البنوك التشاركية في المغرب بين أزمة المناشير وانتظارات الجماهير
موقع المعلومة القانونية – عبد المجيد إدريسي منادي
مقدمة :
يعتبر التمويل التشاركي من الأوراش الكبرى التي عرفها النظام البنكي المغربي ، والتي جاءت في إطار التحولات التي تعرفها الدول عامة والمغرب على وجه الخصوص ، حيث اتجهت فلسفة المشرع المغربي نحو توسيع قاعدة المشهد البنكي ومنح الفرصة للمعاملات البديلة في خوض غمار المنافسة في القطاع البنكي ، فبعد أن تم الترخيص لصيغ تمويلية سنة 2007 وهي المرابحة والإجارة والمشاركة ، فإن تعزيز هذا الترخيص جاء مع القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها في يناير 2015 . وهي مقاربة تشريعية جادة تحوم نحو تكريس انفتاح النظام البنكي على أنظمة أخرى وهو ما يعزز مصادر التمويل ، ويمهد الطرق نحو تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي ، غير أن هذه الأهداف والغايات جابهتها جملة من التعثرات التشريعية والمؤسساتية لعل من أهمها ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين المؤسسات التشاركية ومؤسسة والي بنك المغرب .على اعتبار أن هذه الأخيرة هي المعول عليها في فسح المجال أمام البنوك التشاركية في تقديم خدماتها إلى الجمهور ، وذلك عن طريق مواكبة هذه المؤسسات التشاركية بجملة من المناشير التنظيمية للصيغ المدرجة في القانون البنكي ، مما يفسح المجال أمام طرح بعض التساؤلات من قبيل:
أين تبرز مظاهر أزمة مناشير والي بنك المغرب المنظمة للصيغ التمويلية للبنوك التشاركية؟ وما هي أثار أزمة قانون التي تعاني منها البنوك التشاركية ؟
إن الاجابة عن التساؤلات السالفة الذكر تقتضي وضع تصميم مناسب وهو كالتالي :
المحور الأول : تجليات أزمة مناشير والي بنك المغرب تجاه البنوك التشاركية.
المحور الثاني : تداعيات أزمة نصوص والي بنك المغرب على تطور البنوك التشاركية
المحور الأول : تجليات أزمة مناشير والي بنك المغرب تجاه البنوك التشاركية .
لاشك أن طبيعة العلاقة بين البنوك التشاركية وبنك المغرب هي علاقة رقابة بالدرجة الأولى لأن مباشرة البنك التشاركي لنشاطه لا يمكن أن يحصل إلا بترخيص من هذا الأخير إلى جانب الرقابة الشرعية التي تضفي طابع موافقة صيغ التمويلات التشاركية للشريعة الإسلامية وهو ما يسمى بازدواجية الرقابة .
وإذا كانت الرقابة البنكية هي محور دراستنا ،نظرا لمكانتها في تطوير عمل البنوك التشاركية من جهة ، وتوقف هذه الأخيرة على موافقة البنك المركزي من جهة ثانية ، فإنه كان لزاما الوقوف على مفهوم الرقابة البنكية، والتي يقصد بها مجموعة من القواعد والإجراءات والأساليب التي تتخذها السلطات النقدية والبنوك المركزية والمصارف ، بهدف الحفاظ على سلامة المراكز المالية للمصارف توصلا إلى تكوين جهاز مصرفي سليم وقادر يساهم في التنمية الاقتصادية .
والجدير بالذكر أن رقابة البنك المركزي يختلف من نظام نقدي لآخر بحسب طبيعة الوظائف المسندة إليه ، وبالنسبة للمغرب فإن البنك المركزي يمثل أعلى سلطة نقدية والمكلف بالنشاط المصرفي والنقدي والحفاظ على التوازن بين الكتلة النقدية والإنتاج الوطني وهي معادلة تستوجب رقابة جادة وفعالة على المؤسسات البنكية بوجه عام والتشاركية على الخصوص سواء من حيث التسيير أو من حيث التمويل .
