دة. أمينة رضوان: حق الكد والسعاية في القانون المغربي

المعلومة القانونية – دة. أمينة رضوان

  • باحثة في العلوم القانونية

مقدمة:

تعتبر الأسرة النواة الأولى لبناء صرح مجتمع مصغر  تختزل أبعاد إنسانية واجتماعية واقتصادية وثقافية ،وتنشأ بترابط شرعي متمثل في الزواج بين رجل وامرأة على وجه الدوام، واستمرارها يتطلب من أفرادها العيش في ود واحترام وتماسك، وقيام كل عنصر من عناصرها بواجباته اتجاه أسرته، إلا أنه في بعض الأحيان تنهار الأسرة بفعل طلاق أو وقوع وفاة أو غيرهما فيطالب كل شخص ساهم في نماء ثروتها بحق يوازي قدر مساهمته في هذا النماء.

وهو ما يصطلح عليه بحق الكد والسعاية.

ذلك ما سنحاول مقاربته من خلال تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين كالآتي:

المبحث الأول:  تعريف وتأصيل حق الكد والسعاية

المبحث الثاني: دعوى حق الكد والسعاية

المبحث الأول: تعريف وتأصيل حق الكد والسعاية

إن حق الكد والسعاية مصطلح يجب إبراز  مدلوله اللغوي والاصطلاحي (مطلب أول) ثم التعرض لتأصيله الفقهي (مطلب ثاني).

المطلب الأول: تعريف حق الكد والسعاية

تتفق جميع التعاريف اللغوية في كون مصطلح الكد والسعاية يراد به بذل الجهد في التحصيل والإنتاج.

ويرد هذا الحق بمصطلحات أخرى كحق الشقا وحق الجرية أو الجراية وحريق اليد وتامّازالت.

ويقصد به في الاصطلاح الفقهي العمل والجهد والكد الذي يساهم به الساعي ايجابيا في تكوين رأسمال أو تنميته (1)  وهو يختلف باختلاف العمل المنجز وباختلاف القائم به . وقد اشترط بعض الفقه لاستحقاق الساعي نصيبه من أموال السعاية أن يصرح أن سعيه وكده ليس على سبيل التطوع (2)

  • (1) محمد مومن، حق الكد والسعاية/ دراسة لحق المرأة في اقتسام الممتلكات المكتسبة خلال الزواج في ضوء بعض الأعراف المغربية- المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، س  2006، ص 19 .
  • (2) أنظر في هذا الصدد: عيسى بن علي الحسني العلمي، التوازل /تحقيق المجلس العلمي بفاس، ط 1406 هـ/الموافق ل 1986 م، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميةن مطبعة فضالة/ المحمدية، ج .الأول، ص 188 ومايليها.

المطلب الثاني: التأصيل الفقهي لحق الكد والسعاية

اختلفت الآراء الفقهية حول أصل وسند حق الكد والسعاية إلى ثلاثة أسانيد:

السند الأول: الأثر الوارد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

كان عامرا  بن الحارث قصارا وامرأته حبيبة بنت زريق ترقم له الأثواب فجنيا من ذلك مالا كثيرا.ولما مات الزوج ولم يترك أولادا قامت زوجته وطالبت بسعايتها من مال زوجها. فلم يقبل ذلك الورثة فترافعوا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضي بينها وبين زوجها شركة المال نصفين(1) .

وما قد يقال كنقد لاعتبار هذا الأثر سندا في المطالبة بحق الكد والسعاية هو أن حبيبة بنت زريق لم تطالب بحقها في سعايتها إلا بعد وفاة زوجها عامرا بن الحارث علما أن هذا الحق يمكن المطالبة به في كل وقت و حين.

ولقد .أصل لهذا الأثر فقهاء المالكية،جاء في أجوبة التونسي : “اتفق مالك وأصحابه أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل أنها كانت شريكة فيما بينها وبين زوجها”(2)

إلا أنه من غير المنطقي القول بأن فقهاء المالكية أصلوا لدعوى الكد والسعاية،باعتبارهم روّاد فقه الاحتياط وسد الذرائع،ومن تم فمنطقهم الفقهي يقضي

باستبعاد هذه الدعوى التي يمكن أن تكون سببا في ضياع الحقوق مقابل الأخذ في الأصل المتمثل في استقلال الذمة المالية للزوجين(3).

