لم يحدد المشرع سبل ثبوت الزوجية ولم يسمها نصا كما فعل بالنسبة لإثبات النسب، بل توسل بألفاظ عامة مرسلة تتأول إلى معاني مختلفة في المادة 16 من المدونة المعقودة لبيان مسطرة الثبوت، عندما أجاز سماع دعوى الزوجين بسائر وسائل الإثبات المقبولة له شرعا، مُفترضا علم الجميع بها، وهو ما أدى بالتبع إلى تضارب في الاجتهاد القضائي تيسيرا وتشددا، للاختلاف في التفسير والتقدير، وكان حريا به الحسم في ذلك منعا لكل تأويل دون نزوع نحو فكرة حرية الإثبات وإطلاق اليد فيه لكل مُدّع دون قيود أو تحفظات ودون تلبيس بقبول وسائل إثبات لا تعد مقبولة لإثبات الزواج نظرا لخصوصيته الحاكمة، حيث جاء في نص هذه المادة: ” تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج”.
إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات المقبولة شرعا وكذا الخبرة.
تأخذ المحكمة بعين الاعتبار، وهي تنظر في دعوى الزوجية، وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.
يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.
إن قبول المشرع إثبات الزوجية بسائر وسائل الإثبات كأنها واقعة عادية، هو تعميم لا يجوز أن يصار إليه في موضوع هام نظير الزواج، وكان حريا به الحسم في هذا الأمر منعا لكل تأويل، خاصة وأن هذا الأمر يطبق بصفة مؤقتة وانتقالية وهو ما يقتضي الوضوح لتصفية جميع حالات الزواج غير الموثقة.
فليست كل وسائل الإثبات على صعيد، وليست كلها منتجة في دعاوى الثبوت فبعضها لا يُقبل كالإقرار حجة والبعض الآخر لا يكفي لوحده كالقرائن التي إنما يُعوّل عليها فقط لتعضيد حجة أخرى، وكذلك الخبرة التي لا تكون بمفردها حجة على قيام العلاقة الزوجية لكنها تدل عليها من خلال دلالتها على ثبوت النسب، لتبقى شهادة الشهود المزكاة باليمين هي الحجة الأبرز لتحقيقها غاية الاشهاد على الزواج وعدم توقفها على حجة أخرى مكملة.
فإذا كان الأصل الغالب أن يعمد الزوجان إلى طلب ثبوت زواجهما أمام قضاء الموضوع اتفاقا حيث لا يطرح هنا كبير إشكال، إذ الدعوى ملك للخصوم، إلا أن يقع المساس بالنظام العام أو بحق الغير. فإن هناك حالات قد ينازع فيها أحد الزوجين وخاصة الأزواج، في ثبوت الزواج المدعى وقوعه، سواء ادعته الزوجة أو الأبناء، وهكذا أجاز مشرع مدونة الأسرة للمتداعين التعويل على طائفة من وسائل الإثبات للوقوف على صحة مزاعم الخصوم، دون تعقيد أو تصعيب، ودون استسهال أو تمييع، منها شهادة الشهود والخبرة والقرائن، كما أطلقت المادة 16 من المدونة اليد للمحكمة لاعتماد أي وسيلة إثبات تراها مناسبة بحسب ظروف كل قضية وملابساتها، وذلك بناء على طلب كل ذي مصلحة أو بصفة تلقائية، لتكون وسائل ثبوت الزواج في جميع الأحوال هي: الإقرار والخبرة والقرائن وشهادة العدول العلمية واليمين.
وسار العمل القضائي أيضا نحو تكريس مبدأ الحرية في الإثبات من خلال شواهد قضائية متواترة زادت على ما قرره المشرع، منها عدم اشتراط نصاب عددي معين في شهادة الشهود([37])، والتعويل على مجرد مستند العلم العام([38])، وأحيانا على محض الإقرار ولو كان عرفيا، والاستناد على الأمارات وقرائن الأحوال([39]) وشهادة السماع([40]).وهكذا سنتولى تباعا مناقشة كافة وسائل الإثبات المعتمدة في دعوى ثبوت الزوجية في ضوء مقتضيات القانون وعمل القضاء.
1- الإقرار:
الإقرار في اللغة من أقر بالشيء إذا اعترف به، وهو ضد الجحود ورديف الاعتراف، وأصله في اللغة التمكن والاستقرار([41])، وفي الاصطلاح “إخبار بحق لآخر عليه”[42].
ومعناه هنا اعتراف الزوجين بقيام العلاقة الزوجية بينهما، وهو وإن كان أقوى وسائل الإثبات وأكثرها حجية اتفاقا، لأن أحق ما يؤاخذ به المرء إقراره الصريح الطوعي على نفسه، إلا أنه في موضوع ثبوت الزوجية لا يغني عن شهادة الشهود، وذلك لأربعة أسباب: أولها أنه قد يكون إقرارا على الغير وهو لا يجوز، وثانيها أنه لا محيد عن شهادة الشهود لأن بها يتحقق الإشهاد اللازم لصحة عقد الزواج، وثالثها لزوم تحقيق الشهرة والإعلام بالزواج والجهر به([43])، وذلك لا يتأتى بغير شهادة الشهود، ولا خلاف في أن الزواج مبني على الشهرة والاستفاضة، ورابعها أنه لا يمكن للمقر أن يستفيد من إقراره. ولأجله لم يدخل مشرع المدونة الإقرار ضمن زمرة وسائل إثبات الزواج([44])، وذكره في سبل إثبات النسب لتعلق حق الغير به وهو الولد المقر به، ولهذه العلل ولغيرها لا تكاد تجد للإقرار ذكرا في الأبواب الفقهية المعقودة في التآليف الفقهية التي عرضت لسبل إثبات الزواج([45]).
ومع كل تلك القوادح التي تعتري الإقرار كسبيل إثباتي في الزواج وعدم تبني المشرع له، نجد أن بعض المحاكم تعتمده وحده في تفرد خاص كدليل يغني عن باقي سبل الإثبات تمسكا بمقتضيات الفصل 405 من قانون الالتزامات والعقود، دون مراعاة لخصوصية عقد الزواج وهو الميثاق الغليظ، بل الأغرب أن تقبل محكمة النقض هذه الحجة وترتب الأثر على ضوئها في موضوع الزواج دون مراعاة لخصوصيته الحاكمة، وهكذا جاء في قرارها:”…ردا على ما وقع الطعن به فإن المحكمة المطعون في قرارها اعتمدت في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات المنصوص عليها في المادة 16 من مدونة الأسرة، إذ هي عللت قرارها بأن المستأنف عليها أدلت بالتزام مصحح الإمضاء صادر عن الهالك قيد حياته والذي تضمن إقراره بالزواج منذ أربع سنوات على تاريخه الذي هو 3/7/2003 دون كتابة عقد الزواج وأن هذه العلاقة أسفرت عن ولادة البنت (…) بتاريخ 15/8/2000 فضلا عن الإذن الصادر عن قاض التوثيق عدد (…) والذي أذن لهما بإنجاز رسم بثبوت الزوجية ولم يطعن بأي طعن جدي في هذه الوثائق، وقضت تبعا لذلك بثبوت الزوجية بين الطرفين تكون قد أجابت على ما أثارته الطاعنة من دفوع ولم تخرق القانون فتبقى الوسيلة على غير أساس.”([46]) وكأن الإقرار لم يكن كافيا، فعمدت المحكمة إلى بناء الحكم على قرائن، منها ازدياد البنت والاذن المستصدر من القاضي، وكان حريا بالمحكمة أن تعتمد على القرائن دون الإقرار الذي إن اعتمد، فيكون كعادته باعتباره سيّد الأدلة حاسما، منهيا لأي خلاف، قاطعا لدابر النزاع، مستغنيا عن غيره من سبل الإثبات باعتباره حجة كاملة لا تحتاج إلى ما يؤيدها في إظهار الحق([47]).
فإذا كان ظاهر المادة 16 من المدونة يشي بإطلاق إثبات الزواج، بدليل اعتماد البينة الشرعية، والتي هي إسم لكل ما يبيّن الحق ويظهره، وهي ضعيفة في الإثبات ، فإن خصوصية عقد الزواج تفرض أدلة إثباتية معينة، ومن ثمة استبعاد بعض الأدلة ولو كانت أقوى وأحج من شهادة الشهود والقرائن، كالإقرار، لاحتياج الزواج للإشهاد عليه واعتباره واجبا لصحته، فلا يقبل الإقرار، والحالة ما ذكر، لإثبات الزواج، واستثنى الفقهاء من ذلك حالة الزوجين الطارئين على البلد وألا يكون قد تقدم بينهما نزاع وأن يكون التقارر في الصحة، وتأسيسا على ذلك نقض المجلس الأعلى قرارا خالف هذا النظر وحكم بثبوت الزوجية بمجرد التقارر، مؤسسا قضاءه على أن: “من شروط صحة التقارر أن يكون المتقارران طارئين لا حاضرين كما هو في النازلة.”([48]) فهل المقصود به الطروء من بلد إلى آخر على الصعيد المحلي، أو أن هذا الأمر قاصر على المغاربة المقيمين بالخارج الوافدين على المغرب؟ ولعلي أميل إلى قصره على الحالة الثانية، منعا من التحايل ونزوعا نحو الأحوط لتحقيقه الغاية المطلوبة.
