صناعة  النخب البرلمانية بين الممكن واللاممكن

المعلومة القانونية – مصطفى الهايج

  • باحث في سلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط.

تقديم:

تعتبر النخبة البرلمانية شرايين المؤسسة التشريعية وقلبها النابض وعمودها الفقري، كما عبر عن ذلك جلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2004-2005، عندما اعتبر أن افتتاح جلالته دستوريا للسنة التشريعية تشكل فرصة لمخاطبة النخب السياسية، ومن خلالها الشعب المغربي حول قضاياه الكبرى، وتبادل المشورة في أحوال الأمة بهدف إشراك البرلمان في بلوغ الهدف الأسمى لبناء مغرب ديمقراطي موحد، منتج وتضامني، متقدم ومنفتح.

وفي هذا السياق، فالأداء الجيد للنخبة البرلمانية المغربية مرتبط بتوفير الوسائل والميكانيزمات الداعمة لتبلور ممارسة برلمانية جيدة تستجيب للمتطلبات والفروض التي تمثل فيها هذه النخبة، وهي أدوات حاضرة بقوة في النظم البرلمانية المقارنة، حيث لازالت النخبة  البرلمانية المغربية غير قادرة على التفاعل مع أدوات الفعل البرلماني، وذلك نتيجة تحكم عدة عوامل منها، خصوصية النظام السياسي المغربي الذي تلعب فيه المؤسسة الملكية دورا استراتيجيا ومحوريا أساسيا في تأطير عمل المؤسسة البرلمانية، من خلال التوجيه المتواتر والمستمر، وأيضا من خلال المشاركة المباشرة في اتخاد القرار، وذلك باعتبارها مؤسسة تاريخية ودينية ودستورية، في مقابل البرلمان الذي لا يتوفر إلا على مشروعية انتخابية، وخضوعه للتجاذبات السياسية للأحزاب ومحدوديته في الزمان، وبالتالي فالتمثيلية السامية للأمة تعد من صلاحية جلالة الملك، أما البرلمان فهو ممثل من الدرجة الثانية، ولا تنسب إليه إلا مسؤولية الإنابة، بالإضافة إلى تأثر العمل البرلماني بنزعة البرلمانية المعقلنة في ثوبها الفرنسي الدكولي الأرلياني، وأيضا تخلف الأحزاب السياسية عن أداء دورها فيما يمكن تسميته بغياب التثقيف البرلماني، كما أن النخبة البرلمانية في المغرب عملت على تزكية هذا الوضع وإثرائه بفعل الإلتفاف على المصالح الشخصية بدل الأمور المؤسساتية، مما أدى إلى تراكم الممارسات السلبية، وسيادة روح اللامبالات في أداء الواجب البرلماني، وعدم الشعور والنظر للمسؤولية البرلمانية كمجال خصب لتحقيق المكاسب المادية والمعنوية، والإبتعاد عن خدمة المصلحة العامة القائمة على المشاركة والجرأة والمبادرة والعزم والتصميم، حيث آلت هذه السمات إلى إحداث بنية ثقافية رافضة ومقاومة لكل تغيير أو تجديد وكرست ما يسمى بالعدمية البرلمانية. 

وبالنسبة للعامل الآخر الذي يجعل النخبة البرلمانية غير قادرة على التفاعل مع آليات العمل البرلماني، يتجلى في ضعف التكوين الشخصي والسياسي لدى ممثلي الأمة، والإفتقار للخبرة والإحترافية. أما على المستوى الرقابي، فيغلب عليه الطابع الشكلي  بتهافت أعضاء البرلمان على الرقابة العادية والغير المثيرة لمسؤولية الحكومة، خصوصا الأسئلة.

وبالإضافة للعوامل الأخرى  التي تحد النخبة البرلمانية من التفاعل الإيجابي مع العمل البرلماني نجد السلوك السلبي الذي ينهجه ممثلي الأمة، والذي يطهر في العديد من المظاهر المشينة التي طبعت أعمال البرلمان المغربي بغرفتيه مجلس النواب ومجلس المستشارين، ومن بينها ظاهرة غياب أعضاء البرلمان عن حضور الجلسات  واجتماعات اللجان، بعذر أو بدونه. وقد رسخت صور المقاعد الفارغة في قاعة الجلسات موقفا شعبيا سلبيا اتجاه العمل البرلماني، وهزت مصداقية المؤسسة لدى الرأي العام. وقد أصبحت ظاهرة الغياب الذي يشكل استهتار بالوظيفة البرلمانية، واستهتار بمصالح المواطنين، بمثابة فعل وممارسة متجذرة وسلوك مكتسب لدى أعضاء البرلمان.

