مميزات التفاعل الدبلوماسي المغربي بدول أمريكا اللاتينية

المعلومة القانونية – عطيف محمد

  •  باحث في العلاقات الدولية بكلية الحقوق سلا

مقدمة:

شكلت نهاية سبعينات القرن الماضي منعطفا مهما في تاريخ بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية، فقد أدت مواقف هذه الدول الداعمة لأطروحة البوليزاريو من قضية الصحراء المغربية إلى تغيير أولويات السياسة الخارجية المغربية، فأصبحت هذه القضية تشكل محور العمل الدبلوماسي المغربي في المنطقة.

والملاحظ أن المغرب قد تجاوز سياسة الكرسي الفارغ التي طبعت علاقته مع دول المنطقة خلال فترة حكم الحسن الثاني مقابل سياسة الانفتاح والاحتواء للدفاع عن المصالح الإستراتيجية منذ صعود الملك محمد السادس سدة الحكم. ورغم رفع مستوى الحضور الدبلوماسي المغربي في أمريكا اللاتينية فإن هشاشة علاقات المغرب مع دول أمريكا اللاتينية تظل السمة الغالبة، وتطرح بشكل واضح كلما قامت أحد الدول بعد تجميدها لعلاقاتها مع البوليزاريو إلى فتح قنوات التواصل الدبلوماسي معه مرة أخرى[1].

ومن خلال تتبع تفاعلات قضية الصحراء المغربية في أمريكا اللاتينية، يلاحظ أن علاقات المغرب مع دول المنطقة مرت بمرحلتين مختلفتين:

المرحلة الأولى: سياسة الكرسي الفارغ أمام موجة الاعترافات بجبهة البوليزاريو

انطلقت هذه المرحلة بعد ظهور أول اعتراف رسمي بالجمهورية المزعومة بين دول أمريكا اللاتينية وامتدت لعقدين من نهاية السبعينات إلى نهاية التسعينات من القرن الماضي، حيث تتابعت سلسلة الإعترافات بشكل تصاعدي يشبه تأثير الدومينو. وقد حاول الملك الراحل الحسن الثاني مواجهة هذه المرحلة منذ بدايتها بتنظيم حملات دبلوماسية مستعجلة ومكثفة تمثلت على الخصوص في تعيين مجموعة من السفراء وإرسال عدة وفود للإلتقاء برؤساء وحكومات المنطقة من أجل التعريف بقضية الصحراء المغربية ما بين 1985 و1986.

فإعتراف المكسيك سنة 1979 بهذه الجمهورية الوهمية كان اول ما حرك الدبلوماسية المغربية على عهد الراحل الحسن الثاني لتدارك  الأمر وضمان الدعم الأكبر لقضية الصحراء بدول أمريكا اللاثينية وتجلى ذلك من خلال  من إعطاء  شروحات وتلقي عروضا حول تطورات قضية الصحراء. إلا ان هذه المحاولات باءت بالفشل أمام تصلب المواقف الذي كشفت عنه هذه الدول غزاء قضية الصحراء.فقد توالت سلسلة اعترافها بالجمهورية الصحراوية دون توقف . وهو ما جعل الدبلوماسية المغربية خلال مرحلة الثمانينات تعرف تراجعا بحيث اقتصرت على تقوية علاقاتها الدبلوماسية مع الدول التي لم تعترف بالجمهورية المزعومة وخاصة مع الأرجنتين والبرازيل بحكم وزنهما السياسي والإقتصادي في أمريكا الجنوبية.[2]

    غير أن تصلب مواقف هذه الدول من قضية الصحراء كان دافعا أساسيا وراء تقليص المغرب لأنشطته الدبلوماسية نحو أمريكا اللاتينية والركون إلى سياسة الكرسي الفارغ لسنوات عديدة، وهي الفترة التي استثمرها متزعمي الأطروحة الإنفصالية بشكل حصري للإنتشار في المنطقة والتغلغل داخل مختلف أوساط المجتمع ومؤسسات الدول[3].