2- الخبرة:
بالخبرة([49]) الرأي التقني الذي تطلبه المحكمة من كل ذي كفاءة علمية تؤهله لتحديد أمور تقنية يتعذر على المحكمة القيام بها([50])، ولعلها: “استعانة المحكمة إثر منازعة قضائية بصفة تلقائية أو بناء على طلب الخصوم بجهة تقنية معترف بها لأخذ رأيها بخصوص أمر معين لا تتأتى معرفته كليا أو جزئيا إلا بذلك”، فأحيانا تكون الخبرة السبيل الأوحد للحسم في النوازل بتخويل طائفة من الحقوق أو المراكز القانونية أو نفيها. وقد نظمها المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية في الفصول من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية، والخبرة في سائر الأحوال، إما أن تكون من وسائل الإثبات أو من إجراءات التحقيق.
وتعد الخبرة من أبرز الوسائل المساعدة للقاضي لاستجلاء حقائق تقنية أو فنية معينة يجري تبيانها في تقرير الخبير([51])، الذي تعد مهمته فنية صرفة تقتصر على تنوير القاضي في المسائل التقنية أو الطبية التي لا دراية له بها، ومن ثمة لا يسوغ له التطرق لأمور قانونية والتي هي اختصاص حصري للقضاة، إذ يحظر عليهم تفويض أي من سلطاتهم القضائية إلى الخبراء([52]). وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 16 من المدونة على أنه: “إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة”.
وهذا السبيل لا يلجأ إليه مباشرة سواء في دعاوى ثبوت الزوجية أو النسب إلا مع وجود قرائن معضدة تجنبا للتعسف في استعمالها واستغلالها لمجرد الكيد أو الإضرار بالخصوم، لعدم وجود الجزاء حال ثبوت تلك الأفعال. والخبرة هنا تدل على النسب والنسب يدل على الزواج، فيترتب في الآن عينه أثران هامَّان نسبا وزواجا، رغم أن الأصل أن يدل الزواج على النسب لا العكس، ولأجله اعتبر بعض الفقه أن ورود الخبرة ضمن وسائل إثبات الزوجية كان على سبيل الخطأ حيث وقع خلط بين إثبات الزوجية وإثبات النسب، ومن ثمة لا مجال لإعمال الخبرة في قضايا الثبوت([53])، وهذا الأمر فيه عسف في الاستنتاج، فمجال إعمال الخبرة في قضايا الثبوت واضح، فالخبرة تدل على النسب، والنسب يدل على قيام علاقة زوجية، باعتبار أن الخبرة لا يصار إليها قضاءً إلا مع قيام أدلة على وجود علاقة زوجية، ولعل الخبرة تحسم في هذا الأمر، وهذه كانت غاية المشرع، فلا مجال إذن للقول بوجود خلط وقع فيه المشرع فإن أفعاله منزهة عن العبث خلطا أو غلطا أو زيادة، إذ لكل كلمة في المقتضى القانوني دلالة مقصودة.
والخبرة تصدر دائما بناء على حكم تمهيدي صادر عن قضاء الموضوع، تجنبا للخبرات المنجزة سلفا من طرف الخبراء المختارين من الأطراف لا المحكمة بناءً على طلبهم، نظرا للقوادح التي قد تعتريها([54])، وهي تكون إما عبر فحص البصمة الوراثية أو الحمض النووي بأخذ عينة من الابن المدعى نسبه للمطلوب في الدعوى، وأخرى من المدعى عليه في دعوى الثبوت من الدم أو المني أو اللعاب أو الشعر. فالبصمة الوراثية إذن هي: “البنية الجينية نسبة إلى الجينات أي المورثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه.”([55])، ونسبة القطع فيها تصل إلى 9،99 % لعدم إمكان تطابق اثنين من البشر في هذه الصفات الوراثية([56]). والبصمة الوراثية التي اعتبر اكتشافها طفرة هائلة في العلوم يستعان بها في مجالات أخرى ومن أبرزها الاستدلال على مقترفي الجرائم بمختلف أنواعها، وتحديد هوية بعض الأشخاص المتعذر معرفتهم، كالأسرى والمفقودين والجثث الملفاة حال الحروب والحوادث، والمواليد المختلطين في المستشفيات، أو حال الاشتباه في أطفال الأنابيب، أو عند التنازع حول مولود بسبب واقعة معينة عادية أو عقب كوارث أو حوادث، أو حال الاشتراك في وطء بشبهة أو الاغتصاب وحدوث حمل إثره([57])، وهذه السبيل هي الأكثر طرقا في ساحة القضاء لقطعية دلالتها بنسب تقترب من الجزم الذي لا سبيل للخطأ فيه إلا بالخطأ البشري، كالخطأ في أخذ العينات وجعل أحدها مكان الأخرى أو الخطأ في كيفية إجراء الخبرة([58])، أو الخطأ في أسماء أصحاب العينات.
ويمكن الاستفادة من نظام المساعدة القضائية([59])بخصوص الخبرة حـال ثبوت الموجبات متى كانت مصاريفها مرتفعة([60])، وغالبا ما تحدد المحاكم صائر الخبرة في مبلغ 3000 درهم التزاما بدورية وزارية صادرة بهذا الشأن، وبعض المحاكم تحدد أجل انجاز الخبرة في شهرين نظرا للبعد المكاني ووجود جهة وحيدة تنجز الخبرة، وأكثر المحاكم لا تحدد أجلا، بل تحيل القضية على قسم الخبرات إلى حين إنجازها وذلك بعد إيداع الصائر من قبل طالبها داخل أجل 15 يوما تحت طائلة صرف النظر عن طلبه.
وقد تكون الخبرة عبر فحص عينات من دم الشخص المدعى أبوته للتحقق من كون الابن من صلبه ومائه، وهذه المكنة أضحت مهجورة في ظل قوة وقطعية السبيل الأولى، ويعتبر امتناع المطلوب في الدعوى عن المثول بين يدي الجهة المنتدبة لإجراء الخبرة متمثلة في المعهد الملكي للدرك، أو معهد الشرطة العلمية([61])،إقرارا ضمنيا بصحة مزاعم خصمه عملا بمقتضيات الفصل 406 من قانون الالتزامات والعقود([62])، إذ لو قيل بغير ذلك لكان الأمر وسيلة للتملص من المسؤولية، ومطية لجحود وإنكار الأنساب، والتهرب من تنفيذ الأحكام التمهيدية دون جزاء رادع، ولانتفت الغاية من اللجوء إلى سدة القضاء طلبا للإنصاف ورفع المظالم وإرجاع الحقوق إلى أربابها، ذلك أن الخبرة لا يلجأ إليها قضاءً إلا مع وجود أدلة مقنعة أو قرائن منضبطة تدل على وجود شبهة ثبوت النسب وإن كانت محكمة النقض قد جنحت إلى رأي مخالف تماما معتبرة أن العدول عن المثول بين يدي الخبرة لا يعتبر إقرارا ضمنيا([63]).
رغم ما قد يعاب على المشرع من عدم وضوح الصياغة الواردة في المادة 16 من المدونة، حيث أتت الخبرة بلفظ عام دون تحديد، هل المقصود بها الخبرة الطبية أو الخبرة التقنية بمدلولها الوارد في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية؟
ووجه الإشكال أن الخبرة بمعناها المسطور في قانون المسطرة المدنية المعدودة ضمن وسائل الإثبات ، لا يمكن التعويل عليها وحدها لثبوت العلاقة الزوجية، لأن لها مدلولاً فنياً خالصاً، والزواج لا يثبت بسبل فنية كالنسب، بل له خصوصيات معينة أركانا وإثباتا([64]).
وفيما يخص الخبرة الاجتماعية أو البحث الاجتماعي فإنه لا يعتمد من لدن المحاكم لعدم جدواه، بل يستعاض عنه بالبحث المجرى من لدن المحكمة مع الزوجة والشهود، أو البحث المعهود به إلى النيابة العامة أو السلطة المحلية للوقوف على صحة مزاعم الزوجين([65])، لتبقى الخبرة العلمية السبيل الفريد المعتمد من لدن المحاكم حال المنازعة في النسب الناتج عن العلاقة الزوجية لقطعية نتائجها وحسمها في مسار ومصير النوازل وهي المقصودة أساسا بلفظ الخبرة الوارد في المادة 16 من المدونة، والمقصود بها تحديد الخبرة العلمية المعهود بها إلى مختبر علمي وليس إلى طبيب([66]).
غير أن اعتماد الخبرة وحدها فيه خطورة، وقد يترتب عنه مس محقق بالنظام العام، لإمكان التعسف في استعمالها والمطالبة بها بموجب وبافتيات وشطط، ولذلك لا يصار إليها إلا بعد الإثبات الكلي أو الجزئي بوجود بداية حجة حال المنازعة، أي بعد إثبات قيام العلاقة الزوجية، أو مظنة قيام هذه العلاقة، وبغير ذلك لا ينسب الولد للأب لأنه ولد من ماء سفاح، ولو كانت الخبرة بالبصمة الوراثية قاطعة، لأنها إنما تكون قاطعة في واقعة مادية صرفة، لابد أن تسند بغطاء شرعي يعصم أي علاقة من اعتبارها مجرد زنى محض، وتأسيسا على ذلك، اعتبر المجلس الأعلى في أحد قراراته أن: “استخلاص المحكمة عدم ثبوت النسب من خلال وثائق الملف والبحث المجرى فيه. يجعل البنوة الشرعية غير ثابتة حتى وإن اثبتت الخبرة البنوة من الناحية البيولوجية لأن الزنا والاغتصاب لا يلحق بهما النسب الشرعي، وكون الحد والنسب لا يجتمعان إلا في حالات خاصة”([67]).
