العمري المفضل: مرافعة المحامي بين الإعداد و الارتجال

المعلومة القانونية – العمري المفضل

  • حاصل على الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة
  • كاتب وباحث في العلوم القانونية

الترافع عملية الإقناع بنتائج معينة استنادا إلى أسباب منطقية. وبعبارة أدق، طرح فرضيات تستند إلى المنطق من شأنها أن توصل إلى نتائج مقبولة. ويشمل الترافع كلا من فن وعلم المناظرة المدنية والحوار والمحادثة والإقناع. وينبني مفهوم الترافع على قواعد المنطق وقواعد الإجراءات في أوضاع حقيقية ومصطنعة. وفي الترافع، يكون الهدف الأول لكل طرف الفوز على الطرف الآخر.

وعادة، يتكون الترافع من ثلاثة عناصر رئيسة:
طرح مجموعة من الفروض (على الأقل، فرضيتين) تدعم كل منها حجج تؤيدها
استخدام أدوات المنطق (الاستدلال، الاستقراء، القياس) والتسبيب

• التوصل إلى النتيجة

وقد يكون الترافع شفهيا أو كتابيا. وفي الترافع الشفهي، يتحدث المحامي إلى هيئة الحكم، وترافق المرافعة الشفهية مذكرات كتابية تعزز مرافعة كل طرف شفهيا في النزاع القانوني بينهما. وقد يتاح للطرفين تقديم مرافعة ختامية تلخص الدفوع المهمة التي أبداها. وتقدم المرافعة الختامية بعد تقديم الأدلة.

وتتمثل الوظيفة الأولى للمرافعات الكتابية في تحديد الموضوعات المطلوب الفصل فيها. ومن المهم في البداية تحديد المسائل المطلوب الفصل فيها.

وتتمثل الوظيفة الثانية للمرافعات الكتابية في استعراض الوقائع. ومن المهم تحديد الوقائع بدقة وبشكل منظم وموجز. وقد تكون المسألة المطلوب الفصل فيها بسيطة؛ ومثال ذلك، أن تتطلب الإجابة عن سؤال محدد. وقد تكون المسألة المطلوب الفصل فيها مركبة تتكون من أكثر من عنصر، أو تتطلب الإجابة عن عدد لا حصر له من الأسئلة.

أما الوظيفة الثالثة، فهي إبداء الحجج التي تدعم مواقف كل طرف. ولأداء هذه الوظيفة، يمكن للمذكرات المقدمة من الطرفين أن تتخذ عدداً لا نهائياً من الأشكال. فمن ناحية، يمكن أن تتضمن هذه المذكرات مرافعات كاملة تتصل بالجوانب القانونية، مع الاستشهاد بحجج قانونية مصحوبة بأدلة مستندية وشهادات شهود خطية يعتمد عليها الطرفان. ويستخدم هذا النوع من المرافعات الكتابية عندما يكون من المتصور أنه لن تعقد جلسات مرافعة شفوية، أو أنه ستعقد جلسات مرافعة شفوية موجزة جداً تطلب فيها هيئة الحكم من الطرفين أن يوضحا باختصار جوانب معينة من مرافعاتهما، أو ان يقدما مزيداً من المعلومات.

ان الموضوع الذي نحن بصدد البحث والتمحيص فيه هو المتعلق بصياغة المرافعة بين التحضير و والارتجال والذي يطرح جملة من الاشكاليات منها :

ماهي الصيغة المثلى المرافعة الناجحة؟
هل يجب تحضيرها ام يكتفي فقط بالارتجال؟

ليس من السهل الاجابة عن هذه الاسئلة، فالمرافعة تتضمن سلسلة من العناصر اللغوية و الفكرية و النفسية و العضوية المتشابكة، ولا يصح القول ان تحضير المرافعة بشكل مسبق يجعلها ناجحة بشكل تام او ان ارتكابها بشكل فوري يكللها بالنجاح الكامل، لذلك يجب الحديث عن ثغرات الاعدادية و عن نواقص والارتجال.
لذلك سوف نخصص المبحث الاول للحديث عم ثغرات الاعداد، والثاني نواقص الارتجال.