بالإضافة أن فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني تميزت بضعف الزيارات الرسمية المتبادلة مع دول امريكا اللاتينية مقارنة بباقي العالم، ففق الفترة الممتدة ما بين 1990 إلى 1997 سجلت مناطق أخرى ارتفاع عدد الزيارات المتبادلة ،78 زيارة نحو العالم العربي واسرائيل، و73 زيارة اتجاه أوروبا، و68 زيارة نحو إفريقيا ، وحتى القارة الآسيوية التي تبعد أكثر عن المغرب مقارنة بأمريكا اللاتينية ،فقد وصل عدد الزيارات التي قام بها وزراء الخارجية المغاربة إلى 6 زيارات مقابل أربع زيارات إلى أمريكا اللاتينية خلال نفس الفترة.[4]

المرحلة الثانية: سياسة الانفتاح والاحتواء لمواجهة الإعترافات

بحلول سنة 2000 انطلقت في أمريكا اللاتينية موجة موسعة من سحب تجميد الإعترافات بالجمهورية المزعومة شملت عشر دول واستمرت إلى غاية سنة 2005، وقد تزامنت هذه الفترة في المغرب مع صعود الملك محمد السادس سدة الحكم وتواجد حكومة التناوب، إلى جانب تبلور رغبة سياسية خاصة في تنشيط العلاقات الدبلوماسية والإنفتاح على دول أمريكا اللاتينية، وقد تكرس هذا التوجه من خلال الجولة الملكية في المنطقة ما بين نونبر ودجنبر سنة 2004 والتي شملت المكسيك والبرازيل والأرجنتين والبيرو والشيلي بالإضافة إلى جمهورية الدومينيكان.

وخلال سنة 2006 ظهرت حالات استثنائية من عودة بعض دول أمريكا اللاتينية إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع البوليزاريو بعد اتخاذها لقرار تجميد تلك العلاقات من قبل، وقد شملت هذه الحالات لحد الساعة أربعة دول وهي: الإكوادور والسلفادور والباراغواي وبانما، وتعكس هذه الحالات هشاشة في علاقات المغرب مع بعض الدول في تلك المنطقة تتضح جليا عند كل تغيير في رئاسة إحدى دول أمريكا اللاتينية.

وتعكس هذه المرحلة بشكل عام وضعية التنافس الدبلوماسي المستمر داخل أمريكا اللاتينية بين المغرب والبوليزاريو المدعوم من طرف الجزائر.

في إطار سياسة الإحتواء التي يقودها المغرب في المنطقة ظهر خلال السنوات الأخيرة اهتماما متزايد بفئة خاصة من دول أمريكا اللاتينية، فقد توجه تركيز الرباط نحو الدول التي تدخل مجلس الأمن الدولي لشغل مقعد عضو غير دائم فيه، وظهرت معالم هذا الإهتمام من خلال افتتاح التمثيلية الدبلوماسية الجديدة للمغرب بغواتيمالا مطلع يناير 2018 بالتزامن مع دخولها مجلس الأمن للفترة ما بين 2013 و2014، كما رفع المغرب من مستوى تبادل الزيارات الدبلوماسية التنسيق السياسي مع الأرجنتين والشيلي خلال مرورهما بمجلس الأمن ما بين 2013 و2014 بالنسبة للأولى و2015 و2014 بالنسبية للثانية. وحتى جمهورية فنزويلا المعروفة بمواقفها الداعمة للبوليزاريو لن تستثن من هذا التوجه خلال تواجدها بمجلس الأمن وشملتها زيارة من الخارجية المغربية خلال سنة 2015م.

