التجربة الجهوية بالمغرب
المعلومة القانونية – بوشعيب أنوار باحث في العلوم الاجتماعية،
عمل المغرب بالجهوية مند 1997 وقد تبنى تقسيما قطه إلى 16 جهة، واتصف التقطيع بعدم الفعالية ولم يأخد بعين الإعتبار الإختلالات وتقليص الفوارق واللاتوازن بين الجهات. كما أن الجماعة المحلية حسب قانون الجهات 1997 كانت هيئة إستشارية وخاضعة لسلطة الوصاية مستقلة إداريا وماليا ولكنها في الحقيقة عكس ذلك تماما. حيث لا تتوفر على موارد مالية كافية تمكنها من القيام بمهامها وتغطية نفقاتها، وتمارس عليها الدولة وصاية تتناقض مع مبدأ التدبير الحر. حيث بالرجوع إلى القانون المنظم لمالية الجماعات المحلية 30.89 نجده يمنح للجماعة القروية والحضرية ضرائب تختلف بينهما ومتفاوتة العدد والنوع. ومنح للجهة 3 ضرائب فقط. (الضريبة على رخص الصيد، الضريبة على إستغلال المناجم، الضريبة على الخدمات المقدمة بالموانئ).
وهذه الضرائب لا يمكن أن تخلق جديدا في التنمية المحلية ولا ترقى إلى المطلوب والمتوخى من الجماعة المحلية.
إن قانون الجماعات المحلية عجز عن تغيير الإختلالات والمفارقات ولم يواكب الإنتقال السياسي المزعوم بل إكتفى بتشديد الوصاية على المجلس الجهوي وقيد من حريته ومن سلطة الإنتخابات التي تترجم إختيار الشعب على أرض الواقع. كما أن التجربة الجهوية بالمغرب أبانت عن عدة إختلالات وشهدت مجموعة من الإشكالات البنيوية والوظيفية.
المشاكل البنيوية :
تتمثل المشاكل البنيوية في غياب النصوص القانونية المنظمة للموارد المالية والبشرية وهيكلة المصالح الإدارية للجهة والتمييز بين هياكل الإدارة الجهوية التابعة للوالي، وكذلك غياب نصوص قانونية من شأنها أن توضح العلاقة بين الجهات والدولة وباقي الجماعات المحلية الأخرى.
كما أن التقسيم الجهوي أغفل العمل بمعيار التماثل الإقتصادي والتجانس الحضاري وهيمن البعد الأمني على هذا التقطيع أكثر من المعايير الموضوعة كما أفرز هذا التقسيم تركزا ديمغرافيا غير متوازن ومرتبط بالعوامل الإقتصادية والإجتماعية. وتلاه الإختلال التربوي والصحي. كما أنه على مستوى التمثيل داخل المجلس الجهوي لم يشمل الهيئات المهنية الأخرى كنقابة الأطباء، المحامين، الأساتذة
الباحثين…ولم يشترط القانون في المجلس الجهوي مستوى تعليمي جيد باستثناء رئيس المجلس الجهوي حيث إشترط فيه الشهادة الإبتدائية كحد أدنى. وهذا ما ينعكس على مردودية المجلس الجهوي وعلى التنمية المحلية كما إنتخابه باقتراع غير مباشر يعد مسا بمصداقية الديمقراطية المنعدمة أصلا.
المشاكل الوظيفية :
تتسم الإختصاصات الموكولة إلى المجلس الجهوي بالتداخل والغموض وعدم دقتها مما ينعكس على التنمية الجهوية. وما يجعل اللاتمركز غير حقيقي هو عدم وضوح الإختصاصات ودور الوالي والعامل في المس باستقلال الجهة.
