حقوق الإنسان في دستور 2011 بين التكريس والضمانات

المعلومة القانونية – منصف الكردي

  • طالب باحث بماستر حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بكلية الحقوق أكدال – الرباط

تقديم

يعد الدستور المغربي لسنة 2011 من بين الدساتير التي جاءت نتيجة لضغوطات الشارع و المجتمع المدني و بعض الهيئات غير الحكومية، و ذلك تفاعلا مع ما سمي ب الربيع العربي، بحيث ألقى جلالة الملك محمد السادس خطاب[1] اعلن فيه عن تعين لجنة لمراجعة الدستور ، و هو ما تم بحيث تم وضع دستور[2] فاتح يوليوز لسنة 2011 ، هذا الأخير تم وصفه بانه دستور حقوقي بامتياز نظرا لما تضمنه من مستجدات على مستوى العديد من المجالات من أهمها المقتضيات ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ بحيث كرس لمجموعة من المقتضيات الدستورية التي تعمل على تطوير منظومة حقوق الإنسان و النهوض بها و جعلها تتماشى مع ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948[3] و ما تفرع عنه من اتفاقيات دولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، و بما أن المغرب انخرط في هذه المنظومة -منظومة حقوق الإنسان- من خلال مصادقته على جل الاتفاقيات ذات الصلة[4]، و بالتالي كان لابد له من أن يلائم تشريعاته مع ما جاء في الشرعة الدولية من خلال الدستور من جهة و القوانين العادية من جهة أخرى، و سنقتصر في هذا الموضوع على مقاربة مكانة حقوق الإنسان في دستور 2011  نظرا لأهمية هذا الموضوع التي تتجلى أساسا في كون دستور 2011 جاء في ظرفية  عرفت توتر على مستوى عدة دول و منها ما هو قائم لحد الساعة (سوريا ، ليبيا …)، على عكس المغرب الذي استطاع أن يكون نموذج للتغير الإيجابي،  ثم أن دستور 2011 يعتبر دستور الحقوق نظرا لما جاء به من مستجدات في هذا المجال.

 

من خلال ما سبق تتبلور لنا الإشكالية التالية:

إلى أي حد إستطاع المشرع الدستوري المغربي التكريس لحقوق الإنسان على مستوى الوثيقة الدستورية ل سنة 2011 ؟

للإجابة عن هذه الإشكالية سنحاول مقاربتها وفق أسئلة فرعية:

  • كيف كرس المغرب لحقوق الانسان على مستوى الوثيقة الدستورية؟
  • ما هي المكانة التي أولاها دستور 2011 للاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان؟
  • ما هي الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الانسان؟
  • ما هي المؤسسات المنصوص عليها دستوريا المنوط بها مهمة حماية و تعزيز حقوق الانسان؟

للإجابة عن هذه الأسئلة سنعمد إلى تقسيم الموضوع وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: التكريس الدستوري لحقوق الإنسان و ارتباطه بالمنظومة الدولية
لحقوق الإنسان.

المطلب الأول: التكريس الدستوري لحقوق الإنسان.

المطلب الثاني: مكانة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

المبحث الثاني: الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان.

المطلب الأول: الضمانات المتعلقة بالقوانين.

المطلب الثاني: الضمانات المتعلقة بالمؤسسات الدستورية.

المبحث الأول: التكريس الدستوري لحقوق الإنسان وارتباطه بالمنظومة الدولية
لحقوق الإنسان

يعد مجال حقوق الإنسان من بين أهم المجالات التي عالجها دستور 2011 و التنصيص عليها ، مراعيا في هذا الإطار المقتضيات الدولية ، لذلك سنخصص المطلب الأول لتكريس الدستوري لحقوق الإنسان على أن نتطرق في المطلب الثاني لمكانة الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في دستور 2011.

