الأستاذ بكور: النظرية العامة للالتزامات و العقود

مبحث تمهيدي
أولاً : التعريف بالإلتزام و بيان خصائصه
ثانيا : علاقة الإلتزام بين الحقين الشخصي و العام
ثالثاً : تقسيمات الإلتزام
رابعاً : نظرة عامة عن قانون الإلتزامات و العقود المغربي
خامسا : مصادر الإلتزام
الفصل الأول : أحكام عامة لنظرية العقد
المبحث الأول : نظرية العقد
المبحث الثاني : سلطان الإرادة
المبحث الثالث : تقسيمات العقود
الفصل الثاني : أركان الإلتزام
المبحث الأول : التراضي
المبحث الثاني : المحل
المبحث الثالث : السبب
المبحث الرابع : ركن الشكلية و ركن التسليم
الفصل الثالث : بطلان العقود و إبطالها
المبحث الأول : البطلان
المبحث الثاني : الإبطال

مبحث تمهيدي : يعتبر القانون المدني هو العمود الفقري بالنسبة للقانون الخاص حيث يمكن تعريفه بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم علاقات الأشخاص
و يتناول القانون المدني في الدول المختلفة بصفةِ عامة نوعين من الروابط أو العلاقات :
روابط الأحوال الشخصية (قسم الأحوال الشخصية).
روابط الأحوال العينية (قسم المعاملات المالية).
و إذا كانت بعض التقنينات قد درجت على الجمع بين هذين الرابطين في مدونة واحدة كما هو الحال في القانون المدني الفرنسي لسنة 1804م الذي يحتوي قسمين : قسم خاص بالمعاملات المالية و قسم خاص بالأحوال الشخصية.
أما المشرع المغربي و غيره من قوانين البلاد العربية قد عني بصفة خاصة بتنظيم ما يتعلق بمسائل الأحوال العينية في إطار القانون المدني أو قانون الإلتزامات و العقود.
أما مسائل الأحوال الشخصية فقد ثم تضمينها في قوانين الأحوال الشخصية أو ما يصطلح عليه حالياً مدونة الأسرة.
و نظرية الإلتزامات تمثل مجموعة من القواعد العامة بالنسبة للقانون المدني حيث تتميز هذه القواعد بصيغتها التعميمية و التجريدية و تقوم على الأصول و الكليات دون الدخول في التفاصيل و الجزئيات و تهم البحث في الأحكام المتعلقة في المواضيع التالية :
مصادر الإلتزام
أوصاف الإلتزام
آثار الإلتزام
انتقال الإلتزام
انقضاء الإلتزام
إتباث الإلتزام
و نظراُ لإتساع نظرية الإلتزام و شمولها لمواضيع يصعب الإحاطة بها بشكل مستفيض لذلك سوف نكتفي بمبحث تمهيدي نستعرض فيه التعريف بالإلتزام بوجه عام و نتحدث في الفصل الأول عن أحكام عامة لنظرية العقد و في القصل الثاني عن أركان العقد و فصل الثالث بطلان العقود و إبطالها
مبحث تمهيدي : التعريف بالإلتزام بوجه عـــــــــــــــــــــــــــام
أولا : التعريف بالإلتزام و بيان خصائصه
أ ـ تعريف الإلتزام :
درج الفقهاء على تعريف الإلتزام على بأنه رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن والأخر مدين يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن إعطاء شيئ أو القيام بعمل أو بالإمتناع عن عمل.
و من الأمثلة على ذلك : إذا باع شخص لأخر منزلاً فإن البائع يلتزم بنقل الملكية إلى المشتري و إذا تعهد مقاول مقابل بناء منزل فإنه يلتزم بناءه أي القيام بعمله و إذا تعهد شخص بعدم فتح محل تجاري في منطقة معينة في منطقة معينة يكون قد إلتزم بالإمتناع عن عمل.
