إسماعيل حبرمان: “المادة 9” من مشروع قانون المالية “عبث تشريعي”

المعلومة القانونية – إسماعيل حبرمان

  • طالب باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين السبع
  • حاصل على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة

تعد إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة من المواضيع التي أثير حولها نقاش واسع من قبل الباحثين وخصوصا مع تطور الإجتهاد القضائي، ودالك من أجل البحث عن الوسائل والضمانات الكفيلة بحمل الإدارة على تنفيد الأحكام الصادرة ضدها.

في الواقع لا قيمة لمبدأ المشروعية في الدولة ما لم يعرف المبدأ احترام القضاء، بل لا قيمة للقانون بغير تطبيق ولا قيمة للأحكام القضائية بدون تنفيذها، و إلا فماذا يجدي أن يجتهد القاضي الإداري في إيجاد الحلول الناجعة بما يتلائم و ضمان الحقوق و الحريات إدا كانت أحكامه لا تنفد، فما يطمح إليه المتقاضي من دعواه لدى القضاء الإداري ليس هو إغناء الإجتهاد القضائي بل إستصدار حكم يحمي حقوقه، فبدون تنفيد تصير الأحكام بدون جدوى ويفقد الناس ثقتهم في القضاء ويدب اليأس في نفوسهم .
فلما نتمعن في مقتضيات المادة 09 من قانون المالي لسنة 2020 سيتضح لنا أنه ما سال المداد بشأنها هو الفقرة الأخيرة : ( و إذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين لها غير كافية، يتم عندئد تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الأمر بالصرف وجوبا بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة و ذلك في أجل أقصاه أربع سنوات ووفق الشروط المشار إليها أعلاه، دون أن تخضع أموال و ممتلكات الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها للحجز لهذه الغاية.)

إن ما تضمنته المادة من منع إخضاع أموال الدولة و الإدارات للحجز هو إنكار للعدالة و تعطيل لوظيفة القضاء وللأمر بالتنفيذ الذي يصدر بأمر من أعلى سلطة في البلاد، وضرب لهيبة القضاء وأحكامه، لأنه لا يمكن أن يمنح للقضاء سلطة من اليمين وتسحب منه من الشمال، ومن غير المعقول أن تستغرق الخصومة سنوات وبعد هذا المخاض الطويل داخل المحاكم ومساطرها المتعددة وتكاليفها سيواجه هذا الحكم القضائي بمادة خلقتها الدولة لتملص من تنفيذ الأحكام القضائية، حيث يعتبر هذا ضرب سافر لحق المساواة بين الإدارة والمواطن والتوازن بين حماية السير العادي للمرفق العام

والقانون المالي هو قانون ظرفي لا يمكن استغلاله لتمرير مثل هذه الإجراءات بل مكانها هو قانون المسطرة المدنية، فالدولة اليوم وجدت منطلقا استغلته أحسن إستغلال ووقعت بذالك في المحضور وهو عدم دستورية هذه المادة، إنطلاقا من الفصل 126 من الدستور الذي ينص على ما يلي :

“يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاءيجب على السلطات العمومية تقديم المساعدات اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر كذلك إليها بذلك ، ويجب عليه المساعدة على تنفيذ الأحكام “.

ولأنها تتناقض كدالك مع خطابات ملكية تحذر من تحقير الأحكام القضائية لاسيما خطاب افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، قال جلالته” المواطن يشتكي بكثرة، من طول و تعقيد المساطر القضائية، و من عدم تنفيذ الأحكام، و خاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، و هي التي يجب أن تصونها و تدافع عنها، و كيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها و قد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي.”

ولأنها اليوم ستفقد المغاربة الثقة في قضائهم لأن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف من الولوج للقضاء، وعدم التنفيذ يؤثر على القضاء ويفقد المواطنين الثقة فيه، ويزيد الأمر خطورة إدا كانت الجهة المعطلة للتنفيذ هي الدولة ومؤسساتها، إن احترام القضاء في دولة من الدول يعبر عن مدى تقدم هذه الدولة ومدى تطورها، فقد عرضت على رئيس الوزراء البريطاني المشهور”وينستون تشرتشل” أيام الحرب العالمية الثانية قضية تتعلق بحكم قضى بمنع تحلق الطائرات العسكرية أثناء انعقاد الجلسات نظرا للإزعاج الذي كانت تسببه فكان جوابه بعبارته الحكيمة الخالدة عندما قال: {لا بد من تنفيد الحكم، فإنه أهون أن يكتب التاريخ أن إنجلترا هزمت في الحرب من أن يكتب فيه أنها إمتنعت عن تنفيد حكم قضائي}.

لأنه من العبث اليوم أن يقبل المجتمع المغربي وجسم العدالة خاصة تشريع هذه المادة التي تعتبر ردة قانونية وتترامى على سلطات القضاء، كما نتأسف على المنحى الذي سلكه مجلس النواب وقبله لجنة التشريع في مادة تتعارض مع القانون ومع حقوق الإنسان ومع الدستور.

فكان أجدر بالحكومة أن تلتفت لمسؤوليها بالإدارة من أجل تطوير مهارات اتخاذ القرارات الإدارية التي تتسبب أحيانا في دعاوى تكلف الدولة أموالا طائلة عوض الالتجاء إلى قانون المالية وتمرير هذه المادة المشؤومة لنكون أمام حكومة قليلة الذكاء والخبرة .
وفي إحصاءات حديثة تبين أنه ما نفذ من أحكام ضد الدولة في خمس سنوات الأخيرة يعادل ما تم تنفيذه منذ نشأة المحاكم الإدارية بالمغرب، وهدا إن كان يدل على شيء فإنه يدل على أن الدولة اليوم لم تعد مستعدة لتنفيذ هذه الأحكام الصادرة ضدها.
وبالتالي فلابد أن يتم تدارك هذه المادة في مجلس المستشارين وإلا ستكون مادة تحارب بها الدولة مواطنيها، وستساهم في إفلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة وتضرب بها الإستثمار بصفة عامة.

قد يعجبك ايضا