استعمال الوسائط الالكترونية في ضوء مشروع ق.م.م

المعلومة القانونية – عبدالإله معداد

  • طالب باحث بسلك ماستر المعاملات الالكترونية.

تقديم

إن مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد له راهنيته وأهميته ضمن الترسانة التشريعية للمغرب، والتي تضم ما يفوق 8636 نص قانوني، ومشروع قانون المسطرة المدنية جاء من أجل قانون يضمن العدالة ونجاعة التقاضي.

وبالتالي فهو مشروع قانون ذو حمولة قانونية قضائية ومهنية، فضمان العدالة كان ومازال وسيظل الهدف المنشود من قبل كل التشريعات عبر العالم، أما عن نجاعة التقاضي فهي الهدف المنشود والغاية المعقودة التي يسعى كل من منصبه الوظيفي ودوره المهني الى تحقيقها من أجل واقع أفضل للعدالة في المغرب.

ولتتبع وفهم أي مشروع للقانون علينا أن نتلمس مرجعياته وأسباب نزوله حتى نفهم محتواه، ولعل ذلك يجد ضالته في اطار المجهودات المبذولة لاستكمال ورش تنزيل مشروع المحكمة الرقمية المحدد له كأجل سنة 2021، وظهور المعاملات الالكترونية التي أصبحت واقعا يفرض نفسه في الحياة العملية، مما استدعى استعمال الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية وذلك ربحا لعاملي السرعة والمسافة ، لأن تحقيق العدل لا يكون بإيصال الحقوق لأصحابها بل لا بذ أن يتم ذلك داخل آجال معقولة، وعلما أنه عند وضع تشريع في مادة ما يجب معرفة ما يوجد في البلاد من ترسانة قانونية، والاستقراء للشهادات القضائية والاجتهادات الفقهية، ثم التوقف على ما يجري لدى غيرنا من الدول على مستوى القانون و القضاء والفقه، دون محاولة اسقاط تجارب غيرنا على واقعنا بالنظر الى ضرورة احترام خصوصيات واقعنا ومضمونه وعقليات أهله وتكوينه.  فما هي يا ترى أهم المستجدات التي جاء بها هذا المشروع فيما يتعلق باستعمال الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية؟

فإن التعديل الذي تم بمقتضى مشروع القانون الصادر في 12 سبتمبر 2019 المتعلق باستعمال الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية، هم بالخصوص الفصل 31 مكرر، والباب الأول مكرر من القسم الثالث، والفصل 343 مكرر، ومضمون الفصول السابقة متعلق بكل من التقديم الالكتروني للمقال الافتتاحي للدعوى والطعون، والتبليغ الالكتروني، مؤسسة التوقيع الالكتروني.

_ فمن الجوانب الحسنة لاستعمال الوسائط الالكترونية في المسطرة المدنية من خلال تقديم المقالات الافتتاحية هو تبسيط المساطر القضائية وتحقيق النجاعة المتوخاة من خلال عملية التبادل اللامادي للإجراءات بين أقطاب العدالة وتقليص أمد الخصومات القضائية، خصوصا أن الوسائط الالكترونية أصبحت اليوم تلعب دورا كبيرا في جل المجالات.

_ كذلك فيما يخص التبليغ الالكتروني، ألزم المشرع بمقتضى الفصل “41_3” كل من المحامين والمفوضين القضائيين والخبراء والادارات العمومية بضرورة الإدلاء بحساباتهم الالكترونية لاعتمادها في التبليغ، فالهدف من هذا الاجراء هو ضبط هذه المهن القضائية والاستفادة من دورها في الرفع من جودة الإجراءات الالكترونية. هذا مع الإشارة إلى نقطة مهمة متعلقة بشبكة الاتصال، ومن المسؤول في حال عدم توصل الجهات المعنية أعلاه بالتبليغ عبر بريدها الالكتروني بسبب ضعف أو انقطاع الشبكة وبالتالي تفويت الحقوق على أصحابها؟ وهنا لابد من التذكير بنموذج يحتذى به هو شبكة المحامين الخاصة الافتراضية في فرنسا RPVA)) وهي عبارة عن شبكة آمنة للحاسوب تتيح تبادل الإجراءات المدنية والجنائية بين المحامين والمحاكم.

_ أيضا – بالنسبة للمحامي – ففي العديد من النقابات يوجد بها محامون لا يتوفرون على مقرات ومكاتب لممارسة مهنة المحاماة، وحتى المحاكم تواجه مشاكل في تبليغهم بالإجراءات القانونية موضوع المساطر الإجرائية، فهل من شأن إلزامية البريد الالكتروني للمحامي حل مشكل تبليغ هذه الفئة، من جهة، أو التشجيع على هذه النوعية من الممارسات، من جهة أخرى؟

_ كما أن المشرع ترك الحرية للأطراف الأخرى – عدى الأطراف المنصوص عليها أعلاه- في الاختيار بين التبليغ العادي أو التبليغ عبر العنوان الالكتروني (الفصل: 41-5).

