجرة غير النظامية والتي أبانت عن نجاحها، حسب ما أشاد به وزير الداخلية الإسباني للتعاون مع الجزائر، حيث أفضت إلى انخفاض أعداد المهاجرين غير النظاميين وخصوصا منهم الأشقاء الأفارقة من دول جنوب الصحراء ويمكن إرجاع سبب الانخفاض لأداء الإدارة الأمنية الجزائرية وارتفاع التعاون الوثيق مع الجزائر.

وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر إضافة إلى توقيعها الاتفاقية الترحيل مع نظيرتها مدريد، وقعت إلى حد الآن على ست اتفاقيات إعادة قبول مع بلدان أوربية ما بين سنوات 1994 و 2007، قصد ترحيل الرعايا الجزائريين المتواجدين في وضعية غير قانونية، وكانت أول الدول فرنسا لتكون الدولة التالية إيطاليا وألمانيا.

والملاحظ أن هذه الاتفاقيات تبقى محدودة بين عدد من الدول وهي تحديدا الواقعة على ضفتي البحر المتوسط لتباين الإمكانات المادية واللوجستيكية بين الضفتين، فالدول الجنوبية التي ترشحها الدول الأوربية للقيام بهذا الدور لا تمتلك التجهيزات الحديثة والموارد البشرية، خاصة الدول الممتدة لآلاف الكيلومترات المشتركة مع البلدان الافريقية لجنوب الصحراء، كما أن بعضها يرفض الاضطلاع بدور الدركي لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوربية.

الفقرة الثانية: الاتفاقيات الثنائية في إطار جنوب – جنوب

إن السعي لتوحيد مواقف الدول الافريقية على الصعيد الدولي في مجال الهجرة واعتماد سياسات دولية مشتركة بين دول الجنوب يعد ضرورة في غاية الأهمية، فالتعاون الافريقي والمقصود به دول شمال إفريقيا ودول افريقيا جنوب الصحراء يظل الأكثر الحاحا، اعتبار الوجود منطقة شمال افريقيا بدولها الخمس على ضفة البحر الأبيض المتوسط “المغرب العربي” لتشكل بذلك منطقة العبور الرئيسة لتدفقات الهجرة نحو أوربا، كما تضعها الظاهرة في موقف حرج لاسيما في ظل غياب استراتيجيات إفريقية موحدة للتعامل مع الهجرة غير النظامية الافريقية، والتي تعد افريقيا جنوب الصحراء أهم مصدر لها، مما يضع دول العبور في وضعية صعبة بسبب تدفقات الهجرة، تمثلت في التحديات المتعلقة بكيفية التعامل مع المهاجرين غير النظاميين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء، أمام تصاعد ضغط أوروبا التي تطالب بإيقاف هذه التدفقات.

والملاحظ أن موقف المغرب يعتبر أن التعاون التنموي هو الكفيل في إطار جنوب – جنوب من أجل تجاوز صعوبة الحصول على الدعم و المساعدات الأوربية وانتظارها. وأن تلتزم الدول في هذا الإطار بمبدأ التضامن والتعاون فيما بينها ومن المبادرات التي قام بها المغرب استضافته لاجتماع دول الساحل والصحراء بهدف إعادة إحيائه وتحويل تركيزه نحو الأمن لا سيما بعد تزايد الهجرة غير النظامية والاتجار غير المشروع بالأسلحة والبشر. أما بالنسبة لباقي دول شمال إفريقيا، نجد تونس وليبيا والجزائر تقوم بتعزيز التعاون فيما بينها من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات لضبط الحدود ومنع دخول وتنقل مهربي الأسلحة والمخدرات والمهاجرين غير الشرعيين من البلدان الحدودية معها.

وفي نفس الصدد اعتمدت 10 دول إفريقية من بينها دول حدودية مشتركة مع ليبيا استراتيجية مشتركة لتطبيق اتفاقياتها الثنائية الخاصة بأمن الحدود وتعزيز الترابط والتعاون العملي بين الدول لمعالجة الأسباب الجذرية خاصة المتعلق بانتشار الأسلحة والتهريب والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية في المنطقة.