المطلب الأول: التكريس الدستوري لحقوق الإنسان

يعتبر الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011 دستور الحقوق بامتياز و ذلك اعتبارا لما تضمنه من تكريس للحقوق و الحريات و من مستجدات في نفس الإطار بحيث خصص المشرع الدستوري باب بأكمله الذي أسماه ب ” الحقوق و الحريات الأساسية ” و هو يضم ما يقارب 21  فصلا و قد تم  ترتيبه في الباب الثاني قبل المؤسسة الملكية ما يبرز  المكانة المهمة التي اولاها المشرع لحقوق الإنسان على مستوى الوثيقة الدستورية، و يضم هذا الباب مجموعة من الحقوق ك الحق في الحياة باعتباره اول الحقوق للإنسان ، الحق في الملكية ، الحق في السلامة الجسدية، الحق في الحصول على المعلومة، حرية الفكر والتعبير….إلى غيرها من الحقوق التي تمت دسترتها، فضلا عن مجموعة من الحقوق المنصوص عليها في الديباجة و مجموعة من الفصول الدستورية تصل في مجملها إلى 40 فصلا تقريبا ؛ هذا ما حدا بالعديد إلى توصيفه بدستور الحقوق.

ثم ان المغرب إنتقل من مفهوم الحريات العامة كما كان منصوص عليه في الدساتير السابقة إلى الحريات الأساسية في دستور 2011 ذات البعد الدولي مسايرا بذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[5] و الاتفاقيات الدولية وكل ذلك لما تتميز به الحريات الأساسية من خصائص، كونها غير قابلة للمراجعة و أنها متكاملة بحيث لا يمكن ممارستها في معزل عن الآخرين أو إعطاء حق الأفضلية لحق من هذه الحقوق على حساب حق أخر، ثم كونها طبيعية تنشأ مع الإنسان وتستمر معه حتى الممات وهي ليست مكتسبة من أي سلطة، وأخيرا هي عالمية حيث توجد في كل المجتمعات بطريقة مشتركة وغير قابلة لتنازل عنها أو التصرف فيها.

و يؤكد تصدير الدستور الحالي على كون ” المملكة المغربية تواصل …() إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية  الكرامة المساواة، و تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية ، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطن”[6].

إن المملكة المغربية، التي تواصل تمسكها بقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ووضعت لهذه الغاية الآليات التشريعية والمؤسسية، حيث أقرت الحقوق الأساسية المتعارف عليها وأكدت على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية وأدخلت التشريع في كل ما يتعلق بالحقوق والحريات.

و يعتبر إحداث مؤسسات وهيئات جديدة، وتجديد وتطوير تلك القائمة تعبيرا حقيقيا نحو كسب رهان الديمقراطية في مجال حقوق الإنسان ببلادنا.

 

المطلب الثاني: مكانة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في دستور 2011

 

يشكل القانون الدولي لحقوق الإنسان أحد أعمدة القانون الدولي؛ لكونه يعنى بوجود الإنسان وكرامته، ويسعى إلى ضمان الاستقرار والأمن والطمأنينة على الصعيدين الوطني والدولي. وذلك من خلال محاربة كافة أشكال التمييز، الذي تزداد حدته خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية. إلا أن تحقيق أهداف القانون الدولي لحقوق الإنسان يستلزم سمو القانون الدولي على القانون الداخلي من جهة (الفقرة الأولى)، وملاءمة القوانين الداخلية مع القانون الدولي من جهة أخرى (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العلاقة بين القانون الدولي والقوانين الداخلية في التشريع المغربي

يعتمد تحديد العلاقة بين القانون الدولي والقوانين الداخلية على طبيعة الأساس الذي يقوم عليه القانون الدولي، فالمفهوم الإرادي الذي يجعل القانون الدولي يرتكز على رضا الدول يقود إلى الثنائية، التي تعني وجود نظامين قانونيين مستقلين ومنفصلين داخلي ودولي يتميز أحدهما عن الآخر. في حين أن المفهوم الموضوعي الذي يضع أساس القانون الدولي خارج الإرادة البشرية يقود إلى الأحادية، حيث ينشأ أحد النظامين عن الآخر، وهو ما يعني مفهوماً موحداً للقانون، و قد خلقت هذه العلاقة بين القانونين جدلا فقهيا بين اتجاهين؛