  • الرحماني عبد الله بن محمد الجشتيمي، شرح نظم أبي زيد عبد الرحمان بن عبد الله الجشتيمي- العمل السوسي في الميدان، ج .الأول، مكتبة المعرف بالرباط، س 1984، ص 281.
  • أنظر مؤلف الحسن العبادي، فقه النوازل في سوس، كلية الشريعة أكادير، السنة 1999، ص 111 

السند الثاني: الاجتهاد الفقهي

جاء في نوازل العلمي :” … ونقل صاحب تقييد الرسالة عن الشيخ الفقيه أبي الفضل راشد أنه كان يقول :(يجب على نساء البربر الخدمة المعتادة عندهم لأنهم على تلك دخلن .لكن المشهور الذي به الفتوى عدم جبرهن على ذلك وأن لاشيء عليهن من غزل ونسج وغيره . فإذا فعلت شيئا من ذلك متطوعة به وطيبة عن النفس بذلك رشيدة قبل العمل وبعده ….وإن صرحت بالامتناع من الخدمة إلا على وجه الشركة …وأباح لها زوجها ذلك فلا إشكال في اشتراكهما (1))”

لكن هذا الاجتهاد لا يكفي باعتبار أن المبدأ في الإسلام هو استقلال الذمة المالية للزوجين ، وهو المقنن بنص المادة 49 من مدونة الأسرة.

السند الثالث: العرف

يرى جملة من الفقه المغربي أن حق الكد والسعاية مؤصل في العرف المحلي، فالمرأة البربرية تلعب دورا كبيرا داخل أسرتها سواء في الأعمال المنزلية أو غيرها من حرث ودرس وغيرهما،لهذا استحقت أن تشارك زوجها في ثروته.

وهكذا يظهر لنا بجلاء صعوبة تحديد تأصيل مفهوم حق الكد والسعاية ،إلى الحد الذي جعل أستاذ محمد الكشبور (2)  يقول : “إن هذه المصادر والأسباب التي تقول بشرعية حق الكد والسعاية يكمل بعضها البعض ويقويه ويعضده.

  • (3) محمد كوجبي، دعوى الكد والسعاية بين الفقه الإسلامي والقانون المغربي، دراسة على ضوء العمل القضائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، شعبة القوانين الإجرائية المدنية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2010/2011، ص 16.
  • الشيخ عيسى بن علي العلمي، كتاب النوازل، ج. الأول، ص 188 ومايليها.
  • محمد الكشبور، مفهوم وطبيعة حق الكد والسعاية/ قراءة في حكم إدارية الرباط، ع 1439 بتاريخ 15 ماي 1997، مساهمة في كتابة الأنظمة العقارية بالمغرب، نشر مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية، المطبعة الوطنية، السنة 2003، ص 34.

المبحث الثاني: دعــــوى الكــد والسعــاية

إن الحديث عن دعوى الكد والسعاية نعني به البحث عن الاختصاص المحلي في هذه الدعوى والشروط المتطلبة فيها (مطلب الأول ) ثم الإثبات المعتمد فيها وطبيعة الحكم الناتج عنها (مطلب الثاني ).

المطلب الاول: الاختصاص المحلي في دعوى الكد والسعاية والشروط  المتطلبة فيها

لاشك أن أي دعوى تقدم أمام القضاء يجب أن تحترم الاختصاص المحلي المتطلب فيها (فقرة أولى) بالإضافة إلى مجموعة من الشروط سواء الشكلية أو الموضوعية .

الفقرة الأولى: الإختصاص المحلي في دعوى الكد والسعاية

الإختصاص هو توزيع العمل بين المحاكم والجهات القضائية المختلفة(1) وينقسم الإختصاص إلى اختصاص نوعي واختصاص محلي.