والملاحظ في إطار دراستنا للتعاون (جنوب ـ جنوب) أن هناك غياب اتفاقيات ثنائية خاصة بالهجرة غير النظامية بين هذه الدول، بل مجرد لقاءات وزارية بين دول العبور والمنشأ إضافة إلى زيارات بين قادة هذه الدول لغاية وضع استراتيجيات تسهم في المستوى التنموي والاقتصادي والمني لتدعيم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للحد من الهجرة غير النظامية وآثارها الخطيرة ومساعدة هذه البلدان على تخطي ازمتها الداخلية.

أما بالنسبة للمغرب العربي، فالتشنج وغياب مقاربة موحدة ومشتركة في ملف الهجرة غير النظامية ظاهرين للعيان من خلال اكتفاء الدول بتشديد الحراسة على حدودها وإلقاء اللوم على البلدان الأخرى بوصفها منبع الظاهرة مع بعض التعاون النسبي الذي ساهمت فيه الصحوة الحقوقية للمجتمعات العربية اهتداء بالمقاربة الدولية لحقوق الإنسان من خلال إلزام الفاعلين الدوليين باحترام إرادته، وكذا الاعتراف بحرية التعبير والذي انتعشت في الوطن العربي عقب الربيع العربي وبعده، ليسهم كل ذلك في تنامي وعي الدول العربية بالانعكاسات الغير محسوبة العواقب لتنامي تدفقات المهاجرين غير النظاميين على أقاليمها، مما جعل الدول تبدي استجابة الضرورة لأجل ضبط حدودها والتعاون مع الدول المجاورة والحدودية معها، والحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي و الإقليمي وفق المعايير المعمول بها على الصعيد الدولي.

المبحث الثاني: دور الأجهزة الإقليمية العربية في مجال الهجرة غير النظامية

يباشر كل من الاتحاد الأوربي وبلدان شمال إفريقيا تدابير بواسطة الأجهزة الدولية والإقليمية في إطار التعاون للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية عن طريق الإجراءات المتخذة والمتمثلة في تشديد السياسات الأمنية المنتهجة من طرف دول العبور والمقصد. وتختلف الإجراءات المتخذة من طرف الدول بين الاعتراض البحري أو البري الحدودي للمهاجرين غير النظاميين للحيلولة دون تمكنهم من دخول أقاليمها وفي حالة دخولهم بأي طريقة أخرى غير قانونية يتم اللجوء بعد ملاحقتهم ومتابعتهم ووضعهم رهن الاحتجاز الإداري، ليتم بعدها تصنيفهم “ملتمسي لجوء، مهاجرون” ليتم بعدها إما تسوية وضعيتهم القانونية في الآجال المحددة وإما يتم طردهم أو ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

المطلب الأول: المرصد العربي للهجرة

لقد حاول الاتحاد الأوربي وبلدان المغرب العربي على حد سواء مواجهة الهجرة غير النظامية بأساليب عدة أهمها الاعتماد على أجهزة تكنولوجية رفيعة المستوى تختص في مراقبة وحراسة الحدود الخارجية واقتفاء وافتقاد أثر المهاجرين، كما تهدف الأجهزة إلى تحقيق التعاون والتضامن الفعلي والمضي قدما على استراتيجية مشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود بصفة عامة والهجرة غير النظامية بصفة خاصة وهو دأب دول الاتحاد الأوربي في تدبير الظواهر الاجتماعية الاستعجالية ذات الآثار السلبية وكل الآمال على اتحاد المغرب العربي في الاقتداء بالتجربة المنتجة بين بلدان الشمال لغاية معالجة جميع الظواهر الاجتماعية ومنها ظاهرة الهجرة غير النظامية.

لقد تضمنت خطة عمل منظمة العمل العربية لعام 2004/2005، إنشاء المرصد العربي للهجرة العربية يهتم بإدارة السياسات السكانية والهجرة بجامعة الدول العربية، بما يدعم جهود البحث والدراسة ويضمن توفير سياسات دقيقة وحديثة حول مختلف أبعاد الهجرة الدولية.