1.   نظرية ثنائية القانونين

يرى أصحاب نظرية الثنائية القانون الدولي والقانون الداخلي بمثابة نظامين قانونيين متساويين ومستقلين، اعتباراً لكونهما ينبعان من مصدرين مختلفين، فالقانون الداخلي ينبثق عن إرادة الدولة المنفردة، في حين أن القانون الدولي ينبثق عن الإرادة المشتركة للدول.

و ينتج عن هذه النظرية انفصال بين النظامين القانونيين، فمن حيث الموضوع تخضع الدولة للقانون الدولي، وفي نفس الوقت تنشئ قانونها الداخلي، وعليها مراعاة التزاماتها الدولية عند إنشائها القانون الداخلي. و من حيث الشكل فلكي تكون القاعدة القانونية الدولية سارية المفعول يجب أن تتحول إلى قاعدة في القانون الداخلي، ولا قيمة لها بغير ذلك.

وعليه فإن المحاكم الوطنية لا تعتمد في أحكامها إلا على القانون الداخلي، ولكي تستند إلى قاعدة دولية لابد من تحويل هذه القاعدة من قاعدة في القانون الدولي إلى قاعدة في القانون الداخلي.

2.   نظرية وحدة القانونين

وفقاً لتصور الأحادية وسمو القانون الدولي، فإن القانون الداخلي هو الذي ينبثق عن القانون الدولي، وهذا الأخير يعلو على النظام الداخلي. وفي هذه الحالة لا نكون أمام نظامين قانونيين منقسمين، وإنما أمام نظامين قانونيين أحدهما، وهو القانون الدولي، أعلى منزلة من الآخر، وهو القانون الداخلي، الذي يكون بمثابة التابع. والنظام القانوني الداخلي المنبثق عن القانون الدولي هو بمثابة اشتقاق أو تفويض صادر عن القانون الدولي. وهو التوجه الذي تأخذ به العديد من القرارات الدولية والدساتير الوطنية التي تنص على سمو القانون الدولي على القانون الداخلي[7].

ففي التجربة الفرنسية مثلاً يعالج الدستور مسألة العلاقة بين القانون الفرنسي والمعاهدات الدولية، بإعطاء الأولوية في التطبيق، عند التعارض، للمعاهدة الدولية وليس للقانون الفرنسي، شريطة أن تتم المصادقة عليها وأن يطبقها الطرف الآخر[8]، وهو أمر يفرض على القاضي الفرنسي تغليب أحكام المعاهدة على القوانين الفرنسية الداخلية عند التعارض بينهما.

الفقرة الثانية: سمو الإتفاقيات على القوانين الداخلية

تساهم الاتفاقيات الدولية التي يصادق عليها المغرب خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان في تطوير المنظومة التشريعية من خلال سن المشرع المغربي سواء الدستوري أو العادي لقوانين تتلاءم و الاتفاقيات الدولية و تكرس للالتزامات المغرب ب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان و كذا انخراطه في المنظومة الدولية، لذاك فانخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان و التزامه باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا[9] و ذلك من خلال مصادقته على الاتفاقيات التسع (العهدين الدوليين ل سنة 1966[10]، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[11]، اتفاقية حقوق الطفل[12]…) التي تشكل النواة الصلبة لحقوق الإنسان جعله ينص صراحة في ديباجة الدستور على سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية فور المصادقة عليها و نشرها مالم تتعارض مع أحكام الدستور ، بحيث لم يعد المغرب يقتصر على عبارة ” تشبث المغرب بالتزامه باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا ” بل تجاوزها لحد الإقرار بسمو الإتفاقيات الدولية، هذا ما يبرز جدية المغرب في التزامه أمام المجتمع الدولي، بل ان المشرع الدستوري نص على إمكانية مراجعة الدستور في حالة تعارض اتفاقية دولية معه[13] كما نص على ذلك في الفصل 55 من الدستور؛ هذا ما يبين الأهمية الكبيرة التي يوليها المغرب لحقوق الإنسان و المكانة المهمة للاتفاقيات الدولية على مستوى الوثيقة الدستورية.

