دور مراكز الاستماع والإرشاد القانوني النسائية في مواجهة الرشوة الجنسية ؟

نظم تحالف اصرار للتمكين والمساواة وترانسبرانسي المغرب بشراكة مع جمعية الأمان للمرأة والطفل وبتنسيق مع مراكز الاستماع للنساء العاملة بجهة مراكش تنسيفت ورشة تكوينية حول موضوع: “دور مراكز الاستماع والإرشاد القانوني للنساء في مناهضة الرشوة الجنسية”، وذلك بمدنية مراكش مساء يوم الجمعة 29 مارس 2019.

واستهلت أشغال الندوة بكلمة افتتاحية للسيد علي الصادقي عن ترانسبرانسي المغرب أكد فيها أن الجمعية عملت بشراكة مع الجمعية الدولية للقاضيات على بلورة مشروع يتوخى ادراك مدى تجليات أثر الفساد الاداري والرشوة على النساء في أفق النهوض بخطاب محاربة الرشوة يأخذ بعين الاعتبار قضية النوع الاجتماعي باعتماد مقاربة تشاركية تمكن من اشراك كل الأطراف المعنية على مستوى مراحل تنفيذ المشروع.

وأضاف أنه “اذا كان الفساد ممارسة ناجمة عن سوء استخدام سلطة ما، لفائدة خدمة مصالح خاصة، سواء تعلق الأمر بسلطة سياسية أو ادارية”، فإن الوضع بالمغرب على غرار عدد من البلدان يعرف اختراق الرشوة لجميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية وتشابك حلقاته وتناميه الى دوائر كثيرة مما يولد آثارا مركبة تمس فئات واسعة من السكان، إلا أنه لا يمكن إنكار أن للفساد تأثير خاص على النساء، اذ يمكن للرشوة أن تؤدي الى الاستغلال الجنسي للنساء كشكل من أشكال الرشوة التي يكون فيها الجنس هو العملة البديلة عن المال، وعلى الرغم من انتشار الرشوة الجنسية الا أنه نادرا ما يتم الإفصاح عنها أو تقديم شكايات بشأنها لدى المصالح المختصة أو حتى لدى مراكز الدعم التابعة لمنظمات المجتمع المدني نظرا لحاجز الصمت الذي يلف الظاهرة”.

وخلص الى أن أخذ هذه الممارسات بعين الاعتبار أضحى ضروريا في مجال محاربة الرشوة والفساد الاداري، وهو ما يفرض القيام بتحليل معمق لهذه الظاهرة من أجل الاحاطة بحجمها، وتحديد التدابير التي يتعين اتخاذها لمكافحتها والحد منها.

في نفس السياق أكدت السيدة حليمة أولامي رئيسة جمعية الأمان للمرأة والطفل وعضو مؤسس لتحالف إصرار على أهمية تنظيم هذا اللقاء اعتبارا للدور الطلائعي الذي يمكن أن تقوم به مراكز الاستماع في تسليط الضوء على ظاهرة الرشوة الجنسية، وإبراز الاكراهات التي تواجه النساء وتوفير آليات آمنة لهن للتبليغ عن هذه الجريمة التي يتعرضون لها، كما أشارت الى أهداف تنظيم هذه الندوة والمتمثلة في تعزيز فهم وادراك مختلف أشكال الرشوة التي تواجهها المرأة وتسليط الضوء على الاطار القانوني والمؤسساتي المتعلق بجرائم الاعتداءات الجنسية.

وقدمت السيدة نعيمة بنواكريم خبيرة في النوع الاجتماعي مداخلة حول “محاربة الرشوة في علاقتها بالنوع الاجتماعي”، وأشارت من خلالها الى أن موضوع الرشوة الجنسية ظل والى وقت قريب يدخل ضمن الطابوهات لعدة أسباب، من بينها جدار الصمت الذي يلف هذا الموضوع لارتباطه بطابو الجنس، كما أن النساء الضحايا أول من تتم ادانتهن في حالة محاولتهن التبليغ أو فضح تعرضهن للرشوة الجنسية، بسبب تعرضهن للوصم الاجتماعي،الذي يؤثر عليهن في جميع جوانب حياتهن، الى جانب أن عددا من النساء ليست لهن القدرة على فهم هذا الخرق الذي يتعرضن له، ولا يعرفن طريقة التبليغ، ويجهلن سبل الانتصاف، كما أن نسبة كبيرة منهن واللواتي يتوفرن على دراية بالقانون، يتعرضن للخشية من الوقوع تحت طائلة الملاحقة القانونية، خاصة في حالة استجابتهن لطلب الرشوة، كما أن القانون الجنائي يعاقب الراشي والمرتشي، ولا يعفي الراشي إلا في حالة التبليغ قبل الاستجابة لطلب الرشوة.