ومن ضمن أهداف المرصد سد الثغرات في البيانات الموثقة والمحينة باستقرار وتدعيم القدرات التقنية والعلمية المتخصصة في الدول العربية والمساهمة في نقل وتطوير المعرفة في مجال الهجرة الدولية، كما يسهم المرصد في إنجاز التقرير الإقليمي العربي حول الهجرة الدولية، ويصدر هذا التقرير حول الهجرة الدولية كل سنتين ويهدف إلى تشخيص أهم التحولات التي تطرأ على الهجرة الدولية ثم رصد وتحليل المخاطر التي تطرحها هجرة العمل العربية، علاوة على الاجتماع الإقليمي العربي السنوي لخبراء الهجرة الحكوميين بغرض تبادل المعلومات والتحاور حول أهم التطورات الحاصلة في مختلف مجالات الهجرة كما يهدف أيضا إلى بلورة مقترحات لتدعيم أدوار وبرامج المرصد العربي للهجرة الدولية بجامعة الدول العربية، كإحدى الآليات المؤسساتية لتفعيل الأدوار التنموية لهجرة العمل الدولية.

المطلب الثاني: المرصد الإفريقي للهجرة

لقد تمخضت القمة الإفريقية المنعقدة في نواكشوط، بعدما قرر القادة الأفارقة إلى إحداث مرصد إفريقي للهجرة ومقره بالرباط، وأنشأ المرصد بمبادرة مغربية محضة بعد رفض السلطات المغربية لمشروع إحداث “منصات إنزال المهاجرين” في الدول المغاربية، الذين يتم انقاذهم في البحر الأبيض المتوسط وهو مشروع جاء به الاتفاق الأخير لدول الاتحاد الأوربي بشأن الهجرة، ولقي رفضا من جميع دول المنطقة، وقد اعتبرته منظمة اللجنة العليا لحقوق الإنسان في وقت سابق “أن القرار كان أحادي الجانب، ولم يتم فيه إشراك بقية الأطراف المغاربية.

ويعتبر المرصد آلية للتعريف بأزمة الهجرة والمهاجرين في إفريقيا، ووسيلة لتنظيم البحث العلمي بشأن انعكاسات وآثار الهجرة كما يمكن أن يشكل مؤسسة استشارية في اتخاذ القرارات بالنسبة للحكومة الافريقية والأوربية على حد سواء وتجدر الإشارة إلى أن المرصد لا يتخذ القرارات وإنما مؤسسة تساعد على اتخاذها، وتعتبر خطوة أساسية في بناء سياسات استراتيجية بين الدول الافريقية بخصوص أسئلة الهجرة، لتغنم إفريقيا بمرصدها الخاص حول الهجرة على غرار المراصد الأوربية، كما أن إحداثه بالرباط كان له رمزية خاصة بالنظر إلى الخطوات الفعالة والتجارب المتراكمة التي استفاد منها المغرب في إنشاء سياسة جديدة وفق مقاربة تنموية هادفة إلى هجرة آمنة ومنتظمة.

وسيعمل المرصد على إحداث “بنك معلومات” يساعد حكومات ضفتي المتوسط في فهم واستيعاب أكبر لأزمة الهجرة وإيجاد الحلول التشاركية الممكنة لها، دون إغفال التعاون التنموي بالضفتين، وذلك بدعم دول الجنوب في خلق فرص الشغل، لتحويل أنظار الشباب الافريقي على الحلم الوصفي الأوربي إلى الواقع المأمول الافريقي.

وفي إطار التعجيل بأنشطة المرصد، قدم جلالة الملك محمد السادس في إطار التفويض الممنوح من قبل رؤساء الدول الافريقية إلى القمة 30 للاتحاد الافريقي التي عقدت في يناير 2018 حول الأجندة الافريقية حول الهجرة والتي تتضمن اقتراحين متمثلين في إنشاء المرصد الإفريقي للهجرة وإحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الافريقي المكلف بالهجرة من أجل تنسيق السياسات الافريقية في هذا المجال.

 وقد تمت الموافقة والتوقيع على اتفاق إنشاء هذا المرصد الافريقي حول الهجرة ومقره الرباط، في 10 دجنبر بمراكش على هامش المؤتمر الحكومي الدولي من أجل المصادقة على الميثاق العالمي للهجرة من قبل رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي. كما صادق المغرب على مشروع القانون المتعلق باتفاق المقر في المجلس الحكومي المنعقد في 24 يناير ومجلس الوزراء في 7 فبراير 2019.

ويعد المرصد الجواب العملي الذي تقدمه الأجندة الافريقية لمعالجة نقص البيانات حول الهجرة في إفريقيا ومعالجة إشكالية سياسات الهجرة غير الفعالة في كثير من الأحيان بسبب عدم وجود مثل هذه البيانات مما يجعل وضع سلطات الدول الافريقية أمام مهمة صعبة، كما أن الحكامة الفضلى للهجرة تتطلب تحسنا ناجعا في البيانات على المستوى الكمي والنوعي حول الهجرة وسياسات وطنية منسجمة وتنسيقا إقليميا ناجعا ومنظورا قاريا متوافق عليه وشراكة دولية متوازنة ومتبادلة المنفعة.

