دور القاضي في تنفيذ المقررات التحكيمية

ظهر التحكيم  كطريق  من  طرق  فض  النزاعات منذ  القدم، فقد لجا إليه المصريون القدامى والبابليون والرومان وغيرهم(1)، أما الإسلام فقد عرف هذا النظام منذ  بدايته وهذا ما تؤكده مجموعة من الآيات القرآنية التي تحث على اللجوء إلى التحكيم، إذ يقول عز وجل في سورة النساء “فلا وربك لا يؤمنون  حتى  يحكموك  فيما  شجر بينهم  تم  لا يجدوا  في أنفسهم حرجا مما قضيت فيسلموا تسليما “(2) وقد استمر هذا النظام كأحد الوسائل المعتمدة في حل الخلافات فتطور إلى  أن أضحى اليوم  من الوسائل الفعالة  التي يكثر الإقبال عليها لفض النزاعات التي تنشا بين الأفراد سواء أكانت  ذات  طبيعة  مدنية أو تجارية، وكل ذلك كان  نتيجة  للمميزات  التي  تطبع  التحكيم (السرعة، البساطة  في الإجراءات، السرية  في الجلسات…).

ولهذه  الاعتبارات  وأخرى  فقد  أولى المشرع المغربي هذه الوسيلة أهمية كبرى حيث عمل على تنظيمها بداية في إطار مجموعة من القوانين المتفرقة  قبل أن يعمل على تنظيمها ضمن مقتضيات قانون المسطرة المدنية  في  إطار الباب  الثامن  من القسم  الخامس  وذلك بمقتضى القانون المتعلق بالتحكيم والوساطة والاتفاقية(3).

وبالرجوع  إلى  مقتضيات القانون المذكور نجد أن المشرع المغربي يعرف التحكيم في الفصل306 بأنه “حل نزاع من لدن  هيئة  تحكيمية  تتلقى  من  الأطراف  مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق التحكيم”.

وإذا كان التحكيم من خلال هذا التعريف يخضع لإرادة واتفاق  طرفيه  في  اختيار هذه الوسيلة من عدمه.

1- راجع، عبد الله درميش، التحكيم الدولي في  المواد التجارية، رسالة  لنيل  دبلوم  الدراسات  العليا في القانون الخاص، كلية  الحقوق الدار البيضاء، 1983-1982، الصفحة 22.

2- سورة النساء، الآية 64.

3- يتعلق  الأمر  بالقانون 05-08 الصادر بتنفيذه   الظهير الشريف 1.07.169  بتاريخ  19 من ذي الحجة 1428 ( 30 نوفمبر 2007 )، الجريدة الرسمية عدد 5584، بتاريخ  25  ذو القعدة  1428 ( 6 دجنبر 2007 )، الصفحة 3894.

إلا أن  المنازعات  المعروضة  على أنظار هيئة التحكيم وان كان أساسها اتفاق التحكيم فان مصيرها لا يحيد عن أمرين فإما  أن  ينتهي  النزاع  بصدور  مقرر  تحكيمي  يرتضي الأطراف  تنفيذه أو يرفضا  ذلك وهنا يتدخل القضاء لإكساب المقرر المذكور القوة التنفيذية اللازمة.

وبالتالي فالتحكيم له طبيعة قضائية، وأحكام المحكمين يجوز تنفيذها جبرا بعد الحصول على أمر تنفيذها(4).

فتذييل الحكم بالصيغة التنفيذية يمثل اعترافا من القضاء بصلاحية الحكم وإمكانية تنفيذه جبرا بكافة الوسائل التي يتيحها القانون. وفي هذا الإطار ينحصر دور القضاء في التأكد من توفر الشروط اللازمة  لتنفيذها دون تدخل في موضوعها ،لكن رغم ذلك يبقى للقاضي دور مهم  في مراقبة أحكام  المحكمين  للتتبث  من  صحة  إجراءاتها  وإمكانية  تنفيذها دون أن يتعارض ذلك مع أحكام قطعية سابقة أو يخاف النظام العام في البلد المطلوب التنفيذ فيه.