المبحث الاول: ثغرات الاعداد

من واجب المحامي ان يطلع اولا على ملف القضية، وعلى المستندات و الوثائق التى يحويها، وبعد ذلك ينتقل الى صياغة المرافعة من خلال تحضير عناصرها التي تبدأ في التشكيل بعد فترة تأمل تعقب القراءة الفاحشة لمستندات القضية، والاعداد الجيد المرافعة يتحقق بالتحكم المرن في شكلها وجوهرها، وينبغي التنبيه الى ان نوع التحضير الجامع الذي يلجأ إليه البعض في الدفاع و المتمثل في صياغة المرافعة وكتابتها في قالب محدد يبقى منهجا غير سليم، فأي قضية لها أسرار وخبايا و مفجئات، وهاته الأسرار و الخبايا و المفاجئات لا يماط عنها اللثام في كثير من الاحيان و الاحوال الا خلال الجلسة، وبعد المناقشة العلنية و الشفوية، وقد تستجد أمور غير متوقعة، وقد تحدث وقائع، وقد تطرأ مسائل غير منتظرة لذلك يجد المترافع ذو التحضير الجامد و المكتوب نفسه امام مأزق حقيقي ومحرج، لا يستطيع جوابا ولا إفادة، فترته لا يبصر شيئا، او كأنه المرتبك المبهوت، يقلب بين اوراقه فلا يجد جوابا ولت ردا، ليظهر في موقف سلبي مهزوم، وما ذلك إلا لأنه لم يستوعب فلسفة المرافعة التي تجافي التقييد و التكبيل ، ” فالمرافعة طائر يحب أن يحلق في الأفق الفسيخ فإن أدخلته القفص حكمت عليه بالشلل المطيح”.

نعم لتحضير المرافعات، بالاعداد المرن العريض، وليس الصلب الضيق، فليس عيبا ان يحضر المترافع مرافعته، ولكن يجب أن يعلم انه يتحرك في جو من التوقعات وعليه ان يراعي في تحضير مرافعته هذا الجانب المهم، وعلى سبيل المثال فإن بعض المحامين يفاجئون خلال الجلسة باعترافات موكليهم امام هيئة الحكم، بعد ان تنكروا أمام الشرطة القضائية و امام النيابة العامة و قاضي التحقيق، فهنا عليه أن يغير مرافعته في الحال وأن يكيفها مع هذا المستجد، ونفس الشيء يمكن ان يقال عن موقف الشهود التي تكون مفاجئة في كثير من الاحوال وقد تقلب موازين المرافعة.

المبحث الثاني: نواقص والارتجال

ارتجال المرافعة يعني عدم إعدادها والاستعداد لها و صياغتها بطريقة فورية، ويعتمد على قوة الفطنة و سرعة البدهية وغزارة المخزون الثقافي و الفكري لصاحبه، إلا أنه يكشف عيوب ونواقص مهمة.

فصل الكلام عن الارتجال في المرافعات انه لا يمكن الاعتماد عليه وفي نفس الوقت لا يمكن الاستغناء عنه، وبيان ذلك أن المرافعة كلما كانت مرتبة ومنسقة وواضحة ومسترسلة، كلما آتت أكلها وأثارت الانتباه، وحازت القبول، وعلى العكس من ذلك كلما كانت مضطربة متوافرة وملتبسة ومرتبكة، كلما فشلت في الاقناع وفي الامتاع، وضاعت الحقوق، لذلك فالارتجال في المرافعة لن يعني شيئا غير التضحية بتلاحم الافكار و فقدان القدرة على اجتذاب اهتمام المتلقي لفترة طويلة من الزمان، ولكن هذا لا يعني ان المرافعات يجب ان تخلو من الارتجال، فأحيانا تتفجر ملكة الارتجال فتنبجس منها روائع خالدة في مجال المحاجمة و المقارعة القضائية، ولكن المقصود ألا يتم الاعتماد على الارتجال كأساس للمرافعة، بل يجب أن تتقلص مساحتها داخلها الى اضيق الحدود، فلا بأس من الارتجال في الردود و التعبيرات و في توظيف مستجدات المناقشة القضائية، وفي بعض القضايا البسيطة و الواضحة، أما الارتجال في القضايا الكبرى و المعقدة وفي المرافعات الطويلة فلن تكون إلا وبالا على صاحبه، ولن ينتج إلا عدم ترتيب الافكار وإغفال الكثير منها و الخلط و عدم الضبط و التكرار و ضعف الاداء و الانتاج.

نختم القول في هذا الباب بقول الاستاذ يوسف وهابي ” أفضل المترافعين من كان بالواقع و القانون أعلم، وفي التعبير أسلم، إذا تكلم افهم، وإذا عقب أفحم”.

 

العمري المفضل

معلومات حول الكاتب:

العمري المفضل

  • حاصل على الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة
  • كاتب وباحث في العلوم القانونية
قد يعجبك ايضا