وكما سلف الذكر أن مهمة المرصد مقتصرة على الإرشاد في صناعة القرار السياسي، وتنمية قدرات البلدان في الاتحاد الافريقي في مجال تحسين وضعية المهاجرين، وتثمين علاقة الهجرة بالتنمية، وفهم ظاهرة الهجرة من خلال الوقوف على مسبباتها وتوقع تدفق الهجرات واقتراح الاجراءات في إطار تقرير سنوي.

المطلب الثالث: الإجراءات العملياتية لمكافحة الهجرة غير النظامية

لقد اصبح ينظر لظاهرة الهجرة غير النظامية على أنها تحدي أمني خطير بسبب ارتفاع التهديدات التي تمس استقرار وأمن القارات لاسيما المعنية مباشرة بأزمة المهاجرين مما يؤثر على الأمن الانساني للمهاجرين غير النظاميين ودلك باتخاذ تدابير زجرية كالاعتراض البحري والاحتجاز الإداري والابعاد والترحيل مما ينعكس سلبا على مصداقية السياسات الأوربية، ومدى مطابقتها للمعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان، والضوابط الإنسانية والديمقراطية التي تروج لها.

الفقرة الأولى: الاعتراض البحري والاحتجاز للمهاجرين غير النظاميين

لعل من بين أهم الإجراءات العملياتية التي تقوم بها الأجهزة المختصة للدول في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، وهي الاعتراض البحري للمهاجرين ليس لغاية إسعافهم بالأساس، بل اقتيادهم لمراكز الاحتجاز للحيلولة دون دخولهم لأقاليم دول لا يحملون سندات الإقامة بها معا يعرضهم للتوقيف لمخالفتهم للقوانين الجاري بها العمل في مجال الهجرة في البلدان الذي يتواجدون بها.

أولا: الاعتراض البحري للمهاجرين غير النظاميين

إن أول إجراء يواجهه المهاجرون غير النظاميون هو الاعتراض البحري وذلك نتيجة للقيود الناجمة عن ضرورة حماية المصالح الجوهرية للدول المعنية بالهجرة غير النظامية، والتي تهدف بالأساس إلى محاربة النشاطات غير الشرعية على الحدود متذرعة في ذلك بحماية المصالح الجوهرية الداخلية وتكريس التعاون مع الدول الساحلية، بحيث يسمح القانون الدولي العرفي والاتفاقي للدول الساحلية باتخاذ جملة من الإجراءات لغرض حماية مصالحها الحيوية، وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لا تقيد الملاحة بشكل مباشر ومقصود، إلا أنها تقيدها عندما تمارس الدولة الرقابة على حدودها الساحلية، ولها أن تمارس حق المطاردة المستمرة.

كما يسمح القانون الدولي للدول الساحلية بحق إلزام الآخرين باحترام قوانينها وأنظمتها، حيث تتمتع الدولة بسلطات محددة في ميدان الهجرة غير الشرعية لمنع خرق قوانينها كممارسة اشكال القسر، وتكريس القوة لتوقيف السفن أو اقتيادها إلى حدود الموانئ وممارسة المتابعات القضائية بحقها، أو تلجأ أيضا لما يسمى بالمطاردة المستمرة أو الساخنة.

ورغم الاعتراف للدول بهذه السلطة في مراقبة أقاليمها، إلا أن المادة 89 من اتفاقية الأمم المتحدة الثالثة لقانون البحار، تنص على أنه لا مجال لإعمال هذه السيادة في المياه الدولية ولا تخضع للقوانين الوطنية، بالإضافة إلى المادة 87 من نفس الاتفاقية التي تتطرق لحرية الإبحار ومنع سيطرة أي دولة على أعالي البحار من باب المساواة والانتفاع بها. لتجد الدول نفسها مقيدة ببنود الاتفاقية، كما تواجه في الوقت نفسه تعرض أمنها لتهديد خارجي مما يجعلها أمام حتمية ممارسة إجراءات استثنائية يتم في الغالب الأعم تبريرها بحماية النظام العام.

