التبليغ: تعريفه، شكلياته، طرقه وآثاره

المعلومة القانونية – أسامة النجاري

  • باحث في العلوم القانونية

إن عملية التبليغ تنطلق قبل مناقشة النزاعات أمام المؤسسات القضائية وتستمر في الغالب بعد البث فيها، وبالتالي يمكن اعتبارها القاطرة الوحيدة لتبليغ الإجراءات وإعداد وتهيء الملفات، وتبليغ وتنفيذ القرارات المتعلقة بها وحفظها نهائيا، او توجيهها إلى الجهة القضائية المختصة للبث فيها.

كما أن التبليغ القضائي يعتبر من أهم العناصر المساهمة في تحقيق مبدأ حق الدفاع الذي لا يمكن تصور احترامه دون إشعار وإخبار وإعلام أطراف النزاع بالقضايا المتعلقة بهم والمطروحة أمام العدالة للبث والحسم فيها قبل أن تصبح نهائية وحائزة لقوة الشيء المقضي به.

ونظرا لقانونية التبليغ القضائي ولارتباطه بحقوق الدفاع والمحاكمة العادلة فقد جعله المشرع المغربي خاضعا لرقابة المجلس الأعلى. وللإحاطة بجوانب التبليغ القضائي وأثاره توخينا تقسيم البحث إلى عدة مطالب.

1) تعريف التبليغ
2) شكليات التبليغ
3) طـرق التبليغ
4) أثـار التبليـغ

المطلب الأول: تعريف التبليغ

إن قانون المسطرة المدنية في الفصول 37 -38 -39 وغيرها لم يقدم أي تعريف وإنما اكتفى بذكر الإجراءات الواجب سلوكها سواء من حيث الجهات المكلفة بالتبليغ أو الأوراق التي ينبغي ملؤها كطيات التبليغ وشواهد التسليم ومع ذلك فإنه من المناسب إعطاء تعريف للتبليغ لبيان الهدف منه ويمكن ذكر التعريف الآتي:

التبليغ هو” إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه “.

ومن خلال هذا التعريف تكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج المبلغ بجهله لما تم تبليغه به حتى أن بعض الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر التشريع بالجريدة الرسمية إذ لا يجوز الاعتذار بجهل ما تم التبليغ به قياسا على قاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.

المطلب الثاني: شكليات التبليغ

ينبغي التذكير بأن التبليغ الذي يكتسي الحجية المذكورة هو ذاك المستجمع لكل البيانات والشكليات المنصوص عليها قانونا وهي:

1) الأسماء العائلية والشخصية ومهنة وموطن إقامة الطرفين

فلهذا البيان أهمية قصوى في تحديد الاختصاص المكاني، فضلا عن أنه يحدد آجال التبليغ إذ تختلف الأجال بحسب وجود موطن المتبلغ إليه في المغرب أو في الخارج، إلى جانب ذلك يساعد البيان المذكور الطرف المدعى عليه على معرفة خصمه الذي رفع الدعوى ضده، وغير خاف أن لمعرفة الخصم في النزاع أهمية بالغة، إذ تجعل المدعى عليه مستعدا للرد على إدعاءات المدعي بالوقائع والقانون على حد سواء.

2) موضوع الطلب:

وهذه الشكلية في أهميتها لا تقل عن البيان السابق، إذ بمقتضاها يتوصل الطرف المبلـغ ـ المدعى عليه ـ إلى طبيعة النزاع الذي أصبح طرفا فيه، هل هو مدني أم جنائي، وإذا كان مدنيا هل هو متصل بالعلاقات المالية للأسرة، وكل هذا ذو أهمية خاصة يساهم في تأهب واستعداد المدعى عليه لإعداد الدفاع عن نفسه وزيادة على ما ذكر فإنه في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية ينص الفصل( 274 من ق .م.م) على ما يلي: يستدعى الأطراف للجلسة طبقا للشروط المشار إليها في الفصول 37-38-39 قبل التاريخ المحدد لحضورهم بثمانية أيام على الأقل ويجب أن يتضمن الاستدعاء بالإضافة إلى التاريخ بيان المكان والساعة التي ستعرض فيها القضية، واسم الطالب ومهنته، وموطنه، وموضوع الطلب، وبيان اسم وعنوان المصاب أو ذوي حقوقه واسم المشغل والمؤمن وكذا تاريخ ومكان الحادثة، أو تاريخ ومكان التصريح بالمرض المهني.

