انعكاسات المنظومة المندمجة لتدبير النفقات في تطوير مفهوم الرقابة

المعلومة القانونية – فاتن شهبون

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه، كلية الحقوق عبد المالك السعدي – طنجة.

لقد بات من المحتم على الإدارات العمومية والجماعية، تداول الأنشطة الرقمية أثناء مزاولة مهامها المالية والمحاسبية والرقابية، إذ تهدف هذه الآليات إلى تجويد العمل الرقابي وتحقيق المساعي من الرقابة الداخلية، والتي لاقت صعوبات وفقا للمنهج التدبيري التقليدي.

فالتدبير الإلكتروني للمالية المحلية، يعمل على تحقيق الأهداف الرقابية، والتي تسعى لمكننة كشوف الحسابات وأنظمة استخلاص الديون وتدبير الإيرادات والنفقات، وتشهد المرحلة المقبلة من التدبير الإداري الجماعي، إنفاقا واسعا على وسائل التكنولوجيا الحديثة، من أجل التكيف مع التطورات الإدارية الحالية، والاستفادة من مميزاتها، خاصة وأن المعلومات المالية والمحاسبية تحتل مكانة هامة داخل الجسم الإداري. ويتطلب الأمر استخداما أمثل لهذه المعلومات، وتوظيفها لإصدار نتائج واضحة وشفافة في فترات محددة مسبقا، وتمكين الفاعلين المتدخلين في تدبير النفقات من مراقبة ومواكبة العمليات الحسابية، ومعالجة هذه البيانات.

وتتمظهر أهمية الرقابة الإلكترونية في صيرورة التطور التكنولوجي، والذي تعرفه المجتمعات المعاصرة، إذ تتميز الرقابة الإلكترونية بقدرتها على معرفة المتغيرات الخاصة بالتنفيذ أولا بأول، وفي الوقت الحقيقي، أي انخفاض الفجوة الزمنية بين التنفيذ والرقابة عليها[1].

وتبعا لما سبق، إلى أي حد تؤثر وظائف المعالجة الإلكترونية على الرقابة على البيانات المحاسبية والمالية للجماعات الترابية؟ وللإجابة على هذا التساؤل، سنتطرق في الفرع الأول إلى إرساء أسس الرقابة الإلكترونية، وبالفرع الثاني سنتطرق لانعكاسات الرقابة الإلكترونية على تدبير النفقات.

الفرع الأول: إرساء أسس الرقابة الإلكترونية “التدقيق المندمج”

يعتبر مفهوم “جودة العمل الرقابي” مفهوما متعدد الجوانب، يهتم به أطرافا أو جهات كثيرة تستفيد من عملية الرقابة “المراجعة” أو “التدقيق المندمج”، حيث يختلف منظور كل طرف أو جهة لهذا المفهوم، وكذلك الهدف منه. فمنهم من تناوله من خلال مفهوم جودة المنتج التقليدي، ومنهم من تناوله من خلال علاقته باكتشاف المخالفات والأخطاء، ومنهم من تناوله من خلال علاقته بالمستفيدين من الرقابة، وآخرون من خلال علاقته بمخاطر الرقابة، وآخرون أيضا من خلال علاقته بالمعايير المهنية، وقد شاب المفهوم من تلك الجوانب بعض أوجه القصور، ويعتبر المفهوم الأكثر شمولا ودقة ويتلاءم مع دور الأجهزة العليا للرقابة في مجال الرقابة التي تمارسها، هو المفهوم المعتمد في الدورة التاسعة للجمعية العامة للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، والذي يركز على أن جودة العمل الرقابي هي “الصفات والخصائص التي يجب أن تتسم بها عملية الرقابة ومخرجاتها، ومدى تحقيقها لرسالة وأهداف الرقابة، وهذه الصفات والخصائص يجب أن تكون مستندة في كافة تفاصيلها إلى معايير رقابية معتمدة وأدلة عمل واضحة ومتناسقة مع تلك المعايير الرقابية”[2]. فماهي إذن انعكاسات النظم المعلوماتية على مفهوم الرقابة؟ وماهي أسس الرقابة الإلكترونية على منظومة النفقات؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، سنتطرق لفقرتين، ستناقش الأولى، تأثيرات النظم المعلوماتية على مفهوم الرقابة، وستتطرق الثانية لأسس الرقابة الإلكترونية على منظومة النفقات.