وللغياب دوافع متعددة،  فهناك الغياب لأسباب قاهرة وموضوعية، إما بسبب الجمع بين المهام وتعددها، أو بسبب القيام بمهام أخرى تدخل في إطار العمل البرلماني، ثم الغياب الاستراتيجي، الذي تخطط له بعض الجهات المناهضة للفكر البرلماني وتطوير الديمقراطية في مختلف أوجهها، وأخيرا الغياب الموجه أو بأوامر السلطة، ذلك أن بعض ممثلي الأمة إتقانا منهم لدورهم كشركاء للسلطات الإقليمية أو الجهوية، لا يهتمون بضرورة الحضور أو الغياب عن طريق ما يتلقونه من تعليمات في الموضوع من العمال أو الولاة أو غيرهم، ولا يحضرون البرلمان إلا من أجل نقل أخباره، أو لأغراض خاصة. ومن السلبيات أيضا بروز ظاهرة العائلات البرلمانية، أو ما يسمى بتوريث النخبة، هذا المطهر الذي يعد سلبيا ويشكل اختلالا في الممارسة البرلمانية المغربية.

كأسرة النائب البرلماني عبد الهادي خيرات، من حزب الإتحاد الإشتراكي، بوجود زوجته في اللائحة الوطنية، وأخيه في مجلس المستشارين، ناهيك عن قيدوم حزب الإتحاد الإشتراكي، عبد الواحد الراضي بوجود أخيه وابن أخيه إضافة إلى عائلة آل الشعبي الثرية، فرجل الأعمال الشهير أكبر نائب برلماني من حيث السن، يجاور إبنه الشعبي فوزي…واللائحة طويلة. 

لذلك فالمطلوب اليوم هو تأهيل العمل البرلماني، بالإضافة إلى تجاوز البرلمانية التمثيلية الكلاسيكية إلى البرلمانية العصرية من خلال ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة، من خلال التوفر على نخبة برلمانية مؤهلة  تتوفر فيها شروط الإحترافية وقدرات وكفاءات استثنائية، ومتمتعة بخبرات عملية وعلمية وثقافة واسعة، تساعدها على  القيام بأداء واجبها سواء في المناقشة أو أثناء القيام بدورها التشريعي أو الرقابي بكل جدية، حيث أن فاعلية البرلمان تزداد كلما كانت زيادة في الأعضاء المنتمين للتيارات السياسية المختلفة والإنتماءات المتعددة، تكون قادرة على مواكبة متطلبات المستجدات التي تعرفها البلاد في مختلف المجالات، وأيضا على تحسين صورة البرلمان وتحقيق مصالحة المواطنين مع العمل السياسي النبيل، لضمان مشاركة واسعة للمواطنين في القضايا الوطنية الأساسية. 

وقد جاء الدستور الجديد لتخليق الممارسة البرلمانية، حيث قطع الشك باليقين وارتقى بمضمون المادة الخامسة من قانون الأحزاب السياسية الذي سبق وأن منع الترحال، إلى التنصيص عليها دستوريا في الفقرة 1 من الفصل 61، على انه: ”يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي، الذي ترشح باسمه للإنتخابات، أو عن الفريق أو عن المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها”، وهو ما سيساهم في تخليق الممارسة البرلمانية الداخلية وإضفاء طابع الإستقرار المؤسساتي عليها، وفي نفس الإتجاه قام المشرع الدستوري بإلغاء الحصانة الجنائية التي كانت تشكل درعا لحماية فساد بعض أعضاء البرلمان، واكتفى بالحصانة ضد المسؤولية التي تكفل للممثل الأمة حرية إبداء الرأي وحرية المناقشة والتعبير وحرية التصويت بالموافقة والمعارضة دون تعرضه للمتابعة أو الإعتقال أو المحاكمة مع مراعاة الإستثناءات المقررة في الفصل 64 من الدستور، وهذا ما يفيد على كون النائب البرلماني أصبح مواطنا عاديا ينطبق عليه ما ينطبق على باقي المواطنين، ويحتفظ له القانون فقط بالحصانة اللازمة لتأمين أداء دوره النيابي داخل المجلس لا خارجه. وهذه الإصلاحات تجسد الإرادة الملكية لتحديث النظام السياسي بسعيه لتحقيق ملكية برلمانية ديمقراطية.

المراجع:

 

  • عبد الإله فونتير: العمل التشريعي بالمغرب، أصوله ومرجعياته الدستورية، دراسة تأصيلية وتطبيقية، الجزء الثالث، سلسلة دراسات وأبحاث جامعية -4-، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة 2002.
  • عثمان الزياني: الإصلاح البرلماني في المغرب، بحث في الأسس والمرتكزات، مجلة الدولية، مجلة فكرية تعنى بالشؤون والقضايا الدولية، العدد 5، سنة 2009. 
  • لحسن بنساسي: التأهيل البرلماني وإشكالية النخبة النيابية، منشور بجريدة العلم : 16-08-2009 .
  • عثمان الزياني: النخبة البرلمانية في ظل دستور2011، بين انحصار الفعل البرلماني وانتشار طبائع السلوك غير القويم، وعوز الفعالية، وجهة نظر، عدد مزدوج 56-57، 2013 ص 26-27.
  • لزعر عبد المنعم: ظاهرة الجمع بين الإنتدابات الإنتخابية وتجلياتها في الممارسة البرلمانية المغربية، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 30، ربيع 2011.

 

  • دستور المملكة المغربية 2011 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011 .
قد يعجبك ايضا