عطيف محمد: حماية الأطفال خلال الاحتلال الحربي والنزاعات الداخلية

المعلومة القانونية – عطيف محمد

  • باحث في العلاقات الدولية بكلية الحقوق سلا.

عرفت الأمم المتحدة الطفل في النزاع المسلح بأنه: “أي طفل يرتبط بقوة عسكرية أو بجماعة عسكريه دون سن الثامنة عشرة من العمر، ولا يزال، أو كان مجنّدًا، أو مُستخدَمًا بواسطة قوة عسكرية، أو جماعة عسكرية في أي صفة”، بما في ذلك -على سبيل المثال، وليس الحصر- الأطفال والغلمان والفتيات ممن يجري استخدامهم محاربين أو طهاة أو حمّالين أو جواسيس أو لأغراض جنسية، كما أبرزته اتفاقية “مبادئ باريس” بشأن إشراك الأطفال في المنازعات المسلّحة لسنة 2007.

ويحظر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، كما صادقت عليه سوريا في 2003– على القوات الحكومية والجماعات المسلحة غير التابعة لدول، استخدام الأطفال وتجنيدهم مقاتلين، أو في أدوار داعمة. فتجنيد الأطفال يعدّ جريمة حرب، بحسب تعريف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي أكثر من نصف الدول المتحاربة عبر العالم، تشير التقارير إلى وجود مقاتلين أطفال. ومن بين الأسباب التي تؤدي إلى مشاركة الأطفال في العمليات العسكرية محاربين، البحث عن الأمن والحماية والغذاء، والشعور بالضجر والإذلال والإحباط، والترهيب، فضلًا عن الوعود التي يتلقاها هؤلاء الأطفال بشأن الانتفاع بالتعليم، والحصول على فرص للعمل، أو رغبتهم في الثأر لمقتل أفراد من أسرهم.

يضطلع الممثل الخاص للأمين العام، المعني بالأطفال والنزاع المسلح، بدور مدافع الأمم المتحدة الرئيس عن حماية الأطفال المتضررين من النزاع المسلح، ورفاههم، وقد نشأت ولاية الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح، بقرار الجمعية العامة A/RES/51/77.  ومنذ عام 1999، أدت المشاركة المنهجية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى وضع حماية الأطفال المتضررين بالنزاع المسلح في صلب جدول أعماله المتعلق بالسلام والأمن الدوليين.

في منطقتنا العربية، وخاصة في سورية والعراق واليمن، يغدو الأطفال عرضة للتجنيد العسكري بصورة متزايدة، ويصبحون -كذلك- هدفًا للهجمات والعنف الجسدي، وقد أدى تنوع الجماعات المسلحة وانتشار الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وتوافرها بسهولة، إلى تجنيد واستخدام مئات الأطفال، من الأطفال الجنود في أنحاء شتى من المنطقة العربية[1].

لبيان كيفية حماية الأطفال تحت الاحتلال الحربي والنزاعات الداخلية لا بد أن نشير إلى بعض الأوضاع التي مر منها الطفل بشكل مأساوي تحت الاحتلال الإسرائيلي “الفقرة الأولى” والنزاعات المسلحة الداخلية التي تعرفها اليمن”ّّّالفقرة الثانية”

الفقرة الأولى: وضع الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي

تقوم إسرائيل منذ احتلالها لفلسطين عام 1948 بجميع الممارسات التي تتعارض مع المبادئ القانون الدولي الإنساني بشان حماية المدنيين في الأراضي المحتلة ، مع العلم أنها عضو في هيئة الأمم المتحدة وقبلت عضويتها سنة 1949. وقد عمدت إلى طرد وإبعاد الفلسطينيين من ديارهم حتى وصل عدد  اللاجئين إلى أربعة ملايين لاجئ. ولقد رفضت إسرائيل تطبيق الاتفاقية الرابعة من القانون الدولي الإنساني حتى ألان متذرعة بحجج ساقها الفقه الإسرائيلي والغربي المؤيد له من الحجج أن إسرائيل لا تعتبر نفسها محتلة لتك الأراضي ،إنما هي فقط تديرها إلى أن يتم تقرير المصير النهائي لتلك الأراضي من خلال المفاوضات . ولنا إن نتصور مدى تأثير سياسة الكيان الصهيوني على أطفال فلسطين فهذه الممارسات شردت أجيالا كاملة من هؤلاء الأطفال ،لأنه على الصعيد الواقع تعتبر عملية إبعاد وترحيل السكان المدنيين من اشد الوسائل التي تلحق الأذى بالسكان وكثيرا ما ارتكبت قوة الاحتلال الإسرائيلي أعمال قتل و تعذيب ضد السكان المدنيين ، بل أن الأمر قد وصل إلى حد الاعتداء عليهم وهم في مخيمات اللاجئين حيث فروا من بلادهم  نتيجة الاضطهاد وذبحة صابرا وشاتيلا في بيروت سنة1982  .ستظل  شاهده على ذلك ، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة  قرار في عام 1982 ، يصف  المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية  ضد الفلسطينيين في مخيمي [صابرا وشاتيلا][2].