أما بخصوص الاستدعاء من أجل إجراء خبرة طبية فإن التعديل الجديد فـي الفصل (63 من ق.م.م) لم يعد يشترط توجيه الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل خلافا لما ينص عليه الفصل 37 من نفس القانون.

3) المحكمة التي يجب أن تبث في النزاع:

وتكمن خصوصية هذا النزاع في الحيلولة دون معاناة المتقاضين من مشاكل الاختصاص، فبيان المحكمة المختصة يجعل من السهل على الطرف المبلغ اللجوء إلى المحكمة التي عليه أن يمثل أمامها دفاعا عن حقوقه ومصالحه دون مشقة أو عناء. وقد حدد الفصل(28 من ق.م.م) الاختصاص المحلي في الدعاوى الاجتماعية في الفقرة الثالثة كما يلي:” في دعاوى حوادث الشغل أمام المحكمة التي وقعت الحادثة في دائرة نفوذها، غير أنه إذا وقعت الحادثة في دائرة نفوذ محكمة ليست هي محل إقامة الضحية جاز لهذا الأخير أو لذوي حقوقه رفع القضية أمام محكمة محل إقامتهم، أما في دعاوى الأمراض المهنية فتنص الفقرة الرابعة من نفس الفصل على أن الاختصاص المحلي يكون أمام محل إقامة العامل أو ذوي حقوقه”.

أما من حيث الاختصاص النوعي فإن المحكمة المؤهلة للنظر في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا للفصل (18 وما بعده من ق.م.م) هي المحكمة الابتدائية.

4) يوم وساعة الحضور

5) التنبيه إلى ضرورة اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء:

وهذه شكلية ترمي إلى الحد من مزاعم بعض الأفراد وادعاءاتهم بعدم توصلهم بالتبليغ لعدم توفرهم على موطن أو محل إقامة يراسلون ويبلغون فيه، فمتى تم تنبيه المبلغ باختيار موطن ـ وغالبا ما يكون لدى محام ـ أصبح يسيرا استدعاؤه والاتصال به كلما اقتضى الأمر ذلك. ولا تكفي البيانات السابق ذكرها لاعتبار تبليغ الاستدعاء صحيحا وإنما لا بد من أخد مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بعين الاعتبار إذ ينص هذا الفصل على أنه :
ترفق بالاستدعاء شهادة يبين فيها من سلم له الاستدعاء وفي أي تاريخ ويجب أن توقع هذه الشهادة من الطرف أو من الشخص الذي تسلمها في موطنه، وإذا عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه، أشار إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ، ويوقع العون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال ويرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة. وإذا تعذر على عون كتابة الضبط والسلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر…..” في حقيقة الأمر تعد هذه البيانات مكملة للتي سبق ذكرها، لكن مع ذلك تثير بعض الإشكاليات منها.
نعتقد أن المشرع حين أوجب على العون المكلف بالتبليغ الإشارة إلى عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه، فيه نوع من القصور، فإذا كانت الإشارة إلى رفض المتسلم للاستدعاء بالشهادة المرفقة بالاستدعاء أمرا مقبولا، لأن ذلك يعكس الموقف الرافض لمن تسلمه، فإنه في اعتقادنا كان على المشرع أن يسمح في حالة العجز عن التوقيع، بالتوقيع بالبصمة وألا تعاد الشهادة إلى كتابة الضبط، والسند في ذلك هو التقليل من حدة طول الإجراءات التي عادة ما تعتري تطبيق قواعد المسطرة. يقضي الفصل أعلاه بإرسال العون للشهادة المذكورة بعد توقيعه عليها إلى المحكمة ـ كتابة الضبط بها ـ وحسب ما لدنيا من اعتقاد، ينبغي أن يستعمل المشرع لفظ ” يودع ” بدل ” يرسل ” لأن العادة جرت على أن يكون الأعوان المكلفون بالتبليغ تابعين لذات المحكمة. بل ويكونون موظفين بها كما هو الحال بخصوص كتاب الضبط فكيف يستساغ أن يرسل العون الشهادة مع إمكانية إيداعها بكاتبة الضبط التي يعمل في إطارها أضمن لسلامة وسير المسطرة فضلا عن أن الإيداع يساعد على السرعة في الإجراءات ويحول دون البطء فيها.