ب ـ خصائص الإلتزام :
هناك 3 خصائص للإلتزام
الإلتزام رابطة قانونية : هذه الخاصية تجعل من المدين الطرف المُلزم للوفاء بما هو مستحق بذاته بل و لهذا الأخير الحق في اللجوء إلى مسطرة التنفيذ الجبري لإرغام مَدينه على تنفيذ تعهداته, فيعبر عن ذلك أن الإلتزام يتكون من عنصرين :
ـ عنصر المديونية : و هو الواجب الملقى على عاتق المدين بالقيام بالأداء المطلوب.
ـ عنصر المسؤولية : و الذي يعني إجبار المدين المخل بإلتزاماته على الوفاء بها من خلال تمكين الدائن من المرور من مرحلة التنفيذ الجبري.
و بذلك يختلف الإلتزام عن غيره من الواجبات الأخرى الغير قانونية كالواجبات الأخلاقية.
الإلتزام يقع على عاتق شخص معين : فلا يتصور نشوء إلتزام دون وجود شخص يتحمل الإلتزام هو المدين, غير أن الإلتزام يمكن تصوره دون قيام طرف دائن عند نشوءه, كما في الوعد بالجائزة الموجه إلى الجمهور الذي يخلف إلتزاماً على كاهل الواعد دون أن يكون الدائن معين عند نشوءه و لكن مثل هذا الإلتزام المترتب على المدين دون وجود طرف دائن لا ينتج أثره الفعلي إلا إذا برز الطرف الدائن إلى الوجود.
الإلتزام ذو طبيعة مالية : يتميز كذلك الإلتزام بخاصية أخرى هي مالية الأداء التي يلتزم به المدين و هو يدخل ضمن العناصر السلبية للذمة المالية للمدين و يثقل كاهله.

ثانيا : علاقة الإلتزام بالحقين الشخصي و العيني :
أ ـ التمييز بين الإلتزام و الحق الشخصي :
الإلتزام و الحق الشخصي كلمتان مترادفتان بمعنى أن الرابطة القانونية التي تربط بين المدين بالدائن تعتبر إلتزاماً إذا نُظر إليها من جهة المدين و تعتبر حقاً شخصياً إذا نُظر إليها من جهة الدائن.
و هذا يعني أن الواجب الذي على المدين هو نفس الحق الذي للدائن حتى جرى الإصطلاح على التعبير عنها بلفظِ واحد فيُقال الحق الشخصي أو الإلتزام غير أنه يٌلاحظ أن تسمية الإلتزام تغلب على تسمية الحق الشخصي نظراً لأهمية الدور المتزن في تمكين صاحب الحق من استلام حقه.
ب ـ التمييز بين الإلتزام و الحق العيني :
الحق العيني هو سلطة يمارسها الشخص على شيئ معين تمكنه من الحصول الموجودة في هذا الشيئ بصورة مباشرة و دون وساطة أحد و أبرز الحقوق العينية هو حق الملكية فحق الملكية منزل مثلاُ يسمح باستعمال هذا المنزل و استغلاله و التصرف فيه و كل ذلك دون تدخل من أيان كان.
و أهم ما يتميز به الحق العيني أنه يمنح صاحبه سلطة امباشرة على الشيئ الذي يرد عليه [يملكه] و هكذا يتطلب قيام الحق العيني وجود عنصرين اثنين
هناك طرف صاحب الحق و شيئ محل الحق. على خلاف الإلتزام و الحق الشخصي الذي يتطلب وجوده بتوافر ثلاث عناصر :
صاحب الحق هو الدائن
المُلتزم هو المدين
الشيئ أو العمل محل الإلتزام أو الحق الشخصي.