  • الطيب الفصايلي_الوجيز في القانون القضائي الخاص، ج. الاول، الطبعة الثالثة، السنة 1999، ر مطبعة النجاح الجديدة، ص125.

والإختصاص المحلي هو:” توزيع العمل بين المحاكم على أساس جغرافي أومكاني،أي أنه تختص كل محكمة بقضايا منطقة معينة تسمى(دائرة اختصاص المحكمة)”(1)

ومبدئيا يتحدد الإختصاص المحلي بمحكمة الموطن الحقيقي أوالمختار للمدعى عليه. وإذا لم يكن لهذا الأخير موطن في المغرب ولكن يتوفر على محل إقامة كان الاختصاص لمحكمة هذا المحل.وإذا لم لم يكن للمدعى عليه لا موطن ولا محل إقامة بالمغرب فيمكن تقديم لدعوى ضده أمام محكمة موطن أو إقامة المدعي أو واحد منهم عند تعددهم وإذا تعدد المدعى عليهم جاز المدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد منهم(1). وترد على هذا المبدأ استثناءات هي الواردة في الفصول 28،29،30،و212 من قانون المسطرة المدنية.ويخضع الإختصاص في قضايا الأسرة لمبدأ موطن المدعى عليه أو محل إقامته ماعدا قضايا النفقة والطلاق والتطليق وقسمة التركات.

  • (1) نفس المرجع، ص127/128.
  • (2) الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية.

الفقرة الثانية: شروط دعوى الكد والسعاية

يمكن تقسيم هذه الشروط إلى شروط شكلية (أولا) وشروط موضوعية (ثانيا).

أولا: الشروط الشكلية

لم يفرد المشرع لدعوى الكد والسعاية شروطا شكلية خاصة بها،وإنما جعلها خاضعة للشروط الشكلية العامة المنصوص عليها في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.وهي:الصفة والمصلحة والأهلية للتقاضي.والتي سوف نوضحها حسب دعوى الكد والسعاية.

أ/ الصفة في دعوى الكد والسعاية

لا تثبت الصفة في دعوى الكد والسعاية إلا للساعي أو الساعية المنحدرة من المنطقة المنبثق منها هذا العرف.وهذا ما سارت عليه المحكمة الإبتدائية بمراكش(1) التي رفضت طلب الساعية المنحدرة من منطقة حضرية جاء في الحكم:”…النازلة موضوع الدعوى تتعلق بحق الكد والسعاية المستمد من الأعراف المحلية لمنطقة سوس ماسة،وأن تطبيق العرف يتميز بطابع الحضرية والمكانية والتحديد الجغرافي ومن تم فإنه لا يمكن تطبيقه على أناس يعيشون في المدار الحضري خارج منطقة سوس حسب الإجتهاد القضائي للمجلس الأعلى”

  • (1)حكم رقم 322 بتاريخ 27 دجنبر 2004 في الملف عدد 99/2004، منشور بمجلة المناهج عدد مزدوج9/10-السنة 2006، ص 259  وما يليها.

ويتضح من هذا الحكم أن محاكم الموضوع ومحكمة النقض تعتمد في الإستجابة لطلب السعاة في حقهم في الكد والسعاية على معيار انتمائهم إلى المناطق البربرية التي انبثق منها هذا الحق.وهو حيف كبير في حق السعاة خارج هذه المناطق.

لذا نرى أن السعاة يجب أن يكون حقهم في الكد والسعاية مضمون ولو خارج هذه المناطق .باعتباره أن التأصيل لهذا الحق متجدر بالأثر وفي الاجتهاد الفقهي وهما أسبق من العرف.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحق ليس قاصرا على الزوج أو الزوجة فقط، بل يمكن لكل فرد من أفراد الأسرة  أثبت أنه ساهم في نماء أموال أسرته أن يطالب بسعايته، وهذا هو ما أقرته المحكمة الابتدائية بانزكان في حكم (1) لها ورد فيه “وحيث إن المحكمة   بتسليمها أن قاعدة السعاية هي نتاج ما جرى به العرف والعادة في البقاع السوسية وفي بعض مناطق الشمال وتم إعمالها وإقرارها من طرف فقه النوازل قديما وكذا بعض الفقه المغربي الحديث غير قاصرة على الزوجة ،وإنما يستفيد من أحكامها كل أفراد الأسرة حسب كده واجتهاده”

ب/ المصلحة في دعوى الكد والسعاية

إن المصلحة في دعوى الكد والسعاية تتجلى في حصول الساعي على نصيب مما ساهم به في أموال أسرته، في أي وقت وحيث، شرط إثبات سعايته .

