تقنية “الفار” آلية لمحاربة الغش في الامتحانات الجامعية – كلية الشريعة فاس أنموذجا

المعلومة القانونية – عبد المجيد إدريسي

  • طالب باحث بكلية الشريعة فاس.

   تمهيد:  

لا شك أن التربية عبر جميع مؤسساتها وفلسفاتها ومناهجها وأنشطتها ووسائلها تهدف إلى غرس القيم الفاضلة التي ارتضاها المجتمع لتنمية الحس الإنساني لذا الفرد، وعندما يهتز التوازن في المؤسسات التعليمية ، وتهتز قيمة الأمانة والصدق والثقة وتكافؤ الفرص وتفشي ظاهرة الغش … ينحرف مسار التعليم فكرا، وسلوكا، ويتعرض هنالك المجتمع بأسره لخطر مؤكد ،لان  التعليم  هو المعول عليه في تكوين جيل صاعد قادر على تولية المناصب وتحمل المسؤوليات والدفع بمسلسل تنمية البلد نحو مراتب متقدمة .

فالغش عموما ، هو محاولة سرقة أفكار، أو ممتلكات ، أو أعمال من الآخرين عبر طرق غير مشروعة ، وهو سلوك مذموم يرفضه الدين والقانون والمجتمع ، نظرا لخطورته في تهديد مستقبل الحياة المجتمعية  .

فظاهرة الغش باتت تقلق كل مهتم بالشأن التربوي ، نظرا لتفشيها  بين صفوف بعض الطلبة بمناسبة امتحاناتهم الجامعية ، أملا في الحصول على نتائج مرضية دون شرعية أو احترام قداسة الحرم الجامعي ومبدأ تكافؤ الفرص الذي تقره  الشريعة الإسلامية إلى جانب القانون . فرغم المجهودات الجبارة التي تتخذها المؤسسات الجامعية سواء من حيث الاختبارات المقننة والموحدة و صرامة  الرقابة  والعقوبات التأديبية … لازالت فنون الغش تتطور بتطور التقنيات الحديثة . مما كان لزاما على المؤسسات الجامعية المغربية ، الاستفادة من الثورة التكنولوجية ، في محاربة هذه الآفة الخطيرة بما يحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة في التقييم الجامعي وضمان المنافسة الشريفة ، وتعزيز مكانة وقيمة الشهادة العلمية التي تمنحها المؤسسات الجامعية المغربية .

وكخطوة غير مسبوقة على الصعيد الوطني ، استطاعت كلية الشريعة بفاس أن تنخرط في ورش ريادي  توظف فيه التكنولوجيا في تدبير وحراسة الامتحانات الجامعية، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن فعالية هذه التقنية الجديدة في محاربة ظاهرة الغش في الأوساط الجامعية ، وإمكانية الاستفادة من تجربتها وطنيا ؟

كإجابة عن هذا التساؤل سنعتمد التصميم الأتي:

المحور الأول : فعالية تقنية المراقبة عن بعد في الامتحانات الجامعية

المحور الثاني : أفاق تعميم تجربة المراقبة عن في الامتحانات الجامعية

المحور الأول : فعالية تقنية المراقبة عن بعد في الامتحانات الجامعية

تعتبر تقنية المراقبة عن بعد ، من التقنيات الحديثة المعتمدة في شتى المجالات ، نظرا لنجاعتها ودقتها العالية ، بحيث تمكن من ثبوت الواقعة وإعادتها وهو ما يطلق عليه بصيغة (VAR) ، ووعيا بدورها الرقابي الفعال ، استطاعت كلية الشريعة بفاس التي تنتمي لجامعة سيدي محمد بن عبد الله ، أن تستفيد من هذه التقنية العالية الجودة في مراقبة وتأمين الامتحانات الجامعية ، وهي خطوة غير مسبوقة على المستوى الوطني ، حيث تم اعتماد هذه التقنية (المراقبة عن بعد ) مند سنة 2015 ، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على الإرادة الجادة ، لكل مكونات هذه الكلية أساتذة وإداريين وطلبة ومساعدين ، فبموجب المقاربة التشاركية أستطاع هذا القطب الجامعي أن يكرس ثقافة المنافسة الشريفة والمنصفة بين الكفاءات الطلابية ، ويقطع أشواطا مهمة في التدبير القائم على النتائج .