الفقرة الأولى: تأثيرات النظم المعلوماتية على مفهوم الرقابة

هناك من يرى أن نظام المعلومات المحاسبية، هو جزء من نظام المعلومات الإدارية، على اعتبار أن نظام المعلومات المحاسبية، يهتم بقياس المعلومات المحاسبية التاريخية بغرض إعداد القوائم للجهات الخارجية، بينما يهتم نظام المعلومات الإدارية بكل المعلومات اللازمة للإدارة بغرض تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة للوحدة الاقتصادية. وعليه، فإن ذلك يمكن أن يوسع مفهوم نظام المعلومات الإدارية ليشمل كل نظم المعلومات بما فيها المعلومات المحاسبية. ويرى “فاسن” Vaassen أن هذا الرأي كان سائدا منذ الخمسينات من القرن الماضي إلا أنه لم يعد صحيحا في الوقت الحاضر، فنظام المعلومات المحاسبية قد حصل على موقعه المناسب داخل الوحدة الاقتصادية، وهو يمثل نظاما فرعيا أساسيا ضمن النظام الكلي المتمثل بالوحدة الاقتصادية ككل، إضافة إلى أن النظرة الحديثة حول نظام المعلومات المحاسبية لم تعد قاصرة على الاهتمام بتقديم المعلومات التاريخية فقط، وإنما امتد ليشمل أنواعا أخرى من المعلومات مثل: المعلومات الحالية -الخاصة بالعمليات التشغيلية والرقابة-، والمستقبلية -الخاصة بحل المشكلات والتخطيط-[3]. وتبعا لذلك، سنتطرق إلى الضوابط الرقابية لنظم المعلومات المالية، وعلاقة بيئة العمل الرقابي بالمنظومة المندمجة.

أولا: مراجعة الضوابط الرقابية لنظم المعلومات المالية

التدبير المندمج للنفقات العمومية بالجماعات الترابية، يمثل الحد الفاصل بين التدبير الدوغمائي الكلاسيكي المنغلق، وبين الرؤيا الاستشرافية المتطورة لتدبير النفقات، والتي تتأسس على توظيف متكامل ومتداخل، لمكونات منظومة النفقات وفقا لعلاقات مترابطة، تحكمها تبادلات مندمجة وموحدة للمعلومات المالية والمحاسبية، وتمكن من التتبع الآلي للتنفيذ المحاسبي للميزانية وإعداد إحصائيات ذات مصداقية، وتعمل على تعزيز التواصل بين مختلف الوحدات المتدخلة، وإنتاج المعلومة في الوقت الحقيقي وتبسيط المساعدة في عملية صنع القرار، بغية ترشيد الإنفاق وبلوغ التنمية الشاملة للجماعات الترابية.

ويهدف نظام المعالجة الإلكترونية للبيانات المحاسبية، إلى توفير معلومات دقيقة ومفيدة في وقت مناسب لمختلف المستفيدين، من حيث التصميم والتشغيل فإن هذه النظم تعتمد على تكنولوجيا متطورة وتقنيات متعددة، من أجل تحويل البيانات إلى معلومات ذات جودة عالية، وهي أسلوب الأداء الذي يتضمن مزيجا مركبا متفاعلا من تجهيزات آلية متطورة، مثل أجهزة الحاسب والإنترنت والعمالة لتشغيل البيانات لتقديمها كمعلومات حديثة ومتطورة بأسرع ما يمكن لكل مستخدمي هذه المعلومات. وتعتبر التقنيات المحوسبة مجموعة من الأجهزة الحديثة (الحواسيب) وملحقاتها والموارد البشرية والبرامج التطبيقية، التي يستطيع من خلالها المستخدم أن يجمع ويدخل ويحفظ البيانات ويستخرج المعلومات التي سبق معالجتها، من خلال وحدة المعالجة المركزية بواسطة الوسائل الخارجية لأجهزة الحاسوب، مثل الأقراص الممغنطة، الأقراص المدمجة، الذاكرة الضوئية، الطابعات الليزرية وغيرها من الوسائل الحديثة.

وبناءا على ما سبق، يمكن وضع تعريف لنظام المعلومات المحاسبية الإلكترونية بأنه “عبارة عن مجموعة من العمليات في شكل بيانات ومختلف التقنيات الحديثة التي تتفاعل وتتكامل معا، من خلال تصميم نظام إلكتروني قوي لأمن وحماية البيانات، ومن أجل تزويد الأطراف الداخلية أو الخارجية بالمعلومات التي يحتاجونها”[4].