  • حكم رقم 359 في ملف عدد 546/07 بتاريخ 8 ابريل 2008. غير منشور.

ج/ الأهلية في دعوى الكد والسعاية

يمكن لكل ساعي أن يرفع دعواه إلى المحكمة المختصة للحصول على سعايته . وهذا بغض النظر عما إذا كان بالغا سن الرشد أم قاصرا.(1)

وإذا توفرت هذه الشروط فإن الساعية أو الساعي يرفع دعواه إلى محكمة “قضاء الأسرة” المختصة مكانيا ونوعيا وفق الشروط العادية لتقييد الدعوى كما هي  محددة بالفصلين 31 و32 من قانون المسطرة المدنية.

المطلب الثاني: الإثبات والحكم في دعوى الكد والسعاية

إذا توفرت في دعوى الكد والسعاية الشروط السابقة فإنه يكون على عاتق الساعي إثبات سعايته (فقرة أولى ) ليقضي القضاء بحكم تختلف طبيعته حسب محاكم المملكة (فقرة الثانية )

الفقرة الأولى: الاثبات في دعوى اوالسعاية

إن الإثبات في دعوى الكد والسعاية تحدده الفقرة الثانية من المادة 49 مــن مدونة الأسرة التي جاء فيها “إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات و ما تحمله مــــن أعباء لتنمية أموال أسرته”.

  • مع احترام الشروط المنصوص عليها في مدونة الأسرة في باب تقاضي القاصر

والملاحظ أن المشرع وإن أخضع الإثبات في هذه الدعوى للقواعد العامة في الإثبات فإنه جعله مرتبطة بعناصر عمل كل واحد من الزوجين ومجهوده المساهم به في تنمية أموال أسرته.وعليه تثبت هذه الدعوى بواسطة ورقة رسمية أو عرفية معدة سلفا في إطار تدبير الأموال المكتسبة بعد الزواج.

كما تثبت الدعوى عن طريق الشهادة ، حيث جرت العادة باعتمادها من طرق السعاة .وذلك بالإدلاء بلفيف عدلي أو بإحضار الشهود والاستماع إليهم من طرف المحكمة التي يبقى لها كامل السلطة التقديرية للأخذ بشهادتهم من عدمها.   وفي هذا الصدد ورد حكم المحكمة الابتدائية بتارودانت (1)الذي جاء فيه :

“وحيث إن المحكمة وللتأكد من كد الزوجة وسعايتها وما قد تكون قد قدمته من مجهودات وأموال  ومساهمة في تنمية ثروة المدعى عليه  التي تكونت خلال الحياة الزوجية، فإنها أمرت بإجراء البحث، والذي اتضح من خلال محضر البحث المنجز بتاريخ 30/09/2013  أن جميع الشهود قد أجمعوا بعد نفيهم القرابة والعداوة وأدائهم اليمين القانونية، أن المدعية كانت تساعد زوجها في محل عمله وان دورها اقتصر على تنظيف المحل واستقبال الزبناء أي أنها لم تكن تشرف على النشاط الخاص بصناعة الأسنان  الممتهن من طرف المدعى عليه .

وحيث إن المحكمة لما ناقشت الحجج التي استدلت بها المدعية  ،  وخاصة الشهادة العدلية المشار إلى مراجعها أعلاه تبين لها  أن تصريحات الشهود المضمنة بها تناقض تصريحات المدعية أمام المحكمة بخصوص مدة كدها  وسعايتها ، حيث إن  شهادة الشهود أكدت أن المدعية ساعدت زوجها طيلة مدة سبعة عشر سنة والحال أن المدعية  صرحت بجلسة البحث المنعقدة بتاريخ 15/07/2010 أنها  لم تشتغل  مع المدعى عليه إلا ابتداء  من شهر يوليوز 2010 وهو ما يجعل أقوالها تناقض حجتها.

