سعيدة بوجلال: الصلح الجنائي في الأنظمة الجنائية المقارنة

المعلومة القانونية – سعيدة بوجلال

  • باحثة في القانون

مقدمة

أدى تطـور الحياة وسعة آفاقها إلى زيادة معاناة المجتمعات، وكان من أبرز ما تعانيه هذه المجتمعـات هـو زيادة عدد الجرائم كما ونوعا مما انعكس ذلـك على الجهاز القضائي وزيادة العبء الملقى على كاهل المحاكم، وكل ذلك أدى إلى تزايد القضايا الجنائية وتراكمها فأصبح تأجيل نظرهـا إلـى جلسات متعددة هو السمة الغالبة علـى عمـل المحاكم الجنائية[1].

لذلك ظهرت الحاجة إلى ضرورة البحث عن بدائل تهدف إلى فض النزاع بشكل ودي وسريع بعيدا عن القضاء، وكان من هذه البدائل الصلح الجنائي. وقد نصت عليه العديد من التشريعات العربية منها والغربية من خلال قوانينها.

وللوقوف أكثر على الإطار التشريعي المنظم للصلح الجنائي بين التشريع المغربي والتشريعات المقارنة نرى أن نتناول الموضوع وفقا للتصميم التالي:

  • المطلب الأول : الصلح الجنائي في التشريعات العربية
  • المطلب الثاني: الصلح الجنائي في التشريعات الأجنبية

المطلب الأول: الصلح الجنائي في التشريعات العربية

سنتناول في هذا المطلب الصلح في التشريع المغربي (الفقرة الأولى) وفي بعض التشريعات العربية المقارنة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الصلح في التشريع المغربي

إن الصلح في النظام المغربي هو مترسخ في حضارتنا، ويتبين ذلك من خلال دراسة ماتزخر به الأعراف العتيقة والتي كانت ممارسة قبل تغلغل التشريع الإسلامي في كل ربوع المغرب ، وظلت سائدة بعد تطبيق التشريع لدى القبائل التي كانت سارية فيها كثيرا من مقتضياتها التي لا تخالف أحكامه، بل إن التشريع الاسلامي  هو ذاته يدعو لإعمال العرف إذا لم يكن مخالفا للمسائل المقطوع بها في الشريعة[2]، ومن الأعراف التي كانت سائدة وبكثرة نجد الصلح. فهذه الآلية كانت ولا تزال وسيلة يلجأ لها الأطراف لحل النزاعات التي تنشأ بينهم[3].

وقد نظم المشرع المغربي الصلح من خلال ظهير الالتزامات والعقود (أولا) وكذا المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية (ثانيا).

أولا: الصلح على ضوء ظهير الالتزامات والعقود

يعتبر الصلح آلية من الآليات البديلة لفض النزاع، وهو اتفاق من خلاله يضع الأطراف حدا للنزاع والذي على ضوئه يتنازل كل طرف على حق من حقوقه، والصلح حينها يتم بين الأطراف فيصبح ملزما لهم. وقد نظم قانون الالتزامات والعقود الصلح في الفصل 1098 إذ عرفه على أنه: “عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو بإعطائه مالا معينا أو حقا”[4].

ثانيا: الصلح على ضوء قانون المسطرة الجنائية

تعرض المشرع المغربي للصلح في قانون المسطرة الجنائية بموجب المادة 41 منه كآلية لفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية، ولأن القوانين الجنائية كلها من النظام العام ولا يملك الأطراف صلاحية تحديد نطاقها نظرا للاضطراب الاجتماعي الذي قد تسببه، فقد سمح المشرع في جرائم معينة ونظرا للطابع الاجتماعي والأسري الذي يهيمن عليها بإبرام مصالحة بين الأطراف ينجم عنها وضع حد للمتابعة.