ثالثا : تقسيمات الإلتزام :
إذا كانت الإلتزامات من التعدد و التنوع ما يستحيل معه التوجه إلى فكرة الحصر، غير أن هذا لا يمنع تصنيف الإلتزامات بإختلاف الزاوية التي تنظر إليها من خلالها، لعل أهم التقسيمات ما يلي :
ينقسم من حيث محله إلى إلتزامات ايجابية و إلتزامات سلبية،
ينقسم من حيث إمكان إجبار المدين على تنفيذه إلى إلتزامات مدنية و إلتزامات طبيعية،
ينقسم من حيث أثاره إلى إلتزامات بغاية و إلتزامات بعناية،
ينقسم من حيث المصدره إلى إرادية و إلتزامات غير إرادية،
أ – الإلتزام الإيجابي و الإلتزام السلبي :
الإلتزام الإيجابي : هو الإلتزام الذي يكون محله قيام المدين بإعطاء شيئ أو القيام بعمل، فالأول مقتضاه التزام بإنشاء أو بنقل حق عيني على منقول أو عقار لصالح الدائن أما الثاني فيتمثل في قيام المدين بنشاط معين.
الإلتزام السلبي : فهو الإلتزام الذي يكون محله امتناع المدين عن القيام بعمل كان يحق له القيام به، لولا وجود هذا الإلتزام.
ب – الإلتزام المدني و الإلتزام الطبيعي :
الإلتزامات المدنية : هي التي يستطيع فيها الدائن أن يجبر المدين على الوفاء بإلتزامه، فهي إلتزامات يتوافر فيها عنصر المــــــــــــــديونية و المسؤولية، و هذا هو الأصل في الإلتزامات.
الإلتزام الطبيعي : ليس فيه ما يجبر المدين على الوفاء بإلتزاماته، و فيها لا يستطيع الدائن جبر المدين على الوفاء، و لا ينفذ إلا بإختيار المدين، و هذه الإلتزامات يتوافر فيها عنصر المديونية فقط دون عنصر المسؤولية.
ج – الإلتزام بغاية و الإلتزام بعناية :
الإلتزام بغاية : يقع على عاتق المدين القيام بتحقيق نتيجة معينة و لا يعتبر أن المدين قد وفى إلتزامه إلا إذا قام بتحقيق هذه النتيجة.
الإلتزام بعناية : فنجد أن المدين لا يكلف بتحقيق نتيجة معينة، و يكفيه أن يتصرف تصرف الشخص الحريص من أجل الإقتراب إلى الغاية التي يتوخاها الدائن حين إبرام العقد.
د – الإلتزام الإرادي و الإلزام الغير إرادي :
الإلتزام الإرادي : هو الذي ينشأ عن إرادة واعية كنتيجة القيام بتصرف قــــــــانوني، و هذا الإلتزام يكون صادراَ إما عن العقد أو الإرادة المنفردة.
الإلتزام الغير إرادي : هو مبدأ عام كل إلتزام لا علاقناشئ ة له بإرادة الملتزم، و يشمل الإلتزام الناشئ عن فعل ضــــار أي العمل غير المشروع، كما يشمل الإلتزام الناشئ عن فعل نافع أي الإثراء بلا سبب و قد يأتي في صورة إلتزام قـــــــــانوني جاء به المشرع في سياق تنظيم مجال من المجالات.
رابعاَ : نظرة عامة عن قانون العقود و الإلتزامات المغربي :
كان ميدان المعاملات المالية في المغرب ما قبل الحماية يخضع لقواعد الفقه الإســــــــلامي و الأعراف و العادات المحلية،
بموجب نظام الإمتيازات الممنوح لرعايا و مواطني الدول الأجنبية أصبح هؤلاء لا يخضعون في نزاعاتهم التعاقدية للقانون و القضاء المغربيين بل لقوانين بلدانهم و أمام الحاكم القنصلية، و استمر هذا الوضع إلى حين إبرتم معاهدة الحماية.
بادرت سلطات الحماية إلى إنشاء المحاكم العصرية، كما أصدرت عدداَ من القوانين، من بينها قانون الإلتزامات و العقود، الذي جاء في صورة طبق الأصل للمجلة التونسية للإلتزامات و العقود التي تم وضعها سنة 1906 مع بعض الإختلاف في بعض النصوص.
