قراءة في مشـروع قانـــون 38.15 المتعلــق بالتنظيـــــم القضائــــي

المعلومة القانونية – ذ. رشيـــــد إمسكيـــــــــن

  • محام متمرن بهيئة المحاميـــــــن بأكاديـــــر

عمل المشرع المغربي منذ السنوات الأولى من الإستقلال على ترسيخ مبدأ السيادة على أراضيه، وضعا بين أهدافه الأولى إقامة وتقريب القضاء من المتقاضين بإنشائه لمؤسسات قضائية للفصل بين المتنازعين، لهذا أصبح القضاء وظيفة من وظائف الدولة ومظهرا من مظاهر سيادتها، فإليها يرجع أمر حل الخلافات التي تنشأ بين الأفراد، وهي المسؤولة عن حماية حقوقهم ضمانا للأمن و سلامة الناس في أبدانهم و أموالهم، ولهذه الغاية أنشئت المحاكم وعهد اليها مهم الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد.

هذا فإذا كان إنشاء المحاكم أمر ضروري فإنه لابد من تحديد أنواع هذه المحاكم وإختصاصاتها و كيفية تصريف القضايا بها، وعدد كل واحدة منها مع تحديد اختصاصاتها الترابية.

وتجدر الإشارة إلا أن التنظيم القضائي المغربي تطور عبر مراحل أساسية يمكن إجمالها فيما يلي، مرحلة ما قبل الحماية، ومرحلة الحماية، و مرحلة الإستقلال، هذه الأخيرة عرفت صدور ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي.

وغني عن البيان أن التنظيم القضائي لسنة 1974 عرف عدة تعديلات وتغييرات فقد معها الإنسجام المتطلب في مجموع القواعد المنظمة لتأليف المحاكم و تنظيمها و بيان اختصاصاتها و مراكزها في تراتبية النظام القضائي، مما أصبح يستوجب مراجعة هذه القواعد بما يتلائم و مقتضايت دستور المملكة الذي إرتقى بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة على السلطة التشريعية و بما يتوافق و مبدأ الرفع من النجاعة القضائية.

مما أصبح معه تغيير التنظيم القضائي الحالي أمر حتمي وهو ما أكده  جلالة الملك محمد السادس في خطابه ليوم20 غشت 2009، حيث أوصى بضرورة تأهيل الهياكل القضائية والإدارية من خلال عدة إجراءات منها إعتماد خريطة و تنظيم قضائي عقلاني يستجيب لمتطلبات الإصلاح.

كما أن ميثاق اصلاح منظومة العدالة إعتبر أن التنظيم القضائي يفتقد إلى الإنسجام بحكم التعديلات المتلاحقة التي طالت مقتضياته، مما لا يساعد على الإستغلال الأمثل للموارد البشرية و المادية، ولا يضمن القرب الحقيقي من المتقاضين كما أن الخريطة القضائية متضخمة وغير معقلنة، و القضاء المتخصص غير معمم، و لذلك ضمن الميثاق عدة توصيات تستهدف فعالية منظومة العدالة و قربها من المتقاضين و تسهيل الولوج إليها.

وفي هذا الإطار جاء مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي يهدف إلى مراجعة التنظيم القضائي وفق أسس جديدة لتلافي صعوبات الوضعية الحالية، وتوفير متطلبات النجاعة القضائية على مستوى مختلف درجات التقاضي و أنواع الهيئات القضائية  كما يهدف أيضا إلى توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال و منصف بإعتباره حصنا منيعا لدولة الحق وعمادا للأمن القضائي و الحكامة الجيدة ومحفزا للتنمية.

هذا لابد من الاشارة إلى أن هذا المشروع تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بتاريخ 18 دجنبر 2018 بعد أن أحيل على البرلمان في إطار قراءة ثانية بعد أن أدخلت عليه عددا من التعديلات التي قبلتها الحكومة.

وبالرجوع الى هذا المشروع نجده أتى بعدة مستجدات و نقائص أيضا، مقارنة بالتنظيم القضائي الحالي ومن هنا تظهر لنا أهمية هذا الموضوع من خلال معرفة القيمة المضافة التي حملها هذا المشروع، وما مدى تمكن المشرع المغربي من اعادة هيكلة التنظيم القضائي بمقتضيات جديدة من شأنها إعطاء دفعة قوية لتجاوز الاشكالات التي يطرح القانون الحالي؟

وعليه سنحاول مناقشة أهم المستجدات التي أتى بها مشروع القانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي من خلال محورين:

المحور الاول : مستجدات مشروع التنظيم القضائي من حيث الشكل

المحور الثاني: مستجدات مشروع التنظيم القضائي من حيث الموضوع

المحــــــور الأول: مستجــــدات مشروع التنظيــــم القضائي من حيث الشكــــل

غني عن البيان أن مشروع هذا القانون الذي نحن بصدد دراسته يأتي في سياق إستكمال الترسانة القانونية لتنزيل مشروع إصلاح منظومة العدالة، حيث بعد تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية و إنتقال رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، كان لزما وضع نص قانوني يضبط العلاقة بين السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة و الوزارة المكلفة بالعدل داخل المحاكم و تحديد إختصاصات الوزارة في مجال تدبير الإدارة القضائية.