وقد نصت المادة 41 من ق.م.ج على ما يلي: ” يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين سجنا أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر”. يتضح من خلال ما تقدم أن الصلح يتم بطلب من المتضرر أو المشتكى به إلى وكيل الملك لتضمين الصلح في محضر[5]. إلا أن نطاق الصلح يقتصر على جرائم محددة حصرا وهي تلك المعاقب عليها سجنا أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أي الجرائم التي تتسم بالبساطة ولا تشكل تهديدا على النظام العام.

ويقوم وكيل الملك بتحرير محضرا بالصلح الحاصل بعد تراضي الطرفين عليه، ويتم تضمينه ما تم الاتفاق عليه[6].

ويترتب عن هذا الصلح وقف إقامة الدعوى العمومية، إلا أنه يبقى لوكيل الملك الصلاحية في إقامتها في حالة عدم المصادقة على محضر الصلح، أو إذا لم يتم تنفيذ الالتزامات المتفق عليها في الأجل المحدد أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية[7].

ومن النصوص كذلك التي نصت صراحة على المصالحة المؤدية إلى انقضاء المتابعة الجنائية، نجد المادة 74 من ظهير 17ــ10ــ1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات[8]، والمادة 89 من ظهير 2ــ11ــ1932 المنظم لاحتكار الدخان بالمغرب، هذه المادة  تجيز لإدارة شركة التبغ  إجراء  صلح قبل صدور الحكم أوبعده مع مرتكب المخالفات  المتعلقة بالتبغ، وكذلك المواد 273ــ 277 من المدونة الجمركية، التي تسمح لإدارة الجمارك  بإجراء صلح وفق ماهو منصوص عليه في المادة 276 من هذا القانون.

وإذا كان المشرع المغربي قد تطرق لمبدأ الصلح على نحو ما قدمناه سابقا، فكيف تعرضت له التشريعات العربية؟.

الفقرة الثانية: الصلح في بعض التشريعات العربية المقارنة

تبنت العديد من الدول العربية نظام الصلح الجنائي، من بينها التشريع المصري (أولا)، والأردني (ثانيا) والقطري (ثانيا).

أولا: الصلح في التشريع المصري

أخذ المشرع المصري بالصلح الجنائي في المادتين 19 و20 من قانون الإجراءات الجنائية، مع أن الدعوى الجنائية في حقيقتها مملوكة للمجتمع يحركها الادعاء العام نيابة عن المجتمع، إلا أن هناك أسبابا خاصة في انقضاء الدعوى الجنائية من بينها الصلح ، وهدف المشرع من خروجه عن الأصل بعدم جواز الصلح في الدعوى العمومية، أن هناك جرائم قليلة الأهمية بالنسبة  لموضوعها ، وقد تشكل عبءا على القضاء وغالبا ما يحكم فيها بالغرامة فقط ، وأن ينتهي معه الادعاء العام وينهي الدعوى الجنائية بالصلح تبعا لذلك[9].

وقد صدر حديثا القانون رقم 174 لسنة 1998 الذي أضاف إلى قانون الإجراءات الجنائية نصين برقم 18 و18 مكرر أجاز بموجبهما التصالح في مواد المخالفات، وكذلك في مواد الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط والعامل المشترك فيها أنها من قبيل الجنح التي تمس مصالح المجني عليه بطريق مباشر أكثر مما تمس مصلحة المجتمع ، ولذلك رخص القانون للمجني عليه أن يعبر عن إرادته ، وينهي الدعوى الجنائية بإثبات الصلح[10].

كما أخذ المشرع المصري بالصلح في  المسائل الجنائية في بعض التشريعات الجنائية الخاصة التي صدرت في المجال الاقتصادي ، كالمادة التاسعة من قانون 1967  بشأن النظافة العامة ، والمادة 57 من القانون 43 لسنة 1974 بشأن نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة، حيث أجاز فيهما التصالح على الغرامات.

ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولوكانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر[11].