المطلب الثالث: طرق التبليغ

نظم المشرع طرق التبليغ في الفصول 37 و38 و39، من قانون المسطرة المدنية فنص في الفصل 37 المعدل بتاريخ 03 فبراير 2004 على أنه : ” يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتواصل أو بالطريقة الإدارية وإذ كان المرسل إليه يسكن خارج المغرب يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريقة الديبلوماسية عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقية الدولية تقضي بغير ذلك.

ونص الفصل 38 على أنه: ” يسلم الاستدعاء تسليما صحيحا إلى الشخص نفسه أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه، يعتبر الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب، يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان وسكنى الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة ” .

أما الفصل 39 فقد جاء في بعض فقرائه:
” إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل.

يعتبر الاستدعاء مسلما تسليما صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر من الطرف والشخص الذي له الصفة في تسلم الاستدعاء….”

من خلال هذه المقتضيات يمكن استخراج الطرق التي يتم بها التبليغ واستنتاج أهم الإشكالية التي تثيرها على صعيد الواقع العملي، وهذا ما سنعرض له على التو:

1 ـ التبليغ عن طريق أعوان كتابة الضبط

يعتبر التبليغ بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط الوسيلة الأولى التي ركز عليها الفصل 37 المذكور، ويعد ذلك بديهيا إذا علمنا أن هؤلاء الأعوان تابعون لكتابة الضبط بالمحكمة المعروضة عليها القضية في الغالب، فضلا عن أنهم ينتمون إلى قسم التبليغات وهذا ما يؤهلهم أكثر لمباشرة هذه المهمة المحفوفة بالمشاكل والصعوبات.
على أنه يتعين الإشارة إلى أن هذه الطريقة تثير كثيرا من المشاكل أهمها البطء وعدم كفاءة الأعوان المكلفين بالتبليغ، إذ لا يقومون في الغالب الأعم بملء شواهد التسليم بالطريقة القانونية اللازمة، الأمر الذي يجعل كثيرا من التبليغات تتعرض للبطلان.

2 ـ التبليغ عن طريق الأعوان القضائيين (المفوضين القضائيين حاليا)

لم يشر الفصل 37 إلى التبليغ عن طريق الأعوان القضائيين والسبب في ذلك هو أن هؤلاء لم يحدثهم المشرع كمؤسسة تساعد كتابات الضبط بالمحاكم وتخفف عنهم عبء التبليغات إلا في سنة 1980 بمقتضى القانون رقم 80/41 الصادر بشأنه ظهير 25 دجنبر 1980، وفي سنة 1986( 12 دجنبر) صدر المرسوم التطبيقي لهذا القانون، وذلك قبل صدور الظهير المؤرخ ب 10/09/1993 المعدل والمتمم للقانون المذكور.
ولقد تضمن هذا القانون 22 فصلا موزعة على تسعة أبواب إلى جانب المقتضيات العامة، أما عن اختصاص هيئة الأعوان القضائيين فوارد في الفصل الثاني من القانون السابق ذكره، ويتمثل في القيام بعمليات التبليغ اللازمة للتحقيق في القضايا ووضع الإجراءات اللازمة لتنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات القضائية، غير أن المشرع عمد في سنة 1993 إلى إحداث ما يعرف بنظام
الكتاب المحلفين ليساعدوا الأعوان القضائيين في مهامهم سيما مهمة التبليغ والتنفيذ ويعد هذا في حقيقة الأمر موقفا شاذا يخالف فيه المشرع المغربي التشريعات المقارنة الأخرى التي تنيط بالأعوان القضائيين شخصيا القيام بالتبليغات والتنفيذات، وتجدر الإشارة إلى أن المشرع عدل الفصل 37 المذكور أعلاه بمقتضى القانون رقم 03-27 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 03 فبراير 2004 ليفتح الباب أمام الأعوان القضائيين ليقوموا بمهمة التبليغ.

