وزير العدل: تعويض ضحايا حوادث السير بعد 35 سنة على صدور ظهير 1984
كلمة السيد وزير العدل الأستاذ محمد بنعبد القادر في ندوة هيئة المحامين بالدار البيضاء في موضوع تعويض ضحايا حوادث السير بعد 35 سنة على صدور ظهير 02 أكتوبر 1984″.
الدار البيضاء : 01 نونبر 2019
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين .
السيد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء المحترم ؛
السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان و العلاقات مع البرلمان المحترم؛
السيد وزير التشغيل و الإدماج المهني المحترم ؛
فضيلة الأستاذ المحترم ادريس الضحاك الأمين العام للحكومة سابقا ؛
السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب المحترم ؛
السيدات و السادة المسؤولون القضائيون المحترمون ؛
السادة النقباء و السيدات و السادة المحامون المحترمون ؛
حضرات السيدات و السادة الافاضل ،كل باسمه و صفته ؛
يسعدني و يشرفني أن أشارك معكم في افتتاح أشغال هذه الندوة الوطنية الهامة المنظمة من طرف مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء في موضوع ” تعويض ضحايا حوادث السير بعد 35 سنة على صدور ظهير 02 أكتوبر 1984″، و التي تتميز بمشاركة نخبة وازنة من رجال الفكر و القانون و الخبراء و الأكاديميين و المهتمين بالموضوع ، سواء من المغاربة أو الأجانب ، و هي مناسبة أود من خلالها أن أتقدم بجزيل الشكر إلى هيئة المحامين بالدار البيضاء نقيبا و أعضاء على اختيار هذا الموضوع المهم الذي يحظى براهنية كبيرة ، كونه يرتبط بنص قانوني أثار و مازال يثير الكثير من الإشكالات العملية لكل الممارسين سواء القضاة أو المحامين أو الخبراء أو شركات التأمين ، و الشكر موصول أيضا إلى اللجنة المنظمة على حسن تنظيمها لهذا الحدث ، و حسن اختيارها للمؤطرين و المحاضرين ، و هذا ليس بغريب على هيئة المحامين بالدار البيضاء التي عودتنا دائما على الحضور الإيجابي في النقاشات القانونية المهمة و الكبرى ، فهيئة البيضاء هي أكبر هيئة للمحامين بالمغرب، و هي ثاني أكبر هيئة بإفريقيا و أحد أنشط الهيئات و أكثرها عطاء و أبرزها حضورا منذ تأسيسها سنة 1924، و وهبت الساحة السياسية و الحقوقية و القانونية الوطنية شخصيات فذة ، خدمت الوطن بكفاءة مهنية و وطنية عالية و نكران ذات ، و هذا كله يشهد بتميز هذه الهيئة المحترمة التي نكن لها ولعموم هيئات المحامين عبر ربوع المملكة كل الاحترام و التقدير.
حضرات السيدات و السادة الأفاضل ؛
يأتي تنظيم هذه الندوة في سياق النقاش العمومي الدائر حاليا حول معضلة حوادث السير بالمغرب و ما تخلفه من خسائر جسيمة في الأرواح و الممتلكات و انعكاسها السلبي على الاقتصاد الوطني ، و هو نقاش لم يقتصر على البحث في أسباب استفحال هذه الظاهرة و سبل الوقاية منها فقط ، بل تعداه للبحث أيضا في مقاربة موضوع التعويضات التي يستفيد منه ضحايا حوادث السير و مدى جبرها للضرر و تغطيتها للخسائر اللاحقة بهم .
فحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية صادر سنة 2017 فإنه ما يقارب 1.250.000 شخص يلقون حتفهم سنويا بسبب حوادث السير عبر العالم، و ما يقارب 20.000.000 شخص يصابون بجروح بسبب هذه الحوادث التي تكلف 5% من الناتج الإجمالي المحلي .
و في المغرب ، و إن كان عدد الوفيات بسبب حوادث السير قد انخفض خلال السنوات الأخيرة ، فإنه رغم ذلك يبقى هذا العدد كبيرا بالنظر إلى الترسانة القانونية المهمة التي تم اعتمادها للحد من هذه الآفة الخطيرة ، و الاعتمادات المالية التي تم توفيرها ، و الحملات الإشهارية و التربوية التي يتم تنظيمها بشكل دوري لتوعية المواطنين بضرورة احترام قانون السير ، و في هذا الإطار تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد حوادث السير التي وقعت سنة 2018 بلغ 94.944 حادثة ، خلفت 3736 حالة وفاة و 137.998 مصابا بجروح ، و هي أرقام تتجاوز ما تم تسجيله سنة 2017 حيث بلغ حينها عدد حوادث السير 89.375 حادثة ، خلفت 3726 قتيلا و 130.011 جريحا ، و قدرت الخسائر المادية الناتجة عن هذه الحوادث ما يقارب 1 مليار و مائة و خمسون مليون درهم ، و هو ما يعادل 2% من الناتج الداخلي الخام .