ومع كل ذلك لا بد من مراعاة كون الخبرة دليلا قاطعا على صحة ادعاءات طالبها زوجة أو زوجا، ولأن القول بخلاف ذلك يفضي إلى تملص الزوج من مسؤوليته الأبوية فالخبرة يثبت بها النسب لا الزواج، وقد تكون من بين القرائن المعتمدة التي تعضد صحة قيام الزوجية بين طرفي الادّعاء، فيكون ثبوت النسب مظنة على قيام علاقة زوجية أفضت إليه.
فالخبرة إذن لا يلجأ إليها إلا بشرطين، أولهما إثبات المدعي زوجة كان أو ابنا لادعاءاته، وثانيهما وجود منازعة في النسب من لدن المدعى عليه، وأحيانا لمجرد تشككه في النسب المدعى به. ومتى انتهى تقرير الخبرة إلى ثبوت نسب الولد للخصم المدعى عليه، فإن الزواج والنسب يثبتان قولا واحدا، لأن الطرف المدعي أثبت ادعاءاته والمدعى عليه لم يدحض ذلك بدليل مقبول. فإذا كان الأصل أن ثبوت النسب لا يترتب عليه ثبوت الزواج، وثبوت الزواج يترتب عليه ثبوت النسب، متى ولد المولود بعد ستة أشهر من الدخول بالزوجة، فإن ما سقناه هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة المذكورة([68]).
واللجوء إلى الخبرة بالبصمة الوراثية لابد أن تحكمه ضوابط زيادة في الاستيثاق وهي:
ألا يتم إجراء أي تحليل للحامض النووي إلا بأمر قضائي واضح، فإن الاحتكام للقضاء فضلا عن أثره الملزم يوجب للنفس سكونا.
ألا يستعان سوى بالمختبرات العلمية التابعة للدولة شرط استيفائها للمعايير العلمية المتفق عليها دوليا.
أن يتحرى إجراء تحليلين على الأقل، سواء من لدن نفس الجهة أو من جهتين مختلفتين زيادة في التحري.
الحرص على توثيق جميع إجراءات الخبرة، ابتداءً من أخذ العينات، وانتهاءً بالخلوص إلى النتيجة النهائية، حرصا على سلامة وصحة الخلاصات والنتائج، مع حفظ كل ذلك في ملف القضية للرجوع إليه عند الحاجة.
مراعاة احتمال الخطأ المادي البشري أو نتيجة لعوامل التلوث ولو بنسب ضئيلة، مع تحميل مدعي ذلك تبعة الإثبات .
3- القرائن:
القرائن لغة المصاحبة واقتران شيئين ببعضهما([69])، وفي الاصطلاح الفقهي هي عند الجرجاني أمر يشير إلى المطلوب([70]).والمقصود بها الدلائل والأمارات التي تدل على الحق([71])،والمراد بها أساسا في مادة الإثبات القرائن القوية المنضبطة التي لا يغشيها ظن أو يكتنفها احتمال، وهي في دعاوى الثبوت كل ما يدل على قيام العلاقة الزوجية بين الخصوم، ومن هذه القرائن الصور الفوتوغرافية والتسجيلات الرقمية التي تدل على وجود علاقة زوجية، كصور الزفاف وتسجيلاته، أو صور تجمع الطرفين تدل على وجود علاقة خاصة بينهما تكون مظنة على قيام علاقة زوجية([72]).
ومن ذلك أيضا الإقرارات الخطية الصادرة عن الخصم والتي تدل بصفة صريحة أو ضمنية على اعترافه بالعلاقة الزوجية المدعاة، أو على قيام العلاقة المذكورة، أو أبوته للأبناء المولودين على فراش الزوجية، ويدخل في عداد ذلك أيضا تقديم طلب ثبوت الزوجية أو التعدد والتراجع عنه، أو طلب تسجيل الابن في الحالة المدنية أو تسجيله فعلا فيها، وهي قرينة أحج من غيرها كما دأب على تكريسه العمل القضائي([73])، وكذا التواجد مع طالبة الثبوت في مكان الولادة، والإشراف من لدن الخصم على عقيقة الابن المزداد والتواجد مع الطالبة في مكان لا يتواجد بمثله إلا الأزواج، والظهور العلني بمظهر الأزواج أمام عائلتيهما أو الناس كافة.
ويعمل بالقرائن القوية المنضبطة ويقضي وفقها وبمقتضاها سواء إفرادا، أو متى تعضدت بما يعززها من الأدلة، أو جاءت تكملة لبداية حجة أو حجة ناقصة للمدعي، وقد كانت محكمة النقض في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة تدخل هذه القرائن في عداد الصفة الاستثنائية ليس إلا، كازدياد الأولاد على فراش أبويهما والإشراف على دراستهم واستصدار شواهد مدرسية لهم وإقامة حفلات بمناسبة نجاحهم([74]).
والسكوت لا يعد قرينة ولكنه في بعض السياقات المعينة قد يغدو إقرارا ضمنيا متى دلّ على القبول، وهكذا اعتبرت محكمة النقض المصرية أن سكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد ولادته يعد إقرارا بأن الولد منه([75]).
4- الشهادة العلمية للعدول:
المراد بها شهادة العدول في واقعة يعلمونها معاينة أو سماعا أو اطلاعا على أحوال المشهود له أو عليه([76])، وتكون بإذن من القاضي المكلف بالتوثيق وَتُضَّمَنُ في رسم عدلي([77])، وترجح على شهادة اللفيف حال التعارض، ويجوز التعويل عليها وحدها للقول بثبوت الزوجية دون حاجة لمثول العدول بين يدي هيئة الحكم لإعادة أداء الشهادة أمامها، وإلا أضحت شهادة عادية وما احتيج إلى تضمينها في وثيقة خاصة([78]). والرسم العدلي الذي تضمن به هذه الشهادة يُعدّ وثيقة رسمية لا يجوز رميها إلا بالزور وذلك في الوقائع التي شهد بها العدول عملا بمقتضيات الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود.
5- بينة السماع:
البينة لغة الحجة الواضحة([79]). وفي الاصطلاح عرفها ابن فرحون بقوله: “البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره”([80])، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الشهود بالبيّنة لوقوع البيان بقولهم وارتفاع الإشكال بشهادتهم([81]). وخصت في الاصطلاح الفقهي بالشاهدين، أو الشاهد واليمين، لكون الشهادة كانت في الماضي هي الدليل الغالب.
وبينة السماع هي كل موجب لفيفي يشهد شهوده بقيام الزوجية وذيوع خبرها وشيوعه بينهم، تأسيسا على السماع الفاشي الذائع بين الناس، وهي عند ابن عرفة: “لقب لما يصرح الشاهد فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين.”([82]).
فالأصل المحكم أن يشهد الشاهد عن معاينة وتثبت، لقول الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام لسائله: “إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع”.([83])وذلك على خلاف معلوم في نصاب الشهادة بحسب أهميتها، لكن جُوِّز على سبيل الاستثناء الاكتفاء بشهادة السماع لإثبات وقائع معينة، لأن في استلزام المعاينة والمشاهدة حرجاً ومشقة وتعطيلاً للأحكام وتكليفاً بما لا يطاق. وهذه الشهادة على ثلاثة مراتب([84])، الأولى: تفيد العلم وهي المعبر عنها بالتواتر، كالسماع بأن مكة موجودة، وتكون بمنزلة الشهادة بالرؤية وغيرها مما يفيد العلم. والثانية: شهادة الاستفاضة، وهي التي تفيد ظنا قويا يقرب من القطع، ومنه رؤية الهلال رؤية مستفيضة من الجم الغفير من أهل البلد، والثالثة: شهادة السماع، وهي المقصودة عند إطلاق لفظ هذه الشهادة عليها، وهي التي تفيد ظنا دون شهادة الاستفاضة، وإنما أجيزت للضرورة استحسانا واستثناءً من الأصل في تحمل الشهادة([85]).وقد جوّز المالكية التعويل عليها دون حضور ومعاينة المشهود به في إحدى وعشرين موضعا يجوز فيها الركون إلى الشهادة بالتسامع، وقد جمعها ابن فرحون في نظمه بقوله:
أيا سائلي عمـا ينفـذ حكمـه
ويثبت سمعا دون علم بأصله
ففي العـزل والتجريح والكفر بعده
وهي سفه أو ضد ذلك كلــه
وفي البيع والأحباس والصدقات مع
رضاع وخلـع ونكـاح وحله
وفي قسمــة أو نسبـة وولادة
وموت وحمـل والمقـر بأهله
فقد كملت عشرين من بعـد واحد
تدل علـى حفظ الفقيه ونبله
وحصرها الحنفية في أمور أربعة وهي : النكاح والنسب والموت وولاية القاضي، معللين ذلك بأنها أمور
لا يطلع عليها إلا خواص الناس، ففي اشتراط غير التسامع مشقة وكَبَدًا، ثم إن الناس دأبوا على ذلك واستحسنوه، فإن النسب يشتهر بالتهنئة والموت بالتعزية، والنكاح بالشهود والوليمة، والقضاء بقراءة المنشور، فنزلت الشهرة منزلة العيان في إفادة العلم([86])، فسبب النسب الولادة ولا يحضرها إلا القابلة، وسبب القضاء تقليد السلطان ولا يعاين ذلك إلا خواص الناس، وكذلك الوفاة والنكاح لا يحضره إلا أخص القرابة.