و قد جاء هذا القانون خليطا من القواعد المتعددة المصدر، من مدونة نابليون التي وضعت سنة 1804 و المدونات الجرمانية و اللاتنية إلى الفقه المـــــالكي و الحنفي إلى جانب الأعراقف المحلية التي كانت سائدة آنذاك.
و لقد كان قانون الإلتزامات و العقود موجهاَ لتنظيم العلاقات المدنية للاجانب، و يعمل به أمام المحاكم العصرية، و لم يسري على المغاربة الذين استمر خضوعهم خلال فترة الحماية إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
بصدور قانون 26 يناير 1965 المتعلق بتوحيد و تعريب و مغربة القضاء، انحصر نطاق تطبيق قانون الإلتزامات و العقود الذي أصبح معمولا به لدى كل المحاكم الموحدة، في سائر الدعاوى الشخصية و العينية التي لا تهم العقار الغير محفظ أو التي هي في طور التحفيظ و لا في قانون الأسرة.
و يشمل قانون الإلتزامات و العقود 1250 فصلا، و ينقسم إلى كتابين رئيسيين :
الكتاب الأول : يتضمن النظرية العامة للألتزامات ( من الفصل الأول إلى غاية الفصل 477 ).
الكتاب الثاني : يتناول أحكام مختلف العقود المسماة و أشباه العقود التي ترتبط بها ( من الفصل 478 إلى غاية الفصل الأخير ).
و قد بقي هذا القانون مطبقا إلى اليوم بالرغم من مرور أزيد من قرن على وضعه، بحيث لم يطله التعديل و التغيير خلال هذه الفترة إلا في حالات نادرة.
خامساَ : مصادر الإلتزام :
يقصد بمصدر الإلتزام السبب القانوني الذي أنشأ الإلتزام أي الوقائع القانونية التي تؤدي إلى نشوئه.
اختلف الفقه و التشريع في تصنيف و ترتيب مصادر الإلتزام بناء على تعدد النظريات، و سنتوقف في تقسيم مصادر الإلتزام عند النظرية التقليدية و النظرية الحديثة و التقسيم الوارد في قانون الإلتزامات و العقود.
تقسيم مصــــــادر الإلتزام حسب النـــــــــــــــــــظرية التــــــــــــــــــــقليدية :
يقصد بالتقسيم التقليدي لمصادر الإلتزام ذلك الذي أخد به القانون المدني الفرنسي و هو يحصر مصادر الإلتزام في الخمسة، و هي :
العقد و هو توافق إرادتين على إنشاء الإلتزام في ذمة كل من العاقدين أو في ذمة أحدهما،
شبه العقد و هو عمل اختياري مشرع ينشأ عنه الإلتزام نحو الغير، و قد ينشأ عنه إلتزام مقابل في ذمة ذلك الغير،
الجريمة و هي عمل ضار يأتيه الإنسان متعمداَ الإضرار بالغير،
شبه جريمة و هو عمل ضار كذلك، لكنه غير مقترن فيه الإضرار بالغير،
القـــــــــــــــانون و يعتبر مصدر الإلتزام في حـــــألات ينص عليها.

و قد أجمع الفقه الفرنسي على هذا التصنيف و ذلك من ناحيتين :
فمن ناحية أنه أغفل ذكر الإرادة المنفردة في عداد مصادر الإلتزام، مع أن الإرادة المنفردة يمكن أن تكون مصدراَ للإلتزام إلى جانب العقد.
و من ناحية أخرى أنه اعتبر شبه الجرم و شبه العقد مصدرين من مصادر الإلتزام نتيجة خطأ و وهم في تفسير القانون الروماني.
