الحماية الجنائية للحق في الصورة
المعلوم القانونية – خالد بنفدواش
- طالب باحث بماستر المعاملات الالكترونية.
يتمتع الإنسان بمجموعة من الحقوق اللصيقة به والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بإنسانيته، ولعل أهم هذه الحقوق هو الحق في الحياة الخاصة، هذه الأخيرة التي تندرج في إطارها مجموعة من الحقوق منها الحق في الصورة.
وبما أن الصورة هي انعكاس لشخصية الإنسان في مظهرها المادي والمعنوي معا، فإن ذلك يتطلب توفير الحماية اللازمة لها خاصة في ضل الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، والتطور الحاصل في وسائل التصوير ووسائل النشر والإعلام، إذ أصبحت عملية نشر الصور تتم بثواني عديدة وتصل إلى ملايين من الناس بضغطة زر.
ويترتب عن نشر صور الغير دون موافقته مجموعة من أضرار قد تكون اجتماعية أو أخلاقية أو مادية، وأمام هذا الوضع فقد تدخلت مجموعة من التشريعات منها المشرع المغربي من أجل توفير حماية جنائية للحق في الصورة من أي اعتداء. فما هي إذن صور الاعتداء على الحق في الصورة؟ وأين تتجلى الحماية الجنائية لهذا الحق؟
أولا: صور الاعتداء على الحق في الصورة
لقد حدد المشرع المغربي مجموعة من الصور التي تشكل اعتداء على حق الإنسان في صورته وذلك من خلال القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي تمم وعدل بعض الفصول في مجموعة القانون الجنائي، وتتمثل صور الاعتداء على الحق في الصورة في كل من الالتقاط والتسجيل والنشر.
- الالتقاط: يقصد بالالتقاط تثبيت صورة شخص ما على مادة معينة مما يسهل الاطلاع عليها ونسخها من قبل الغير وهذا يشكل اعتداء على حق الشخص في صورته وفقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 1-447 من مجموعة القانون الجنائي.
- التسجيل: بمعنى حفظ صورة شخص معين دون الحصول على إذن منه على دعامة معدة لذلك لإذاعتها للجمهور أو مشاهدتها فيما بعد.
- النشر: أو التوزيع أي السماح للغير بالاطلاع على الصورة أو تسهيل ذلك لهم.
وبالاطلاع على مقتضيات هذه الفصول نستشف بأن المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة، قد أخد وهو بصدد تجريمه المساس بالحق في الصورة بالمعيار الموضوعي أو ما يسمى بمعيار المكان، وذلك باعتباره مظهرا من مظاهر الحياة الخاصة، إذ يشكل هذا المعيار حسب بعض الفقه الضمانة الفعالة لتحقيق الحماية لأن من خلاله نستطيع تحديد الحالة التي بتوافرها نكون بصدد انتهاك للحق في الصورة.
ويقصد بالمكان الخاص بأنه كل مكان يتعذر بلوغه بنظرات من الخـارج، ويتوقف دخوله على إذن مالكه أو مستغله أو المنتفع به.
ويمكن القول بأن المكان الذي لا تستطيع الناس الوصول إليه إلا بعد إذن صاحبه ويكون ذلك عادة في نطاق محدود ويستفيد من الحماية القانونية كل من يوجد في المكان الخاص حتى ولو لم يكن يملكه كأن يكون ضيفا.
ويصعب أحيانا التمييز بين المكان الخاص والعام وبالتالي فإن الأمر يعود إلى القضاء ليحدد هل المكان خاصا أم عاما وذلك حسب طبيعة كل قضية، وفي هذا الصدد ذهب القضاء الفرنسي بأحقية الممثلة الفرنسية Romy Shneider التي نشرت لها صورة وهي عارية على ظهر يخت لها في عرض البحر، وقد طالبت من القضاء بتعويض عن الضرر الحاصل لها نتيجة انتهاك حرمة حياتها الخاصة من جهة، وكذا الاعتداء على الحق في صورتها من جهة أخرى وقد ذهب قضاء الدرجة الأولى إلى القول بأن الممثلة بتعريها فوق سطح قارب تصل إليه الأنظار لا يمكن أن تدعي بأن الصورة مأخوذة لها في ضل هذا الوضع تعد انتهاكا لحرمة حياتها الخاصة، غير أن قضاء الدرجة الثانية اعتبر بأن القارب يكتسب صفة المكان الخاص إذا كان في أعالي البحار وليس على مقربة من الشاطئ أو الميناء ذلك لأن لكل شخص يوجد على متن قارب أن يعتقد إذا لم تكن تمة سفن تبحر بجانبه بأنه مكان خاص.