و قد انعكس هذا العدد الكبير من الحوادث و الضحايا على حجم الملفات المعروضة على أنظار مختلف محاكم المملكة في مادة حوادث السير ، حيث سُجِّلَ إلى حدود شهر أكتوبر من سنة 2019 ما مجموعه 231.030 قضية جنحي سير ، منها 143.170 قضية على صعيد المحاكم الابتدائية ، و 87.860 قضية بمحاكم الاستئناف ، و صدر خلال نفس الفترة ما مجموعه 200.734 حكما قضائيا ، منها 119.247 حكما عن المحاكم الابتدائية ، و 81.487 قرارا عن محاكم الاستئناف .
أما على مستوى التنفيذ في مواجهة شركات التأمين ، فقد سجلت سنة 2018 رقما مهما وصل إلى 2 مليار و ثمانمائة و ثمانية ملايين و تسعمائة و أربعة و ستون ألفا و ثلاثمائة و ثلاثة و عشرون درهما ( 2.808.964.323)، في حين سجلت سنة 2017 تنفيذ شركات التأمين ما مجموعه 3 ملايير و مائتان و ثلاثة ملايين و خمسمائة و تسعة و خمسون ألفا و ثمانمائة و واحد و عشرون درهما ( 3.203.559.821 ) ، و بلغ عدد الملفات التنفيذية المسجلة في مواجهة شركات التامين سنة 2018 ما مجموعه 73.421 ملفا ، نفذ منها 73.410 ، أي بنسبة تقدر ب 99،99 % ، أما خلال سنة 2017 فقد بلغ مجموع الملفات التنفيذية المسجلة في مواجهة شركات التأمين 69.565 ملفا ، و تم تنفيذ ما مجموعه 78.702 ملفا ، أي بنسبة تقدر ب 113،13% .
حضرات السيدات و السادة الافاضل ؛
اعتبارا لما تخلفه حوادث السير من خسائر في الأرواح و الممتلكات ، و من أضرار بدنية و جسمانية ، فقد كان لزاما إقرار آلية التعويض لجبر هذا الضرر.
و في هذا السياق فقد نظم المشرع المغربي قواعد المسؤولية المدنية عن الفعل الضار في قانون الالتزامات و العقود ، فأقر المسؤولية الشخصية القائمة على خطإ واجب الإثبات ، و أقر المسؤولية عن الخطأ المفترَض ، كما أقر المسؤولية عن فعل الأشياء و حراستها طبقا للفصل 88 ، حيث كانت الدعاوى المقدمة في إطار المسؤولية التقصيرية و الرامية إلى الحكم بالتعويض بسبب الأضرار الناتجة عن حوادث تسببت فيها عربة ذات محرك تخضع لمقتضيات هذا الفصل.
غير ان الممارسة العملية كشفت عن إشكالات كبيرة بهذا الخصوص تتمثل أساسا في عدم وجود معايير محددة للحكم بالتعويض عن الضرر ، حيث إن الامر كان يخضع للسلطة التقديرية للقضاة ، و هو ما نتج عنه صدور أحكام متباينة و مختلفة بشأن مبالغ التعويض ، رغم تشابه الوقائع ، تتراوح بين الهزالة و المبالغة ، بل إن هذا التباين و الاختلاف كان يسجل حتى داخل نفس المحكمة و داخل نفس الغرفة .
و قد أدى هذا الوضع أدى إلى تصاعد مطالب شركات التأمين بضرورة وضع معايير دقيقة و محددة بشأن التعويض عن حوادث السير ، سيما و أن عددا من هذه الشركات وجدت نفسها في حالة عجز مالي بسبب المبالغ المالية المرتفعة المحكوم بها عليها .
و بعد نقاش طويل بشأن هذا الموضوع صدر ظهير 02 أكتوبر 1984 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك ، و الذي قَنَّنَ موضوع التعويض عن حوادث السير ، حيث أصبح التعويض يتم تحديده بطريقة حسابية دقيقة و مضبوطة على أساس أضرار محددة في الظهير ، يتكلف الخبير بتحديد درجتها ، و ما على المحكمة إلا القيام بالعمليات الحسابية اللازمة لتحديد التعويض بعد إعمال نسبة المسؤولية .