لم يمنح ظهير 2 أبريل 1997 الجهة بموارد ذاتية للتمويل في غياب مداخيل أخرى غير جبائية كمداخيل إستغلال الأملاك والمرافق العمومية الجهوية والمداخيل المتأتية من المساهمات في الشركات
أو من الودائع بالخزينة العامة. وتعتبر هذه الموارد ضعيفة وصعبة الإستخلاص وثقيلة على الملزم. كما ان الإقتراض تستفيذ منه الجهات الغنية دون الفقيرة وهذا ما يتعارض مع استقلالية الجهة ولا تتمتع المجالس بحرية التصرف في ماليتها ونفس الأمر ينطبق على التعيين في المناصب والوظائف…الخ.
إذا كان هذا الفشل خاتمة التجربة الجهوية بالمغرب فكيف سيكون حال الجهوية السياسية أو ما يعرف حسب ما جاء في الخطاب الملكي بالجهوية الموسعة؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال الذي يتشابه مع الجهوية المتقدمة لابد من الإشارة إلى أنني لم أتطرق للقانون المنظم للمالية المحلية 47.06 لأنه نسخة طبق الأصل للقانون 89.30 والذي سبق أن تحدثت عنه. حيث حذف الضرائب ولم يحذف أوعيتها وبالتالي فتظل باقية.
إن الجهوية السياسية يختلف تطبيقها من دولة إلى أخرى ويتوخى من خلالها إلى تخفيف الأعباء عن المركز وعدم التأخر في إتخاذ القرار وخلق تنمية أكثر نجاحا والنماذج كثيرة….إلخ. والجهوية السياسية هي توسيع صلاحيات الجهة ومنحها الإستقلال السياسي عن المركز في حدود ما هو تنموي وداخلي أما ما هو سيادي والخارجية والعلم والعملة فتظل موحدة. حسب الجهوية الموسعة المزمع تطبيقها في المغرب. ومن هنا يمكن تعريف الجهوية الموسعة بأنها توسيع صلاحيات المجلس الجهوي ومنح الجهة إختصاصات واسعة وخلق برلمان جهوي وحكومة جهوية تقوم بما هو واجب في تعاون وتنسيق مع سلطة الوصاية. لكن وبالرجوع إلى الدستور وقانون الجهات نجدهما متفقان على أن الجهة مستقلة إداريا وشبه مستقلة ماليا وغير مستقلة سياسيا ونجد أن الملك هو من يملك جميع السلط وبالتالي فتظل الجهوية السياسية بالمغرب سرابا لن يتحقق، وإذا صح التعبير فإنها حلم لن يتحقق. ومن الطرائف التي حملتها الخطابات الملكية وما خلصت إليه اللجنة الإستشارية أن الجهوية ستكون مغربية مغربية كيف ذلك؟.
يبدوا أن الجهوية التي تم التنصيص عليها في الدستور غير تلك التي يجب أن تكون أو ينتظرها الوضع الراهن. كيف في غياب فصل حقيقي للسلط أن تنجح الجهوية السياسية وتوتي أكلها في إنعدام تام للإرادة السياسية الجادة والحاجة إلى تنمية مستدامة ملحة من أجل أداء المتوخى وتسريع إتخاد القرار وخلق تنمية وإستثمار فعال يرفع من مؤشر التنمية البشرية.
لعل الوصاية الممارسة من طرف الداخلية والهاجس الأمني هما أحد معيقات إقلاع جهوي يعود بالنفع على التنمية المجالية، ولعل ضعف الموارد البشرية هو ما يجعل النمودج التنموي الناجح كابوسا يؤرق المضاجع. إن نجاح اللامركزية رهين بوجود رأسمال بشري ذو مستوى ثقافي عالي وضمائر تجعل من المصلحة العامة الإهتمام الأول قبل المصالح الشخصية. ولن تنجح الجهة في كل هذا من دون مالية كافية وواضحة المعالم وبدون الباقي إستخلاصه وإستعمال الإنتخابات في مالية الجهة على حساب التنمية المتوخاة.
مما تقدم يمكن إستخلاص صعوبة تحقق الإستقلال السياسي للجهة بعد غياب الإستقلال المالي وضعف الموارد المالية والموارد البشرية وقوة الحجر الذي تمارسة سلطة الوصاية. وتبقى الجهة جماعة ترابية إدارية غير مستقلة إداريا وماليا.