غير أن تدخلا تشريعيا جديدا مس نفس الفصل بإحلال المفوضين القضائيين محل الأعوان القضائيين بموجب القانون 03- 81 المنظم لمهنة المفوضين القضائيين والصادر الأمر بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 23- 06-01 بتاريخ 14 فبراير 2006.

3) التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل:

تعد هذه الطريقة الوسيلة الثانية التي نص المشرع على سلوكها في حالة عدم الاستدعاء بواسطة الأعوان المكلفين بالتبليغ، بل إنما تعد الوسيلة الأنجع في التبليغ إذا ما رجعنا إلى الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 39 فقد جاء فيهما ما يلي:

“إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أوعلى أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر. توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل”.

والدليل على نجاعة التبليغ بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أن المشرع اعتبر الاستدعاء الذي رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلمه، مسلما تسليما صحيحا ابتداء من اليوم العاشر الموالي للرفض ومع ذلك لا مناص من تسجيل ملاحظة مفادها أن إشكالات هذا النوع من التبليغ لا تقل عما سبق ذكره، إذ في كثير من الأحيان يتم إرجاع الطي بملاحظة غير مطلوب أو بملاحظة تعني الرفض، هذا إلى جانب أنه يمكن العديد من الأشخاص المعنيين بالتبليغ من التملص والتحلل من آثاره بدعوى أن الظرف الذي تم التوصل به كان فارغا.
وترجع الصعوبة بالنسبة لعبارة أو ملاحظة غير مطلوب إلى تكييفها، فهل يقصد بها رفض التسلم أم مجرد ملاحظة لا تفيد الرفض المذكور، وغني عن البيان أن اعتبارها رفضا للتسلم سيؤدي إلى نتائج قد تضر بمصالح المتقاضي-المبلغ إليه- إذ سيكون التبليغ صحيحا في حقه بعد مرور عشرة أيام من رفض التسلم. وقد سار المجلس الأعلى ممثلا في الغرفة المدنية باعتبار عبارة غير مطلوب بمثابة رفض (قرار 7-12-1965) وذلك قبل أن يعدل عن موقفه، حيث لم يعتبر عدم المطالبة بالرسالة المضمونة رفضا (قرار 27-03-1974). وفي اعتقادنا لا يمكن تكييف العبارات المذكورة بمثابة رفض بالنظر إلى خطورة نتائج ذلك على حقوق المتقاضين.

4) التبليغ بواسطة القيم:

يتم تعيين القيم لتبليغ الاستدعاء في الأحوال التي يكون فيها موطن أو محل إقامة الطرف غير معروف، ويعين القيم من بين أعوان كتابة الضبط وإن كان في نظرنا أنه يجوز تعيين هذا الأخير من بين الأعوان القضائيين ما دام هؤلاء مختصون بالتبليغ لذلك. وتكمن مهمة القيم في البحث عن الطرق، وتقديم المعلومات والمستندات المفيدة للدفاع عنه ويساعد القيم في مهمته النيابة العامة والسلطات الإدارية.