إذا تبث ما سبق  أمكن  لنا  أن  نطرح  الإشكالية  التالية:  أي  دور للقاضي  في  تنفيذ المقررات التحكيمية وما هو القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع؟

وعليه ستكون معالجة هذا الموضوع وفق خطة البحث التالية:

المبحث الأول : دور القاضي في تنفيذ المقررات التحكيمية

المبحث الثاني : القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع

4- بخصوص  هذا  الموضوع، راجع، ادريس  العلوي العبدلاوي، الوسيط  في  شرح  قانون  المسطرة المدنية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 1998، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الصفحة 659.

 

المبحث الأول : دور القاضي في تنفيذ القرارات التحكيمية

لئن كان اتفاق التحكيم هو الأساس  الشكلي  والموضوعي للجوء الأطراف إلى التحكيم فان دور القضاء كجهاز مساعد  يبقى  حاضرا بالرغم من طبيعة التحكيم الاتفاقية وذلك من خلال الرقابة القضائية التي لها أهمية كبيرة فيما  يخص  المقررات  التحكيمية، فمن خلالها يمكن التتبث من مدى احترام القواعد المتعلقة بالنظام  العام، وكذلك  الحرص  على  إحلال العدالة ومن تم القاضي يجب أن يخدم المهمة التحكيمية أثناء سيرها وتنفيذ الحكم التحكيمي.

ولمقاربة دور القاضي في  تنفيذ المقرر التحكيمي ارتأينا معالجة ذلك من خلال مطلبين الأول نتعرف من خلاله عن  دور القاضي  في  تنفيذ  المقررات  التحكيمية  والثاني  نفرده لحدود صلاحيات القاضي في منح الصيغة التنفيذية للمقرر التحكيمي.

المطلب الأول :دور القاضي في تنفيذ المقررات التحكيمية

لا جدال في أن اللجوء إلى التحكيم يكون بناء على اتفاق الأطراف ،بحيث تصبح إمكانية اللجوء إلى القضاء غير واردة تحت طائلة  الدفع بوجود اتفاق تحكيمي ،على اعتبار أن هذا الأخير يحجب القضاء المختص عن البث في النزاع.

وإذا كان اللجوء  إلى التحكيم له نفس الغاية من اللجوء إلى القضاء وهي الحصول على حكم يتم بموجب البث في نزاع قائم  بين أطراف  الخصومة  فان الحكم  الصادر عن الهيئة التحكيمية يعرف كما سبق أن أوضحنا مصيرين، فإما أن ينفذ عن طواعية وهذا هو الأصل  وان ينفذ جبرا على الطرف المحكوم عليه وهنا لابد من تذييله بالصيغة  التنفيذية من طرف القضاء حتى يتمتع بقوة التنفيذ  الجبري، غيرأن صلاحية السلطة  القضائية  التي  أوكل لها المشرع هذه المهمة لم ترد مطلقة وإنما قيدها بضوابط أوجب عليها مراعاتها(5).

وهكذا وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 26_327 من القانون 05_08 نجد  بان أحكام التحكيم تحوز حجية الشيء  المقضي  به  بخصوص النزاع  الذي  تم  الفصل  فيه  بمجرد صدورها  فيكون لمن  صدر الحكم  لفائدته أن يتمسك  بمزايا  هذا  الحكم  ولا يجوز طرح النزاع المقضي فيه على أية جهة قضائية أو هيئة تحكيم أخرى(6).

5- أنظر، مجلة المحاكم المغربية، العدد 109، يوليوز- غشت 2007،  مطبعة  النجاح  الجديدة،  الدار البيضاء،  الصفحة 228.