هذا وبالرجوع إلى مشروع قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي فإنه يتضمن  120 مادة ( مقابل 28 فصلا قي القانون الحالي) موزعة على أربعة اقسام وفق مايلي:

  • القســـــم الأول: يتعلق بمبادئ التنظيم القضائي وقواعد التنظيم القضائي وحقوق المتقاضين، ويتضمن ثلاث ابواب، الأول منها يتعلق بمبادئ التنظيم القضائي وقواعد عمل الهيئات القضائية، والثاني يتعلق بمنظومة تدبير محاكم أول درجة وثاني درجة و تنظيمها الداخلي، أما الباب الثالث فيتعلق بحقوق المتقاضين و تجريح القضاة و مخاصمتهم.
  • القســــم الثانــــي: يتعلق بتاليف المحاكم وتنظيمها وإختصاصها، و يتضمن ثلاث أبواب، الأول منها يتعلق بمحاكم أول درجة و الثاني بمحاكم ثاني درجة أمام الباب الثالث يتعلق بمحكمة النقض.
  • القســــم الثالــــث: يتعلق بالتفتيش و الإشراف القضائي على المحاكم و يتضمن بابين، الأول يتعلق بتفتيش المحاكم و يتعلق الثاني بالاشراف القضائي على المحاكم.
  • القســـم الرابـــع: أحكام ختامية و إنتقالية.

هذا ونشير إلى أن أهم مستجدات المشروع  قانون 38.15 من حيث الشكل تتلخص فيما يلي:

  • الأخد بصيغة مشروع نص حديث لقانون التنظيم القضائي يمكنه من استعاب التوجهات الجديدة لهذا التنزيل بدل تعديل بعض المقتضيات الظهير الشريف 15 يوليوز 1974.
  • دمج بعض الأحكام المتعلقة بتنظيم قضاء القرب و المحاكم الادارية و محاكم الإستئناف الادارية و المحاكم التجارية و محاكم الإستئناف التجارية في صلب مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي بدل الإبقاء على تلك الاحكام متفرقة في نصوص خاصة على أن نتقل الى قانون المسطرة المدنية و المسطرة الجنائية باقي الأحكام المتعلقة بالإجراءات والاختصاص المرتبط بالجهات القضائية المذكورة، وهو من الايجابيات التي يمكن تسجلها على هذا المشروع، لكن في المقابل يطرح اشكالا يتعلق بمدى قدرة قانون المسطرة المدنية على إستيعاب الخصوصيات التي تتميز بها المنازعات التجارية و الإدارية.

في الاخير نعتقد اننا في ظل هذا المشروع أصبحنا امام مدونة متكاملة للتنظيم القضائي تم في طيتها كما اشرنا سابقا دمج كل النصوص المتفرقة هنا وهناك في قوانين مستقلة و خاصة

الأحكام المتعلقة بتنظيم قضاء القرب الذي ينظمه قامون مستقل، وكذلك الامر بالنسبة للمحاكم الإدارية و محاكم الاستئناف الادارية و محاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية و بعض مقتضيات المدمجة في صلب قانوني المسطرتين( المسطرة المدنية و الجنائية.)، كما يمكن القول أن هذا المشروع جاء متقدما بشكل كبير بالمقارنة مع قانون التنظيم القضائي الحالي.

هذا الاختصار شديد أهم مستجدات مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي.

المحـــــور الثانـــــي: مستجدات مشروع التنظيم القضائي من حيث الموضوع

إن توالي التعديلات على ظهير 15 يوليوز المتعلق بالتنظيم القضائي اثر على إنسجام مقتضيات الظهير المذكور و أحكامه وعلى الاستغلال الامثل للموارد البشرية والمادية ، وهو ما أصبح معه من الضروري مراجعة التنظيم القضائي بما يتلائم ومقتضيات دستور المملكة الذي إرتقى بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و التنفيذية، وبما يتوافق ومبدأ الرفع من نجاعة أداء المحاكم وضمان حقوق المتقاضين وحسن تصريف العدالة، و إعتبارا كذلك للمتغيرات التي طرأت على المشهد القضائي بالمملكة، لا سيما الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية وانتقال رئاسة النيابة العامة للوكيل العام لدى محكمة النقض .