وفي حالة ما إذا عرف موطن أو محل إقامة الطرف الذي لم يكن موطنه معروفا، يخبر القيم القاضي بذلك، ويخطر إضافة إلى ذلك المعني بحالة المسطرة والمراحل التي بلغتها، وذلك في سبيل رفع النيابة التي كان يقوم بها القيم لفائدة الطرف ذي الموطن المجهول. ولتعيين القيم وقيامه بالتبليغ أهمية قصوى بالنسبة لسريان آجال الاستئناف أو النقض بالنسبة للأحكام والقرارات المبلغة إلى هذا الأخير، إذ لا تسري إلا بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة.

5) التبليغ بالطريقة الإدارية:

لا شك أن للسلطات الإدارية دورا مهما في القيام بالتبليغ، ذلك أن التبليغ بالقرى والبوادي والمناطق النائية يرتكز بالأساس على أعوان السلطة (المقدم، الشيخ)، بل إن لهؤلاء أهمية كبرى حتى في التبليغ في المجال الحضري.
غير أن هذا الدور سرعان ما يرتب العديد من الإشكالات خاصة بالنسبة لشهادات التسليم التي لا تملأ بالطريقة والدقة اللتين يتطلبهما القانون، إذ غالبا ما تكون التبليغات التي يقوم بها أعوان السلطة محل طعون وشكوك. وترجع هذه الإشكالات إلى عدة أسباب منها غلبة الأمية على الشيخ والمقدمين وكثرة المهام التي يقومون بها إلى جانب التبليغ وعدم الإلمام بالقواعد القانونية المنظمة للتبليغات، وعدم الإحاطة والتنبؤ بالنتائج السلبية التي تترتب على التبليغ الذي لم تحترم فيه الشكليات القانونية المتطلبة، ومن هذه الأسباب كذلك عدم التنسيق بين السلطات القضائية والسلطات الإدارية فضلا عن اختلاف التقطيع القضائي حيث تكون بعض المناطق تابعة إداريا لمقاطعة أو قيادة معينة في الوقت الذي تكون فيه تابعة قضائيا لمحكمة لا تدخل في دائرتها القضائية هذه المنطقة، فتبعث التبليغات في غالب الأحيان إلى مقاطعات أو قيادات لا يوجد فيها موطن أو محل إقامة المبلغ إليه.

6) التبليغ بالطريقة الدبلوماسية:

يعد التبليغ بالطريقة الدبلوماسية من الطرق الهامة التي تساعد على إيصال الاستدعاءات إلى المعنيين بالأمر المقيمين خارج تراب المملكة، ويساهم هذا النوع من التبليغ في تمكين المغاربة المقيمين بالخارج بوجه خاص من الإحاطة بالإجراءات والدعاوى والأحكام التي تهمهم والتي تباشر في وطنهم.

وتعد السلطات الدبلوماسية (وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات) الجهات الرئيسية في القيام بهذا النوع من التبليغات، ومع أهمية هذه الطريقة فإن لها العديد من السلبيات منها البطء وطول الإجراءات وتعقيد المساطر. بالنظر أولا إلى الآجال الطويلة والإضافية التي يضعها المشرع استثناءا لمن يوجد موطنه خارج المغرب (الفصل 41 والفصل136 من ق.م.م)، وبالنظر ثانيا إلى تعقيد المسطرة وصعوبة سلوكها، إذ غالبا ما يتطلب التبليغ بالطريقة الدبلوماسية شهورا عديدة، خاصة وأن
المبلغ إليه قد يعمد كل مرة إلى تغيير عنوانه أو موطنه تحاشيا لكل ما قد يصدر ضده من أحكام أو ما قد يتخذ ضده من إجراءات.

