ولوج المرأة لخطة العدالة بين الشرع والقانون
المعلومة القانونية – إسماعيل عادل
طالب باحث في ماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات بالمحمدية
إن التطور الذي أصبحت تعرفه الحياة من مختلف جوانبها، سواء من الجانب الاجتماعي أو الاقتصادي ، تجعل العلاقات بين أفراد المجتمع تزداد تشعبا وتعقيدا، وبما أن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه، فهو يصر دائما إلى الدخول في علاقات، أي أنه لا يستطيع العيش بمفرده وبمعزل عن الأخر، وكلما إزدادت هذه العلاقات اتساعا وتداخلا، إزدادت معه إمكانية اصطدام مصالح الأفراد، نظرا للطابع الأناني الذي هو فطرة في البشرية، والفقه والقانون يرصدان بإستمرار هذا التطور والتغيير، حريصان على عدم وقوع هذا الإصطدام ومع كل هذا فقد يحدث أن يتعدى البعض على حقوق البعض الآخر ظلما وعدوانا بدون وجه حق، وبهذا فكل من أعتدي على حقه تستقبله القاعدة الفقية المنصوص عليها في قانون الإلتزامات والعقود في فصله 399 والتي مفادها أن البينة على المدعي، وقبلها نص عليها الشرع الحكيم بإعتبار الأصل هو براءة الذمة وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك، لهذا كان على من يدعي حقا أن يثبته، ومن بين الوسائل التي تثبت بها الحقوق الكتابة، التي اعتنى بها الفقهاء وأدى الاهتمام بها إلى ظهور علم التوثيق العدلي الذي لعب دورا كبيرا في حفظ الحقوق وإثبات المعاملات، سواء كانت مالية تتعلق بالتجارة والكسب، مثل البيع والشراء، أو كانت قربة لله تعالى مثل الهبة والصدقة والوقف، أو تتعلق بالأسرة مثل الزواج والطلاق وغيرها كثير.
وأمام تعدد في المعاملات والتشعب في العلاقات وتنازع في المصالح أصبحنا معه في حاجة ماسة إلى إطار قانوني السليم ووجيه وأناس وأطر مخول لهم قانونا ضبط تصرفات، وضمان حقوق الناس، ولاشك أن مؤسسة التوثيق العدلي هي المؤهلة للعب هذا الدور في المجتمع،الذي يعتبر دعامة أساسية للقضاء العادل والنزيه، وخطة العدالة تشكل أحد المحاور الأساسية في منظومة العدالة باعتبارها مهنة تهدف إلى توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على الأعراض والأنساب والتمكين من وسائل الإثبات التي بفضلها يتأتى للقضاء فض النزاعات وفصل الخصومات، ناهيكم عن مساهمتها في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية، كما لا يخفى عليكم أيضا، أن هذه الخطة تعتبر موروثا ثقافيا وحضاريا استمر التعامل في إطارها لعدة قرون وشكلت على الدوام واحدة من خصائص المملكة المغربية التي تتميز عن باقي الدول الإسلامية من حيث تنظيمها وضبطها وفاعلية أدائها.
ورغم ما يميز هذه المهنة من أصالة وعراقة، فإن المشرع المغربي لم يفته عبر مراحل متعددة التدخل من أجل تقنينها وتأطيرها قانونيا، بتحديد مجال إعمالها وأساليب ممارستها وشروط ولوجها، وهو ما تم عبر إصدار عدد من الظهائر الشريفة:
-ظهير 07 يوليوز 1914- ظهير 23 يونيو 1938- ظهير 07 فبراير 1944
– ظهير 06 ماي 1982
-وأخيرا ظهير 14 فبراير 2006 بتنفيذ القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة المطبق حاليا. والذي جاء بأهم مستجد عبر عنه القانون في إلغاء شرط الذكورة لولوج خطة العدالة لكون ، توثيق عقود الزواج والطلاق وغيرها، كلها أمور كانت تتم من طرف “العدول”، قبل أن يُزف الخبر إلى النساء بإمكانية ممارسة مهنة “عدولة” بناء على قرار ملكي، بعد أن ولجن إلى مجموعة من المهن التي ظلت حكرا على الرجال.