المبحث الثاني: الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان

إن التكريس الدستوري لحقوق الإنسان ليس وحده الكفيل بضمان تمتع الأفراد بالحقوق و الحريات المضمنة فيه؛ لذلك ووعيا منه بهذا الأمر أقر المشرع الدستوري مجموعة من الضمانات الدستورية التي تعمل على تنزيل و تفعيل المكتسبات الحقوقية و ضمان التمتع بها؛ و ذلك من خلال التنصيص على ضمانات متعلقة بالرقابة على دستورية القوانين التي سنتطرق لها في المطلب الأول على أن نخصص المطلب الثاني لمؤسسات الدستورية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

المطلب الأول: الرقابة على دستورية القوانين

تعتبر الرقابة الدستورية أساس مبدأ سمو الدستور، كون هذا الأخير القانون الأسمى في الدولة, وهذا السمو يستوجب أن تكون كل قواعد القانون ونشاطات الدولة القانونية مطابقة لنص الدستور وروحه و يعتبر مبدأ تراتبية القوانين ملزم[14]، وبدون هذه الرقابة فإن التمييز بين القواعد الأعلى و الأدنى ينعدم و يفرغ مبدأ تدرج القوانين من مضمونه، والتمييز بين هذه القواعد يفضي إلى إلغاء كل ما هو متعارض مع الدستور باعتباره القانون الأساس لكل مكونات المنظومة القانونية للدولة، و تتم هذه العملية وفق شكلين؛ رقابة قبلية التي سنتناولها في الفقرة الأولى و رقابة بعدية سنتناولها في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: الرقابة القبلية

يقصد بالرقابة على دستورية القوانين النظر في مدى مطابقة القوانين( المقترحات الصادرة عن البرلمان  أو المشاريع الصادرة عن الحكومة) للقانون الأسمى في الدولة؛ أي الدستور، و سمية بالرقابة القبلية – تسمى كذلك الرقابة السياسية- لأنها تمارس من قبل المحكمة الدستورية على القوانين التي لم تصدر بعد[15] لنظر في مدى مطابقتها للمقتضيات الدستورية و تتم هذه العملية بإحالة القوانين التنظيمية بصفة إلزامية على المحكمة الدستورية للتحقـق من مدى  دستوريتها أو بإحالتها بصفة عادية من قبل الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشريين أو سدس أعضاء مجلس النواب أو خمس مجلس المستشريين أو خمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين، و ذلك استنادا لمقتضيات الفصل 132 من الدستور.

الفقرة الثانية: الرقابة البعدية

يتمثل الشكل الثاني من الرقابة في الرقابة البعدية – تسمى كذلك بالرقابة القضائية – و هي بالتحديد ألية الدفع بعدم دستورية القوانين المنصوص عليها في الفصل 133 من الدستور و التي تعطي الحق في الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول و سيطبق على قضية رائجة أمام المحكمة وهذا القانون يمس بالحقوق و الحريات المنصوص عليها في الدستور، و ستفتح هذه الألية الباب في مجال الاجتهاد القضائي في مجال الحقوق و الحريات و كذا التنزيل الحقيقي لمبدأ السمو سواء فيما يتعلق بالدستور على القوانين الأدنى منه أو فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية على اعتبار أن القاض عندما يبت في دفع متعلق بقانون ما يمس بالحقوق و الحريات سيعتمد على الدستور و الاتفاقيات الدولية كمرجعين أساسيين يضمنان للأفراد التمتع بحقوقهم و حرياتهم الأساسية، من هنا تتجلى أهمية الرقابة على دستورية القوانين كضمانة لحماية الحقوق و الحريات.