6- راجع، خالد أحمد عبد الحميد، دور القضاء في الأمر بتنفيذ أحكام  التحكيم، يوم دراسي نظمه المجلس الأعلى ومحكمة النقض المصرية في إطار اتفاقية التوأمة حول العمل القضائي والتحكيم التجاري، الرباط في 5-03-2004، الصفحة 24.

 

هذا الأمر أكدته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرار لها جاء فيه :

“حجية  الشيء  المقضي  به  هي  قرينة  قاطعة  على الحقيقة التي يحملها سواء الحكم القضائي  أو المقرر التحكيمي  وتمنع  الأطراف  من معاودة  طرح  النزاع  المتعلق  بنفس الموضوع سواء أمام نفس المحكمين أو غيرهم “.

وإذا كانت الفقرة الأولى من الفصل 26_327 تنص على  أن الحكم  التحكيمي  يكتسب حجية الشيء المقضي به بمجرد صدوره، فان الفقرة الثانية من نفس الفصل  تنص على  أن الحكم التحكيمي لا يكتسب الحجية إذا ما تعلق  الأمر بنزاع  يكون احد الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام طرفا فيه ،إلا إذا صدر أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يطلبه الطرف الأكثراستعجالا أمام القاضي المختص مع إعمال مقتضيات الفصل 310 من قانون المسطرة المدنية  التي  تمنح  الاختصاص  للنظر في  طلب  تذييل  الحكم التحكيمي، فيما يخص هذه المسالة للمحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها والى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم  التحكيمي  يشمل  مجموع  التراب  الوطني، أي  أن  القوة التنفيذية  لا تلحق الحكم  التحكيمي إلا  بصدور أمر خاص  من  القضاء  الشيء الذي يميز أحكام التحكيم عن أحكام القضاء التي  تنفذ بصيرورتها انتهائية دون حاجة إلى  صدور أمر بتنفيذها.

وهذا يرجع لكون حكم المحكمين لا يستمد  أية  قوة  من  السلطة  العامة،  فيحتاج  إلى صدور مثل هذا الأمر من القضاء  حتى  يصل  لمرتبة  الحكم  القضائي، ويصبح  بالإمكان تنفيذه جبرا وهذه مسالة متفق عليها في جل التشريعات.

وبخصوص الجهة  المختصة  بمنح  الصيغة  التنفيذية  للحكم  التحكيمي نجد أن الفصل 31_327 ينص على أن  الحكم  التحكيمي  لا ينفذ  جبرا  إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم  في  دائرتها  إما  إذا تعلق التحكيم باستئناف حكم، وجب  إيداع  الحكم  التحكيمي  لدى  كتابة  ضبط  محكمة  الاستئناف، ويصدر الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية عن الرئيس الأول لهذه المحكمة.

وبذلك  يمكن  القول  بان القضاء يمارس الرقابة على المقررات والأحكام الصادرة عن الهيئة  التحكيمية  بمناسبة  نظره  في طلبات  تذييل هذه  المقررات بالصيغة التنفيذية ويبقى التساؤل حول حدود صلاحية القضاء في منح الصيغة التنفيذية وهي النقطة  التي  سنتناولها في المطلب الثاني.

المطلب الثاني حدود صلاحيات القاضي في تذييل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية

لئن كانت التشريعات الحديثة ومنها التشريع المغربي، قد  حرصت  على  تكريس  مبدأ استقلال التحكيم عن القضاء، وجعلت منه مبدأ إجرائيا  أساسيا  إلا  أن  ذلك لا يعني الفصل بينهما بشكل تام ومطلق. وذلك انه بتفحص النصوص القانونية لمجموع التشريعات الحديثة، نجدها قد أحاطت نظام التحكيم بمجموعة  من  الضمانات  هادفة  بذلك  إلى  ضمان فعاليته ونجاعته وسرعته، أناطتها بالقضاء  الذي  يتدخل  في حدود الاختصاصات المخولة له بناء على طلب الأطراف كلما اعترض الهيئة التحكيمية أو الأطراف  صعوبات، خصوصا على مستوى تنفيذ الحكم التحكيمي.