تقسيم مصادر الإلتزام حسب النـــــــــــظرية الحــــــــــــديثة :
عمدت التقنيات الحديثة إلى الأخد بتقسيم آخر لمصادر الإلتزام، و المتمثل في :
العقد،
الإرادة المنفردة،
العمل الغير المشروع،
الإثراء بلا سبب،
نص القانون.
و الجدير بالذكر أن قانون الإتحاد السويسري و التشريعات التشريعات الحديثة في البلاد العربية، كالقانون المدني المصري، و القانون المدني السوري، قد تبنت هذا التصنيف.
تقسيم مصادر الإلتزام حسب قانون الإلــــــــتزامات و العـــــــــــقود المـــــــــغربي :
نصت المادة الأولى من قانون العقود و الإلتزامات على أن :
الإلتزامات تنشأ عن الإتفاقات و التصرفات الأخرى المعبرة عن الإرادة، و عن أشباه العقود، و عن الجرائم و أشباه الجرائم.
المشرع المغربي و على خلاف نظريره الفرنسي اعتد بالإرادة المنفردة ضمن مصادر الإلتزام، غير أنه يؤخد عليه أنه اعتد بشبه العقد و شبه الجريمة كمصدرين للإلتزام، كما يؤخد عليه إغفاله ذكر القانون في عداد مصادر الإلتزامات.
الفصـــــــــــــــل الأول : أحكام عــــــــامة لنظرية العـــــــــــقد
يعتبر العقد أهم التصرفات القانونية في الحياة العملية، و لدراسة نظرية العقد سنعمل على تعريف العقد، ثم نتطرق لدور الإرادة في العقد و تحديد دائرته أو ما يسمى بمبدأ سلطان الإرادة، و أخيراَ ندرس تقسيمات العقود.
المبحث الأول : تعريف العقد
لم يعرف قانون العقود و الإلتزامات العقد، و قد أحسن المشرع المغربي صنعا حين تجنب تعريفه، لأن التعريف مجال الفقه و الإجتهاد.
و العقد يمكن تعريفه بأنه : ” هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني معين ” و يستوي أن يكون هذا الأثر القانوني : إنشاء الإلتزام، أو نقله أو تعديله أو إنهائه.
و نستخلص من هذا التعريف، أنه لكي نكون بصدد عقد يخضع لأحكام النظرية العامة للإلتزامات، لا بد من توافر الأمور التالية :
أولاَ : توافق إٍرادتين
حيث لا ينشأ العقد و لا يرتب إلتزاماَ إلا إذا تلاقت إرادة كل الطرفين المتعاقدين على أمر معين، أما إذا كان الإلتزام ناشئاَ عن إرادة واحدة فإننا لا تكون بصدد عقد، بل بصدد تصرف قانوني صادر عن إرادة منفردة.
ثانياَ : أن تتجه إرادة الطرفين إلى إحداث أثر قانوني
فإذا لم يكن المقصود إحداث هذا الأثر، فلا نكون بصدد عقد، و على ذلك لا يعتبر من قبيل العقد دعوة صديق لتناول العشاء و قبل للدعوة، لأن الطرفين لم يقصدا إنشاء أي إلتزام قانوني، فنــــــــية إنشاء الإلتزام هي التي تميز بين العقد و بين إتفاقات المجاملات.
ثالثاَ : يجب أن يكون الإتفاق واقعاَ في نطاق القانون الخاص و في دائرة المعاملات المالية
بمعنى أن الإتفاقيات التي تقع في دائرة القانون العام، كالمعاهدات التي تبرم بين دولة و أخرى، لإنها لا تخضع إلى مبادئ النظرية العامة للإلتزام التي تحكم العلاقات المدنية، و إنما تحكمها قواعد القانون الدولي العام.
كما يجب أن يكون الإتفاق في دائرة المعاملات المالية، فالزواج مثلاَ إتفاق بين زوجين في نطاق القانون الخاص، و لكنه مع ذلك لا يخضع للقواعد العامة التي تطبق على العقود.
