مصطفى الرميد: الهجرة في ظل التحولات الكونية وتأثيرها على المرجعيات القانونية

كلمة السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان الأستاذ #المصطفى_الرميد في الندوة الدولية حول موضوع
“الهجرة في ظل التحولات الكونية وتأثيرها على المرجعيات القانونية

الرباط 24 أكتوبر 2019

السيد نقيب هيئة المحامين بالرباط
حضرات السيدات والسادة؛

إنه لمن دواعي السرور أن أتواجد بين ظهرانيكم اليوم، في هذه الندوة الدولية، والتي اختارت كموضوع لها: “الهجرة في ظل التحولات الكونية وتأثيرها على المرجعيات القانونية”.
وأنوه باختياركم الموفق لموضوع من هذا الحجم والذي يجيب على مجموعة من التساؤلات التي تشغل بال المجتمع الدولي. كما أشد على يدكم فيما تقومون به من دور طلائعي في إنارة هذا الحقل المعرفي، وبالدور الذي تقومون في الدفاع عن قيم حقوق الانسان، ولاسيما الحقوق الأساسية للمهاجرين التي تحتاج لكل مساندة، تماشيا مع تلك المبادئ المنبثقة عن منتدى القضاة والمحامين المنعقد بجنيف 2016، حول دور القضاة والمحامين في علاقتهم باللاجئين والمهاجرين.

حضرات السيدات والسادة؛
إن الهجرة كظاهرة صحية، وما تحققه من إيجابيات لا تخفى، سواء بالنسبة للدول المستقبلة أو المصدرة، وذلك بما تحمله من تلاقح فكري وثقافي، وخلق فرص لكلا البلدين على مستوى تبادل الخبرة البشرية وتنمية الرواج الاقتصادي، كانت على مر العصور ظاهرة محمودة لا يمكن تجاهلها. وهي إيجابيات أفصح عنها الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غيتيرس” بمناسبة خطابه في اليوم العالمي للهجرة في 18دجنبر 2018. حيث أشاد بدور الهجرة في تعزيز النمو الاقتصادي، ودينامية المجتمعات، وقيم التسامح، وتحسين المستوى المعيشي للأفراد بشكل تستفيد منه الدول المصدرة والمستقبلة.
لكن الهجرة خرجت من ذلك المفهوم التقليدي، سواء في إطارها الشرعي أو غير الشرعي، بما تحمله من دوافع وتداعيات. وأصبحت ظاهرة معقدة تخفي في بواطنها مجموعة من المتناقضات. وتتقاطع مع مجموعة من الظواهر الخطيرة التي هي بدورها جزء من انشغالات المجتمع الدولي.
فمعالجة ظاهرة الهجرة يتعلق بتحقيق معادلات صعبة:
فمن جهة يجب حماية حقوق المهاجرين بما تقضيه المواثيق الدولية، وعلى رأسها مواثيق حقوق الانسان. فالعهدين الدوليين والجيل الثالث من الحقوق، تخول لكل فرد على قدم المساواة، الحق في التنقل والعيش الكريم والعيش في بيئة سليمة.
وهناك من جهة ثانية، الهجرة بتداعياتها على الدولة باعتبارها عضوا داخل المجتمع الدولي، وما يقتضي ذلك من ضرورة وفائها بالتزاماتها الدولية وبمبدأ حسن الجوار، وذلك في إطار البحث عن أمن دولي، في ظل ظاهرة حمالة أحيانا لمجموعة من الظواهر الاجرامية العابرة للحدود ومتقاطعة معها، من ذلك جريمة الإرهاب وتهريب المهاجرين والاتجار في البشر وتبييض الأموال والمخدرات. وهي كلها ظواهر تستلزم التعاون الدولي، من أجل التصدي لها ومحاربتها، بحيث أن التدخل الفردي لكل دولة في إطارها الضيق، سوف لن يجدي نفعا في القضاء عليها أو حتى في الحد منها.