ثانيا: الصلح في التشريع الأردني

إن القاعدة العامة في التشريع الأردني هي أن النيابة العامة لا تملك التصرف بالدعوى الجزائية، كالتنازل عنها، أو التصالح مع المتهم، إلا أن الأصل يرد عليه بعض الاستثناءات التي أوردها المشرع الأردني ، وقصد بها تخفيف عبء التقاضي، وأسقط بها الحق في الملاحقة الجزائية ومنها:

  • ما جاء في المادة 9 من قانون الجرائم الاقتصادية وجاء فيها: “يحق للنائب العام التوقف عن ملاحقة من يرتكب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون ، وإجراء الصلح معه إذا أعاد الأموال التي حصل عليها نتيجة ارتكاب الجريمة.
  • الجرائم الجمركية: حيث منحت في المادة 212 من قانون الجمارك وزير المالية أو من يفوضه عقد التسوية الصلحية في جرائم التهريب، سواء قبل إقامة الدعوى ، أو خلال النظر فيها قبل صدور في الحكم.
  • جرائم التهرب الضريبي : سار المشرع الأردني على ذات النهج في قانون الضريبة العامة ، حيث أن المادة 29 من قانون الضريبة منحت للمدير أو من يفوضه الحق في إجراء المصالحة على المخالفات المنصوص عليها في 28 من ذات القانون، وذلك مقابل دفع الضريبة في حال استحقاقها، إضافة لغرامة لا  تقل عن نصف الحد الأدنى ولا تزيد على نصف الحد الأعلى من الغرامات المنصوص عليها في المادة 28 ، ويشترط لذلك أن يكون قبل صدور حكم قطعي من المحكمة[12].

ويترتب على المصالحة وقف السير بإجراءات الدعوى وإسقاطها نهائيا ، وإلغاء ما قد يترتب عن ذلك من آثار[13].

ثالثا: الصلح في التشريع القطري

نظم المشرع القطري أحكام الصلح بموجب قانون الإجراءات رقم 14 لسنة 2004 في المادة 17 التي جاء فيها: ” يجوز الصلح في مواد المخالفات ، وعلى مأمور الضبط القضائي المختص أو عضو النيابة العامة عند تحرير المحضر أن يعرض الصلح على المتهم أو وكيله ويثبت ذلك في محضر، ويجوز للمتهم أن يطلب الصلح في الحالة السابقة، وعلى المتهم الذي يقبل الصلح أن يدفع خلال خمسة عشر يوما من اليوم التالي لعرض الصلح عليه مبلغا يعادل ربع الحد الأقصى للغرامة المقررة للمخالفة أو قيمة الحد الأدنى المقرر لها أيهما أكثر. ويكون الدفع إلى خزانة المحكمة أو إلى النيابة العامة أو إلى أي موظف عام يرخص له بذلك من النائب العام.

وتنقضي الدعوى الجنائية بدفع مبلغ الصلح ويوقف تنفيذ العقوبة الجنائية في حالة الصلح بعد صدور الحكم وتزول جميع الآثار الجنائية المترتبة عليه[14].

وقد أعطى المشرع القطري لرجل الضبط القضائي، أو النائب العام الحق في عرض الصلح على المتهم في الدعاوى العمومية مقابل مبلغ مالي يعادل ربع الحد الأقصى أو قيمة الحد الأدنى للغرامة المقررة أيهما أكثر[15].

ومن التشريعات العربية كذلك التي تناولت نظام الصلح الجنائي نجد التشريع الكويتي في المادة 240 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الصادر سنة 1968،  ودولة البحرين ، كما في المادة 186 من قانون أصول المحاكمات البحريني الصادر سنة 1966، والمشرع الفلسطيني كما نصت على ذلك المواد 16 و17 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني[16].