ومن هذا المنطلق يمكن القول أنه إذا كان المشرع المغربي بموجب القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ، سمح بإدماج البنوك التشاركية في النظام البنكي الوطني ، إيمانا من المشرع المغربي بقدرة البنوك التشاركية على توسيع قاعدة الاستثمار ، وهي مقاربة مهمة سمحت بتنويع المشهد البنكي وفسح المجال أمام الجمهور الذي يخشى المعاملة مع البنوك التقليدية تجنبا للسقوط في الربا ، لكن باستقراء البنية القانونية لهذا المولود الجديد ، يتضح أن أهم إشكال أصبح يواجه البنوك التشاركية هو مبدأ المواكبة الذي يقتضي أن تكون هناك نصوص تنظيمية وتعليمات دقيقة للصيغ المطروحة من طرف البنوك التشاركية ، لأن القانون 103.12 جاء في جل مقتضياته المتعلقة بأنشطة البنوك التشاركية يحيل على والي بنك المغرب حيث منح هذا الأخيرإصدار نصوص تنظيمية عبر مناشير وتوصيات وتعليمات ورسائل تنظم كل الفراغات والجوانب التي لم يشملها نص القانون وهي كثيرة، حيث تمت الإحالة بشكل مبالغ فيه على والي بنك المغرب للتشريع في مجال المصرفية الإسلامية فعلى سبيل المثال المادة 56 منقانون103.12 في شأن الودائع الاستثمارية وهي أساس التمويل التشاركي نجد أن المشرع أحال على والي بنك المغرب حيث نص في المادة 56 على أنه “…تحدد شروط وكيفيات تلقي وتوظيف هذه الودائع بمنشور يصدره والي بنك المغرب ”
كما نجده كذلك أحال على والي بنك المغرب في المادة 61 حيث نص على أنه “يمكن للبنوك المشار إليها في المادة 10 أعلاه مزاولة العمليات المشار إليها في هذا القسم شريطة اعتمادها من طرف والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان”.
بالاضافة الى المادة 65 التي نصت على أنه “يجب على البنوك التشاركية أن ترفع إلى بنك المغرب تقريرا وفق الشروط المحددة بموجب منشور يصدره والي بنك المغرب ”
وبناءا على هذه المواد وغيرها التي تكرس الهيمنة على أنشطة البنوك التشاركية من حيث التدبير والتمويل لمؤسسة والي البنك ، حيث بموجب هذه السلطات المتاحة له يرى بعض الباحثين أن سلطات والي بنك المغرب تجاه المؤسسات التشاركية تعدت الأمور المتعلقة بمجال تنظيم عمل هذه البنوك لمسائل كان على البرلمان أن يشرع فيها ، خاصة فيما يتعلق بالعقود التشاركية وهي من سلطة البرلمان بموجب الفصل 71 من الدستور المغربي لسنة 2011
فبموجب قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها أصبح دور والي بنك المغرب فعال وبشكل كبير ، فالعقود التشاركية وإن كانت مكرسة في القانون البنكي إلا أن تفعيلها متوقف على نصوص تنظيمية ومناشير يصدرها والي بنك المغرب، وأن أي غياب لمواكبة والي بنك المغرب لأنشطة المؤسسات التشاركية ، سيفرغ هذه الأخيرة من الهدف الذي تسعى إليه ، وهو تعزيز مكانتها في النظام البنكي الوطني والدولي خصوصا وأن فئة عريضة من الجمهور مستعدة للتعامل مع هذا المنتوج الإسلامي .
وهو ما يحصل الآن حيث أن أزمة البنوك التشاركية اليوم وإخفاقها في كسب رهان التقدم الاقتصادي يعزى إلى أزمة المناشير المنظمة لبعض العقود التي ترغب في مباشرتها مع الجمهور ، وهو ما يفسح المجال نحو التساؤل عن هذا الركود الذي تعرفه مؤسسة والي البنك تجاه المؤسسات التشاركية، طالما أن النص القانوني لا يكفي لتحضي هذه المؤسسات بالمكانة المرموقة داخل النسيج الاقتصادي من جهة ولتفعيل الإحالات الواردة في القانون البنكي على مؤسسة والي البنك من جهة ثانية .