وحتى يعمل بشهادة السماع يشترط فيها شروطا معينة، وهي الاستفاضة، ومعناها أن يكون المنقول منه غير معين ولا محضور، وثانيهما أن يقول الشهود عند الأداء سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل وغيرهم وإلا لم تصح، وثالثها السلامة من الريبة المؤدية إلى تغليط الشاهد أو تكذيبه، ورابعها أن يكون المشهود به فيما تقادم عهده وطال زمانه، فإن لم يكن كذلك لم يفتقر إلى شهادة السماع، لأن قصر الزمان مظنة على وجود شهادة القطع، إلا أن يتعذر حصول ذلك، وخامسها كثرة عدد الشهود، فلا يقتصر على اثنين فإن لم يوجد غيرهما دل ذلك على عدم الذيوع والانتشار، وسادسها العدالة في الناقلين فلا تكفي الكثرة ما لم تبلغ حد التواتر، وسابعها أن يكون المشهود فيه من شأنه الاشتهار وألا يختص بمعرفته بعض دون بعض كما في الأنساب والأنكحة([87]).
وقد أجاز المشرع المغربي الأخذ بشهادة السماع في موضعين، أولهما في ثبوت النسب عملا بمقتضيات المادة 158 من المدونة، وثانيهما في ثبوت الزواج حسبما تجيزه المادة 16 منها([88]).
وهكذا يسوغ للمحكمة تأسيس حكمها بثبوت الزواج بصفة فريدة على بَيِّنَة السماع اللفيفية، تمسكا بمقتضيات المادة 16 من المدونة، دون حاجة إلى إعادة الاستماع للشهود أمام المحكمة بعد أدائهم اليمين القانونية، لإمكان وفاة أحد الشهود أو غيبته، ولأن القول بغير ذلك فيه إفراغ لبينة السماع من محتواها، و لغدت بذلك شهادة عادية. لكن الأحوط إعادة الاستماع لشهود البَيِّنة إما كليا أو جزئيا حال التشكك أو عند كل منازعة، طالما أن المشرع ألزم الشهود بأداء شهادتهم أمام المحكمة وليس أمام أي جهة أخرى، خاصة حال وجود منازعة جدية أو وجود حمل أو أبناء.
6- شهادة الشهود:
الشهادة لغة مصدر شهد، قال صاحب اللسان: “الشهادة خبر قاطع.”([89]) وشهد الشاهد عند الحاكم بيّن ما يعلمه وأظهره، فهو شاهد وشهيد وأصل الشهادة الإخبار بما شاهده، والشاهد عند الفقهاء هو الذي لا يعلم صاحب الحق أن له معه شهادة، للاحتراز من شهادة مجاملة أو كيد، فيقال قوم يشهدون ولا يستشهدون أي لا يطلبون للشهادة والشاهد في مطلق الأحوال إما أن يحضر الواقعة محل الشهادة، فتوسم شهادته بأنها شهادة معاينة، أو لا يحضرها وإنما ينبئه عنها غيره ممن حضرها وتسمى شهادته عندئذ بأنها شهادة سماع، والأولى أحج لاستنادها على مستند العلم الخاص.
وفي الاصطلاح الفقهي، عرفها ابن عرفة المالكي بأنها: “قول هو بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكم بمقتضاه إن عدل قائله مع تعدده أو حلف طالبه.”([90])
فالشهادة إذن هي تعبير وترجمة للواقعة محل الشهادة([91])، تؤكد ثبوتها دون إحالة الحق باطلا أو الباطل حقا، شرط مطابقتها للواقعة المادية، مصداقا لقول الحق سبحانه: “وما شهدنا إلا بما علمنا”.([92])
وهذا الضرب من وسائل الإثبات يعد السبيل الإثبات ي الأكثر طرقا في دعوى ثبوت الزوجية، لسهولته ووقوع الزواج في الأغلب الأعم أمام الشهود الحاضرين في مجلس العقد. وقد اختلف في كثيرٍ من متعلقات هذه السبيل، سواء تعلق الأمر بمستند العلم المشترط، أو بالنِّصاب العددي اللازم، أو بجواز تجريح الشهود بما يتم به التجريح في الأحوال العادية، أو وجوب إعادة الاستماع إلى شهود اللفيف أمام المحكمة. فبالنسبة للشهود الذين يتعين قبول شهادتهم تلقيّا وأداءً، فقد اختلف فقها وقضاء في مدى وجوب توفرهم على المستند الخاص أو العام ليس إلا، بمعنى هل يكتفي بالشهود الذين حضروا واقعة الزواج، أو فقط الذين علموا بها اتصالا لم يقطعه طلاق أو تطليق، تعويلا على المخالطة والمجاورة والاطلاع؟ أي الشهادة اللاحقة على إبرام عقد الزواج، وأرى أنه لا مانع من التعويل على النوع الثاني من الشهود تيسيرا على المتقاضين طالبي الثبوت، ما لم تقع المجادلة في ذلك، لكن يتحرى النوع الأول ما أمكن ويرجح على الثاني حال التعارض([93])، وهو ما جنحت إليه محكمة النقض حديثا عندما عدلت عن اتجاه سابق كان يتشدد في هذا الأمر.
كما اختلف أيضا في قبول شهادة الأقارب لإثبات العلاقة الزوجية، فقيل بوجوب الاستبعاد تمسكا بمقتضيات الفصل 76من قانون المسطرة المدنية الواضحة في وجوب إعلام الشاهد بتحديد علاقته بالمشهود له أو عليه، واستبعاده لقادح القرابة، لاحتمال نصرة القريب الشاهد للقريب المشهود له حَمِّيةً ظالما كان أو مظلوما.
وقيل بإمكان الاعتماد عليها تمسكا بمقتضيات المادة 16 من المدونة التي لم تنص على قيود وشكليات معينة، وأيضا مراعاة لخصوصية الإثبات في هذا النوع من العقود الذي لا يحضر مجلسه إلا أخص القرابة. فهل يؤدون اليمين حال الاعتماد، أم يعفون منها؟ وكيف يعفون والحال أن شهادتهم ليست على سبيل الاستئناس، بل معتمدة في أكثر دعاوى الثبوت؟! ولعلي أجنح إلى الرأي الثاني لأن التكليف بغير الشهود الأقارب هو تكليف بغير مقدور، إلا أن يحضر غيرهم مجلس العقد فيعتمدون اتفاقا، مع وجوب أداء الشهود اليمين في جميع الأحوال، ولو كانوا من أخص القرابة، حتى يدركوا عظم مقام الشهادة وأثرها، سيما في ثبوت الزواج والنسب.
وفيما يتعلق بنصاب الشهود المعتبر فإنه لا مانع من الاقتصار على شهادة شاهدين حال الاتفاق، واثني عشر شاهدا، وهو نصاب اللفيف المتمالئ عليه حال المنازعة أو وفاة أحد الزوجين، وتشترط فيهم الذكورة والعدالة الظاهرة والرشد عند الأداء لا عند التلقي([94]). فتقدير العدد المستلزم قلة وكثرة بحسب سياق الشهادة وأهميتها، ليس خاليا من الفوائد، فالاستكثار من الشهود في أحوال معينة مطلوب لأنه يحقق طمأنينة القلب بسلامة وصدق الشهادة، لأن إخبار العدد أظهر من إخبار الواحد، إذ في العدد معنى التوكيد([95])، فاشتراط نصاب عددي معين في بعض الشهادات كما في الترشيد والتسفيه فيه صيانة للحقوق من الضياع، لكن التيسير في بعض الشهادات مطلوب، وهذا التيسير في النصاب العددي كان من بين التوصيات التي انتهى إليها التقرير الختامي للأيام الدراسية التي نظمتها وزارة العدل بحضور رؤساء أقسام الأسرة بمختلف محاكم المملكة بتاريخ 4 و5 أكتوبر و20 و21 دجنبر 2004 حيث جاء فيها: “من الحقوق التي لابد فيها من شاهدين حسب المذهب المالكي، الزواج، واستنادا إلى المادة 400 من المدونة التي تحيل على هذا المذهب فيما لم يرد به نص فيها، فقد أسفرت المناقشة على الأخذ بهذا المقتضى في دعوى ثبوت الزوجية علما بأنه كلما كثر الشهود كان أفضل نزوعا نحو الأحوط”([96]).
فيما يخص شهادة اللفيف([97])، فإنه، وإن كان يعتد بها ويعمل وفقها وبمقتضاها إثباتا لسائر الوقائع المادية، إلا ما يتطلب شكلية معينة للإثبات وفق اجتهاد محكمة النقض المستقر الثابت([98])، إلا أني أجنح إلى وجوب إعادة الاستماع لشهود اللفيف أمام المحكمة بعد أدائهم اليمين القانونية لأن غاية المشرع من وراء سنّه مقتضيات المادة 16 من المدونة تفادي مساوئ ومثالب اللفيف بأداء الشهود شهادتهم أمام المحكمة للاستيثاق والتثبت. ثم إن العبرة بالإجراءات المباشرة من لدن المحكمة دون سواها بغية التحقق من استيفاء سائر الإجراءات الشكلية والشروط الموضوعية لهذه الشهادة السهلة الإنشاء تحت الطلب، فأصبحت ترمى بالريبة والتشكك وتقدح بالزور والمجاملة، وأضحت طائفة من الشهود تحترف أداء هذه الشهادة جهارا نهارا نظير مقابل مادي مبني على المشاحة والمفاصلة يكثر أو يقل بحسب أهمية الشهادة، دون وجل أو توجس من جزاء دنيوي مانع أو أخروي رادع.