فبموجب المراقبة عن بعد” الفار” في الامتحانات الجامعية ، بهذا القطب الجامعي المتميز (كلية الشريعة فاس ) ، أصبحت ظاهرة الغش شبه منعدمة ، رغم العدد الكبير للطلبة للممتحنين ، بحيث رصدت قاعات مجهزة تشكل برج المراقبة عن بعد ، إلى جنب تثبيت كاميرات مراقبة عالية الجودة لرصد سلوكيات المترشحين أثناء الاختبارات ، مع  تعزيز هذه الرقابة عن بعد (الفار) بحراسة صارمة من طرف الأساتذة داخل المدرجات ، وهي تعبئة جماعية تعبر عن الانخراط الفعلي في توفير الجو السليم والآمن لكل الممتحنين ، بما يساعدهم ويؤهلهم في تحقيق نتائج ايجابية .

كما أن اعتماد هذه التقنية الذي تعود إلى إبداع كلية الشريعة وانفتاحها على التطور التكنولوجي ، أصبح يؤهلها موقع الصدارة في محاربة ظاهرة الغش ، علاوة عن إضفاء جو المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص  بين الممتحنين . الى جانب إضفاء القيمة العلمية والمصداقية على الشواهد العلمية  الممنوحة للطلبة.

والجدير بالذكر ، أن نجاح هذا الورش،  يعود إلى مكونات كلية الشريعة إداريين وأساتذة… كل من موقعه ، إلى جانب  الانخراط  الفعلي  لطلبة كلية الشريعة، بحث كان هناك تجاوب ايجابي مع هذه التقنية والعمل على تعبئة الطلبة لبعضهم بالاحتكام لمبدأ تكافؤ الفرص

المحور الثاني : أفاق تعميم تجربة المراقبة عن بعد  في الامتحانات الجامعية

نظرا للدور الفعال لتقنية المراقبة عن بعد  في الامتحانات الجامعية ، والتي استفادت منها كلية الشريعة بفاس ، أصبحت هذه التقنية مطلب العديد من الكليات اقتضاءا بتجربة كلية الشريعة بفاس ، بحيث تفاعل الطلبة عبر الصعيد الوطني بشكل ايجابي مع هذه التجربة الجديدة في اعتماد تقنية “الفار” في حراسة الامتحانات ، مطالبين الكليات التي ينتمون إليها ، باعتماد هذه التجربة لما لها من إيجابيات على تأمين الامتحانات الجامعية ، وتعزيز المنافسة بين صفوف الطلبة ، وتوفير الجو الملائم لاجتياز الامتحانات بعيدا عن كل السلوكيات التي يمكن أن تعرقل مسارها لعل أهمها ظاهرة الغش .

ونظرا لتطلعات فئة عريضة من المهتمين بالشأن التعليمي عموما والجامعي بضرورة التصدي لظاهرة الغش في الامتحانات الجامعية ،وتكريس مبدأ تكافؤ الفرص في غمار الاختبارات الجامعية ، فإن تجربة كلية الشريعة بفاس،  تبقى أنموذج يمكن الاقتضاء به للنهوض بالجامعة المغربية إلى مستوى عالي ، تحقق فيه الأهداف التعليمية والتكوينية ، لتكون من بين الجامعات التي تحتل مراتب متقدمة من حيث التكوين .

فالدفع بالجامعة المغربية نحو مراتب متقدمة ، رهبن بجملة من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية ، لعل أهمها إقرار مبدأ تكافؤ الفرص في جميع الاختبارات التي تباشرها الكليات ، لأن هذا من شأنه أن يعزز ثقة الطالب في المؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها ، إلى جانب ، الاستفادة من ايجابيات العولمة فيما يخدم البحث العلمي ويطوره

وإذا كانت كلية الشريعة بفاس ، حاولت مسايرة  الثورة الرقمية في العديد من الإصلاحات التي من بينها تقنية المراقبة عن بعد  “الفار” في الامتحانات الجامعية  ، فإن موقعها العلمي يسمح لها بالمزيد من التطور ومسايرة العصر التكنولوجي ، وهو ما يستدعي الاقتضاء بتجربتها على الصعيد الوطني .

خاتمة :

ختاما يمكن القول أن ، أن ظاهرة الغش  من الظواهر التي تقلق كل المهتمين بالشأن التربوي في بلادنا ، نظرا لجسامة الأضرار التي تخلف على مستوى الحياة المجتمعية ، وإذا كان التطور التكنولوجي أفرز العديد من الآليات التي يمكن اعتمادها في محاربة ظاهرة الغش ،  فإن كلية الشريعة بفاس ، قد عملت على تسريع وثيرة الاستفادة من هذه الآليات ،  بإقرار نظام المراقبة عن بعد كتجربة رائدة في تأمين الامتحانات الجامعية ، مما أفرزت نموذج جامعي على مستوى الوطني يستحق التنويه والاقتضاء  به .

قد يعجبك ايضا