فالمشرع المغربي من خلال القانون 05_08 خول لرئيس المحكمة مراقبة مدى احترام المقرر التحكيمي للنظام العام وكذلك مراقبة موضوع النزاع إذا كان من المسائل التي يجوز فيها التحكيم، وأيضا التأكد من عدم المساس بالقواعد  الجوهرية  التي  يترتب على مخالفتها بطلان المقرر التحكيمي.

والمشرع في ظل القانون المذكور حدد حالات الطعن  بالبطلان  في  الفصل 36_327 ويمكن القول أن سلطات رئيس  المحكمة  محددة  في  مراقبة مدى احترام المقرر التحكيمي للمقتضيات القانونية المنصوص عليها في التحكيم.

هكذا يتبن  لنا  أن  القضاء  يمارس  رقابة  على  التحكيم   وعلى  القرارات  الصادرة عن المحكمين وان التذييل بالصيغة التنفيذية هي الطريقة  الوحيدة  لبسط رقابة القضاء على التحكيم، وبالتالي رقابة القاضي رقابة إجمالية وغير معمقة  وتستند  بالأساس على  الظاهر بحيث لا يمكنه رفض منح المساعدة  إلا  إذا  كانت اتفاقية التحكيم واضحة البطلان، أو كان من الجلي انه لا يمكن تنفيذها وتشمل  رقابة القضاء  كذلك المسائل المتعلقة بمعالجة التدابير المؤقتة والتحفظية والتي هي من اختصاص القضاء أساسا الذي يملك هذه السلطة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم وأثناء سيرها ولا تملك هيئة  التحكيم اتخاذ  أي تدبير من ذلك إلا بعد البدء في إجراءات التحكيم وبناء على اتفاق طرفي التحكيم على هذا الأمر.

وتختص الهيئة التحكيمية  باتخاذ التدابير المؤقتة والتحفظية  في  الحالة التي يتفق  فيها الطرفين صراحة على ذلك في اتفاق التحكيم، ويكون أمرهيئة التحكيم  باتخاذ  هذه  التدابير

بناء على طلب احد الطرفين فلا يجوز لها أن تتعرض لذلك من التدابير ذاتها لو وجدت أثناء نظر النزاع ظروفا يقتضي اتخاذ مثل هذه التدابير.

وإذا أمرت هيئة التحكيم احد الطرفين باتخاذ تدبير مؤقت أو تحفظي في الحالات التي يجوز لها فيها ذلك، ولم ينفذ من صدر إليه الأمر ذلك جاز للطرف الأخر أن يلجأ للقضاء للحصول على أمر بتنفيذه، فيقتصر دور الاختصاص هنا على إصدار الأمر بتنفيذ التدابير الذي  سبق أن اتخذتها هيئة التحكيم وينعقد الاختصاص بإصدار الأمر بالتنفيذ لرئيس المحكمة.

مما سبق يمكن القول بان القضاء يتدخل في إطار الاختصاص الموكول له لتذييل المقررات التحكيمية بالصيغة التنفيذية وذلك لإكسابها القوة التنفيذية الجبرية وهو هنا يلعب دورا رقابيا ودور جهاز مساعد يعطي للأحكام والمقررات التحكيمية النجاعة والفعالية اللازمة.

هذا الأمر يبقى رهينا بحسن اختيار القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع والذي سيكون موضوع المبحث الثاني.

المبحث الثاني القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع

لما كان التحكيم يتسع مجاله ليشمل العلاقات ذات البعد الدولي فان معرفة وتحديد القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع تعتبر مسالة هامة، فذلك يعتبر الأساس الذي يعتمده المحكمون في إصدار أحكامهم وبالتالي حسم النزاع وإنهائه وإذا كان الأمر لايطرح كثير إشكال بالنيابة للقاضي في كل دولة إذ يتعين عليه تطبيق النصوص القانونية للدولة التي يستمد منها سلطته وبالتالي يطيق القانون أو قواعد القانون الدولي الخاصة بتنازع القوانين لتلك الدولة.