كما أن رقابة تقنية المعلومات تعتبر: “عملية تجميع المعلومات وتقييم الأدلة، ما إذا كان نظام الحاسب الآلي مصمما لحفظ بيانات كاملة ولحماية الأصول، بما يسمح بتحقيق أهداف الجهة بفاعلية، واستخدام الموارد بكفاءة، تستخدم أجهزة الحاسب الآلي في إيجاد طرق مختلفة لتسجيل ومعالجة ومراقبة المعلومات، والعمل على توحيد العديد من المهام الوظيفية، ومن جهة أخرى، الاستخدام المتزايد لأجهزة الحاسب الآلي في معالجة بيانات مجالات جديدة، لمراجعة وتقييم الضوابط الرقابية الداخلية لأغراض الرقابة، وهي تعتبر ضوابط بالغة الأهمية في أنظمة تقنية المعلومات[5]. وتمكن تكنولوجيا المعلومات للأطراف الرقابية من سرعة عالية في أداء العمليات الحسابية والمالية بالكيفية التي تلبي المتطلبات الرقابية، عبر تمكينهم من نتائج بدقة وذات جودة عالية، مع انعدام احتمالية الخطأ، إلا في حالة ما يمكن أن يصدر عن مدخل البيانات من أخطاء.

كما تمكن الآليات الحديثة للتدبير –أيضا-، من العمل بتواتر وباستمرار وبشكل إلكتروني، دون تعب على العكس من القدرات البشرية التي قد تتعرض للملل أو التعب أو التهاون في بعض الأحيان، أضف إلى ذلك أن تكنولوجيا المعلومات تستطيع القيام بالعديد من الاختبارات المبرمجة مسبقا تهم الرقابة المالية، للتأكد من صحة العمليات الحسابية، في المقابل القدرة الهائلة للحاسب الإلكتروني على تخزين المعلومات المالية بصفة دائمة ودقيقة.

ثانيا: علاقة بيئة العمل الرقابي بالمنظومة المندمجة

تمثل المعلومات والتكنولوجيا التي تساندها الكثير من المؤسسات أثمن موجودات المؤسسة، الأمر الذي يمثل تحديا وتغييرا، سريع الوتيرة في بيئة العمل الرقابي هذه الأيام، وفقا للمعطيات الوظيفية لتقنية المعلومات. فالمؤسسات تستهدف منها جودة أعلى وفعالية أكبر والمزيد من السهولة وقصر الزمن اللازم للتشغيل، وأن يتم هذا بأقل التكاليف. وتدرك الكثير من المؤسسات المزايا المحتملة التي يمكن أن تقدمها التكنولوجيا، غير أن المؤسسات الناجحة تتفهم وتعمل على إدارة المخاطر التي ترافق تطبيق هذه التقنيات الجديدة. لذا فإن الرقابة على تقنية المعلومات والتقنيات المرتبطة بها تعد أمرا حاسما للغاية لاستمرار أي مؤسسة ونجاحها في مجتمع المعلومات العالمي، وتبرز أهمية ذلك في ظل:

  • الاعتماد المتزايد على المعلومات وعلى النظم التي تعطي هذه المعلومات؛
  • زيادة الثغرات الأمنية والطيف الواسع من الأخطار؛
  • حجم وتكلفة الاستثمارات الحالية والمستقبلية في المعلومات والأنظمة المعلوماتية؛
  • الدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في إحداث تغيير بالمؤسسات أو بممارسات العمل وفي إيجاد فرص جديدة وكذلك خفض النفقات[6].

وهناك العديد من التغييرات على صعيد تقنية المعلومات وبيئتها التشغيلية، بما يشد على الحاجة لوجود إدارة أفضل للمخاطر المرتبطة بتطبيق تقنية المعلومات، حيث إن الاعتماد على المعلومات الإلكترونية والنظم المعلوماتية أمر ضروري لدعم إجراءات سير الأعمال الأساسية، وأهمية وجود رقابة أكثر صرامة على المعلومات، بسبب تزايد مشاكل اختراق أنظمة المعلومات وتزايد الاحتيال الإلكتروني، لذا ينظر إلى إدارة المخاطر المتعلقة بتقنية المعلومات على أنها جزء أساسي من سياسات المؤسسة. وهناك علاقة قوية بين نظم المعلومات المحاسبية والحاسوب، ويتضح من مراجعة نظم المعلومات والحاسوب بأن الفكرتين مكملتان لبعضهما البعض، وأن عناصرهما لا يختلفان عن بعضهما البعض، وأدناه عدد من النقاط التي توضح ذلك:

  • تعيين فكرة وبنية الحاسوب على فكرة نظم المعلومات، حيث لا تخرج فكرة الحاسوب عن فلسفة النظام؛
  • عناصر فلسفة النظام الرئيسية هي نفسها الأجزاء المكونة لجهاز الحاسوب الرئيسي -مدخلات، معالجة، مخرجات-؛
  • فلسفة نظام المعلومات المحاسبي، أوسع وأقدم من فكرة الحاسوب حيث اعتمد الحاسوب على فلسفية النظام؛
  • الحاسوب أداة تنفيذية ورقابية لفكرة النظام المحاسبي؛
  • فلسفة النظام والسلوك البشري أعطى للحاسوب التقدم والتكنولوجيا،
  • الحاسوب أداة تخطيطية للنظام المحاسبي؛
  • الترابط الذي أدى إلى التكامل بين فكرة النظام وفكرة الحاسوب؛
  • الحاجة البشرية إلى المعرفة الدقيقة والسريعة والمتخصصة والبحث عن الجزئيات المتعلقة بها[7].

الفقرة الثانية: أسس الرقابة الإلكترونية بمنظومة تدبير النفقات

إن مجال العمل الرقابي الخاص بالأجهزة العليا للرقابة، يفرض عليها العديد من التحديات التي تواجهها لتحقيق أهدافها، ومتابعة التطور المستمر في النظم المالية والمحاسبية، والتي أصبحت تتم وفقا لنظام معلوماتي آلي معتمدا على بنية تحتية تكنولوجية، تتميز بالسرعة الفائقة في نقل البيانات ومعالجتها وتحليلها وصولا إلى النتائج، وما يتبع ذلك من تحديات خاصة بعمليات الحماية والأمان والرقابة والتحكم. كما يتطلب ذلك تأهيل أعضاء تلك الأجهزة، وإتاحة فرص التدريب والتأهيل في هذا المجال حتى يكون لديهم القدرة على مواجهة هذه التحديات[8]. ويمَكن التدبير الإلكتروني للنفقات العمومية من تحسين آليات الرقابة، والتي تعتمد على سلامة النظم المحاسبية والمالية وجودتها في تدبير البيانات، مع المحافظة على المعلومات المالية بكيفية دقيقة وسليمة، وتدعيم ثبات وفعالية الخطط المالية والالتزام بالسياسات والبرامج المالية. ومن خلال هذه التطورات يتبين لنا جليا الإصلاحات القيادية التي آل إليها تدبير منظومة الرقابة والطفرة النوعية التي عرفتها، وهذا ما سنتطرق إليه فيما يأتي:

أولا: من الرقابة التقليدية إلى الرقابة الإلكترونية

الرقابة الإلكترونية على تدبير النفقات، هي توسيع لنطاق ومفهوم الرقابة التقليدية بكل فروعها وأصنافها، إذ إنه في إطار خلق منظومة مندمجة للنفقات العمومية بالجماعات تم التأثير على قدرة المراقبين وعلى مردودية عملهم.

ووفقا لهذه الوظائف المندمجة والمتكاملة، فإن منظومة التدبير المندمج للنفقات اعتمدت على العديد من أسس ومعارف الرقابة التقليدية، خاصة في مجال الرقابة الداخلية، إذ إن المنظومة تعمل على التوفيق بين النظم الإلكترونية واليدوية، عبر التأكد من صحة البيانات وتكاملها قبل وضعها بالتطبيق الإلكتروني وتوزيع مخرجات الكمبيوتر. كما أنه يمكن تطبيق جميع عناصر الرقابة التقليدية “القبلية، المواكبة، البعدية”، على أن يتم التأكد من العمليات المالية والحسابية، كي يتم تشغيلها بشكل صحيح، بالمساعدة مع النظم الإلكترونية التي تعمل على إخبار المستعمل بالأخطاء الحسابية في حالة عدم التوافق بين العمليات الحسابية المدخلة. وتبعا لذلك، فإن منظومة التدبير المندمج تعتمد رقابة تعمل على الجمع بين جميع أصناف الرقابة وفقا لمنظومة موحدة بين جميع الفاعلين، كما هو موضح في الخطاطة التالية:

خطاطة 1: رقابة موحدة بين الفاعلين

وحسب ما هو موضح في الخطاطة، فإن منظومة التدبير المندمج، تعمل على خلق منظومة رقابية إلكترونية شفافة، تعمل على نزع الصبغة المادية عن الصفقات العمومية، وإرساء مفهوم جديد للرقابة تدبير على النفقات بالجماعات الترابية، وتسهم في جعل جميع الفاعلين المتدخلين في تدبير نفقات الجماعات ضمن منظومة موحدة بغية تبسيط آليات الرقابة، مع توفير إمكانية الولوج إلى المعلومات المالية والمحاسبية المتعلقة بتدبير نفقات الجماعات الترابية، في آن واحد حتى لو اختلف مكان أو وقت الاتصال بالمنظومة. فهذا النوع من الرقابة[9]، لا يقتصر على التنفيذ بل على التخطيط أيضا، عبر توفير أدوات المعاملات والإجراءات، والتمكن من الاقتراب أكثر من الرقابة القائمة على الثقة، بدلا من الرقابة القائمة على الصلاحيات.