التبليغ في إطار التشريع الخاص بحوادث الشغل والأمراض المهنية:

نظرا للخصوصية والصبغة الاستعجالية التي تطبع قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، فإن المشرع علاوة على القواعد العامة المطبقة في مسطرة التبليغ قد خص القضايا الاجتماعية بمزيد من البيانات الواجب توفرها في طيات التبليغ والاستدعاءات وكذلك الأحكام الصادرة بشأن تلك القضايا فنص على المسطرة الاجتماعية في الفصول من (269 إلى294 من ق.م.م)، فبخصوص الاستدعاء زيادة على ما نص عليه الفصل 36 وجب ذكر في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية بيان اسم وعنوان المصاب أو ذوي حقوقه واسم المشغل والمؤمن وكذا تاريخ ومكان الحادثة أو تاريخ ومكان التصريح بالمرض المهني. أما بخصوص الأجل المخول لقاضي الصلح لاستدعاء الأطراف فهو خمسة أيام طبقا للفصل (215 من ظهير حوادث الشغل) الذي ينص على ما يلي: “يقع الاستدعاء المذكور في ظرف 5 أيام الموالية لوصول الملف إلى محكمة الصلح إذا توفي المصاب أو إذا استقرت حالته الصحية قبل اختتام البحث”. في حين أن الفصـل (274 من ق.م.م) يحدد استدعاء المدعى عليه والمدعي في ثمانية أيام من تاريخ انعقاد الجلسة ونعتقد أن الأجل الأخير هو الأصوب نظرا للعطل التي تصادف فترات الاستدعاء. ومن المجدي أن نتساءل عن الجهة الحقيقية التي يجب توجيه التبليغات إليها بالنسبة للقضايا التي ترفع على إدارة صناديق العمل.
فبالنظر إلى القوانين المحدثة لصناديق الزيادة في الإيرادات والضمان والتضامن فإن الممثل القانوني لها المخول بالترافع هو وزير التشغيل أو من يفوضه لهذا الغرض ونظرا للصبغة العمومية التي تطبع هذه الصناديق كمرفق اجتماعي فإن التبليغات المرسلة إلى الوزارة المركزية تعتبر تبليغات صحيحة من الناحية القانونية لكون وزير التشغيل هو الممثل الحقيقي ولكن من الناحية الواقعية فإن التسليم والتبليغ الذي يقع بمكتب الضبط المركزي بالوزارة والبطء والتأخر الذي يحدث في تلك المراسلات يحرم إدارة صناديق العمل التي تتوصل لاحقا بتلك الوثائق من استئناف الأحكام أو الجواب عن الجلسات في الآجل المناسبة، تكون شواهد التسليم التي ترجع للمحكمة هي التي تتضمن تاريخ التبليغ القانوني لذا يتعين التنسيق مع مكتب الضبط المركزي بالوزارة لإرسال كافة الوثائق المبلغة في ظرف وجيز أو توجيه المفوضين القضائيين إلى هذه الإدارة مباشرة ومع ذلك فإن التبليغ عن طريق البريد مع الإشارة بالتوصل يظل إشكالية قائمة تتطلب من مكتب الضبط المركزي بالوزارة الإحالة السريعة للبريد. ويلاحظ أن العديد من التبليغات التي تهم إدارة صناديق العمل توجه إلى مديرية الاحتياط الاجتماعي وهو تبليغ غير قانوني لا يلزم إدارة صناديق العمل بسبب البطلان إلا أن الإشكالية تثار عندما يرسل مكتب الضبط المركزي بالوزارة على سبيل الخطأ تلك التبليغات إلى جهة غير إدارة صناديق العمل فإن الآجال هنا يضيع لكون التبليغ كان صحيحا، ولا يفوتنا أن نشير إلى أنه ولو تم التبليغ إلى إدارة صناديق العمل بطريقة صحيحة ولم يتم إدخال العون القضائي في الدعوى طبقا للفصل( 514 من ق.م.م) فإن الدعوى تكون غير مقبولة ويكون الحكم المبني عليها قابلا للإلغاء، كما أن (الفصل 9 من ق.م.م) يوجب إبلاغ النيابة العامة بالدعاوى التي تكون فيها الدولة أو الجماعات….وإلا كانت باطلة وعلى هذا الأساس فإن التبليغات في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية المرفوعة على إدارة صناديق العمل يجب ـ كي تكون مقبولة أن تبلغ إلى هذه الأطراف ـ أما في حوادث الشغل المقترنة بحوادث السير لإن ظهير 6 فبراير 1963 نص في الفصل 177 على ما يلي:
يجب على الشخص الذي يقيم الدعوى على الغير المسـؤول أن يدخـل فـي الدعـوى ـ حتى لا يرفض طلبه ـ ممثل صندوق الزيادة في إيرادات حوادث الشغل وذلك إذا كان المصاب أو ذوي حقوقه يستفيدون من إحدى الزيادات.