المبحث الثاني : مبدأ سلطان الإرادة
ارتبطت فكرة العقد بتطور مبدأ سلطان الإرادةن و يعني هذا المبدأ أن إرادة الإنسان لها السلطان في إنشاء العقد و تحديد الآثار التي تترتب عليه.
لم يكن هذا المبدأ معروفا في القانون الروماني، إذ لم يكن يكفي لإبرام العقد مجرد توافق إرادتين، بل كان لا بد من إجراءات أخرى شكلية لكي تنعقد العقود.
بدأ مبدأ سلطان الإرادة في الظهور خلال العصور الوسطى تحت تأثير مجموعة من العوامل منها : العامل الديني، العامل الإقتصادي، العامل السياسي.
عرف هذا المبدأ استقرارا و ازدهارا في القرنين السابع عشر و الثامن عشر نتيجة انتشار نظريات الإقتصادية و الفلسفية و السياسية التي تقدس الحرية الفردية، و تقر بإستقلال إرادة الفرد، و بهذا استقر مبدأ سلطان الإرادة، و صار دعامة تنبني عليها النظريات القانونية.
المبدأ تعرض لإنتقاد على إثر انتشار المبادئ الإشتراكية، خاصة الفكرة القائلة بأن الإرادة هي المصدر الوحيد للعقد، مادام أن هناك اعتبارات أخرى يستمد منها العقد قوته الملزمة، و منها العدالة، و حسن النية، و الثقة الواجب توفرها في نفوس المتعاقدين، كما أن العقد هو نظام من النظم الإجتماعية، الغرض منه تحقيق التضامن الإجتماعي و توجيه الإرادة في هذا السيل، و ليس الغرض منه تحقيق سلطان الإرادة.
تدخلت التشريعات و القضاء تحت تأثير المذاهب الإشتراكية و الإجتماعية لتعيد النظر في مبدأ سلطان الإرادة، فعملت على تقييد مبدأ الحرية التعاقدية، حيث أصبح القانون يحل محل المتعاقدين في تحديد مضمون بعض العقود، كما توجهت التشريعات الحديثة إلى فرض الشكلية في عدد من العقود، و إلى تقييد حرية المتعاقدين في إنهاء بعض العقود، بل إن المشرع ولاعتبرات تتعلق بالمصلحة العامة قد يقوم بإلغاء حرية التعاقد أو حرية عدم التعاقد.
و عموما يمكن القول إن سلطان الإرادة في العصر الحالي لم يبقى على إطلاقه، و أن التشريعات الحديثة رسم حدود للسلطان الإرادة تحت تأثير حاجات العدالة الإجتماعية، توخى فيها توازن الإرادة مع العدالة و الصالح العام.
المبحث الثالث : تقسيمات العقود
تقسم العقود تقسيمات عديدة، تبعا للوجهة التي ينظر منها العقد، و بالإستناد إلى الإجتهاد الفقهي يمكن تقسيم العقود :
على مستوى التكوين،
على مستوى الموضوع،
على مستوى الآثر،
المطلب الاول : تقسيم العقود تبعاَ تكوينها
الفرع الأول : العقد الرضائي و العقد الشكلي و العقد العيني
العقد الرضائي : هو الذي يتم انعقاده و ينتج آثاره بمجرد اتفاق الإرادتين أي بمجرد تراضي عاقديه، و دون اشتراط شكل ما لانعقاده، و القاعدة اليوم هي رضائية العقود.
العقد الشكلي : هو الذي يشترط لانعقاده علاوة على تراضي المتعاقدينن إفراغ هذا التراضي في شكل معين، يحدده القانون. و مما يلاحظ أنه يمكن للمتعاقدين أن يتفقا على جعل العقد الرضائي عفد شكليا.
العقد العيني : هو العقد الذي لا يكفي لانعقاده مجرد التراضي بين الطرفين بل لا بد من تسليم الشيئ محل التعاقد، كما يمكنهما الإتفاق على تحويل عقد رضائي إلى عقد عيني.
