وجهة نظر في مقتضيات المادة 319 من مدونة الحقوق العينية على ضوء قرارات محكمة النقض

المعلومة القانونية – قلم ذ/ حفيظ صافي

أرى أن المقصود بعبارة “ النقض عند الاقتضاء ” المنصوص عليها بالمادة 319 من مدونة الحقوق العينية، هو مكنة قانونية مكنها المشرع لقاضي التنفيذ قصد استعمالها في الحالة التي يكون فيها القرار موضوع التنفيذ مطعون فيه بالنقض، شرط تمسك أحد الأطراف بذلك والإدلاء بما يفيد الطعن المذكور، بمعنى أن فتح الملف التنفيذي في قسمة التصفية لا يستلزم حتما وجود قرار برفض النقض أو شهادة عدم الطعن بالنقض، بل يتعين تنفيذ القرار الاستئنافي أو الحكم الابتدائي الحائزين لقوة الشيء المقضي به فور توفرهما على الصيغة التنفيذية، وأن وقف التنفيذ في قسمة التصفية كيف ما كان نوع العقار موضوعها، يستلزم الطعن بالنقض في القرار موضوع التنفيذ وتقديم طلب لقاضي التنفيذ قصد وقف إجراءات هذا الأخير قبل إرساء المزاد، وهو نوع من الحكمة التي نهجها المشرع لتفادي خلق وضع جديد يصعب تداركه في حال التنفيذ وصدور قرار بنقض الحكم المنفذ، وهي بالتالي وسيلة اختيارية  بيد المتنازعين إن شاءا أن يثيرانها وتخضع في نفس الوقت لسلطة قاضي التنفيذ التقديرية بناء على معطيات الملف التنفيذي والمرحلة التي وصل إليها، وليس لها علاقة بحتمية الفصل 361 من ق م م أو نوع العقار موضوع البيع بالمزاد العلني.

(رأي شخصي)

لقد تم تصدير مدونة الحقوق العينية بمقتضى القانون 39.08 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 بتاريخ 22 نونبر 2011 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24/11/2011 الصفحة 5587 وما يليها، وهي المدونة التي تم تعديل مقتضيات المادة 316 منها وتتميم مقتضيات المادتين 4 و 174 منها، والكل بتاريخ 12 مارس 2018 و 14/09/2017 و 28/11/2013 على التوالي، بمقتضى القوانين 13.18 و 69.16 و 22.13، غير أن الذي يهمنا بهذا الخصوص ما جاءت به مقتضيات المادة 319 من مستجد، والذي ساهم في طرح إشكالية على مستوى مسطرة تنفيذ الأحكام القضائية القاضية بقسمة التصفية وبيع العقار موضوعها بالمزاد العلني.

بالرجوع لمقتضيات المادة 319 من مدونة الحقوق العينية نجدها تنص على ما يلي:

يتم البيع بالمزاد العلني بعد استنفاذ الحكم القاضي بالقسمة طرق الطعن العادية والنقض عند الاقتضاء، وتطبق على المحضر المتعلق به مقتضيات المادة 221 من هذا القانون.

وتنص مقتضيات المادة 221 من نفس القانون على ما يلي:

” يجوز للحائز أن يحل محل المدين في أداء الدين وتوابعه ويستفيد في ذلك من الآجال المخولة للمدين الأصلي، كما له قبل حلول أجل الوفاء أن يطهر الملك من الرهن المترتب عليه بأداء الدين وتوابعه. يحل الحائز محل الدائن الذي استوفى دينه في ما له من حقوق تجاه المدين الأصلي.

الواضح من خلال ما اشير إليه أعلاه، أن مقتضيات المادة 319 من مدونة الحقوق العينية جاءت في مجملها بصيغة واضحة، غير أن هناك عبارة متمثلة في ” النقض عند الاقتضاء ” تطرح إشكالا بخصوص ما إذا كان جائزا تنفيذ الأحكام القضائية القاضية بقسمة التصفية بعد استنفاذ طرق الطعن العادية أم لابد من وجود شهادة عدم الطعن بالنقض أو قرار صادر عن محكمة النقض قاضي برفضه؟

معلوم أن جميع القرارات الاستئنافية تصدر بصفة نهائية، وهي قابلة للتنفيذ إن كانت حضورية بمجرد صدورها، والطعن بالنقض فيها لا يوقف التنفيذ، باستثناء ما تم التنصيص عليه بمقتضيات الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه ” لا يوقف الطعن أمام محكمة النقض التنفيذ إلا في الأحوال الآتية:

  • في الأحوال الشخصية؛
  • في الزور الفرعي؛
  • التحفيظ العقاري؛

يمكن علاوة على ذلك للمحكمة بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء.”

إذن هناك إشكال بخصوص مدى استلزام الأحكام القاضية بقسمة التصفية استنفاذ طرق الطعن العادية والنقض أيضا قصد تنفيذها، وما المقصود من عبارة ” النقض عند الاقتضاء ” وبعبارة أخرى هل هناك تمييز بين الأحكام القاضية بقسمة التصفية في العقارات المحفظة وغير المحفظة أو التي في طور التحفيظ، للقول بمدى تأثير عبارة النقض عند الاقتضاء على مسطرة التنفيذ وارتباطها بطبيعة العقار موضوع قسمة التصفية.