  • (1) حكم غير منشور.

وحيث  إن مناط  استحقاق نصيب ─ نصف ─ الأملاك المدعى فيها، بعلة أنها ناتجة عن كد الزوجة وسعايتها إلى جانب الزوج خلال فترة استمرار العلاقة الزوجية، يقتضــي إثبـــات كــون الزوجة عاملة، أي  أن لها عمل محدد ومعروف

ومنتج، وأنها بعملها قد ساهمت بشكل غير مباشر في إنماء ثروة الزوج وهو ما لم يتم إثباته من طرف المدعية .

وحيث انه واستنادا الى ما سلف يكون المجهود الاضافي الذي بذلته المدعية  المحدد في تنظيف المحل واستقبال الزبناء مجهودا بسيطا لا يجعلها شريكة في الثروة التي يمتلكها المدعى عليه  والمحددة في العقارات المشار اليها اعلاه خاصة وانها لم تدل بأي حجة قانونية تفيد مساهمتها بشكل فعال في تنمية وازدهار ثروة المدعى عليه، إذ أن المدعي مطالب بالبينة، مما يكون معه الطلب غير مؤسس ويتعين التصريح برفضه”.

وإلى جانب الشهادة ينتشر أيضا إثبات هذه الدعوى بواسطة اليمين .وهو ما يستشف من قرار محكمة الاستئناف بأكادير (1) الذي ورد فيه “وحيث إنه إعمالا للأصل المشار إليه بخصوص الذمة المالية فإن المحكمة وجهت اليمين للمستأنف عليه وقد أداها ….. وأقسم بالله العظيم على أن المنزل اشتراه بماله الخاص،ولم تساهم فيه الطاعنة بأي مبلغ”

وإثبات الدعوى المذكورة بالإقرار يثبت متى اعترف المدعى عليه بمساهمة

  • قرار رقم 1206 بتاريخ 20 دجنبر 2005 في الملف عدد 171/05، غير منشور

الساعي من المستفاد من سعايته. ولما كان هذا الأمر ناذر الوقوع من الناحية العملية،فإنه يمكن استنتاج الإقرار من تصريحات المدعى عليه أمام القاضي وفي هذا صدر حكم المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء(1)الذي جاء فيه:”وحيث إن المدعى عليه أقر بتوصله من المدعية بمبلغ خمسة وعشرون ألف درهم من مداخيل اقتناء هذا العقار… وحيث إن أقوى من يؤخذ به المرء إقراره على نفسه”.

ثم أخيرا هناك القرائن التي غالبا مالا يلجأ إليها إلا عند انعدام وسائل الإثبات السابقة،بحيث يقيّم قاضي الأسرة عمل كل واحد من الزوجين اعتمادا عليها، وقد اعتبرت محكمة النقض(2) تحمل الزوج أداء قرض بنكي لاقتناء عقار في اسم زوجته قرينة لصالح الزوج الساعي من أجل مطالبة الزوجة المدعى عليها في حقه في السعاية.جاء في القرار:”حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه ذلك أن الفقرة الأخيرة من المادة 49 من مدونة الأسرة تنص على أنه إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات،مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.

والثابت من أوراق الملف أن الطاعن أدلى بنسخة من عقد شراء شقة في اسم المطلوبة مؤرخ في 09/09/1987 ورد في الفصل التاسع منه اتفاق الطاعن والمطلوبة على أدائه باقي ثمن شراء هذه الشقة البالغ 185.000 درهم بواسطة قرض اقترضته الطاعن شخصيا من مصرف المغرب بعدما قدمت المطلوبة مقابل هذا الشراء تسبيق قدره 65.000 درهم،كما أدلى بالوثيقة المؤرخة في 06/01/1988 الصادرة عن مصرف المغرب والتي تثبت الإقتطاعات الشهرية من حسابه المفتوح للعارض،وبمجموعة من الكشوفات الحسابية تثبت الإقتطاعات.