حضرات السيدات والسادة؛
إن الهجرة في ظل هذه التحولات الكونية وبتزايد عدد المهاجرين نتيجة تنامي الحروب والتغيرات المناخية تنضاف إلى دوافعها القديمة المتمثلة في الفقر والبطالة، لا شك أحدثت مجموعة من التأثيرات على المرجعيات القانونية. والمغرب في هذا الإطار، وبحكم موقعه الجغرافي المتميز كبوابة عبور نحو الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، حيث حلم العديد من المهاجرين من جنسيات مختلفة، تحول في الآونة الأخيرة من بلد العبور إلى بلد الاستقبال والإقامة. وهو ما يستلزم مراجعة إطاره القانوني والمؤسساتي، بما يستجيب لتحقيق هذه المعادلات السابقة الذكر، في إطار سياسة متكاملة توفق بين مرجعياته الحقوقية والتزاماته الدولية.
على هذا الاساس وعلى الصعيد الداخلي فإن المغرب قام ببلورة سياسة وطنية، تنبني على ما تمليه عليه التزاماته الدولية، حيث اتخذ على هذا المستوى تدابير إدارية تتعلق بتسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين، وإعادة فتح المكتب المغربي لشؤون اللاجئين وأفراد أسرهم، لتمكينهم من الولوج إلى حقوقهم. وفي هذا الإطار نسجل أنه ما بين سنة2014 و2017 قام المغرب بتسوية ما يناهز50000 حالة مهاجر في وضعية إدارية غير نظامية، بمعدل تزايد عدد الحالات التي تمت تسوية وضعها إلى الضعف. كما أحدث اللجنة الوطنية للطعون التي تعمل تحت رئاسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، من أجل النظر في طلبات تسوية الوضعية التي أبدت بشأنها اللجان المحلية رأيا سلبيا، أو تلك المقدمة إليها مباشرة. وقد تم اعتماد توصية هذه اللجنة الوطنية لتسوية الوضعية الإدارية لجميع المهاجرات وأطفالهن دون التقيد بالشروط المنصوص عليها من أجل ذلك.
وفي إطار هذه الدينامية، أعد المغرب ثلاث مشاريع قوانين، تهم الهجرة واللجوء ومكافحة الاتجار بالبشر، حيث تمت المصادقة على القانون 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر. كما أحدث المغرب أيضا آلية التنسيق الوطنية في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، إضافة إلى اعتماده الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي تضمنت 27هدفا، و11 برنامجا يهم 81 عملية، تشمل مجالات التربية والثقافة والشباب والترفيه والصحة والسكن والمساعدة الإنسانية والاجتماعية والتكوين المهني والتشغيل وتدبير النفقات ومحاربة الاتجار بالبشر والتعاون والشراكات الدولية والإطار القانوني والاتفاقيات والحكامة والتواصل.
أما على المستوى الإقليمي وبالضبط على الصعيد الافريقي فتواصل المملكة سياستها الإنسانية الرائدة في مجال الهجرة، حيث تعد الاجندة الإفريقية حول الهجرة التي تقدم بها جلالة الملك، باعتباره رائد الاتحاد الافريقي في موضوع الهجرة، ثمرة تشاور موسع، يهدف إلى جعل الهجرة رافعة التنمية وركيزة للتعاون جنوب – جنوب وعاملا للتضامن.
كما أسس المغرب لتعاون نشيط، في إطار خطة عمل المؤتمر الأورو افريقي حول الهجرة والتنمية، الذي انعقد في مدينة الرباط. حيث استضاف مؤتمره الخامس بتاريخ 02ماي 2018، والذي توج باعتماد إعلان مراكش، المتضمن لبرنامج العمل 2018-2020، والذي يهدف إلى الرفع الإيجابي لتأثير الهجرة النظامية في التنمية، والتوصل إلى فهم مشترك لأسباب الهجرة غير القانونية، واعتماد مقاربة إقليمية شاملة ومتعددة الأطراف في تحديد الإجراءات وتنظيمها وتجميع وتحليل وتقاسم المعطيات التي تم تصنيفها.
أما على الصعيد الدولي، فإن المغرب ما فتىء يتفاعل بكل إيجابية واستمرار مع منظومة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، وخاصة هيئات المعاهدات والإجراءات الخاصة، حيث قدم المغرب تقريره الأولي، إلى لجنة العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، في شهر شتنبر 2013 بخصوص تنفيذ الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال والمهاجرين وأفراد أسرهم، وتنكب حاليا وزارة الدولة على إعداد التقرير الدوري الثاني حول إعمال مقتضيات هذه الاتفاقية.
وفي نفس السياق، أشادت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، خلال زيارتها للمغرب في دجنبر 2018، بسياسة المملكة في مجال النهوض بحقوق الانسان للمهاجرين واللاجئين، واعتبرتها تجربة رائدة تستحق التقدير الدولي، وممارسة فضلى يحتذى بها. كما نوهت بنهج المملكة الذي ينبني على البحث والاستثمار من أجل تعزيز الهجرة على المستوى الافريقي وبين بلدان الجنوب.
وعلى الصعيد الدولي دائما، فنورد على سبيل المثال لا الحصر، انخراط المغرب في المبادرة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين «GLO.Act»، ولا ننسى الدور الذي قامت به وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان لتنزيل محاوره، باعتبارها المنسق الوطني لتنزيل محاور هذا البرنامج مع باقي القطاعات والمؤسسات المعنية، وباعتبارها أيضا، الجهة الوطنية المنسقة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لتنفيذ هذا البرنامج.
كما لا يفوتني أيضا تسجيل انخراط المغرب في الميثاق العالمي من أجل الهجرة الامنة والمنظمة والنظامية المعتمد بمراكش، وما التزم به في هذا الإطار من تحقيق أهداف تهم النهوض بوضعية المهاجر وتحقيق اندماجه في البلد المستقبل، أو تيسير ظروف عودته لبلده الأصلي، في إطار تعزيز التعاون الدولي والشراكات العالمية، تحقيقا لهجرة آمنة ومنظمة ونظامية.

حضرات السيدات والسادة؛
في انتظار أن تكتمل الترسانة القانونية بصدور قانون الهجرة واللجوء، لا يسعنا إلا أن نجزم بأن المغرب قد قطع أشواطا كبيرة في الاستجابة لهذه التحولات الكونية في مجال الهجرة، بملائمتها مع مرجعياته القانونية، ولا زال يسعى حثيثا في استكمال هذا المسار، رغم التحديات التي تفرضها هذه الظاهرة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.

وفي الأخير، أجدد الشكر لكم على دعوتكم هاته، وأثمن مساركم في إنارة هذا الحقل المعرفي موفقين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

قد يعجبك ايضا