وانطلاقا من القضايا والتجارب والمعالجة اليومية للملفات يمكن التمييز بين نوعين من القضايا التي تواجه إدارة صناديق العمل:

1) التبليغات المتعلقة بدعاوى الإيرادات القانونية :
فإن هذه التبليغات لا يفترض فيها إدخال العون القضائي أو إبلاغ النيابة العامة لكونها مرفوعة من طرف المصابين أو ذوي حقوقهم في مواجهة المؤاجر أو مؤمنه يكون الهدف منها الحصول على إيراد تتحمله الجهة المشغلة وهذه الدعاوى تدخل في نطاق المسؤولية التعاقدية وتدخل إدارة صناديق العمل في هذه الدعاوى يكون اختياريا إذ الهدف منه هو التنبيه إلى ضرورة تطبيق التشريع الخاص بحوادث الشغل والأمراض المهنية تطبيقا سليما.

2) القضايا المرفوعة أساسا على صناديق الشغل أو المتعلقة بحوادث الشغل المقترنة بحوادث السير :
فإن التبليغ في هذه الدعاوى يجب أن يصل إلى كافة الأطراف المذكورة أعلاه لكون الأموال التي تصرفها هذه الصناديق في الإعانات والمنح والأجهزة والإيرادات التي يؤديها صندوق التضامن بسبب الفتن والحوادث الحربية أو التعويضات التي يؤديها صندوق الضمان بسبب عسر المشغلين أو منظمات التأمين تعتبر أموال عمومية تخضع لرقابة المجلس الأعلى للحسابات وتجبى بقرارات حكومية تكتسي صبغة عمومية وآمرة.

المطلب الرابع: آثار التبليغ

لقد سكت المشرع المغربي عن الآثار المترتبة عن التبليغ أو عدمه مما جعل الجهاز القضائي يتصدى لإيجاد الحلول وترتيب الآثار عن التبليغ المعيب والناقص في شكلياته سواء تعلق الأمر بالاستدعاء وطيات التبليغ، أو الموطن أو محل الإقامة حيث تولى المجلس الأعلى وبعض محاكم الاستئناف إصدار مجموعة من القرارات والاجتهادات في إطار الاختصاص والرقابة القانونية تنصب كلها على إلغاء الكثير من الأحكام المبنية على التبليغ المعيب أو الناقص كما أن العديد من الوزارات بتعاون مع وزارة العدل قد تدخلت بعدة مناشير لتلافي النتائج السلبية التي تلحق الضرر بمصالحها نتيجة التبليغات التي لا تحترم البيانات والآجال المسطرة في ق.م.م وبعض القوانين الخاصة، وسوف نذكر قرارات المجلس الأعلى ومحاكم الاستئناف وكذا منشورات بعض الوزارات التي طالبت ونصت على إلغاء العديد من إجراءات التبليغ لأنها لم تكن وفق البيانات القانونية المطلوبة.

ـ قرارات المجلس الأعلى: القرار المدني الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 1968، بخصوص عدم استدعاء الخصم ” استدعاء الخصم شرط أساسي لإصدار الحكم عليه كي يسمع ما عنده إليه وإلا كان الحكم باطلا “.

قد يعجبك ايضا