المطلب الثاني: الضمانات المتعلقة بالمؤسسات الدستورية

بعد حركية الإنتقال الديموقراطي التي شهدتها العديد من الدول العربية بعد ما سمي ب “الربيع العربي” كان لا بد من إيلاء الإهتمام للمؤسسات المنوط بها  مهمة ضمان حماية حقوق الإنسان و تعزيزها و النهوض بها، و في هذا التوجه أحدث المشرع الدستوري مجموعة من المؤسسات التي تناط بها هذه المهمة بشكل مباشر (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط، مجلس الجالية المغربية بالخارج، الهيأة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز) أو بشكل غير مباشر( المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، مجلس المنافسة، الهيأة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها).

الفقرة الأولى: بشكل مباشر

1.    المجلس الوطني لحقوق الإنسان

يعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية كما نص على ذلك الفصل 161 من الدستور تعنى بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها في المغرب، أحدث[16] في مارس 2011 ليحل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أنشأ سنة 1990.

يتولى المجلس إعداد تقارير سنوية حول وضعية حقوق الإنسان ويعرضها أمام البرلمان بغرفتيه، كما يقوم بإعداد تقارير موضوعاتية (تخص موضوع محدد) بشأن قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان ، كما يقوم بمجموعة من الزيارات إلى مختلف أماكن الحرمان من الحرية.

و يسهر المجلس، من خلال لجانه الجهوية الثلاثة عشر[17]، على تتبع وضعية حقوق الإنسان في مختلف جهات المغرب، كما يمكنه التدخل بكيفية استباقية كلما تعلق الأمر بحالة من حالات التوتر التي قد تفضي إلى انتهاك حق من حقوق الإنسان بصفة فردية أو جماعية.

و يعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان معتمدة في الدرجة (أ) من طرف لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان منذ سنة 2002، وهو ما يعكس امتثال المؤسسة لمبادئ باريس الناظمة لهذا النوع من المؤسسات، التي اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1993.

2.    مؤسسة الوسيط

يعد الوسيط –ديوان المظالم سابقا- مؤسسة وطنية تعنى بالدفاع عن حقوق المرتفقين في إطار علاقتهم بالإدارة.

و تكمن أهمية هذا النوع من المؤسسات من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والستين بتاريخ  18دجنبر 2008، الذي أكد على:

  • الدور الجوهري للمؤسسات الحالية لأمناء المظالم والوسطاء وغيرها من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛
  • دور مؤسسات أمناء المظالم والوسطاء وغيرها من المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان في تعزيز الحكم الرشيد في الإدارات العامة، وتحسين علاقاتها مع المواطنين، وتعزيز توفير الخدمات العمومية؛

كما تعمل مؤسسة الوسيط في نطاق إختصاصها[18] على ترسيخ سيادة القانون و قيم التخليق و الشفافية أمام جميع الهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية كما جاء في الفصل 162 من الدستور[19].

3.    الهيأة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز

في إطار المساواة و مكافحة جميع أشكال التمييز بين الرجال و النساء عمل المغرب على إحداث هيئة مكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز بمقتضى الفصل 19 من الدستور و حدد الفصل 164 الإطار العام لاختصاصات هذه الهيئة و المتمثلة أساسا في ضمان التمتع على قدم المساواة  بالحقوق و الحريات المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية و البيئية.

كما تعمل الهيئة أيضا على التشجيع على إعمال مبادئ المساواة والمناصفة وعدم التمييز  في مختلف مناحي الحياة العامة، والعمل على رصد كل إخلال بها، واقتراح جميع التدابير التي تراها مناسبة للسهر على احترامها.