المطلب الثاني: الصلح الجنائي في التشريعات الأجنبية

من بين التشريعات الغربية التي تبنت هذه الآلية نجد التشريع الفرنسي (الفقرة الأولى) والتشريع البلجيكي (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: التأطير القانوني للصلح الجنائي في التشريع الجنائي الفرنسي

لم يعط المشرع الجنائي الفرنسي[17] تعريفا محددا للصلح إلا أنه خصه بتعريف على مستوى القانون المدني.
إذ يعرف الصلح في القانون المدني الفرنسي بأنه:
عقد ينهي به طرفان نزاعا نشا او يتوقيان به نزاعا من شأنه أن ينشا وذلك بالتنازل من طرف كل منهما عن التشدد في جانب من مطلبه فيتم التراضي بينهما وينعقد به الاتفاق[18] .
كما أن الصلح في قانون المسطرة الجنائية الفرنسي وطبقا للفقرة الثانية من المادة 41 منه يكون له مجال في الحالة التي يقترح خلالها ممثل الحق العام الفرنسي قبل إثارة الدعوى العمومية صلحا جنائيا إما بصفة مباشرة أو بواسطة شخص مؤهل على الجاني المرتكب للجريمة والثابتة في حقه بواسطة وسائل الاثبات القانونية، شريطة أن يتعلق الفعل بالحالات المنصوص عليها في الفصول التي عددها المشرع بنفس المادة، وهي تقارب إلى حد نظيراتها المسطرة في القانون المغربي[19].

ويعتبر التشريع الفرنسي في مجال التقنيات البديلة للمتابعة من بين أهم التشريعات الللاتينية التي عملت على تبني مقاربة واضحة المعالم سواء من ناحية التنظيم، بحيث ميز بشكل واضح بين المفهوم الدقيق للعدالة التصالحية أو الصلح الجنائي وبين منهجية الوساطة، وقد تولى المشرع الفرنسي تنظيمه بموجب التعديل الذي أتى به قانون 23 يونيو 1999 فيما يخص مقتضيات المادة 41-2 بحيث أصبح بإمكان وكيل الجمهورية طالما لم تقع إثارة الدعوى العمومية أن يقترح إما مباشرة أو بواسطة شخص مؤهل صلحا جنائيا على شخص راشد أو معترف بارتكابه جنحة أو أكثر مما هو منصوص عليه في الفصول 222-11 ، 222-13 (1 إلى 11) ، 222-16، 222-17 ، 222-18،(1) 227-3 الى 227-7 ، ومن 227-9 الى 227-11، 311-3، 313-5 ، 314-5 ، 314-6 ، 322-1 ، 322-12إلى 322-14 ، 433-5 إلى 433-7 و 521-1 من القانون الجنائي .

أضف إلى ذلك ، أن معالم التنظيم لم تقف على إمكانية اقتراح الصلح من طرف وكيل الجمهورية أو من طرف شخص مؤهل لذلك فقط ، بل تعدته لتشمل جوانب أخرى يمكن القول على أنها تشكل إحدى الضمانات القوية والكفيلة بإنجاح مسطرة الصلح الزجري ، يأتي في مقدمتها إخضاع إجراء الصلح لمجموعة من التدابير التي يتم تحديد طبيعتها وحجمها بناءا على القرار المتضمن للاقتراح والحامل لتوقيع القاضي ، ويليها أيضا ضمان تعزيز حقوق الدفاع من خلال إشعار المتهم بإمكانية استعانته بمحام قبل الاقدام على إبداء موافقته على اقتراح الصلح .

أما بخصوص مقتضيات القانون الفرنسي المتعلقة بنفس الموضوع فالملاحظة الأساسية التي ينبغي الانطلاق منها هي أن المشرع الفرنسي في تبنيه لتقنية بدائل المتابعة لا يعتمد نفس مقاربة المشرع المغربي. و لنا أن نوضح ذلك فيما يلي:

–  فحسب مقتضيات الفصل 1-41 ق.م.ج الفرنسي – حسب التعديل المدخل بواسطة القانون رقم515-99 ل 23 يونيو 1999 – إذا ارتأى وكيل الجمهورية أن تدبيرا معينا من شأنه أن يضمن تعويض الضرر اللاحق بالضحية، و أن يضع حدا للاضطراب الناتج عن الجريمة أو يساهم في إعادة إدماج مرتكب الأفعال، يمكن له – أي الوكيل المذكور – وقبل أن يتخذ قراره بشأن الدعوى العمومية، إما مباشرة أو بواسطة تفويض[20] أن يعتمد منهجية الوساطة بين مرتكب الأفعال و الضحية بعد موافقتهما على ذلك[21].