ولعل إعطاء الضوء الأخضر للنساء وفتح الباب على مصارعه أمامهن لولوج مهنة العدول، خلق الكثير من الجدل بين مؤيد ورافض ولم يخل الأمر من بروز آراء من الممكن أن تخلق أكثر من علامات استفهام سواء على المستوى القانوني، وكذا على المستوى الشرعي، وهو ما سوف نحاول مقاربته من خلال إبراز أهم الأراء الرافضة وكذا المؤيدة لهذا المستجد القاضي بالسماح للمرأة لولوج مهنة خطة العدالة
المحور الأول: الأساس القانوني لولوج المرأة لخطة العدالة :
إنه باستقراء القانون المنظم لخطة العدالة (16.03) يتبين أنه لا وجود لأي مقتضى ينص صراحة على قصر مهنة العدالة على الذكور فقط دون الإناث، أو جعل الذكورة شرطا لولوج هذه المهنة، حيث إن الصيغة التي جاءت بها المادة 04 من القانون المذكور هي الصيغة المعهودة في قوانين المهن القضائية الأخرى كقانون مهنة المحاماة أو مهنة المفوضين القضائيين أو قانون مهنة التوثيق، والتي يقبل فيها ترشيح المرأة.
حيت أتت المادة 4 من قانون (16.03)
يشترط في المرشح لممارسة خطة العدالة :
1 أن يكون مسلما مغربيا مع مراعاة قيود الأهلية المشار إليها في قانون الجنسية المغربية.
2 أن يكون بالغا من العمر خمسا وعشرين سنة، وألا يزيد على خمس وأربعين سنة بالنسبة لغير المعفين من المباراة والتمرين، وذلك حسب التقويم الميلادي.
3 أن يكون متوفرا على القدرة البدنية المطلوبة لممارسة المهنة.
4 أن يكون في وضعية صحيحة تجاه القوانين المتعلقة بالتجنيد العسكري.
5 ألا ليكون قد حكم عليه من أجل جناية مطلقا، أوبحبس منفذ أو موقوف التنفيذ من أجل جنحة باستثناء الجنح غير العمدية، أو بغرامة ولو موقوفة التنفيذ من أجل جنحة تتعلق بالأموال.
6 ألا يكون مشطبا عليه بقرار تأديبي بسبب يمس شرف المهنة، أو الوظيفة المشطب عليه منها.
7 ألا يكون قد حكم عليه بإحدى العقوبات المالية المنصوص عليها في قانون التجارة في حق مسيري المقاولة أو سقوط الأهلية التجارية ما لم يرد اعتباره.
8 أن ينجح في مباراة تنظم لولوج الخطة ما لم يعفه القانون منها.
فبالقراءة المتأنية للشروط القانونية التي أتى بها قانون 16.03 بإعتباره القانون المنظم لخطة العدالة لا يستشف معه أدنى عبارة تفيد شرط الذكورة، وما هذا إلى تجسيد للمقتضيات الدستورية المبنية على المساواة وكذا إحترام الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي تأخد للمساواة شعارا لها، لإعتبار المكانة التي أعطاها الدستور للإتفاقيات الدولية في الفقرة ما قبل الأخيرة من دباجته ، إلى أن الإشكال وقع عندما تقدمنا النساء لإجتياز مباراة العدالة سنة 2010 إلى أنهم صدمن بعدم قبول طلاباتهم الأولية لإجتياز مباراة خطة العدالة، أي حصول تعارض بين ماهو منصوص عليه قانونيا وبين الواقع العملي إلا وأنه وتزامنا مع الإستمرار المتلاحق في إطار الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، فقد حظي موضوع إصلاح مهنة خطة العدالة بعناية خاصة من قبل لجنة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، حيث أوصى الميثاق في توصيته رقم 169 بوجوب الارتقاء بهذه المهنة بما يسهم في تحديثها، وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، انسجاما مع المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 19، والمتمثل في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل والسعي نحو المناصفة، وانسجاما أيضا مع الالتزامات الدولية للمملكة ومصادقتها على الاتفاقيات الدولية الأساسية في مجال حقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وتنزيلا لهذه المبادئ والمقتضيات، اقتضى النظر السديد لجلالة الملك نصره الله وأيده، تكليف وزيره في العدل بالانكباب على دراسة مسألة ممارسة المرأة لخطة العدالة.
إلا أن هذا القرار الملكي خلق جدلا واسعا تجادبته أراء بين مأيد ومعارض بين جانب الديني والقانوني، وهو ماسوف نوضحه من خلال هذه المقاربة العلمية التي سوف نخصص لها محورين مهمين محور أول يتعلق بالإتجاه المؤيد لولوج المرأة لخذة العدالة والإتجاه المعارض لهذا الولوج.
الإتجاه المؤيد لولوج المرأة لخطة لعدالة :