وأضافت المتدخلة أن أهم إشكال يواجه النساء الراغبات في التبليغ عن الرشوة الجنسية صعوبة إثبات وقوع الفعل، وصعوبة إثبات انعدام عنصر الرضا، طالما أن القانون الجنائي الحالي لا يعترف بالإكراه المعنوي إلا في حدود ضيقة.

وقدمت مريم أنظام مستشارة قانونية مكلفة بالمشروع، مداخلة حول “واقع وتجليات الرشوة الجنسية على المرأة”، حيث انطلقت من ملاحظة مفادها أن المرأة تعاني حيفا بنيويا، مما يسهم في إضعاف قدراتها للتصدي لجريمة الرشوة الجنسية، وهي تعاني من جرائم الفساد أكثر من الرجال، لعدة اعتبارات منها أن الفقر والأمية وعدم المساواة والتمييز ظواهر تمس النساء أكثر من الرجال، كما أن النساء يحتجن الى ولوج الخدمات العامة بشكل أكبر من الرجال، لاعتبارات بيولوجية أو اجتماعية، أو قانونية، فتردد النساء على الإدارات العامة يجعلهن أكثر عرضة للتعرض للرشوة التي تبدأ بطلب مقابل مادي، وتتحول الى طلب مقابل جنسي، باستحضار الفقر الذي يمس شريحة واسعة من النساء اللواتي تعاني من الهشاشة.

وأشارت المتدخلة الى أن النساء يتعرضن للرشوة الجنسية في المستشفيات وفي الإدارات العامة وفي جميع الفضاءات التي تقدم الخدمات العمومية، وداخل الجامعات، مؤكدة أن الرشوة الجنسية صورة من صور الفساد، ويكون لها وقع جد مدمر على حياة النساء حيث تؤدي الى تعميق الهشاشة التي تعاني منها وحرمانهن من الاستفادة من الخدمات العامة، وتصل أحيانا الى المس بحقهن في الحياة، خاصة حينما تقوم الضحية بوضع حد لحياتها.

في نفس السياق عددت المتدخلة بعض الأسباب التي تسهم في انتشار الرشوة الجنسية، من بينها هيمنة الرجال على الوظائف العامة، وهيمنتهم على مراكز صنع القرار.

وقدمت السيدة مريم الزموري مداخلة حول “دور مراكز الاستماع في حماية النساء من الرشوة الجنسية بين المعيقات والبدائل”، أكدت من خلالها على أهمية خلق مراكز الاستماع والإرشاد القانوني كآلية لحماية النساء من مختلف أشكال الانتهاكات التي يتعرضن لها ومن بينها الرشوة الجنسية، التي باتت ظاهرة متفشية داخل أوساط عديدة، وقد أصبحت النساء يمتلكن الجرأة تدريجيا لفضحها، خاصة بفضل الدعم الذي تقدمه مراكز الاستماع،
واعتبرت المتدخلة أن مراكز الاستماع تمكن الجمعيات الحقوقية من تشخيص ظاهرة الرشوة الجنسية وتجميع المعطيات الدقيقة وشهادة الضحايا، حيث تعتبر هذه الشهادات مادة هامة للترافع لدى صناع القرار، مؤكدة على أهمية تشجيع التبليغ، ودعم الضحايا وحماية خصوصيتهن، كما وقفت على الأدوار التي تلعبها مراكز الاستماع، وأهمها: الاستقبال، الاستماع، الدعم القانوني والنفسي، الإرشاد والتوجيه، التكفل ومتابعة الملفات من داخل المحاكم، التتبع و المواكبة، التوثيق، التحسيس والتعبئة، والترافع.

كما أشارت الى العراقيل التي تحول دون التبليغ عن جرائم الرشوة الجنسية أهمها هشاشة وضع النساء، انتماء الموضوع للطابو، وارتباطه بمورد الرزق أو بمركز اجتماعي أو سياسي، وغياب تأطير قانوني لهذا النوع من الجرائم، وغياب تفعيل السياسات العمومية ان وجدت، وضعف المرجعية الدولية في المجال، وارتباط هذا النوع من الجرائم بواقع الأزمة، وغياب دراسات وأبحاث في المجال، ومشكل العقليات فضلا عن التقاضي في مواجهة أشخاص ذوو نفوذ أو سلطة أمام الفساد الإداري المتفشي.

من جهة أخرى أشارت السيدة مريم الزموري للعراقيل التي تواجه مراكز الاستماع وعلى رأسها ضعف بنيتها، وهشاشة وضع العاملات بها، وصعوبة توفير الحماية للنساء، وضعف تجديد أدوات الاشتغال، وهيمنة المواضيع المرتبطة بالعنف الزوجي على حساب المواضيع الأخرى، وتشتيت الجهود، واستغراق دورها في المجال الخدماتي على حساب الترافع من أجل تغيير القوانين، وضعف التكوين وصعوبة الاثبات .