والنكاح كما النسب لا يثبت عند السادة المالكية وجمهور الفقهاء سوى بشهادة رجلين دون شهادة رجل وامرأتين خلاف الأحناف.([99])كما لا يثبت بشهادة شاهد ويمين.([100])
قال صاحب التبصرة: “لا يجزئ غيرهما-يريد الشاهدين- وذلك في النكاح والرجعة والطلاق والخلع… والنسب … فهذه الأحكام لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين حرين عدلين.”([101]) والسبب في ذلك أن شهادة رجل وامرأتين لا تكون مقبولة إلا في الأموال الخاصة دون حقوق الأبدان والنكاح والدماء والعتق والجراح وما شاكلها. واستدل الجمهور بقوله تعالى: “وأشهدوا ذوي عدل منكم”،([102]) فقد دلت الآية على أن شهادة الرجل والمرأتين لا تعتمد إلا في الأموال دون غيرها([103]). ولعل مذهب الحنفية جدير بالاتباع والاعتماد لاستناده لطائفة من المسوغات، منه:
ما روي عن خديجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة([104]) ومعلوم أن الولادة ليست بمال أو ما يؤول إلى مال، فدل ذلك على أن شهادة النساء مقبولة بإطلاق.
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل”([105])، فلم يجعلها مخصوصة بحال من الأحوال.
ما روي عن الفاروق عمر أنه جوّز شهادة رجل وامرأتين في النكاح كما روي عنه أنه اعتمدها في الطلاق وروي عن ابن عمر ذلك أيضا.
أن قوله تعالى: “واشهدوا ذوي عدل منكم”([106])، عام في الذكور والإناث، وقد عرف في الشرع أن شهادة الرجل لا يقوم مقامها إلا شهادة امرأتين، فيكون المقصود بذوي عدل، رجلين أو ما يقوم مقامها من رجل وامرأتين، وما يدل على ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال لجنابه الشريف هذا غصبني أرضي “شاهداك أو يمينه”،([107]) فلو أحضر المدعي شاهدا ذكرا وامرأتين لقبل منه ذلك وحكم له طبق دعواه([108]).
وهي أدلة نقلية تنسجم مع المنطق العقلي ومقاصد الشريعة الغرّاء في التسوية بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما تقتضيه خصوصية كل واحد منهما، فما الحكمة من التمييز بين الرجال والنساء في الشهادة تحملا أو أداءً؟ وهل ثبت وفق حقائق علمية قاطعة ما يدعو لاستبعاد شهادة النساء في مواضيع معينة لقادح معين، نسيانا أو غلطا أو توهما؟ وما الغاية من التمييز في موضوع الشهادة بين الأموال وغيرها، إذا كانت مظنة الاستبعاد أو زيادة النصاب واحدة؟ ونسبة هذا الأمر للشرع فيه تلبيس، وإبعاده عن دائرة المعقولات فيه عسف وافتيات. فقصر الشهود المقبولين لإثبات الزواج على الرجال دون النساء إنما يرتبط بأعراف محكمة تراعي حضور الرجال مجلس عقد الزواج، فظروف التلقي أثرت في تحديد نوع شخوص الأداء ولا تَدخُّل لأحكام الشرع أو منطق العقل في هذا التمييز، وأن تَظِّل المرأة وتذكرها أخرى كما جاء في الاستعمال القرآني([109]) ليس عام في جميع النساء. ومعلوم أن القانون المغربي لا يمنع اعتماد شهادة النساء في الجرائم إثباتا ونفيا، فكيف لا تعتمد في الأنكحة، وفي مطلق التصرفات والوقائع المادية؟!، وحتى مع القول بوجود تمييز أساسه نصوص الشرع، فإن هذا الأمر يدخل في باب التدرج في التشريع، إذ لم يكن مستساغا عقب ظهور الاسلام قبول شهادة النساء في مجتمع ذكوري خالص لا يقر للمرأة بأي حق، وكانت أغلب النساء من ربات البيوت ومن ذوات الحجاب لا يبرحن عتبات المنزل، فلا يشهدن وقائع ولا يعاين تصرفات، فاقتضى الأمر استبعاد شهادتهن تماما في زمرة معينة من المواضيع وقصرها على مواضيع أخرى، مع مضاعفة النصاب العددي مقارنة بالرجل، وهي مناطات وعلل انتفت في زمننا هذا، فيكون جديرا بنا قبول شهادة النساء دون تحفظ أو إقصاء بالنوع، ونسبته للشرع زورا وبهتانا. ولعل ذلك ما حمل المشرع على تدارك هذا الأمر في مشروع قانون اللفيف بقبوله بمقتضى المادة العاشرة منه اعتماد شهادة النساء في سائر اللفيفات دون تثريب أو محاذير عددية أو محترزات موضوعية، مسويا بين الرجال والنساء في الشهادة نصابا وموضوعا([110])، ورافعا وصاية وحجرا على النساء ومظلمة ظاهرة واقصاء بالنوع وقع عليهن ردحا طويلا من الزمن، ومرجعا بذلك الأمور إلى نصابها الشرعي.
7- اليمين:
اليمين لغة واصطلاحا المقصود بها الحِلف على صدق ادعاءات من توجهت إليه اليمين([111]). وفيما يخص جدوى هذه السبيل الإثبات ية في موضوع ثبوت الزوجية، يثار التساؤل حول مدى وجوب أداء الزوجين اليمين حال اعتماد إقرارهما أو اعتماد شهادة الشهود، وهل هي يمين متممة أو شرعية؟ وهل على المدعى عليه في دعوى الثبوت أداء يمين الإنكار حال عجز خصمه المدعي عن إثبات مدعاه؟ وهنا قعّد الفقهاء قاعدة حاكمة مفادها أنه كل ما يحتاج إلى شهادة عدلين لا يحتاج إلى يمين، ويدخل في عداد ذلك الزواج والطلاق وما يؤول إليها كالنسب، فكل ما يحتاج إلى شهادة عدل أو ستة شهود يفتقر إلى اليمين، ويسري ذلك على الأموال وما يؤول إليها، كما في مطالبة الزوجة بمهرها وتوجه هذه اليمين من الخصوم والقاضي.
فكما لا يُقبل الإقرار في دعوى ثبوت الزوجية لا تقبل اليمين فيها أيضا، أولا لأن دعوى الزواج لا تدخل في عداد الدعاوى المالية التي يسوغ توجيه اليمين فيها، وثانيا لأن كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين لا تقبل اليمين فيها، سواء أكانت يمين متممة حال عدم التنازع، أو يمين إنكار على المنكر متى لم يُقم مدعي الزوجية بينة على صدق قوله. قال خليل مبينا ذلك: “إذا تنازعا في الزوجية، تَثَبَتْ ببينة ولو بالسماع بالدف والدخان، وإلا فلا يمين ولو أقام المدعي شاهدا وحلفت معه.”([112])
ووجه عدم قبول اليمين المتممة احتياج الزواج للإشهاد عليه، ولو كان غيرها مقبولا لقبل الإقرار، وهو بلا خلاف أحج من اليمين وأيقن منها لصدوره عن شخص المقر.
وفيما يتعلق باليمين المؤداة من لدن شهود الإثبات أو النفي في دعوى ثبوت الزوجية، أرى أنه وأمام ضعف الوازع الديني في زمننا هذا لدى بعض الشهود، فإنه يلزم التروي قبل أداء اليمين ومراعاة قيودها الإجرائية والموضوعية وضوابطها المرعية وموجبات التجريح وإمكان تغليظها زمانا ومكانا حال اللزوم، للاستيثاق، وتحسيسا للشهود بعظم موضوع ومقام الشهادة وأثرها الهام في ساحة الخصومة الأسرية بثبوت الزواج وترتيب آثاره المختلفة خصوصا النسب أو منع كل ذلك.
ومعلوم أنه لا يقبل توجيه اليمين الحاسمة من الخصم لخصمه في دعوى الثبوت لأن اليمين لا تأثير لها في هذه الدعوى المتوقفة على وسائل إثبات أخرى تحقق الاشهاد على الزواج المتطلب([113])——————————————————
[37]) تأسيسا على ذلك جاء في قرار للمجلس الأعلى: “المحكمة لما قضت بثبوت الزوجية اعتمادا على الوثائق المذكورة وعلى شهادة الشاهدين المستمع لهما من طرف المحكمة تكون قد بنت قضاءها على أساس وبرهن في حاجة لإجراء بحث ما دامت توفرت لديها العناصر الكافية للبت في النازلة”، قرار عدد 322 وتاريخ 29/4/2014 ملف شرعي عدد 396/2/1/2013، نشرة قرارات محكمة النقض، غرفة الأحوال الشخصية والميراث، م س، ص: 31 و32.
[38]) أي المخالطة والمجاورة والاطلاع وليس حضور مجلس عقد الزواج، وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى مجيزا اعتماد المستند العام لإثبات الزوجية: “أن شهادة الشهود الذي حضر بعضهم للزفاف والعقيقة كاف للقول بصحة الزوجية”. فالمجلس الأعلى لم يشرط حضورهم جميعا مجلس العقد، قرار عدد 339 وتاريخ 23/4/2014 ملف شرعي عدد 611/2/1/2013، نشرة قرارات محكمة النقض، غرفة الأحوال الشخصية ، م س، ص: 33.