ومن خلال الأوضاع التي كانت تعرفها فلسطين  وما تزال مستمرة فيها أكدت التقارير من الأرض المحتلة أن السياسات الإسرائيلية أطاحت بجيل كامل من الأطفال الفلسطينيين ممن عاشوا وعاصروا إجراءات القمع الإسرائيلي المستمرة ، حيث  كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة انه تم في شهر مارس وابريل  فقط من سنة 2002 تشريد أكثر من 330 ألف طفل فلسطيني ، في حين فقد500 ألف طفل فرص الحصول على رعاية اجتماعية وصحية، علاوة على600 ألف طفل توقفوا عن مواصلة التعليم بسبب الوضع الأمني والاقتصادي  المتردي . وقد أبدى المبعوث الخاص لليونيسيف انزعاجه الشديد للإجراءات  التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية تجاه أطفال فلسطين ومنعهم  من مواصلة  برامجهم الدراسية  ومن الوصول إلى المدارس . ووصل عدد الأطفال الشهداء ما بين سنة 2000 و 2002 إلى 498 طفلا حسب إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية ، وخلال عامين ارتفع عدد الشهداء الأطفال إلى 528 شهيدا مما يعني أن العدوان الإسرائيلي شن على الشعب الفلسطيني حرب إبادة بكل المعنى والمعايير المحظورة في القانون الدولي الإنساني .

وهكذا يتضح انه في ظل عدم التزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحماية المدنيين في الأراضي المحتلة وفي ظل غياب الإدارة الدولية الملزمة لها باحترام الشرعية الدولية ، فان  وضع أطفال فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي  وهو وضع بالغ الخطورة  طالما أن الحماية الدولية لهؤلاء الأطفال غير متوافرة ،بل تقتصر على مجرد قرارات الإدانة والتنديد  وهذا الآمر لا يجد نفعا مع إسرائيل .بدليل قيام قوات الاحتلال  وفي مشهد يهز الضمير والوجدان بقتل الطفل “محمد الدره” وهو في أحضان والده  ورغم ردود الأفعال إلا أن إسرائيل ظلت تمارس  سياسة قتل و تعذيب واعتقال الأطفال  وهدم المنازل فوق رؤوسهم ، فكانوا  لصمت دولي ،فكل هذا يمثل انتهاكا خطيرا لمبادئ القانون الدولي الإنساني دون أن تتحرك القوى الكبرى التي لها الكلمة وتدعي أنها تسعى إلى احترام حقوق الإنسان في العالم لكي تقوم بمعاقبة إسرائيل على أفعالها العدوانية .[3]

ولكن صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على الأراضي الفلسطينية وخصوصا في قطاع غزة  بداية من يوم الأحد 6 يونيو 2014 ، لترفع من و تيرته  في 8 يوليو 2014. بإعلانها عن شن حملة عسكرية موسعة أطلقت عليها عملية “الجرف الصامد” ،حيث استهدفت خلالها بضراوة غير مسبوقة السكان والأعيان المدنية قبل ان يعلن عن التوصل  الاتفاق وقف إطلاق النار يوم 26 غشت 2014. ومن جهتها  قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي  في وقت لاحق من الأول يناير 2015 اعتبار العملية  العسكرية التي شنتها على قطاع غزة “الحرب الثامنة” منذ قيامها . والأولى مع  الفلسطينيين، وهذا يعد عدوان عام 2014 ، الأكثر انتهاكا للحماية الدولية لحقوق الطفل  المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني . منذ الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة سنة 1967 ، لتوضيح حجم تلك الانتهاكات تم إبراز  خلاله آلية  الرصد والإبلاغ  المنشأة  بموجب قرار مجلس الأمن [1612]  والتي تشمل ست  انتهاكات جسيمة  وهي قتل الأطفال  أو تشويههم ، تجنيد الأطفال واستخدامهم كجنود ، مهاجمة المدارس أو المستشفيات ،الاغتصاب  وغيره من الانتهاكات الجنسية الخطيرة ،اختطاف الأطفال قطع سبيل المساعدات الإنسانية عن الأطفال . وفي الأراضي المحتلة انشات آلية  لمراقبة انتهاكات حقوق الطفل والإبلاغ عنها بحسب قرار مجلس الأمن 1612 حول الأطفال في النزاعات المسلحة  وبدعم من اليونيسيف .[4]

وكل من هذا أن الطفل الفلسطيني يملك كغيره من البشر حق الحياة  وحق في حياة سليمة وكريمة ولكن للأسف السلطات الاحتلال الإسرائيلي ما تزال تمارس في حق هذه الفئة الهشة انتهاكات جسيمة .