من جهته أكد أنس سعدون دكتور في الحقوق عضو نادي قضاة المغرب أنه لا بد من الاعتراف بأن الرشوة الجنسية كمصطلح ما يزال جديدا، اذ أن غالبية التشريعات الدولية لم تتطرق اليه، بل أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ورغم أهميتها لم تفرد له أي مقتضى خاص. ويبقى للجمعية الدولية للقاضيات الفضل في تسليط الضوء على هذا الموضوع، وأضاف أنه تختلف التسميات المعتمدة للدلالة على نفس الفعل، هناك من يعتمد الابتزاز الجنسي، أو الرشوة الجنسية، ورغم اختلاف التسميات يمكن استجماع العناصر اللازمة لقيام الفعل في تعريف اصطلاحي، واعتبار الرشوة الجنسية هي “سلوك يتميز عن باقي أنواع الإيذاء الجنسي بكونه يتسم باستخدام السلطة لجلب فائدة خاصة ذات طبيعة جنسية، أو بتبادل المصالح عبر مقايضة مصلحةٍ بالاستجابة لطلب ذي طبيعة جنسية”.

وأشار الدكتور أنس سعدون عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية الى أن موضوع الرشوة الجنسية بدأ يطرح بإلحاح في الآونة الأخيرة بعدما أصبحت الصحافة الوطنية والدولية تتناقل عدة قضايا تتعلق بفضائح الرشوة الجنسية من قبيل “الجنس مقابل النقاط، الجنس مقابل العمل؛ الجنس مقابل الترقية؛ الجنس مقابل الغذاء؛ الخدمة الجنسية مقابل أي خدمة عمومية أخرى.. “.

وقدم “دراسة حالة للرشوة الجنسية من خلال نماذج قضايا عرضت على المحاكم”. مؤكدا وجود اختلاف بين المحاكم في تكييف هذا الفعل بين التحرش أو استغلال النفوذ أو هتك عرض أو فساد، أو اغتصاب، وهو أمر مبرر نظرا لأن الرشوة الجنسية جريمة مركبة، لكنه يطرح اشكالات عملية على مستوى اختصاص المحاكم، وحماية الضحايا، مشددا في هذا المجل التأكيد على أهمية اذكاء ثقافة التبليغ عن جرائم الرشوة الجنسية، بجميع الوسائل لا سيما وأن القانون خول للنيابات العامة امكانية فتح أبحاث في جميع الشكايات والوشايات أيضا، فضلا عن أن خلايا التكفل بالنساء المعنفات هي فضاءات آمنة يمكن أن توفر الحماية للضحايا للكشف عن الانتهاكات التي يتعرضن لها.

في نفس السياق أشار عضو نادي قضاة المغرب الدكتور أنس سعدون الى الإشكاليات التي يثيرها قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والذي تضمن نصا يحظر تصوير الأشخاص في الفضاءات الخاصة دون اذن، لافتا الانتباه إلى أن القانون الجنائي الفرنسي يشترط في المادة 226-1 توفر قصد المساس بالحياة الخاصة، بينما لم يشترط المشرع المغربي في قانون العنف ضد النساء صراحة هذا الشرط، مما قد يشكل تضييقا على فاضحي الجرائم التي ترتكب داخل الفضاءات المغلقة، ومن بينها جرائم الابتزاز والرشوة، مؤكدا على أهمية دورية رئيس النيابة العامة التي أتت لتوضح هذه الثغرة واسترشدت بالاجتهاد القضائي المقارن الذي استقرّ على اعتبار “عملية التسجيل التي تكون الغاية منها تقديم دليل إلى القضاء أو الشرطة القضائية لا تقوم معها جريمة انتهاك الحياة الخاصة”، كما حثت قضاة النيابة العامة على مراعاة هذا الاجتهاد القضائي المقارن ولو على سبيل الاستئناس لحماية المبلغين عن الفساد، ومراعاة المقتضيات القانونية التي تحمي الضحايا والمبلغين عن الجرائم والذين قد يلجؤون إلى حماية أنفسهم بمقتضى التسجيلات أو لإثبات الاعتداءات التي يتعرضون لها، كما هو الحال في جريمة الرشوة الجنسية على سبيل المثال التي ترتكب عادة خلف الأبواب الموصدة.

وعرفت الندوة فتح نقاش مستفيض بين الحضور حيث قدمت عدة توصيات أهمها، ضرورة إعداد دليل للتعريف بجريمة الرشوة الجنسية؛ الاستمرار في حملات التحسيس واستهداف المدارس والاعداديات والثانويات الى جانب الجامعات؛ استهداف ساكنة العالم القروي أيضا؛ التنسيق بين مراكز الاستماع والارشاد القانوني التابعة للمجتمع المدني وخلايا التكفل بالنساء داخل المحاكم؛ توعية وتحسيس الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون بجريمة الرشوة الجنسية باعتبارها فعلا يقع تحت طائلة القانون الجنائي؛ العمل على مواجهة ظاهرة الإفلات من العقاب عن جريمة الرشوة الجنسية.

لقراءة الموضوع من مصدره، اضغط هنا

قد يعجبك ايضا