الفقرة الثانية: غير مباشر

1.    المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي

ينص الدستور في الباب الحادي عشر على إحداث مجلس اقتصادي و اجتماعي و بيئي، و يعد هذا المجلس دعامة للحقوق و الحريات من خلال المهم المنوطة به بحيث يضطلع المجلس بمهام استشارية في جميع القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

تطبيقا للصلاحيات المنوطة به، يعد المجلس آراء وتقارير ودراسات بطلب من الحكومة أو مجلس النواب أو مجلس المستشارين (إحالة) أو بمبادرة منه (إحالة ذاتية).

أولا: الإحالة

للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين أن يستشيروا المجلس إستنادا للمادة 3 من القانون التنظيمي[20] رقم 128.12 حول :

  • مشاريع ومقترحات القوانين التي تضع إطارا للأهداف الأساسية للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛
    • المشاريع المرتبطة بالاختيارات الكبرى للتنمية ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
    • كما يمكن للحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين استشارة المجلس أيضا بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولا سيما الرامية منها إلى تنظيم العلاقات بين الأجراء والمشغلين وإلى سن أنظمة للتغطية الاجتماعية، وكذا كل ما له علاقة بسياسة عمومية ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو بيئي .

 

ثانيا: الإحالة الذاتية

‏    يمكن للمجلس طبقا للمادة 6 من نفس القانون التنظيمي أن يقوم، بمبادرة منه، بالإدلاء بآراء أو تقديم اقتراحات أو  إنجاز دراسات أو أبحاث في مجالات اختصاصه، على أن يخبر الحكومة ومجلسي البرلمان بذلك.

2.    الهيأة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها

تنص المادة 6 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على أن الدول الأطراف ملزمة بإحداث هيئة أو هيئات للوقاية من الرشوة و بما أن المغرب صادق عليها يوم 9 ماي 2007. و تطبيقا لمقتضيات المادة المذكورة، تم بمقتضى المرسوم رقم 1228-05-2 بتاريخ 13 مارس 2007، إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة[21]. و تتكون هذه الهيأة، من ثلاث أجهزة رئيسية؛ هي مجلس الهيئة، رئيس الهيئة، ومرصد الهيئة.

و مع دستور 2011  تم الارتقاء بالهيئة من “الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة” إلى تسميتها ب “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” وجعلها مستقلة ومتخصصة تتمتع بكامل الاهلية القانونية والاستقلال المالي.

و تعمل الهيأة على المساهمة في تخليق الحياة العامة وإشاعة ثقافة المرفق العام و ترسيخ قيم المواطنة من خلال الإشراف و ضمان تنفيذ سياسة محاربة الفساد، ومن بين الاختصاصات الموكولة للهيئة، تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد ودراستها، والقيام بعمليات البحث والتحري عن حالات الفساد التي تصل إلى علم الهيئة، وإعداد برامج للوقاية من جرائم الفساد والإسهام في تخليق الحياة العامة.

 

خاتمة

 

يعد الدستور المغربي لسنة 2011 من بين الدساتير الجد متقدمة خاصة على مستوى الحقوق الحريات المضمنة فيه بأجيالها الثلاث، و كذا الأليات المخولة لضمان تمتع الأفراد بهاته الحقوق و الحريات وما تلى هذا التكريس من إحداث مؤسسات جديدة و إصدار عدة قوانين، و في إطار مواكبته لتطورات حقوق الإنسان عمل المغرب على تنزيل مقتضيات الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان و التي صادق عليها من خلال ملاءمة التشريعات الوطنية مع الصكوك الدولية ، لكن يبقى الرهن الحقيقي معلق بالتنزيل الواقعي و الفعلي لهذه الحقوق و أن يشعر الفرد أنه بالفعل له حقوق و أن هناك مؤسسات تضمن له التمتع بها و زجر كل من إنتهكها، وجدير بالذكر أنه في إطار مواكبة المقتضيات الدستورية الجديدة عمل المغرب في إطار سياسته الحقوقية على وضع خطة العمل في مجال الديموقراطية و حقوق الإنسان.