– أما عن مقتضيات الفصل 2-41 – حسب نفس تعديل قانون 23 يونيو 1999 – تنص على ما يلي: يمكن لوكيل الجمهورية طالما لم تقع إثارة الدعوى العمومية أن يقترح، إما مباشرة أو بواسطة شخص مؤهل[22] صلحا جنائيا[23] على شخص راشد و معترف بارتكابه جنحة أو أكثر مما هو منصوص عليه في الفصول 11-222، 13-222 (1 إلى11)، 222-16، 17-222، 18-222 (1)، 3-227 إلى 7-227، و من 9-227 إلى11-227،  3-311، 5-313، 5-314 و 6-314، 1-322، ومن 12-322 إلى 14-322، و من 433-5 إلى 7-433 و 1-521 من القانون الجنائي[24].

هذا الصلح يتضمن التدابير التالية:

1 – أداء غرامة الصلح للخزينة العامة. مبلغ هذه الأخيرة – الذي يلزم أن لا يتعدى  3750أورو أو نصف الحد الأقصى للغرامة الواجبة قانونا – يحدد بحسب خطورة الأفعال و كذلك اعتمادا على مداخيل و تكاليف الشخص. و أداؤها يوزع حسب جدول استحقاقات يحدده وكيل الجمهورية، و ينبغي أن يتم ذلك داخل مدة لا يمكن أن تتعدى سنة واحدة؛

2 – التخلي لفائدة الدولة عن الشيء الذي استخدم أو كان معدا لارتكاب الجريمة أو يعتبر ناتجا عنها؛

3 – الإيداع بكتابة ضبط المحكمة الابتدائية الكبرى لرخصة السياقة – حسب تعديل قانونPERBEN شتنبر 2002 – لفترة قصوى محددة في ستة أشهر، أو لرخصة القنص كذلك لفترة قصوى محددة في أربعة أشهر؛

4 – إنجاز عمل غير مأجور لفائدة جماعة – عمومية – لمدة قصوى محددة في 60 ساعة في أجل لا يمكن أن يتعدى ستة أشهر؛

5 – متابعة تدريب أو تكوين في مصلحة أو هيئة صحية، اجتماعية أو مهنية لفترة لا يمكن أن تتعدى ثلاثة أشهر.

إذا كانت هوية الضحية معروفة، و فقط عندما يبدي مرتكب الأفعال رغبته في تعويض الضرر المرتكب، يلزم على وكيل الجمهورية أيضا أن يقترح على هذا الأخير تعويض الأضرار التي تسببت فيها الجريمة داخل أجل لا يمكن أن يتجاوز ستة أشهر، و يشعر بذلك الضحية.

هذا و يسمح القانون المذكور – حسب نفس الفصل – بأن يقع إخبار مرتكب الأفعال باقتراح الصلح الجنائي الصادر عن وكيل الجمهورية بواسطة ضابط للشرطة القضائية. والاقتراح هنا ينبغي أن يأتي في شكل قرار مكتوب و موقع عليه من طرف القاضي المذكور، و يحدد فيه هذا الأخير طبيعة و حجم التدابير المقترحة، و يرفق ذلك بالمسطرة.   كما ينبغي إشعار الشخص المقترح عليه الصلح الجنائي بإمكانيته في الاستعانة بمحام قبل الإقدام على إعطاء موافقته على اقتراح وكيل الجمهورية. و الموافقة المذكورة يجب تضمينها في محضر، نسخة منه ترسل إلى الشخص المذكور.

عندما يعطي مرتكب الأفعال موافقته على التدابير المقترحة، يحيل وكيل الجمهورية المسطرة على رئيس المحكمة بواسطة التماس قصد المصادقة على الصلح، كما يشعر بذلك مرتكب الأفعال، و عند الاقتضاء حتى الضحية.