الفرع الثاني : عقد المساومة و عقد الإذعان
عقد المساومة : هو العقد الذي يكون لطرفيه الحق في مناقشة شروطه بحرية فبل إبرامه، و بدون فرض شروط أحد الطرفين على الطرف الأخر.
عقد الإذعان : هو الذي ينعقد دون مناقشة و لا مساومة بين طرفين، حيث أن أحد الطرفين المتعاقدين هو الذي يتولى تحديد شروط العقد، و ما على الطرف الآخر إلا أن يقبل العقد على ما فيه أو يرفضه.
الفرع الثالث : العقد الفردي و العقد الجماعي،
العقد الفردي : هو الذي يتوقف على قبول كل واحد من الأطراف المتعاقدة، بحيث إذا تخلف متعاقد واحد لم يتم العقد.
العقد الجماعي : هو الذي يكتفي فيه بقبول أغلبية أعضاء المجموعة، أما الأقلية فإنها مقيدة بهذا العقد و لو توافق عليه.
المطلب الثاني : تقسيم العقود تبعاَ موضوعها
الفرع الأول : العقد المسمى و العقد الغير مسمى
العقود المسماة : هي التي تعرض لها المشرع و نص عليها و وضع لها قواعد و أحكام خاصة بها، كالبيع و الإجارة و الرهن و الهبة و غيرها من العقود التي خصص لها قانون الإلتزامات و العقود الكتاب الثاني منه للعقود المسماة.
العقود الغير مسماة : هي التي لم يضع لها المشرع اسماَ بها و لم يفصل في أحكامها، و تجدر الإشارة إلى أن العقود الغير المسماة لا حصر لها و هي تخضع للقواعد التامة المقررة لسائر العقود.
الفرع الثاني : العقد البسيط و العقد المركب
العقد البسيط : هو ما اقتصر على عقد واحد و لم يمكن مزيجا من عقود متعددةن بحيث يتضمن وصفا واحدا لا مجال للشك في الطبيعة القانونية لعدم اخطلاته بغيره من العقود.
العقد المركب : هو ما كان مزيجا من العقود متعددة اختلطت جميعها فأصبحت عقدا واحدا.
المطلب الثالث : تقسيم العقود تبعاَ لآثارها
الفرع الأول : العقد الملزم للجانبين و العقد الملزم لجانب واحد
العقد الملزم للجانبين أو العقد التبادلي : هو الذي ينشئ إلتزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين، بحيث يصبح كل واحد منهما دائنا و مدينا في نفس الوقت.
العقد الملزم لجانب واحد أو العقد الغير تبادلي : هو الذي يرتب إلتزامات على عاتق طرف واحد فقط، أما الطرف الثاني فلا يتحمل أي إلتزام فيكون بذلك، أحدهما مدينا غير دائن و الأخر دائنا غير مدين.
الفرع الثاني : عقد المعاوضة و عقد التبرع
عقد المعاوضة : هو الذي يأخد فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما أعطى.
عقد التبرع : هو الذي لا يأخد فيه المتعاقد مقابلا لما أعطاه، و لا يعطي المتعاقد الآخر مقابلا لما أخده.
الفرع الثالث : عقد محدد و عقد احتمالي
العقد المحدد : هو الذي يستطيع فيه كل الطرفين المتعاقدين أن يحدد وقت التعاقد، مقدار ما يأخد و مقدار ما يعطي.
العقد الإحتمالي أو عقد الغرر : هو الذي لا يستطيع فيه أي الطرفين المتعاقدين أن يحدد وقت التعاقد مقدار ما يأخد أو ما يعطي بمقتضى العقد، و إنما يتحدد ذلك في المستقبل، تبعا لأمر غير محقق الحصول أو غير معروف وقت حصوله.

قد يعجبك ايضا