الأصل أن جميع القرارات الاستئنافية الحضورية قابلة للتنفيذ بمجرد صدورها ولو كانت محل طعن بالنقض، وتعتبر سندا تنفيذيا بقوة القانون، بما فيها القرارات الصادرة في قضايا القسمة العقارية، سواء كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ أو غير محفظ، وأن الاستثناء المنصوص عليه بالفصل 361 من ق م م ليس بالضرورة مرتبط بقسمة التصفية للعقارات المحفظة والقضايا التي لها علاقة بالعقار المحفظ عموما، وهو أمر استقرت عليه محكمة النقض وتؤكده عدة قرارات صادرة عنها، أهمها قرار صادر بتاريخ 02/06/1988 تحت عدد 125 في الملف الإداري عدد 5676 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 139 ص 134 وما يليه، جاء فيه تحديد صريح لعبارة التحفيظ العقاري المنصوص عليها بمقتضى الفصل 361 من ق م م وجاء فيه القرار المذكور ما يلي:[1]

المقصود بدعوى التحفيظ العقاري في الفصل 361 من ق م م التي يؤدي الطعن بالنقض فيها الى وقف التنفيذ، هي مجموع الإجراءات التي يقام بها بالنسبة لملك غير محفظ وتنتهي بإنشاء الصك العقاري له وفق ما يقتضيه ظهير 12 غشت 1913، لما كان القرار القاضي برفع الحجز على عقار محفظ قد اكتسب قوة الشيء المقضي به وفق ما ينص عليه الفصل 91 من الظهير المذكور فقد كان على المحافظ أن ينفذه وأن رفضه لهذا التنفيذ بدعوى عدم الإدلاء بشهادة عدم النقض يستم بالشطط في استعمال السلطة مما يعرض مقرره للإلغاء.”

كما صدر قرار آخر عن نفس المحكمة بتاريخ 20/09/2000 في الملف عدد 1468/99 جاء في نفس السياق وأسس لمبدأ التفسير الضيق لمقتضيات الفصل 361 من ق م م وعدم التوسع فيها، وجاء في القرار المذكور ما يلي:[2]

” إن محكمة الاستئناف بالتالي كانت على صواب عندما صرحت بأن مقتضيات الفصل 361 من ق م م تعتبر استثناء من القاعدة العامة التي مؤداها أن الأحكام قابلة للتنفيذ فور صدورها وأن تفسير الفصل السالف الذكر يجب ان يكون ضيقا فلا يتوسع فيه، وان عبارة التحفيظ الواردة فيه فتعني تسجيل الحقوق العينية عامة وغيرها من الضمانات أو التشطيب عليها من رسم الملك المنشأ سلفا وأن مقتضيات الفصل المذكور لا تنطبق عليها.”

وذهبت محكمة النقض في قرار آخر لها في نفس التوجه، معتبرة مقتضيات الفصل 361 من ق م لا تنطبق إلا على العقار في طور التحفيظ وجاء في قرار آخر لها بتاريخ 04/10/2000 ” أن مقتضيات الفصل 361 من ق م م لا ينطبق إلا على القضايا العقار في طور التحفيظ.”[3]

نستنتج من خلال ما سبق ذكره، أن القضاء المغربي ومن خلال قرارات محكمة النقض فسر عبارة “التحفيظ العقاري” المنصوص عليها بمقتضى الفصل 361 من ق م م، وأعطاها مفهوما ضيقا وجعلها مرتبطة بكل القضايا المعروضة على المحكمة في معرض نظرها بطلب له علاقة بتأسيس الرسم العقاري، الأمر الذي يجعل القول بأن عبارة “النقض عند الاقتضاء” لها علاقة بالعقارات المحفظة التي صدر فيها حكم بقسمة التصفية وارتباط ذلك بمقتضيات الفصل 361 من ق م م رأي مردود ومستبعد تماما، لاسيما أن مقتضيات المادة 221 من مدونة الحقوق العينية لما نصت على مبدأ الحلول في أداء الديون المترتبة على المالك الأصلي في مواجهة الحائز بما فيها المضمونة برهن رسمي لا تؤكدا حتما على أن العبارة المنصوص عليها بالمادة 319 من مدونة الحقوق العينية المتمثلة في ” النقض عند الاقتضاء ” لها علاقة بالعقار المحفظ، بدليل أن المبدأ المنصوص عليه بالمادة 221 و ما يليها من مدونة الحقوق العينية لا يشكل إلا استثناء ضيقا في حالة وجود رهن رسمي على العقار المحفظ موضوع قسمة التصفية وهو تعزيز لمبدأ أن أموال المدين ضمان عام لدائنيه لا غير.

الهامش:

[1] _ قرار محكمة النقض صادر بتاريخ 02/06/1988 تحت عدد 125 في الملف الإداري عدد 5676 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 139 ص 134 وما يليها.

[2] _ قرار محكمة النقض بتاريخ 20/09/2000 تحت عدد 1418 في الملف عدد 1468/99 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا عدد 57/58 الصفحة 228 وما يليها.

[3] _ قرار لمحكمة النقض بتاريخ 04/10/2000 تحت عدد 1522 في الملف المدني عدد 857/99 منشور بمجلة المناظرة عدد 7 صفحة 137 وما يليها.

ما هو رأيك؟

شارك معنا

قد يعجبك ايضا