الفهرس

تقديم

المبحث الأول: التكريس الدستوري لحقوق الإنسان و ارتباطه بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان

المطلب الأول: التكريس الدستوري لحقوق الإنسان

المطلب الثاني: مكانة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في دستور 2011

الفقرة الأولى: العلاقة بين القانون الدولي والقوانين الداخلية في التشريع المغربي

  1. نظرية ثنائية القانونين
  2. نظرية وحدة القانونين

الفقرة الثانية: سمو الإتفاقيات على القوانين الداخلية

المبحث الثاني: الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان

المطلب الأول: الرقابة على دستورية القوانين

الفقرة الأولى: الرقابة القبلية

الفقرة الثانية: الرقابة البعدية

المطلب الثاني: الضمانات المتعلقة بالمؤسسات الدستورية

الفقرة الأولى: بشكل مباشر

1.المجلس الوطني لحقوق الإنسان

  1. مؤسسة الوسيط
  2. الهيأة المكلفة بالمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز

الفقرة الثانية: غير مباشر1.المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي

  1. الهيأة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها

خاتمة

لائحة المراجع

[1]  خطاب ملكي سامي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة يوم 9 مارس 2011.

[2]  ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011 بتنفيذ نص الدستور، منشور في الجريدة الرسمية عدد5964 مكرر.

[3]  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف

[4]  منشورات المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان:الاتفاقيات الأساسية في مجال حقوق الإنسان التي يعد المغرب طرفا فيها، الطبعة الثانية،2015.

[5] اعتمدته الجمعية العامة في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف .

[6] محمد القصري: مقالة تحت عنوان “القاضي الإداري و حماية حقوق الإنسان بالمغرب”، ص3.

[7]ـ شارل روسو، القانون الدولي العام، ترجمة شكر الله خليفة وعبد المحسن سعد، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت 1982، ص 17 ـ 24.

[8] ـ المادة 55: يكون للمعاهدات أو الاتفاقات التي يتم التصديق أو الموافقة عليها قانونيا منذ نشرها قوة تفوق القوانين، شريطة أن يطبق الطرف الآخر
هذا الاتفاق أو هذه المعاهدة.

[9] ورد  تشبث المغرب بالتزامه باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا في :
– الفقرة الثالثة من تصدير دستور 1992.

– الفقرة الثالثة من تصدير دستور 6199.

– الفقرة الثالثة من تصدير دستور 2011.

[10]  صادق عليهما المغرب بتاريخ 3 ماي 1975 و تم نشرهما في الجريدة الرسمية عدد 3525.

[11]  انضم إليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993 و نشرت بالجريدة الرسمية عدد 4866.

[12]  صادق عليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993 و نشرت بالجريدة الرسمية عدد 4440.

[13]  الفقرة الأخيرة من الفصل 55 : “… أن التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف الدستور، فإن المصادقة على هذا الالتزام لا تقع إلا بعد مراجعة الدستور “.

[14]  الفقرة الثالثة من الفصل 6 من الدستور.

[15]  الفقرة الثانية و الثالثة من الفصل 132 من الدستور.

[16] ظهير شريف رقم 1.11.19 صادر في 25  ربيع الأول  1432 الموافق ل فاتح  مارس 2011  بإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

[17] مهام اللجان الجهوية لحقوق الإنسان :  اطلع عليه بتاريخ .7/31/2019

[18] منشورات المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان:  “الضمانات الدستورية والآليات المؤسساتية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها” ، طبعة
2012،ص58.

[19] الفصل 162 : “…الإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات
العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية”.

[20] ‏ ظهير شريف رقم 1.14.124 صادر في 3 ‏شوال 1435 (31 ‏يوليو 2014 ‏) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 128.12 ‏المتعلق بالمجلس
الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6282.

[21] الموقع الرسمي للهيأة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها : إطلع عليه بتاريخ 19/08/2019.

قد يعجبك ايضا