هكذا و يمكن لرئيس المحكمة أن يعمد إلى الاستماع إلى مرتكب الأفعال و إلى الضحية مؤازرين عند الاقتضاء بمحامييهما. إذا أصدر رئيس المحكمة أمره بالمصادقة على الصلح، تصبح التدابير المقررة قابلة للتنفيذ. و في الحالة المخالفة، يصبح الصلح كأن لم يكن. و هنا تجدر الإشارة إلى أن قرار رئيس المحكمة الذي يبلغ إلى مرتكب الأفعال و عند الاقتضاء للضحية، غير قابل للطعن.

و إذا لم يوافق الشخص على الصلح، أو إذا لم يقم بتنفيذ التدابير المقررة بعد إعطاء موافقته، أو إذا لم تقع المصادقة، يبقى لوكيل الجمهورية أن يتخذ قراره بخصوص ما ستؤول إليه المسطرة. و في حالة إثارة المتابعة و صدور الإدانة، يؤخذ بعين الاعتبار عند الاقتضاء العمل الذي سبق و أنجزه المعني بالأمر و المبالغ المؤداة من طرفه. هذا و تجدر الإشارة إلى أن مدة تقادم الدعوى العمومية تتوقف بين التاريخ الذي يقترح فيه وكيل الجمهورية الصلح الجنائي و التاريخ الذي تنتهي فيه الآجال الممنوحة لتنفيذ الصلح الجنائي.

يبقى أنه بتنفيذ الصلح الجنائي تصبح الدعوى العمومية منقضية[25]. لكن ذلك لا يحول دون تمكين الطرف المدني من حقه في تقديم شكاية مباشرة أمام المحكمة الجنحية. هذه الأخيرة التي لا يمكن لها أن تبت سوى في المطالب المدنية اعتمادا على ملف المسطرة الذي سيدرج في المرافعات.

أخيرا يستوجب المشرع الفرنسي أن تسجل المصالحات الجنائية المنفذة بالبطاقة رقم 1 من السجل العدلي.[26]

الفقرة الثانية: الصلح الجنائي في القانون البلجيكي

أقر المشرع البلجيكي التصالح الجنائي مع المتهم، وذلك بدفع مبلغ من المال مقابل انقضاء الدعوى الجنائية، كما أشارت إلى ذلك المادة 4 من الأمر الملكي الصادر بتاريخ 10 يناير 1935 إلى أنه يمكن للنيابة العامة- إذا قدرت كفاية الغرامة  أو الغرامة والمصادرة كعقوبة للمخالفة المختص بها- أن تأمر بدفع الغرامة إلى المحصل.

ثم امتد نطاق إجراءات الصلح من المخالفات إلى الجنح المرفوعة أمام محاكم الجنح[27].

وقد عرف القانون البلجيكي  نظام الصلح في الجرائم الاقتصادية، على أن يتم الصلح قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة، وهذا على خلاف القانون الفرنسي الذي يجبر الصلح أثناء رفع الدعوى أمام المحكمة أو بعد الحكم النهائي في بعض الجرائم. لكن القانون البلجيكي يشترط ألا يكون الحبس فيها وجوبيا، ولكن إذا كان الحبس فيها اختياريا  ورأت النيابة الاكتفاء بالجزاء المالي، فلرئيس النيابة أن يفهم أن من حقه الصلح مقابل دفع مبلغ مالي لا يتجاوز ضعف الغرامة المقررة في النص، أو يريد الربح غير المشروع، أو أن يتخلى على الأشياء الممكن مصادرتها[28].

ويشترط لتحقيق الصلح الجنائي في القانون البلجيكي توافر الشروط الآتية:

– أن تكون المخالفة من اختصاص نائب الملك محليا ونوعيا.

– أن تكون العقوبة المنصوص عليها للجريمة موضوع الصلح هي الغرامة أو الحبس الذي لا يتجاوز شهرا ، أو العقوبتين معا.

– ألا يكون قد صدر حكم ضد المخالف بعقوبة جنائية، أو بحبس تأديبي، أو بعقوبة مشروطة.