ثانيا: حماية الحق في الصورة من خلال القانون الجنائي وقانون الصحافة
تتجلى حماية الحق في الصورة من خلال مجموعة القانون الجنائي وكذلك القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر.
فالمشرع الجنائي المغربي لم يكن إلى عهد قريب يعير اهتماما لحق الشخص في صورته، ولذلك لم يضع نصوص تجرم الاعتداء على حق الشخص في صورته، وكان القضاء الجنائي كذلك لا يهتم بالحق في الصورة إلا إذا تم استعمال الصورة والتعليق عليها بعبارات القذف والسب مستندا في ذلك على الفصول 442 و 443 و 444 من مجموعة القانون الجنائي.
إلا أنه ومع التطور الذي عرفته الثورة التكنولوجية وما رافقها من جرائم تمس بالحياة الخاصة للأفراد، فإن الوضع قد تغير، مما جعل المشرع المغربي يصدر القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. هذا القانون الذي تمم بعض الفصول من القانون الجنائي، وجاء بحماية زجرية للحق في الصورة وذلك من خلال الفصل 447-1 الذي جرم تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص ودون موافقته، وعاقب مؤتي هذا الفعل بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم.
أما بخصوص الحماية المقررة في قانون الصحافة والنشر، واعتبارا لكون مجال الإعلام يعتبر المرتع الخصب للاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد كالحق في الصورة، فقد تطرق القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر إلى حماية الحياة الخاصة للأفراد وذلك من خلال نص المادة 89 من هذا القانون التي نصت على أنه: “يعد تدخلا في الحياة الخاصة كل تعرض لشخص يمكن التعرف عليه وذلك عن طريق اختلاق إدعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمة لأشخاص تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على الشأن العام.
يعاقب على هذا التدخل، إذا تم نشره دون موافقة الشخص المعني بالأمر أو دون رضاه المسبقين بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 85 أعلاه المتعلقة بالسب.
وفي حالة تم النشر دون موافقة ورضا مسبقين وبغرض المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 85 أعلاه المتعلقة بالقذف. مع بقاء الحق في التعويض المنصوص عليه في المادة 87 أعلاه”.
انطلاقا من هذه المادة يمكن القول بأن المشرع المغربي ورغبة منه في حماية الحياة الخاصة للأشخاص فإنه اعتبر نشر صورة الشخص دون موافقته يعد فعلا ماس بالحياة الخاصة مما يوجب المسائلة الجنائية، إضافة إلى حق المتضرر في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقته من جراء نشر صورته دون موافقته.
ولتحقق جريمة المس بالحق في الصورة، يجب أن يتم النشر بأي وسيلة من وسائل النشر وبغض النظر عن الدعامة المستعملة، إضافة إلى عدم أخذ موافقة المعني بالأمر أما إذا عبر صاحب الصورة عن رضاه فإن هذا الأمر يعفي الصحفي أو الناشر من المسؤولية.
ختاما يمكن القول بأن المشرع المغربي وإن كان قد أورد بعض النصوص المتعلقة بحماية الحق في الصورة، سواء في القانون الجنائي أو قانون الصحافة والنشر، إلا أن ذلك غير كافي مقارنة مع التطور التكنولوجي الذي أصبح معه الاعتداء على الحق في الصورة أمرا يسيرا، وبالتالي فإن الأمر يتطلب نظرة شمولية لحماية الحق في الصورة وفي نفس الوقت الاستفادة من مزايا الثورة التكنولوجية في مجال الإعلام والاتصال.