وقد توجهت الأنظار بشكل كبير إلى الأوروغواي التي انتخبت بمجلس الأمن للفترة ما بين 2015 و2016م، لكن يظهر أن الظرفية السياسية لم تكن تسمح بحصول أي تقدم فيس العلاقات الثنائية ومن جهة أخرى يلاحظ تبلور موقف دبلوماسي جديد يكشف عن حصول تغيير في الموقف المغربي التقليدي الرافض لفتح سفارات في العواصم التي توجد بها تمثيليات للبوليزاريو، فقد كانت مكسيكو العاصمة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي تستضيف سفارتين من الرباط والبوليزاريو، لكن قرار المغرب بالإبقاء على سفارته الجديدة في بانما رغم عودة التواصل الدبلوماسي مع البوليزاريو في هذا البلد يدعم هذا التوجه الجديد في الدبلوماسية المغربية، ويلاحظ أن هذا الموقف لا ينحصر على منطقة أمريكا اللاتينية بل يشمل كذلك القارة الإفريقية حيث توجد معاقل تاريخية تدعم الأطروحة الإنفصالية[5].

ولقد حظيت دول أمريكا اللاتينية على المستوى السياسي بأكبر قسط من الإنفتاح في عهد الملك محمد السادس، حيث انطلقت في سنة 2013 بمبادرة مغربية متميزة تمثلت في الإعلان عن الإفتتاح الرسمي لسفارة جديدة للمغرب في جمهورية غواتيمالا أصبح بمثابة نقطة ارتكاز للتنسيق الدبلوماسي المغربي مع دول أمريكا اللاتينية وهذا ما يدل أن سياسة الإنفتاح التي انتهجتها الملك محمد السادس تترجم إرادة المغرب في تطوير علاقاته مع دول هذه المنطقة[6].

وفي هذا الصدد لقد قامت جمهورية السلفادورفي يونيو 2019  بتعليق إعترافها جمهورية البوليزاريو[7]، وهذا ما يؤكد أن الدبلوماسية المغربية متواصلة في مسلسلها الدبلوماسي في أمريكا اللاتينية، لاشك فيه أن القضية الوطنية التي تعتبر من أولويات السياسة الخارجية المغربية، حيث تجاوز المغرب مرحلة الانغلاق وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تعترف بالجمهورية الوهمية وتبني سياسة جديدة تتميز بالإنفتاح وإحتواء الدول التي تعترف بالكيان الذي لا يتوفر على مقومات الدولة عن طريق دبلوماسية إستباقية الممتثلة في الدبلوماسية الإقتصادية والثقافية والبرلمانية التي أصبحت في الوقت الراهن تتحرك بشكل مستمر وفعال في المنطقة.

المراجع:

  • محسن منجيد، موقع أمريكا اللاتينية في الأجندة الجديدة للسياسة الخارجية المغربية، تقرير أمريكا اللاتينية لسنة 2016، ص7 متوفر في موقع marsadamericalatina.com
  • Rachid El Houdaigui, La politique étrangère sous le règne de Hassa2, l’Harmattan 2003, p122.
  • التقرير الاستراتيجي المغربي لـ 2014- 2018، مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية العدد11، السنة 2018، ص 302.
  • العلاقة الدبلوماسية بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية .rachelcentre.sp [1] -دلالات جولة ناصر بوريطة في أمريكا اللاتينية مقال بموقع 2m.ma

الإحالات:

[1]– محسن منجيد، موقع أمريكا اللاتينية في الأجندة الجديدة للسياسة الخارجية المغربية، تقرير أمريكا اللاتينية لسنة 2016، ص7 متوفر في موقع

[2]– العلاقة الدبلوماسية بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية في موقع

[3]– محسن منجد، موقع أمريكا اللاتينية في الأجندة الخارجية للسياسة الخارجية المغربية، مرجع سابق، ص 8.

[4] -Rachid El Houdaigui, La politique étrangère sous le règne de Hassa2, l’Harmattan 2003, p122.

[5]– محسن منجيد، موقع أمريكا اللاتينية في الأجندة الخارجية للسياسة الخارجية المغربية، مرجع سابق، ص 10.

[6]– التقرير الاستراتيجي المغربي لـ 2014- 2018، مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية العدد11، السنة 2018، ص 302.

[7] -دلالات جولة ناصر بوريطة في أمريكا اللاتينية مقال بموقع

قد يعجبك ايضا