_ من إيجابيات هذا المشروع كذلك نجد الحفظ الالكتروني للأحكام في النظام المعلوماتي، وذلك من أجل سرعة وسهولة الرجوع اليها، لكن دون التفريط في الأصول الورقية وتجليدها دوريا قصد تكوين سجل منها، (الفصل 346).

_ كذلك تمتيع الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية ومستخرجات النظام المعلوماتي المحفوظة بقاعدة المعطيات المركزية للتبليغ الالكتروني، بنفس حجية الاثبات التي تتمتع بها الوثيقة الورقية – وهي مقتضيات تجد أساسها في القانون 35.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية –  شرط تضمينها وجووبا تاريخ وساعة التبليغ والعنوان الالكتروني للمبلغ اليه، وذلك بهدف الاتجاه نحو مشروع محكمة بلا ورق.

_ الاعتماد على مؤسسة التوقع الالكتروني كآلية جديدة في توقيع الاحكام للرفع من جودتها وصيانتها من اي تزوير.

غير ان لهذا المشروع نواقص عدة نجمل ابرزها على الشكل التالي :

_ بالرجوع الى هذا المشروع نجده جاء بعدة مؤسسات ومصطلحات تحتاج الى تحديد المقصود منها، كالنظام المعلوماتي، قاعدة البيانات الالكترونية، المنصة الالكترونية الرسمية، قاعدة المعطيات الرسمية، الحساب الالكتروني، العنوان الالكتروني، العنوان الالكتروني الرسمي، الحساب الالكتروني المهني، قاعدة المعطيات المركزية، الإيداع الالكتروني، الأداء الالكتروني…، وغيرها من المصطلحات التي يجب على المشرع رفع اللبس عنها من خلال إفراد مادة خاصة لتحديد المفاهيم.

_   في إطار اللبس أعلاه يطرح التساؤل حول الجهة المسؤولة عن الحماية التقنية للمعطيات ذات الطابع الشخصي للمتقاضين، مع العلم أن المقال الافتتاحي للدعوى يتضمن بيانات شخصية خاضعة للحماية بموجب القانون 08.09 المتعلق بمعالجة المعطيات ذات الطابع ذات الطابع الشخصي.

وكذلك بالتطرق في الفصول المشار اليها أعلاه، نجد أن المشرع في غالبيتها ترك مسألة للمحكمة الاختيار بين الاعتماد على الوسائط الالكترونية والدعائم التقليدية، حرصا منه على حماية حقوق المتقاضين من جهة، وتحسبا لعدم مواكبة الأجهزة القضائية لهذه الوسائط من جهة ثانية، ومثال ذلك مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل (41-2) “…. تقبل صور المستندات في الاجراءات التي تتم عبر الوسائط الالكترونية، ولا يحول ذلك دون إمكانية تكليف المحكمة من قدم المستندات بتقديم أصولها متى وجدت ذلك ضروريا …..” وكأن المشرع يزاوج بين التقاضي الالكتروني –الذي أصبح هو الأصل- والرجوع الى التقاضي التقليدي عندما تقتضي المصلحة ذلك.

_ كما ان المشرع قيد مجوعة من المقتضيات بضرورة صدور نص تنظيمي، والذي قد يستغرق صدوره سنوات من اجل تحريك جمود مقتضيات هذا المشروع.

بالإضافة الى العديد من الاكراهات:

_ كمدى قدرة البرامج المعلوماتية على معالجة البيانات ونقلها وتبادلها بشكل آمن وتفاعلي بين مختلف الفاعلين، وتأمين الخوادم بهدف استيعاب البيانات وتحقيق الحماية التقنية لهذه المعطيات.

_ كذلك مدى كفاءة الأطر البشرية لموظفي وزارة العدل في استخدام البرامج الالكترونية والحفاظ على الدلائل الالكترونية. = هذه كلها تساؤلات تجعل من مشروع قانون المسطرة المدنية لا يتسم بالكمال، وإنما هو مشروع يحتاج الى أن يسهم فيه جميع الفاعلين المعنيين بمنظومة العدالة، كما أن لكل مشروع قانون مهما ارتقت فيه الرؤى تبقى عيوبه لا يمكن الكشف عنها الا عند تطبيقه، لان التطبيق والممارسة العملية هي المحك الذي من شأنه أن يكشف عن النواقص.

معلومات حول الكاتب

ذ. عبد الإله معداد

  • طالب باحث بماستر المعاملات الالكترونية بكلية الحقوق سطات
قد يعجبك ايضا