  • (1) حجم رقم 6236 بتاريخ 09أكتوبر 2008،غير منشور
  • قرار عدد 566 بتاريخ 03 دجنبر 2008 في الملف عدد 28/2/1/2007.منشور بنشرة قرارات المجلس الأعلى المتخصصة/غرفة الأحوال الشخصية والميراث- الجزء الرابع- سلسلة 2 – مطبعة الأمنية الرباط- السنة 2010 _ص5 و مايليها.

 الشهرية من حسابه المفتوح لدى البنك المغربي للتجارة والصناعة والبالغة8.101.39 درهم شهريا والمتعلقة بتسديد باقي ثمن شراء الأرض العارية ذات الرسم العقاري عدد 3184/33 البالغة 145.750 درهما بعدما أدت المطلوبة تسبيقا ماليا لشراء هذه الأرض منحصرا في مبلغ 31.000 درهم،كما أن المطلوبة نفسها أقرت في مذكرتها المؤرخة في 15/02/2006 المدلى بها في جلسة 20/02/2006 بأن القروض البنكية التي يتمسك بها الطاعن والتي يزعم بأنه ساهم بها في اقتناء العقارين المذكورين كانت تؤديها من مالها الخاص وأن دور الطاعن كان ينحصر في استعمال حسابه البنكي لا غير.والمحكمة لما عللت قرارها بأن ما تمسك به الطاعن من أداء ديون في شكل أقساط لاقتناء قطعة أرضية وشقة بواسطة حساب بنكي في اسمه لا ينهض حجة كافية للقول بأن هناك اتفاق لتدبير الأموال بينهما،أو أنه قدم مجهودا أو تحمل عبئا لتنمية أموال الأسرة،دون أن تقوم بإجراء بحث أو إجراء خبرة للتحقق مما إذا كانت المبالغ المالية التي كانت تقتطع من حساب الطاعن قد ساهمت فعلا في تنمية أموال الأسرة أم لا،وفيما إذا كان قد استرجع هذه الأموال من قبل المطلوبة وإذ هي لم تفعل تكون قد خرقت مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة وعرضت بذلك قرارها للنقض”.

الفقرة الثانية: طبيعة الحكم في الكد والسعاية

اختلفت محاكم الموضوع ما بين الحكم بالتعويض المادي والتعويض العيني للمطالب بسعايته.ولكل سنده في ذلك . فالمحاكم التي حكمت  بالتعويض المادي للساعي اعتمدت على نوازل سيدي المهدي الوزاني:(1) ” لكن أهل فاس خالفوهم في هذه القسمة وقالوا إنما يحكم لهم بالأجرة، يعني من التركة لا من الزرع “وقد أيدت محكمة النقض(2) قرار القاضي المقيم بتالوين الذي قضى باستحقاق الساعية لحظها المقدر نقدا.

أمام المحاكم التي قضت بالتعويض العيني فأخذت بفتوى سيدي محمد بن عرضون(3) : ” هي شريكة مع زوجها وأولادها بقدر خدمتها” وهذا ما أيدته محكمة النقض في قراراها (4) جاء فيه :” بأن المطلوبة ساهمت في ثروة زوجها وتستحق عن كدها وسعايتها هذا جزء من ثروته والذي حددته بالثلث، تكون قد استعملت سلطتها في تقدير الحجج وبنتها على المعطيات السالف ذكرها وطبقت مقتضيات المادة المحتج بها تطبيقا سليما،وجاء بذلك قرارها سليم التعليل”.

  • أبو عيسى المهدي الوزاني، تحفة أكياس الناس بشرح عمليات فاس، ص 276
  • قرار رقم 545 بتاريخ 19 دجنبر 1979 في الملف عدد 140. أورده الحسين الملكي-  نظام الكد والسعاية-ج.الثاني- ص160.
  • أنظر : المهدي الوزاني، النوازل الجديدة الكبرى، الجزء الرابع، ص 509
  •   (4) قرار رقم 479 بتاريخ 26/09/2009 في الملف عدد 62/2006.غير منشور.
قد يعجبك ايضا