الفقرة الثانية: وضع الأطفال في النزاعات الداخلية باليمن

تعتبر دولة اليمن من ضمن الدول الثمانية التي تم إدراجها في قائمة التي قام  بها الأمين العام، التي تجند و تستخدم  الأطفال في النزاعات المسلحة ، ووفقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة [اليونيسيف] بلغ عدد الأطفال المشاركين في القوات المسلحة ما يقارب من أربعين إلف طفل والجدير بالذكر أن عام 2014 وحده شهد زيادة في عملية تجنيد الأطفال في اليمن تقدر ب 47 بالمائة  من الأعوام التي سبقت ذلك، وهذا الأمر غير طبيعي ولاسيما أن في هذه السنة بالخصوص قد مثلت البداية الحقيقية والأكثر ضراوة للصراع في اليمن. لكن على الرغم من ذلك، تظل القدرة على التوصل  إلى إحصاء دقيق بشأن تجنيد الأطفال يكتنفها قدر كبير من الصعوبات، خاصة مع عدم اعتراف جهات التجنيد باستقطاب باعتباره امرأ سيضعهم تحت طائلة القانون.[5]

وفي ظل النزاعات التي تعرفها اليمن فقد بذل عديد من الجهود الأممية والمحلية لوقف ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن، أسفرت عن توقيع الحكومة اليمنية اتفاقية مع الأمم المتحدة في ماي2014 ،بحضور رئيس الوزراء الأسبق محمد سالم باسندوة، والممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة لشؤون الطفل في النزاعات المسلحة، ليلى زروقي، حيث تضمنت خطة عمل تلتزم الحكومة بموجبها بالحقوق العالمية للطفل ومعايير حماية الأطفال التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة  بشأن حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري حول إشراك الأطفال في الصراعات المسلحة التي صادقت عليها الجمهورية المنية في مارس 2007، وكذلك المعايير الدولية حقوق الإنسان ذات الصلة.

لكن تظل الاتفاقية قاصرة، لكونها تقتصر على الأطفال المنتسبين إلى الجيش النظامي، ولا تتضمن  الأطفال  الذين يتم تجنيدهم  من قبل الجماعات المسلحة الأخرى، خاصة  جماعة “أنصار الله” و”أنصار الشريعة” التابع للقاعدة، وان استمرار  هذا الوضع في اليمن يعد انتهاكا واضح لحقوقهم، حيث يعتبر قتل الأطفال  أو تشويههم  وتجنيد الأطفال أو استخدامهم كجنود  يعد من الانتهاكات الست الجسيمة ضد الأطفال التي حددها مجلس الأمن الدولي في قراره 1612 كأساس لجمع القرائن بشأن الانتهاكات، وهذا الأمر الذي نراه في اليمن يتعارض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، وخصوصا في الاتفاقية الرابعة منه التي من استغلال الأطفال في المجال العسكري لتحقيق إغراض سياسية بواسطة هاته الفئة الهشة[6].        

البيبليوغرافيا

[1]  مقال منشور الموقع، العنوان حماية الاطفال في النزاعات المسلحة ،تاريخ الزيارة 10/06/2019، الساعة 23:23

[2]  مصلح حسن احمد، حماية الاطفال في النزاعات المسلحة، مجلة كلية التربية الاساسية بابل، العدد 67 ،السنة 2011،ص 34

[3]  مصلح حسن احمد مرجع سابق، ص 34

[4] انظر، الانتهاكات المتعلقة بقرار مجلس الأمن الدولي [1612] تقرير إحصائي حول انتهاكات حقوق الطفل في قطاع غزة، مركز الميزان لحقوق الإنسان، الموقع

[5] تقرير أممي: تجنيد الأطفال في اليمن في تزايد: دراسة ميدانية  أشارت إلى تزايد استقطابهم في الحوثيين  والقاعدة  العربية نت  17 يونيو 2012، موقع

[6]  محمد النادي،  باحث في سلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس – الرباط، الجنود الأطفال في ظل القانون الدولي الإنساني، ص 45 ،السنة بدون

 

الكاتب:

عطيف محمد باحث في العلاقات الدولية بكلية الحقوق سلا.

قد يعجبك ايضا