ثانيا: الاحتجاز الإداري في مراكز الاعتقال

لقد قامت مجموعة من الدول بما فيها دول الاتحاد الأوربي، بإنشاء مراكز اعتقال خاصة بالمهاجرين غير النظاميين، الذين يتم القبض عليهم على السواحل، ليتم احتجازهم وإصدار قرار ترحيلهم لبلدانهم الأصلية.

فأماكن الاحتجاز هي نموذج براغماتي للسجون من أجل تقييد حرية التنقل، ونتيجة حتمية للسياسات الأمنية التي تبنتها جل البلدان في مواجهة الهجرة غير النظامية، فبعد اعتراض المهاجرين غير الشرعيين يقتادون إلى مراكز الاعتقال أو الاحتجاز في إطار إعمال المقاربة الأمنية للهجرة غير القانونية لغاية الرقابة على الدخول غير القانوني والوقاية من تهديد النظام العام داخل أقاليم الدول الأوربية لتصبح سياسات الهجرة ذات طابع أمني، تبدأ بالاعتقال كإجراء من إجراءات مراقبة الهجرة.

وقد اثارت هذه الممارسات المنظمة الدولية للهجرة IOMالتي أصبحت ناشطة في الملف الحقوقي للمهاجرين غير النظاميين بل أصبحت أولوية في أجندتها والتي تعمل على حماية حقوق المهاجرين في مراكز الاحتجاز، وترى هذه المنظمة بأن الاحتجاز التعسفي للمهاجرين غير النظاميين ليس ضروريا وهي ممارسة يجب إعادة النظر فيها والسعي للبحث عن بدائل نظرا للتهديدات التي يواجهها المهاجرين غير الشرعيين. من انعدام النظافة والصرف الصحي وقلة الوجبات والإهمال الطبي في مراكز الاعتقال، وانعدام إمكانية الحصول على سبل الانصاف القانوني المعترف به بشكل واضح وصريح من طرف المنظمات والهيئات الحقوقية، وغياب المعاملة الإنسانية في المراكز القائمة على التمييز العنصري.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الصادر عن البرلمان الأوروبي لسنة 2008، سمح باحتجاز المهاجرين غير النظاميين وملتمسي اللجوء الذين لم يوافق على طلباتهم، ومن بينهم الأطفال غير المصحوبين، لمدة أقصاها 18 شهرا والحظر لخمس سنوات من الدخول لدول الاتحاد الأوربي، وقد انتفض المفوض السامي لحقوق الإنسان في أكتوبر من سنة 2008 فترات الاحتجاز الواردة في القرار، واعتبرها مفرطة لحد الإضرار بالحق في الحرية للمهاجرين.

كما تعرضت مراكز الاحتجاز الإداري لانتقادات متجددة من قبل منظمات حقوقية أخرى، وبغية معالجة هذه المسألة، اقترحت ألمانيا وبريطانيا نقل معسكرات الاحتجاز بالاتحاد الأوربي وإلى دول إفريقيا، على أن تقوم المفوضية الأوربية لشؤون اللاجئين بعملية فحص طلبات ملتمسي اللجوء، حول استحقاق المهاجرين المحتجزين صفة لاجئ من عدمه إلا أن هذه الأخيرة رفضت  وروجت لفكرة إعادة توطين اللاجئين.

الفقرة الثانية: قرار الترحيل أو الإرجاع أو الطرد

بعد هذا الإجراء أحد الإجراءات الأمنية التي أخذت بها مجموعة كبيرة من الدول الأوربية، وذلك ضمن مقاربتها الأمنية والقانونية لمواجهة الهجرة غير النظامية، ومن خلاله يتم تجميع المهاجرين غير النظاميين وإرسال إشارات واضحة للأفراد المرشحين للهجرة غير الشرعية بالاتحاد الأوربي، كما أن هذا الأسلوب دليل قاطع على ضعف وهشاشة المركز القانوني للمهاجرين غير النظاميين في السياسات والإجراءات الدولية والإقليمية، لربط غالبية الدول تواجدهم بالجريمة المنظمة والإرهاب، وسائر التهديدات التي تمس أمن الاتحاد الأوربي.