– ألا يكون مطلوبا دفع تعويض معنوي أو أدبي لأحد عن تلك المخالفة ، ما لم يكن تم إصلاح الأضرار فعلا.

كما أن المشرع البلجيكي توسع في المصالحة الجزائية لتشمل أيضا الحالات التي لا يتجاوز الحبس فيها مدة 3 أشهر ولكن ضمن شروط مشددة.[29]

خاتمة

يتضح من خلال دراسة التـشريعات المقارنة مدى إدراجها لآلية الصلح الجنائي في إطار سياسـتها الجنائية المعاصرة وخاصة فـي ظل طغيان أزمة العدالة الجنائية، فكان اللجـوء إليه لتخفيف الضغط على المحاكم مـن الكـم الهائل المفترض للفصل بها، خاصة أن ركيزته رضـا أطراف الدعوى الجزائية على وسيلة إنهائهـا، وبذلك يتحقق بالفعل الإنهاء الرضـائي للـدعوى الجنائية بواسطة الأطراف بعدما أن كانت حكرا على الدولـة.

 

البيبليوغرافيا

[1] _ أمين مصطفى محمد، انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح، مكتبـة ومطبعـة الإشعاع الفنية، الإسكندرية، 2002، ص .39

[2] _ ليلى عمارة، منصور الشفي، الوسائل البديلة لحل المنازعات في المغرب، دراسة قانونية منشورة على الإنترنت.

[3] _ فمبدأ الصلح أو المصالحة يعد من التقاليد الراسخة في التراث الديني والثقافي المغربي، إذ كان رب القبيلة أو رب الأسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية والمالية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة أو القبيلة.

[4] _ الفصل 1098 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي.

[5] _ تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون المسطرة الجنائية جاء بمجموعة من المستجدات فيما يتعلق بمسطرة الصلح أهمها:

– أنه أصبح بإمكان النيابة العامة اقتراح الصلح على الأطراف وهو ماليس متاحا لها  في ظل القانون الحالي إلا في حالات محددة.

– أصبح بامكان وكيل الملك تعيين وسيط أو أن يطلب من الأطراف تعيينه (وفق إرادتهم) للقيام بالصلح.
ـ إمكانية استعانة وكيل الملك بالمساعدين الاجتماعيين بالمحاكم الموجودين بخلايا التكفل بالنساء والأطفال من أجل إقامة الصلح.
ــ استغناء المشروع عن موافقة القاضي على الصلح.

 

[6] _ الفقرة الثانية من المادة 41 التي جاء فيها: ” في حالة موافقة وكيل الملك وتراضي الطرفين على الصلح، يحرر وكيل الملك محضرا بحضورهما أو دفاعهما، ما لم يتنازلا، ويتضمن هذا المحضر ما اتفق عليه الطرفان”.

[7] _ كما نصت على ذلك المادة 41 في فقرتها 8 بقولها: ” توقف مسطرة الصلح … إقامة الدعوى العمومية. ويمكن لوكيل الملك إقامتها في حالة عدم المصادقة على مصدر الصلح أو عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة في الأجل المحدد أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية ما لم تكن هذه الأخيرة قد تقادمت”.

[8] _ فهذه المادة تجيز لإدارة المياه والغابات إجراء صلح مع المتهم المرتكب للجنح والمخالفات الواقعة على المياه والغابات.

[9] _ عمر سالم ، نحو تيسير الإجراءات الجنائية دراسة مقارنة ، ص 30.

[10] _ محمد على سويلم ، المبادئ المستقر عليها في قضاء النقض الجنائي ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية 2010، ص 677.

[11] _ محمد السيد عرفة، التحكيم والصلح وتطبيقاتهما في المجال الجنائي ، مركز الدراسات والبحوث ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض ، ص212.

[12] _ عبد الرحمن حسين علام ، الأحكام الخاصة بالتصالح كسبب من أسباب انقضاء الدعوى العمومية، 1990، ص 300.

[13] _ عبد الحكيم فودة ، انقضاء الدعوى الجنائية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2005، ص345.