فان الأمر على عكس ذلك يختلف تماما بالنسبة للمحكم الذي يستمد سلطته من اتفاق التحكيم، أي أن مصدر سلطة المحكم هي إرادة طرفي النزاع المعروض عل هيئة التحكيم فالقاضي يمارس هنا مهامه التي يجد لها أساسها في العقد عند النظر في النزاع أمامه عند تحديده واختياره للقانون أو القواعد الموضوعية التي تحكم موضوع النزاع ويبحث عن هذا القانون من خلال إرادة الأطراف الصريحة أو الضمنية.

فتعيين القانون الواجب التطبيق من قبل الأطراف قد يكون صريحا وذلك بالتنصيص عليه صراحة في اتفاق التحكيم وقد لايفصح أطراف الخصومة عن إرادتهم  في تحديد القواعد الواجب تطبيقها على موضوع النزاع ،وفي هذه الحالة يتعين على المحكم أن يبحث عن الإرادة الضمنية للأطراف لكي يتمكن من تحديد القانون الذي سيطبقه على هذا النزاع,

وبذلك سنحاول البحث في إطار تحديد القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع عن تطبيق المحكم لقانون الإرادة الصريحة للطرفين في المطلب الأول ثم بعد ذلك نتطرق في المطلب الثاني لدور الإرادة الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق.

المطلب الأول تطبيق قانون الإرادة الصريحة

فإطار عقد التحكيم قد يحددون في عقد اتفاق التحكيم القانون الذي يريدون الاحتكام إليه وفي هذه الحالة تكون هيئة التحكيم ملزمة بتطبيق القانون الذي اختاره الأطراف، وهذه المسالة من المبادئ المتعارف عليها في التحكيم التجاري الدولي وذلك أن القانون الذي يختاره الأطراف له الأولوية في التطبيق على كافة القوانين الأخرى القابلة للتطبيق متى كان هذا القانون لايتعارض مع القواعد الآمرة في النظم القانونية ذات العلاقة.

فالمشرع المغربي من خلال مقتضيات05_08 أكد على حرية الأطراف في اختيار القواعد القانونية التي تطبقها هيئة التحكيم على جوهر النزاع حيث نص الفصل44_327 من قانون المسطرة المدنية على مايلي :” تحدد في اتفاق  التحكيم، بكل حرية ،القواعد القانونية التي يتعين على الهيئة التحكيمية تطبيقها على جوهر النزاع .وفي حالة عدم اختيار الأطراف للقواعد المذكورة، فان الهيئة التحكيمية تفصل في النزاع طبقا للقواعد التي تراها ملائمة في جميع الأحوال، تأخذ الهيئة التحكيمية بعين الاعتبار ومقتضيات العقد الذي يربط بين الأطراف والأعراف والعادات السائدة في ميدان التجارة”

وهذه المسالة سبق أن أعدتها مجموعة من الاتفاقيات الدولية كاتفاقية لاهاي المؤرخة في فاتح مارس1954 المتعلقة بالمسطرة المدنية والتي تم الانخراط فيها بمقتضى ظهير30_09_1969 وكذلك اتفاقية نيويورك المبرمة في10_06_1958 بشان الاعتراف بالمقرارات التحكيمية وتنفيذها والتي صادق عليها المغرب بمقتضى الظهير الشريف266_01_59 بتاريخ19 يناير1960 بالإضافة إلى اتفاقية واشنطن لتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطني الدول الأخرى المؤرخة في 18_03_65والتي صادق عليه المغرب بتاريخ 10_06_67.