[39]) معلوم أن للقرائن تأثير واعتبار في الأحكام، وهذا الأمر له شواهد معلومة في الأبواب الفقهية، ومن شواهد ذلك قول المالكية بجواز شهادة الصبيان فيما يقع بيْنهم من الجراح والقتل من باب قياس المصلحة، فهي لا تعد في حقيقتها من قبيل الشهادة المُتعارف عليْها، وإنما من قبيل العمل بقرائن الأحوال التي تدعو الحاجة إلى الأخذ بها، والعمل بمُقتضاها حماية للأطفال من الاعتداءات التي قد يتعرضون لها ويصعب إثباتها إذا ما أخضعت لقواعد الإثبات العادي. أنظر لمزيد تفصيل: ابن رشد الحفيد في بداية المُجتهد ونهاية المُقتصد، مطبعة الاستقامة بالقاهرة، سنة 1371 ـ 1952، ج2 ص:452. والإمام ابن قيم الجوزية: الطرق الحُكمية، مطبعة السعادة بالقاهرة ص :171 وما بعدها. وأبو حامد الغزالي: المُسْتصفى، ط 1، المطبعة الأميرية بولاق سنة 1335 هـ، ص :18.
[40]) شهادة السماع في الاصطلاح الفقهي هي إخبار الشاهد أمام مجلس القضاء أنه سمع سماعا فاشيا بأن فلان إبن أو أب فلان، وهي عاملة في النسب ومنتجة في إثباته، قال المتحف:
وأعملت شهـادة السمــــــاع * في الحمل والنكـاح والرضـاع.
للاستفاضة أكثر في الموضوع: يراجع الزرقاني على خليل، م س، المجلد 4، ص: 188.
[41]) أحمد المقري الفيومي، المصباح المنير، الجزء 1، ص: 681.
[42]) الشريف على بن محمد الجرجاني، التعريفات، مطبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، طبعة أولى 1403ﻫ 1983م، ص: 50.
[43]) تحقيقا لتلك الغاية يعلم الناس عامهم و خاصهم بيوم الزفاف، و يحضرون مراسمه و يشاركون فيها وفق أعراف مُحكَّمة تختلف من مكان إلى آخر، ولكنها تتفق حول غاية الإعلام و مقصد الإشهار.
[44]) هذا الأمر لم يبتدعه مشرع المدونة ولم يتفرد به، بل استقاه من مقتضيات الفقه الإسلامي التي لم تكن تجعل الإقرار وسيلة مقبولة لإثبات الزواج للعلل المساقة أعلاه.
ولعل إفراط الفقهاء في وضع ضوابط محددة لكل من المدعي والمدعى عليه، إنما كانت منعا للصورية والتحايل الذي قد يعمد إليه الخصوم، ولذلك وضعت محاذير إجرائية متعددة، فقد يتفق طرفان على التداعي بصفة صورية، فيقر الخصم المدعى عليه بمزاعم المدعي، فيقضى له طبق دعواه، ليأخذا معا مال شخص ثالث تحايلا، رغم أنه لم يمثل في الدعوى ولم يدافع عن مصالحه، بل حل شخص آخر مكانه تحايلا وتدليسا، فيجابه بإجراءات التنفيذ، ويغدو من الصعب عليه إثبات تعرضه للتحايل وإثبات عكس ما ورد في الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به ومحضر الجلسات والمستندات الرسمية التي تثبت حضور صاحب الحق وإقراره بمزاعم خصمه، وهو أمر يلزم المحكمة التحقق من أطراف الدعوى وإدلائهم بحجج مثبتة لمزاعمهم وعدم الاقتصار على الإقرار، تجنبا لأخذ مال شخص ثالث.
[45]) للوقوف على شواهد عملية ينظر: “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”، طبعة دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة 1403 هـ 1983 م، ج 2 ص: 4.
[46]) قرار عدد 154 وتاريخ 14/3/2007 ملف شرعي عدد 582/2/1/2005 غير منشور.
[47]) إن الإقرار باعتباره حجة كاملة، يكون مستغنيا عن غيره من أدلة الإثبات، ولأجله وسم بكونه سيّد الأدلة، لصدوره من شخص المقر وهو صاحب الحق، فكان الإقرار أحج من غيره لتعبيره عن الحقيقة الواقعية التي يدركها المقر أكثر من غيره كالشاهد، فالحق المقر به سواء كان تصرفا قانونيا أو واقعة قانونية يكون في غير حاجة إلى أي إثبات إضافي. عادل حاميدي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية، القواعد المتعلقة بالإقرار، م س، من ص: 144 إلى 167.
[48]) قرار عدد 1132 وتاريخ 20/10/1992 ملف رقم 5183/92 أورده ذ إدريس بلمحجوب في مؤلفه: “الاجتهاد القضائي في مدونة الأحوال الشخصية”، ط 1 الرباط 1995 ص: 11.
وهو ما تزكيه فتوى للعلامة المهدي الوزاني والتي جاء فيها:”لا تثبت الزوجية بالاقرار في الحضريين وإنما تثبت بالإقرار في الطارئين”. النوازل الصغرى الموسومة بالمنح السامية في النوازل الفقهية، نشر وزارة الأوقاف، مطبعة فضالة المغرب 1992 ج 2 ص: 9 وعقبها.
[49]) الخبرة لغة: العلم بالشيء، والخبير من يخبر الشيء بعلمه، لسان العرب عادة خبر 2/1090، وهي في الاصطلاح المعرفة ببواطن الأمور. سعدي أبو جيب، “القاموس الفقهي لغة واصطلاحا”، دار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الثانية 1408 هـ 1988م ص: 112.
[50]) عبد العزيز حضري، “القانون القضائي الخاص، التنظيم القضائي والاختصاص وفقا لتعديل 1997″، الدعوى والمساطر الخاصة، الأحكام وطرق الطعن، مطبعة الجسور، وجدة، الطبعة الثانية 2002 ص: 208.
[51]) الخبير رجل علم أو فن أو تقنيات يمد يد المساعدة إلى القضاء في الوقت الذي لا يستطيع فيه القاضي، ولوحده، فهم جوانب علمية أو فنية أو تقنية مطروحة عليه في شكل نزاع ويتوقف عليها الفصل في الدعوى. وما قيل عن الخبير يصدق بالنسبة للترجمان عندما يتعلق الأمر مثلا إما بوثيقة مكتوبة بلغة أجنبية أو بشخص ماثل أمام المحكمة يتكلم بلغة يستعصي على المحكمة فهمها. والخبراء عموما، مثلهم في ذلك مثل التراجمة، فقد صنفهم المشرع ضمن مساعدي القضاء، وفي هذا الصدد، نصت المادة الأولى من القانون 00-45 المعتبر قانون الخبراء القضائيين:”يعتبر الخبراء القضائيين من مساعدي القضاء ويمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفي النصوص الصادرة تطبيقا له”. ونصت المادة الأولى من القانون 00-50 بشان التراجمة المقبولين لدى المحاكم على ذات الأمر معتبرة التراجمة هم كذلك من مساعدي القضاء. للوقوف على دور الخبراء تفصيلا يراجع:
محمد الكشبور، “إصلاح القضاء من خلال إصلاح محيطه”. ندوة حول بناء دولة الحق بضمان سيادة القانون في الذكرى الأولى للخطاب الملكي ليوم فاتح مارس 2002، وزارة العدل، المعهد العالي للقضاء، سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية 2، 2003، ص: 142 و144 و145.
[52]) لهذه الغاية تحديدا تم سلب الخبراء سلطة إجراء الصلح مع الخصوم بمقتضى التعديل الذي طال مقتضيات الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية.
[53]) تبنى هذا الرأي عديد من القامات الفقهية والقضائية، أبرزهم ذ إبراهيم بحماني رئيس غرفة الأحوال الشخصية والميراث بمحكمة النقض. حيث اعتبر أن الخبرة التي أضافتها الفقرة الثانية من المادة 16 من المدونة لا مبرر لها وإنما وقع لها خلط بين إثبات الزوجية وإثبات النسب. تعليق على قرار المجلس الأعلى عدد 511 وتاريخ 13/9/2006 ملف شرعي عدد 581/2/1/2005، عبد العزيز توفيق: “قضاء محكمة النقض في مدونة الأسرة”، م. س، ص: 41.
[54]) وجه القدح في الخبرات المنجزة تلقائيا من لدن الأطراف في إطار الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة بناء على مقتضيات الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، أن الخبرات المذكورة لم تنجز وفق تنصيصات حكم تمهيدي واضح يحدد عناصرها و تجلياتها والأسئلة التقنية أو الفنية التي ستتولى الخبرة الإجابة عنها، كما أنها لم تكن تواجهية إذ لم تعرض على الأطراف للتعقيب عليها والقدح فيها عند اللزوم.
[55]) الدكتور محمد الأشقر،”إثبات النسب بالبصمة الوراثية”، عرض ضمن أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية، مناقشات جلسة المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي عن البصمة الوراثية في دورته 15.
[56]) لعل بناء النتائج على هذه التقنية يورث اطمئنانا نفسيا بسلامة وصدق ما انتسب إليه، لأنه في حالة الشك يتم زيادة الأحماض الأمينية، فتزداد بالتبع عدد الصفات الوراثية.
[57]) من أشهر القضايا التي وقع فيها التعويل على تقنية البصمة الوراثية قضية بيل كلنتون الرئيس الأمريكي السابق مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، حيث لم يعتذر الرئيس للشعب الأمريكي إلا بعد أن أظهرت التقنية المذكورة وجود بصمته الوراثية المأخوذة من المني على فستان لوينسكي.