المحور الثاني : تداعيات أزمة مناشير والي بنك المغرب على تطور البنوك التشاركية
إن الحديث عن تداعيات الفراغ التشريعي الذي تعني منه المؤسسات التشاركية، يقتضي الاعتراف بعدم قدرة هذه المؤسسات على التطور، في حالة ما تحركت الآلة التشريعية لوالي بنك المغرب في إصدار جملة من المناشير التي تغدي العقود التشاركية وتخرجها إلى الوجود
علاوة عن ذلك يمكن القول أن من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تحصل في حالة استمرار الركود التشريعي لمؤسسة والي بنك المغرب تجاه أنشطة المؤسسات التشاركية. هو حصول ما يسمى بإفراغ النصوص القانونية من فعاليتها ، بمعنى أن القانون سبقى جامدا في حالة عدم إصدار والي بنك المغرب للمناشير التي أحيلت عليه .كما أن هذا الورش الجديد الذي أقرت بنجاحه دول مقارنة يحتاج إلى بنية قانونية مشجعة تعكس الأمن القانوني وتشجع المستثمر الداخلي والخارجي ، وهو ما لا يتوفر في ظل القانون البنكي الجديد الذي تطبعه هيمنة الإحالة على والي بنك المغرب .
فإقبال الجمهور على المؤسسات التشاركية يكون نابعا من الإحساس بالاطمئنان على الحقوق وضمانها ، وفي ظل التركيبة التشريعية الحالية يجد البنك التشاركي نفسه محاصر بإشكالية ضمان حقوق العملاء من جهة والفراغ في النصوص التنظيمية من جهة ثانية ،هذه المفارقة تجعل من البنوك التشاركية محدودة الأهداف وبعيدة عن كسب رهان التنمية ، فرغم حاجة الجماهير واستعدادهم مباشرة جملة من المعاملات مع المؤسسات التشاركية ، لازالت هذه الأخيرة تعاني من أزمة المناشير المنظمة للعقود التي جاء بها القانون ، وهذا ما يفسر التعثر الحاصل اليوم لورش البنوك التشاركية ،وهذا بطبيعة الحال له تأثيرات على المجال الاجتماعي والاقتصادي ، خصوصا وأن المغرب اليوم يراهن على نموذج تنموي جديد تغيب في الفوارق الطبقية وتسود فيه العدالة الاجتماعية ، مما يستوجب إعادة النظر في المقاربة التي تنهجها مؤسسة والي بنك المغرب تجاه البنوك التشاركية
خاتمة
وختاما يمكن القول أن التعثر الذي تعاني منه المؤسسات التشاركية إذا كان كنتيجة لأسباب عدة، من أهمها أزمة المناشير المنظمة لعمل البنوك التشاركية . فإن توفير مناخ ملائم لهذه الأخيرة أصبح لازم من أي وقت مضى ، خصوصا في ظل الظروف الاجتماعية الاقتصادية التي يعاني منها المغرب . خصوصا وأن هذه التجربة عرفت قبولا من طرف الجماهير رغم التعثرات التي تعرفها ، مما يعني أن إخراجها من هذه الأمة سيعزز حظوظ تنافسها في النظام البنكي المغربي ويكسبها مكانة جادة تستطيع ركوب قطار التنمية في شتى المجالات ، مما يستدعي الاستفادة من التجارب الدولية في هذا الشأن ،لان ورش التمويل التشاركي كان الحل عند بعض الدول من الخروج من الأزمات الاقتصادية وهو ما يدفع الى التساؤل عن مجهودات المغرب في الاستفادة من البلدان التي حققت فيها البنوك التشاركية نهضة اقتصادية ؟