كما أن قواعد الهيئات  الدولية للتحكيم قد أشارت إلى حرية الإرادة في اختيار القانون الواجب التطبيق على المنازعات الدولية ومنها على سبيل المثال لائحة محكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية لباريس.

وإذا كان للإرادة هذا الدور في تحديد القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع فان هذا لايعني أن حرية الأطراف المطلقة بهذا الخصوص بل هي مقيدة باعتبارات النظام العام وعدم التحايل على القانون المعروض أصلا ليحكم النزاع.

المطلب الثاني : دور الإرادة الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق

بما أن التحكيم بصفة عامة يقوم على اتفاق الأطراف حول اختيار هذه الوسيلة كسبيل للبث في المنازعات والخصومات التي تقع بينهم أو التي من المحتمل أن تقع مستقبلا.

فان لإدارة الطرفين في عقد التحكيم دور كبير من حيث اختيار الهيئة التحكيمية وكذلك في مجال اختيار القانون الواجب التطبيق على المنازعات التي قد تعرفها العلاقة التعاقدية التي تربط الطرفين وذلك سواء أكان هذا الاتفاق مشروطا في العقد بشرط التحكيم أم انه اتفاق خاص، إذ قد يفاق بين طرفي العقد.

على أن يحكم موضوع النزاع في دولة معينة ،وقد يتفق الأطراف على خضوع جزء معين من النزاع لقانون معين أو يتم الاتفاق على تطبيق بعض أحكام القانون المختار دون البعض الأخر وفي مثل هذه الحالة نكون بصدد الاختيار الايجابي، وقد يتفق الأطراف على استبعاد تطبيق قانون معين أو جزء من القانون المختار وهذا مايعرف بالاختيار السلبي للقانون.

ولكن في جميع هذه الأحوال نجد أن لإرادة الطرفين دورا أساسيا في اختيار القانون الواجب التطبيق على جوهر النزاع أو استبعاد تطبيق قانون ما، ومع ذلك فان هذا الدور للإرادة يبقى بحاجة إلى تفسير،وذلك من حيث بيان أساسه القانون والذي يمكن أن نجده في قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، وكذلك ماورد بالفصل230 من قانون الالتزامات والعقود من كون الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح تقدم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ولايجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون وكذلك الشأن لمبدأ حرية الإرادة ولما كان المحكم في مجال المنازعات الدولية ذات الطبيعة الخاصة يلعب دور القاضي في مجال المنازعات ذات الطابع الوطني فان السؤال الذي يثار هنا هو أي دور للمحكم في حالة ما إذا كانت إرادة احد الطرفين المتنازعين معيبة بأحد عيوب الإرادة؟

وهنا مسالة أخرى لاتقل أهمية، وهي أن اختيار القانون الواجب التطبيق المطروح على أهمية التحكيم قد يكون من قبل الطرف الأقوى في العلاقة ،وهذا مايحصل غالبا في الفقرة الدولية ذات الشكل النموذجي بحيث يكون قانون الإرادة هو في الواقع قانون الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية، مما يهدد التوازن العقدي وغالبا مايكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الوطني للطرف الأقوى في العلاقة ،وفي هذه الحالة تثار مسالة مدى أهمية إمكانية تطبيق أحكام وقواعد عقود الإذعان بمعنى هل يمكن للمحكم من الشروط التعسفية حماية للطرف الضعيف في العلاقة؟

ويحصل أحيانا أن تطرأ بعض الظروف الاستثنائية التي تجهل تنفيذ التزامات احد المتعاقدين مرهقا وقد تلحقه خسارة جسيمة فما دور المحكم في مواجهة مثل هذا الاحتمال؟ هل يستطسع المحكم أن يوازن بين مصلحتين الطرفين المتعاقدين ويرد الالتزام المرهق إلى الحدود المعقولة وفق مقتضيات العدالة كما تقتضي بذلك أحكام القوانين الوطنية؟

قد يعجبك ايضا