وفي نفس السياق تبنى البرلمان الأوروبي بفرنسا سنة 2008 قرار مثيرا للجدل حول إعادة مواطني الدول المقيمين بصفة غير قانونية والمعروف باسم قرار الإعادات. وبالفعل تم إرجاع ما يقارب 28000 مهاجر غير قانوني من فرنسا إلى بلدانهم الأصلية.

و في إيطاليا فقد تم إرجاع حوالي 5310 مهاجر غير نظامي سنة 2014، وفي المقابل طردت بريطانيا 4661 مهاجر غير قانوني. ولعل المؤشرات والاحصائيات تغطي رؤية واضحة حول التوجهات الكبرى في التعاطي مع ظاهرة الهجرة غير النظامية وفق السياسات الأوربية الحالية والمستقبلية.

ولا يجب إغفال حالات الترحيل بين إسبانيا والجزائر، وكذا بين إسبانيا والمغرب وبين إسبانيا وموريتانيا، مما يحيل على أن سياسة الاتحاد الأوربي من خلال الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بملف الهجرة غير النظامية، ترتكز على إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين، بدل معالجة الظاهرة بمقاربة تنموية وحقوقية شمولية.

خاتمة:

إن الهجرة غير النظامية باتت تمثل ظاهرة عالمية محملة بالتحديات الدولية والإقليمية والوطنية، مما يستوجب على المجتمع الدولي البحث عن كيفية إيجاد السبل الكفيلة لزيادة القنوات الشرعية التي تتيح استقبال عدد أكبر من المهاجرين طبقا لقواعد ونظم الدول المستقبلة لهم، مع ضمان حق الإنسان في التنقل بين مختلف بلدان العالم شريطة احترام قوانين تلك الدول.

وبالنظر للعلاقة القائمة والدور الفعال للهجرة في عملية التنمية، وجب التعامل مع المهاجرين غير النظاميين بما يضمن الالتزام بالترسانة الدولية في مجال حقوق الإنسان والتوفيق بين ما هو قانوني وما حقوقي إنساني، ولا يمكن ذلك إلا عن طريق تشجيع وكلات توظيف العمال المهاجرين من دول الإرسال والاستقبال للحد من قنوات الهجرة غير النظامية، مع الحرص على المراقبة الأمنية لضمان تطبيق الحد الأدنى من المعايير الحمائية للمهاجرين غير النظاميين خاصة.

كما تجدر الإشارة إلى واجب الدول في ضمان حقوق المهاجرين حتى لا يتعرضوا للابتزاز من طرف شبكات التهريب والاتجار بالبشر، وكذلك المضايقات الجسدية الذي يواجهونها أثناء فترة الاحتجاز والاعتقال لجهل أغلبهم بحقوق الإنسان المصونة دوليا، مع إعادة تأهيل الضحايا الناجين من هذه الشبكات عن طريق المؤسسات المنوط بها هذا الدور لضمان حسن اندماجهم في مجتمعاتهم مرة أخرى، وتوفير فرص عمل مناسبة لهم، والعمل الجاد على التخفيف من مظاهر التباين بين الدول لكي لا تتزايد عوامل الجدب والطرد مع استقرار هجرة الأفراد الباحثين عن مستوى معيشي لائق، وبه يجب على الدول الأخذ بعين الاعتبار أن الهجرة جزء لا يتجزأ من مخطط التنمية في كل من بلدان الأصل والاستقبال.

ولغاية تحقيق التوازن بين الإنسان وحقوق الدولة لا يجب أن نتجاهل أن هذه الظاهرة مازال ينظر إليها كجريمة تستحق العقاب، مما يفرض ضرورة التعاون الدولي بكافة أشكاله للحد منها، مع تجاوز النقائص والاستفادة من التراكمات والخبرات السابقة في تدبير الظاهرة، وتكثيف التعاون القضائي الإقليمي والدولي لمكافحة الجرائم المرتبطة بها.

فالهجرة باعتبارها حقا للجميع، يجب أن يكون باستطاعة الأفراد الهجرة طواعية وليس مكرهين، وأن تتم عملية الهجرة بشكل آمن ومنتظم وقانوني، وذلك تقديرا للحاجة إليهم ولمهاراتهم، مما يسهم بالدفع الايجابي في مسلسل التنمية على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني، زد على ذلك حاجيات الدول المتقدمة، ولاسيما أوربا لعملية الهجرة لتجديد بنيانها السكاني المتهالك بعامل الشيخوخة المرتفع في مجتمعاتها.

قد يعجبك ايضا