و قد كان ملفتا للانتباه أن الظهير المذكور جعل من الخبرة الطبية إجراءً أساسيا في دعاوى التعويض عن حوادث السير ، بحيث لا يمكن البت في طلب التعويض إلا بعد إجراء هذه الخبرة التي يقوم بمقتضاها الخبير الطبي المحلف بتحديد نسب العجز اللاحقة بالضحية ، كما أن عملية احتساب التعويض أصبحت تتم على أساس الرأسمال المعتمد الموافق لسن الضحية و دخله السنوي ، و المحدد بالجدول المرفق بالظهير ، مع العلم ان الحد الادنى للأجر المشار إليه بالجدول المذكور قد خضع لعدة تغييرات بموجب قرارات للسيد وزير الاقتصاد و المالية ، سعت إلى الرفع من قيمته ، كان آخرها قرار 11 نونبر 1998 الذي رفع من الحد الأدنى للأجر إلى 9270 درهم سنويا .
و طيلة مدة تطبيق مقتضيات هذا الظهير من طرف محاكم المملكة ، فقد لعب القضاء المغربي دورا مهما في سد الثغرات القانونية التي كشف عنها الواقع العملي ، و ذلك من خلال إصدار قرارات قضائية تتسم أحيانا بطابع الاجتهاد و الخلق ، و أحيانا أخرى بطابع التفسير و التوضيح لعدد من المقتضيات الواردة به ، و التي كان لها أبلغ الأثر على توحيد العمل القضائي بمحاكم المملكة و وضع حد للتضارب و الاختلاف الذي كان سائدا في فترة من الفترات بشأن عدد من المواضيع و الإشكالات.
و اليوم و بعد مرور 35 سنة على صدور هذا الظهير و تطبيقه من طرف المحاكم ، و اعتبارا للتطورات التي عرفتها المملكة المغربية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو القانونية او الحقوقية ، فإننا نعتقد أن الوقت قد حان لإجراء تقييم شامل و موضوعي لهذا الظهير ، و تحديد المقتضيات التي يتعين مراجعتها بما يسهم في تجويده و تطويره ، و ملاءمته مع السعي لخلق التوازن بين حقوق الضحايا في التعويض العادل المنصف ، و بين الحفاظ على دينامية قطاع التأمين بالمغرب و وقايته من الهزات و الصدمات و ما يتولد عنها من تأثير على الاقتصاد الوطني ، و ذلك في إطار مقاربة تشاركية واسعة تضمن مساهمة و مشاركة كل الفاعلين و المتدخلين في هذا الموضوع ، قضاة و محامين و أطباء و شركات تأمين ، و القطاعات الحكومية المعنية .
و إنني أستغل تواجدي معكم بهذه الندوة الوطنية الهامة لأؤكد لحضراتكم الاستعداد التام لوزارة العدل للإنخراط بكل إيجابية و فعالية في النقاش الرامي إلى بحث سبل مراجعة ظهير 02 أكتوبر 1984 ، و توفير كافة المعطيات الإحصائية و التقنية و القانونية التي من شأنها أن تشكل أساسا سليما للمراجعة المرتقبة ، كما أؤكد لحضراتكم أيضا أنه بحكم الارتباط الوثيق بين موضوع الخبرة الطبية و بين التعويضات المحكوم بها في إطار ظهير 02 أكتوبر 1984 ، فإن وزارة العدل منكبة حاليا على دراسة موضوع الخبرة من كافة جوانبه و بحث سبل تطويرها بما يسهم في تحقيق العدالة و الفعالية و النجاعة ، و يكرس دورها كمهنة مساعدة للقضاء .
حضرات السيدات و السادة الأفاضل ؛
إنني أتطلع بالكثير من الاهتمام إلى ما ستسفر عنه أشغالكم ، و التوصيات التي ستخرجون بها ، وإنني، إذ أهنئكم السيد النقيب المحترم على عقد هذه الندوة الوطنية الهامة ، فإنني على يقين تام أن أهمية المحاور التي سينكب المشاركون على مناقشتها و دراستها طيلة هذين اليومين، و حجم و قيمة المحاضرين و المؤطرين ، كلها عوامل ستساهم في إنجاح أشغال هذه الندوة ، و الخروج بتوصيات مهمة ستكون و بدون شك قيمة مضافة للنقاش الدائر حاليا بشأن هذا الموضوع ، و مرجعا في مشروع المراجعة .
مرة أخرى أجدد لكم – السيد النقيب المحترم – شكري على دعوتكم الكريمة ، متمنيا لكم كامل التوفيق و النجاح لما فيه خير منظومة العدالة بشكل عام ، و مهنة المحاماة بشكل خاص .
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.