وفي هذا الإطار دشنت الوزارة حوارا موسعا كان فرصة للاستماع الى كل المتدخلين بمن فيهم المجلس الاعلى للسلطة القضائية و رئاسة النيابة العامة و السادة المحامين  و الجمعيات المهنية للقضاة و نقابات الموظفين و تم أخد الوقت الكافي للوصول إلى توافقات بشأن كل النقط الخلافية.

و تتلخص أهم المستجدات المشروع على مستوى الموضوع فيما يلي:

  • المبادئ الموجهة للتنظيم القضائي: إرتكاز مقومات التنظيم القضائي في ظل هذا المشروع  على مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية و التنفيذية و على التعاون مع وزارة العدل فيما يتعلق بالتسير الاداري للمحاكم.
  • التفصيل في حقوق المتقاضين: من خلال النص على حالات تجريح مخاصمة القضاة، و كيفية ممارسة حق التقاضي و المساعدة القضائية والقانونية، والتعويض عن الخطا القضائي، مع النص كذلك على تيسير الوصول إلى المعلومة القانونية و القضائية و تمكين المتقاضين من تتبع إجراءات قضاياهم عن بعد في احترام تام للمعطيات الشخصية للافراد و حمايتها و التواصل مع المتقاضين بلغة يفهمونها.
  • التنصيص على أن أحكام قضاة هيئة القضاء الجماعي تصدر بالإجماع أو الأغلبية، بعد دراسة القضية و التداول فيها سرا، مع إمكانية تضمين وجهة نظر القاضي المخالف بمبادرة منه في محضر سري خاص موقع عليه من قبل أعضاء الهيئة، يحتفظ به لدى رئيس المحكمة المعنية ضمن سجل خاص وهنا يثار تساؤل عن سبب عدم رفع السرية على المحضر الذي يتضمن الراي المخالف بعد انصرام مدة من الزمن، على اعتبار أن هذا الراي يمكن ان تكون له قيمة قانونية و يساهم في تطوير قاعدة قانونية معينة.
  • التنصيص على اعتبار اللغة العربية لغة التقاضي و المرافعات أمام المحاكم و صياغة الأحكام مع العمل على تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية.
  • اعتماد المحاكم لادارة الالكترونية للاجراءات و المساطر القضائية.حيث المادة 25 من المشروع:” تعتمد المحاكم الإدارة الإلكترونية للإجراءات و المساطر القضائية وفق برامج تحديث الإدارة التي تنفذها الوزارة المكلفة بالعدل.”
  • توسع دور الجمعية العامة للمحكمة ليشمل جميع القضايا التي تهم سير العمل بالمحكمة.
  • على مستوى التسير الاداري للماحكم ، تم النص على وحدة كتابة الضبط على صعيد المحكمة، كما تم التنصيص على ان الوزارة العدل تتولى الاشراف الاداري والمالي على المحاكم بتنسيق و تعاون مع المسؤولين القضائين بها.،  كما تم احداث منصب الكاتب العام للمحكمة، الذي يقوم بمجموعة من المهام المتمثلة في ضبط عمل مختلف مصالح كتابة الضبط العاملين بها،ويخضع هذا الكاتب إداريا لسلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل.
  • على مستوى مكونات مختلف المحاكم: تم حذف غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية، امكانية اشتمال بعض المحاكم على اقسام متخصصة في القضاء التجاري و القضاء الاداري، وهو ما يطرح اشكالا متعلقا بالضمانات التي ستعطى لهاته الأقسام لتكون مستقلة، ولتشكل جهة قضائية إدارية.
  • توسيع مجالات القضاء الفردي في ميدان الاسرة ليشمل قضايا الطلاق الاتفاقي و النفقة و اجرة الحضانة و الرجوع الى بيت الزوجية وقضايا الحالة المدنية.
  • التنصيص على تمثيل النيابة العامة في المحاكم التجارية بنائب او نواب الملك يعينهم وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي توجد بدائرتها المحكمة التجارية.
  • إعتبار محكمة النقض هي أعلى هيئة قضائة بالمملكة تسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون و توحيد الاجتهاد القضائي ، كما تم إضافة غرفة سابعة إلى غرف محكمة النقض وهي الغرفة العقارية.

تلكم هي  أهم المقتضيات و المستجدات التي جاء بها مشروع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي والاكيد أن هذا المشروع سيشكل دعامة اساسية لباقي مشاريع القوانين التي توجد الان في مسار التشريعي و بالاخص مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية و مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية و كذا مشروع تعديل القانون الجنائي، كما أن هذا المشروع إن طبق بالشكل الذي جاءت به مواده سنكون لامحالة أمام قضاء نموذجي يحتذى به وطنيا وعالميا، وسوف يبعث في نفوس المتقاضين الطمانينة فيما يدعونه من حقوق.

وفي الاخير نشير إلى أن مقتضيات هذا القانون تدخل حيز التنفيد بعد 06 اشهر  من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.

قد يعجبك ايضا