[58]) إمكانية الخطأ البشري واردة ولها عدة تجليات ومظاهر، منها جعل عيّنة مكان أخرى، ومن ثمة الخلوص إلى نتيجة كون الولد ليس من صلب المطلوب في دعوى النسب، أو إرسال عينة وإرجاع النتيجة المتعلقة بها للمحكمة مكان أخرى، أو الخطأ في أسماء أصحاب العينات بجعل اسم بدل آخر.
[59]) تعرف المساعدة القضائية بأنها:”الإعانة التي تمنحها الدولة بحلولها محل المستفيد في أداء الصوائر والمصاريف، التي يمكن الحكم عليه بها من قبل محكمة وطنية أو أجنبية عملا بالمعاهدات “.
– عبد القادر مساعد، ” القضاء الإداري المغربي ضمانة للحقوق الحريات”. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، أكدال الرباط الموسوم الجامعي: 2000-2001، ص: 510.
وحتى تتأتى الاستفادة من المساعدة القضائية، يتحتم على المعني توجيه طلب إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية التي تنظر في النزاع الذي يعد طالب المساعدة أحد طرفيه.
– أما إذا كان النزاع معروضا على الاستئناف أو النقض، فإن الطلب يقدم في الحالة الأولى أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف وفي الثانية أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
– وإذا رفض طلب المساعدة القضائية من طرف مكتب المساعدة بالمحكمة الابتدائية، أمكن استئنافه من طرف النيابة العامة أو الطالب، داخل أجل 15 يوما ابتداء من تاريخ صدور قرار الرفض بالنسبة للنيابة العامة ومن تاريخ التبليغ بالنسبة للطالب.
وينظر في هذا الاستئناف مكتب المساعدة القضائية بمحكمة الاستئناف الذي يصدر قراره في الموضوع يكون قابلا للنقض داخل نفس الأجل المذكور.
[60]) جاء في التقرير الختامي للأيام الدراسية، التي نظمتها وزارة العدل حول الإشكاليات العملية في مجال قضاء الأسرة والحلول الملائمة لها في مارس 2005: “أنه يمكن الاستجابة لطلب المساعدة القضائية بخصوص الخبرة على الحمض النووي، إذا كانت مصاريفها مرتفعة، في الوقت الذي يكون فيه الطلب الأصلي قد أديت عنه الرسوم القضائية”. للاستزادة أكثر يراجع: قضاء الأسرة، مجلة متخصصة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، وزارة العدل، ع 1، يوليوز 2005، ص: 69.
[61]) أغلب المحاكم تسند إجراء الخبرة الجينية لمختبر الشرطة العلمية التابع لمديرية الشرطة القضائية بالإدارة العامة للأمن الوطني والذي يوجد مقره بالدار البيضاء، لتوفره على أطباء متخصصين في الهندسة الوراثية ومعدات حديثة تعين على الحسم في نوازل النسب إثباتا أو نفيا، فيتحقق بذلك أمران مطلوبان في كل الخبرات، خاصة في قضايا النسب المصداقية والقطع، المصداقية فيما يخص الجهة المعهود إليها بإجراء الخبرة والقطع بالنسبة للنتيجة المنتهى إليها.
[62])جاء في متن هذا النص: “يمكن أن ينتج الإقرار القضائي عن سكوت الخصم، عندما يدعوه القاضي صراحة إلى الإجابة عن الدعوى الموجهة إليه فيلوذ بالصمت، ولا يطلب أجلا للإجابة عنها”. ورغم وضوح هذا المقتضى، نجد أن بعض المحاكم تُعرض عن تطبيقه، لأن أكثر المتخلفين عن الحضور بين يدي المحكمة بعد توصلهم بالاستدعاء لا يعرفون أثر و جزاء تخلفهم ذاك، و قد يعرضون عن الحضور رغم توفرهم على حجج مؤسسة وعاملة، لتوهمهم بأن المحكمة ستقضي برفض طلب الخصم الذي لا حجة تعضد دعواه وفي الاستجابة لطلبه تمكينا له من حجة من صنع المحكمة.
[63]) قرار محكمة النقض عدد 388 وتاريخ في 31/08/2010، ملف شرعي عدد 173/2/1/2009، “قضايا الأسرة: إشكالات راهنة ومقاربات متعددة”، منشورات مجلة القضاء المدني، سلسلة دراسات وأبحاث، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط: 2012 ج 1 ص: 137.
[64]) لأجل ذلك وسم بأنه ميثاق لا مجرد عقد، فالزواج الصحيح يفضي إلى ثبوت النسب، أما النسب فلا يفضي إلى ثبوت الزواج، والعلاقة بينهما علاقة بين أعم وأخص، بين أصل و فرع.
[65]) يجمل بالمحكمة و الحالة ما ذكر تحديد الأمور التي سينصب عليها البحث بدقة لا يعتريها إجمال، وبتفصيل لا غموض أو إرسال فيه، وغالبا ما يكون منطوق الحكم التمهيدي كما يلي : تصرح المحكمة تمهيديا بإجراء بحث بواسطة النيابة العامة أو السلطة المحلية للوقوف على صحة الزوجية المدعاة، وتاريخها إن تحققت، وما إذا كانت العلاقة الزوجية حال تحققها قد أسفرت عن إنجاب أبناء أم لا؟
[66]) إرادة المشرع في استعمال لفظ الخبرة بإطلاق دلالة على الخبرة العلمية لا الطبية وضحها الأستاذ إبراهيم باحماني عندما اعتبر أن المدونة أضافت سببا للحوق النسب “من باب التحري” بواسطة خبرة “علمية” وليست “طبية” يقوم بها “مختبر علمي” وليس الطبيب، إذ الخبرة العلمية ليست سببا كافيا بمفردها لإثبات النسب. لكن لابد من وجود إطار فيه للخبرة، كوجود إقرار من الطرفين بالخطبة، وأن تكون الخطبة شائعة بين الأسرتين، مع حصول حمل خلال مدة الخطبة. فقد تدعي المدعية أن الحمل بعد الخطبة، في حين يتمسك المدعى عليه أنه يقع أثناء الخطبة. وإذا امتنع الرجل عن الخبرة فإن ذلك لا يثبت النسب بل قد يعطي الحق في التعويض لأن الزواج عقد ديني والنسب له طابع ديني وأخلاقي. مداخلة منشورة بمؤلف “مستجدات الأسرة وتطبيقاتها العملية”، ملحق بأهم مبادئ قرارات المجلس الأعلى النص الكامل لمدونة الأسرة، وذلك في إطار أشغال المائدة المستديرة الثانية حول مدونة الأسرة بتاريخ 6 أكتوبر 2010، إعداد وتنسيق إدريس بلمحجوب، العدد الثاني. مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة ط:2010 ص:131.
[67]) قرار عدد 327 وتاريخ 11/06/2008 ملف شرعي عدد 443/2/1/2007 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 69 لسنة 2008 ص:92 وما بعدها.
[68]) لا ينسب المولود لأبيه متى ولد قبل المدة المذكورة، إلا أن يلحقه به مقتضى رسم إقرار بالنسب مزمم لدى العدول يسري في الزمن بأثر رجعي سابق على توثيق الزواج، و لا مانع، بشرط أن يكون الزواج قد وقع فعلا لكن تأخر توثيقه لكون ابن الزنا لا يستلحق، و أن تقع الولادة قبل انصرام ستة أشهر من تاريخ توثيق عقد الزواج و إلا لما احتيج إلى إقامة رسم الإقرار بالنسب.
[69]) القرينة مفرد قرائن، وهي لغة:”المصاحبة واقتران الشيئين ببعضهما”، لسان العرب، مادة قرن 13/336.
[70]) الجرجاني، التعريفات، م س، ص: 182.
[71]) القرينة مفرد قرائن، وهي لغة: “المصاحبة واقتران الشيئين ببعضهما”، لسان العرب، مادة قرن 13/336، وفي الاصطلاح هي عند الجرجاني:”أمر يشير إلى المطلوب.” التعريفات، م س، ص: 182
[72]) معلوم أن للقرائن والأمارات تأثير في ثبوت الأحكام الشرعية، قال خليل: “وإن قامت قرنية فعليها”، المختصر، م. س، ص: 98، دلالة على إمكان ترتيب الحكم تأسيسا على القرائن القوية المنضبطة التي لا يغشيها ظن، والمستقرئ للمظان الفقهية يلفي شواهد مختلفة تدل على تحكيم القرائن والأمارات وإمكان تأسيس الحكم القضائي عليها.
[73]) علما بأن هذا الأمر لا يطبق بإطلاق، فأحيانا يعرض القضاء عن التعويل على القرائن مهما بدت ظاهريا أنها منضبطة. وهكذا نقض المجلس الأعلى قرارا قضى بثبوت الزوجية ركونا إلى قرينة قيام الأب بالتصريح بازدياد إبنه، حيث خلص المجلس الأعلى إلى أن نظام الحالة المدنية ليس من شأنه الاخلال بالقواعد المطبقة لدى المحاكم المختصة بالأحوال الشخصية والميراث. قرار عدد 201 وتاريخ 18/01/1961 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 59-61 ص: 536، لكن محكمة النقض تراجعت مؤخرا عن هذا الاتجاه عندما اعتبرت أن تصريح الأب بازدياد إبنه في الحالة المدنية يعد إقرارا منه بثبوت النسب إليه. قرار عدد 71 وتاريخ 1 مارس 2011 ملف شرعي عدد 57/2/1/2009 نشرة قرارات محكمة النقض غرفة الأحوال الشخصية والميراث ص:68، كما لم يعتد القضاء بالاشارة في عقد البيع إلى كون الطرفين متزوجين عند إثبات الهوية، وجاء في معرض التعليل: “عقد البيع، وإن كان ينص على أن البائع متزوج بالمستأنفة، فإنه لا يثبت به الزواج لأنه غير مقصود للاشهاد وإنما هو وصف للبائع”. قرار محكمة الاستئناف بوجدة عدد 922 وتاريخ 24/06/1975 مجلة القضاء والقانون عدد 126 ص: 211. فقد تذكر صفة البائع بصفة عرضية ودون استيثاق منها لأنها غير مرادة وغير مؤثرة عند الإشهاد.