[14] _ عبد الرحمن حسين علام ، مرجع سابق، 312.

[15] _ عبد الحكيم فودة، مرجع سابق، ص 348.

[16] _ سعيد حسب االله عبد االله، الصلح الجنائي، دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل، 1990، ص 194.

[17] _Les MARC ne sont pas seulement une alternative à la solution judiciaire du litige. S’ils ont certes ét
conçus comme une alternative à la solution du litige par les juridictions.
Loic cadiet , panorama des modes alternatifs de reglement   des conflits en              droit français , ritsumeikan law review , n° :28 , 2011 , p :155

– المادة 2044  من القانون المدني الفرنسي [18]

3- بنباصر يوسف ، أزمة مسطرة الصلح في القانون والقضاء المغربي  ــ رصد ميداني لحصيلة التطبيق وقراءة في أسباب الأزمة والحلول المقترحة لمعالجتها، دراسة منشورة بالموسوعة القانونية لصاحبها  القاضي بنباصر يوسف  بتاريخ 05/02/2006.

[20]  Il peut notamment s’agir d’un délégué du procureur ou d’une association adhérente à l’institut national d’aide aux victimes et de médiation (INAVEM) exerçant leur mission dans le cadre des maisons de justice et de droit. Il convient de souligner, à propos de la médiation que le procureur de la république ne doit pas intervenir lui-même : cette intervention serait en effet contraire à l’esprit même de la mesure et à l’article D. 15-4 du C.P.P qui précise que le médiateur ne doit pas exercer d’activités judiciaires à titre professionnel ». Assemblée Nationale, Rapport n° 1468 précité.

[21] « Il s’agit, pour le ministère public, de tenir compte d’un arrangement intervenu entre le délinquant et la victime pour décider de ne pas poursuivre » VINCENT (Jean), GUINCHARD (Serge), MONTAGNIER (Gabriel) et VARINARD (André), Institutions judiciaires, paris, DALLOZ, 6ème éd., 2001, p. 638.

 

[22] V. Décret n° 2001-71 du  29 Janvier 2001, les articles R. 15-33-30 jusqu’au R. 15-33-37, code de procédure pénale, Op. Cit., pp. 1132 à 1134.

[23]  « Cette procédure, initialement appelée compensation judiciaire, a été rebaptisée composition pénale par le sénat, qui a estimé que cette appellation permettait de mieux décrire les relations entre le procureur, l’auteur des faits et, le cas échéant, la victime ». Rapport n° 1468 précité, p. 19.

 

[24] «Il s’agit des violences ayant entrainé une incapacité de travail ou commises sur certaines personnes, les appels téléphoniques malveillants, des menaces, de l’abandon de famille et de l’atteinte à l’autorité parentale, du vol simple, de filouterie, du détournement de gage ou d’objet saisi, des destructions, dégradations et détériorations, des outrages contre une personne chargée d’une mission de service public, du port illégal d’arme… de violences ou dégradations contraventionnelles (art. 41-3 du C.P.) Ibid., p. 20.

[25] « Les causes d’extinction propre à l’action publique s’expliquent par la nature de la valeur touchée (un intérêt général) (état fort de la conscience collective) et par la nécessité d’une réaction et même de resocialisation… du récalcitrant » DRISSI ALAMI MACHICHI, Procédure pénale, Casablanca, Imprimerie KAMAR, 1981, p. 228.

 [26] _ فريد السموني، مقارنة بين مقتضيات قانون الجديد للمسطرة الجنائية المغربي و قانون المسطرة الجنائية الفرنسي، مقال عدد 15، منشور في  http://www.alkanounia.com/ .

– أحمد فتحي سرور، بدائل الدعوى الجنائية، مجلة  القانون والاقتصاد، القاهرة، ص 74.[27]

– محمود مصطفى، حقوق المجني عليه في الإجراءات  في الشريعة والقانون، ص 222[28]

13-عمر سالم ، نحو تيسير الإجراءات الجنائية دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1997، ص 3

قد يعجبك ايضا