[74]) قرار الغرفة الاجتماعية عدد 12 وتاريخ 10 مارس 1969 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 5 ص: 65.
[75]) طعن رقم 18 لسنة 45 جلسة 03/11/1976 وطعن رقم 17 لسنة 46 جلسة 22/2/1978 حسن الفكهاني وعبد المنعم حسني: “الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية منذ إنشائها عام 1931، الإصدار المدني”، 1991، ج 2 ص: 154.
[76]) القاعدة المحكمة في الشهادة أن المعرفة مقدمة على التعريف، والمقصود بالمعرفة معرفة العدلين الشخصية للشهود وبالتعريف تعريف الغير بهما، وهو أمر زكاه المجلس الأعلى في أكثر من مناسبة، معتبرا أن معرفة العدلين بشهود اللفيف يغني عن التعريف بأولئك الشهود. ينظر: قرار عدد 292 وتاريخ 28/2/84، ملف عقاري عدد 99714، غير منشور.
ويترتب على ذلك إعفاء العدول من واجب التعريف بالشهود حال معرفتهم اسما وعينا ونسبا.
[77]) نظمت هذه الشهادة المادة 27 من القانون المنظم لخطة التوثيق العدلي قانون رقم 03-16.
[78]) الوثيقة ورقة مكتوبة جعلت لحفظ أمور الناس وضبط معاملاتهم وحفظها من الجحود والإنكار، فهي بذلك حجة على المتعاقدين، وهي شريعتهما فيما اتفق عليه، كتعمير ذمة وعقد بيع ونكاح وغيرها من المعاملات، وكل من ادعى خلاف ما زمم في العقد فقوله غير مقبول، إلا أن يقيم الحجة على ادعاءاته، ولا يعمل بها فيما ذكر على سبيل الوصف، كالشريف والعدل أو ذكر على سبيل الحكاية وقبل الدخول في موضوع الإشهاد. الأحكام الصادرة عن مجلس الاستئناف الشرعي الأعلى، المجلد 1، ص: 700.
[79]) سعدي أبو جيب، “القاموس الفقهي لغة واصطلاحا”، نشر دار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الثانية 1408 هـ 1988م، ص: 47.
[80]) ابن فرحون، “تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام”، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، د ت. 1/240.
وإذا كان أكثر الفقهاء قد فسروا البينة بالشهادة، فإن بعضهم جعلها أكثر عموما لتسع سائر وسائل الإثبات، وفي ذلك يقول ابن القيم: “فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة فقط في القرآن مرادا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:” البينة على المدعي”(أخرجه البخاري ومسلم في كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه؛ وابن ماجه في الأحكام، باب البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.)، المراد به أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي ذاتها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والعلامة والأمارة متقاربة المعنى.” الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. م س، ص:18 وذهب العلامة السنهوري إلى أن للبينة معنيين، معنى عاماً وهو الدليل أيا كان، كتابة أو شهادة أو قرائن، فإذا قلنا إن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فإنما نقصد هنا البينة، بمفهومها العام، ومعنى خاص وهو شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة الأخرى. “الوسيط في شرح القانون المدني الجديد”، م س 2/311.
[81]) التبصرة، م. س، 1/241.
[82]) الرصاع، “شرح حدود ابن عرفة”، ص:645، فخرج بقوله: “باستناد شهادته لسماع “، شهادة البت. وبقوله: “غير معين”: شهادة النقل، لأن المنقول عنه في شهادة النقل معين.
[83]) أخرجه البيهقي في سننه، كتاب الشهادات، باب العلم بالشهادة وبيان وجوه العلم، حديث رقم: 4193، 4/150، والحاكم في مستدركه، كتاب الأحكام، حديث رقم: 7045، 4/110، قال الحاكم حديث صحيح الاسناد، وتعقبه الذهبي في مختصره فقال حديث واه، فإن محمد بن سليمان بن مشمول ضعفه غير واحد.
[84]) ابن فرحون: “التبصرة”، م س 1/427، والباجي، “المنتقى شرح موطأ مالك”. 7/167.
والونشريسي، “المعيار” 2/547، والتسولي، “البهجة في شرح التحفة”. مطبعة دار الكتب العلمية ـ لبنان، الطبعة الأولى 1418ه ـ 1998 م. 1/132 والخطيب الشربيني: “مغني المحتاج”، طبعة دار الفكر، بيروت. بدون تاريخ. 4/448.
[85]) قال السرخسي في مبسوطه:”استحسانا جواز الشهادة على هذه الأشياء الأربعة، لتعامل الناس في ذلك واستحسانهم، فلو لم تجز الشهادة عليها بالتسامع لأدى إلى الحرج، خلاف البيوع وغيرها فإنه كلام يسمعه كل واحد.”المبسوط 16/149، وفي نفس المعنى ينظر: علاء الدين الكساني، “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع”، تحقيق وتعليق الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى1997، 6/266.
[86]) مراعاة لهذا الأمر جاء في قرار للمجلس الأعلى: “يترتب عن تحقق الشهرة في النكاح قيام علاقة زوجية صحيحة مرتبة لكافة آثارها.” قرار عدد 633 وتاريخ 15/11/2006 ملف شرعي عدد 160/2/1/206 غير منشور.
[87]) ميارة الفاسي، شرح تحفة الحكام 1/97، والدسوقي على الشرح الكبير 4/198 والخرشي على مختصر خليل 7/210.
[88]) الملاحظ أن مشرع المدونة وسع ضيقا من مسألة إثبات النسب عبر بينة السماع مقارنة بما كان عليه الأمر بمقتضى الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، حيث ألغى قيد أن يصرح الشهود بأنه ابنه ولد على فراشه من زوجته.
فوسع المشرع دائرة العمل ببينة السماع لتسع إثبات النسب حال الخطبة والشبهة.
[89]) ابن منظور، “لسان العرب”، مادة شهد، 4/2348، وأيضا ابن فارس، “معجم مقاييس اللغة”، مادة شهد، 3/221، والفيروز آبادي، “القاموس المحيط”، مادة شهد 1/316، والرازي، “المختار الصحاح”، مادة شهد، ص: 349.
[90]) الرصاع، “شرح حدود ابن عرفة”، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط 1992 م ص:632.
وقد اعترض على هذا الحدّ الحطاب لأنه لا يمكن أن يُعرف هل يفتقر القول إلى التعدد، أو إلى حلف الطالب، إلا بعد أن يعرف أنه شهادة، فكيف يقال إنه شهادة؟ كما اعترض ابن مرزوق بدوره على هذا التعريف، لأنه غير جامع، فهو لا يشمل شهادة الواحد رغم أنه يعمل بها في الخلطة ويترتب عليها حكم في الطلاق والعتق. ينظر: مواهب الجليل 6/151 وشرح الزرقاني على المختصر 7/157.
[91]) هذا هو مبنى التمييز بين الشهادة والرواية مع أن كلاهما خبر، فالخبر إن تعلق بأمر جزئي وقصد به ترتيب فصل القضاء فهو شهادة، وإن انصب على أمر عام غير مختص بمعين، أو تعلق بجزئي لكن من غير قصد ترتيب فصل القضاء عليه، فهو الرواية. التسولي، “البهجة في شرح التحفة”. م س 1/86.
[92]) الآية 81 من سورة يوسف.
[93]) هذا الأمر يعد تحكيما للقاعدة الأصولية القائلة بوجوب تقديم الخاص على العام، ثم إن الإرسال و العموم في الشهادة قادح فيها، و إن كان يغتفر في الشهادة بثبوت الزوجية ما لا يغتفر في غيرها، إلا أن تقع المنازعة في الواقعة المذكورة من لدن كل من له مصلحة، خصوما و نيابة عامة، أو يقع التشكك في صحتها من لدن المحكمة بصفة تلقائية لارتباط هذا الأمر بالنظام العام.
فالشهادة يجب أن تكون مفسرة لا مجملة، ولأجله أوجب المجلس الأعلى أن تتضمن الشهادة السماعية بالضرر ذكر سبب الضرر، حيث نص في قرار له على أن: “بينة المدعية السماعية بالضرر عدد 560 لا تنهض بها حجة لعدم النص على سبب الضرر وعجز وكيل المدعية عن بيانه بعد تكليفه”. قرار عدد 149 وتاريخ 24/1/1967، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 4 ص: 25.
[94]) الأصل في الإنسان العدالة، فالمسلمون عدول، إلى أن يثبت ما يقدح في عدالتهم، أما الرشد فيتحقق منه من خلال الوقوف على سن الشاهد ببلوغه ثماني عشرة سنة كاملة، حسبما توجبه مقتضيات المادة 209 من مدونة الأسرة، ويستدل على ذلك من خلال بطاقة تعريفه الوطنية، أو كل وثيقة تقوم مقامها، ما لم يك