وتهدف هذه السياسة، إلى جعل جميع البيانات المالية والمحاسبية المتعلقة بتدبير النفقات، رهن إشارة جميع الفاعلين المتدخلين في تدبير النفقات، والتأكد من صحة البيانات المحاسبية المسجلة والحفاظ عليها من التلاعبات والاختلاسات، ومعالجة هذه البيانات بشكل يسمح بتكريس رقابة فعالة تكشف حدوث الأخطاء في الوقت الحقيقي، إذ إن المطابقة الزمنية لحدوث الأخطاء تسمح برد فعل سريع، وبالتالي فإنها تؤثر على عملية المعالجة وبنية الرقابة الداخلية.

فطبقا لهذا النظام، يتم جمع بيانات عناصر العملية وترتيبها في مجموعات، ومن ثم معالجة البيانات في وقت واحد وعلى دفعة واحدة. وعندما يكون النشاط الاقتصادي بطيئا وعدد عملياته قليلة، يتم جمع البيانات إلى حين توفر القدر الكاف منها، ليتم التحقق من تحديث الملف الرئيسي للمخزون مع كل عملية تخص المخزون دون انتظار[10]، ولذلك يطلق عليه نظام المعالجة الفورية ويتميز هذا الأسلوب بإمكانية تحديث الملفات الرئيسية بصورة مستمرة مع كل عملية تحديث، إذ يلزم استخراج بيانات الملفات عند إدخال ومعالجة بيانات كل عملية. ومع ذلك توجد بعض العيوب في استخدام المعالجة الفورية للبيانات منها ارتفاع وسائط التخزين التي تتيح الوصول إلى البيانات مباشرة.

ويمكن توضيح ما سبق ذكره، بواسطة الخطاطة التالية:

        خطاطة2: أهمية التحول للرقابة الإلكترونية

ويتبين من خلال الخطاطة، دور الرقابة الآلية والمندمجة في خلق الثقة الإدارية، التي “انعدمت” منذ سنين طويلة، وفُقدت بسبب التدبير الدوغمائي والفكر التقليدي لمنظومة النفقات. فإرساء الرقابة الإلكترونية تمكن من اتخاذ قرارات مالية هامة وتحديد مراكز المسؤولية، وأيضا ضمان حماية المال العام من “التبذير”.

ثانيا: الرقابة على توثيق النفقات بالمنظومة

تختص الرقابة المحاسبية بتحقيق أهداف حماية الأصول والسجلات وضمان دقة البيانات المحاسبية، وتشتمل على الخطة التنظيمية وكافة الطرق والوسائل التي تستخدمها المنشأة لحماية الأصول والسجلات وضمان دقة البيانات المحاسبية، ونعرض فيما يلي لأهم طرق الرقابة المحاسبية[11]:

  • تقسيم الاختصاصات بين العاملين، بحيث يتم الفصل بين الوظائف والأعمال المتعارضة، ولا يسمح لأي شخص القيام بعملية واحدة من بدايتها حتى نهايتها، منعا للتلاعب، بالإضافة إلى تحقيق رقابة كل شخص على غيره من الأشخاص الآخرين؛
  • استخدام طريقة قيد ثبات العمليات بالسجلات المحاسبية، لما تحققه من معادلة التوازن والضبط الحسابي؛
  • استخدام حسابات المراقبة الإجمالية لمراقبة الحسابات الفرعية “حسابيا”: مثل حساب إجمالي العملاء لمراقبة الحسابات الشخصية للعملاء، وأيضا حساب إجمالي الموردين لمراقبة الحسابات الشخصية للموردين؛
  • إعداد موازين مراجعة دورية: للتأكد من التوازن الحسابي بصفة دورية؛
  • اتباع نظام الجرد المستمر للمخزون، ومطابقة الأرصدة الدفترية مع نتيجة الجرد وتحديد الفروق وأسبابها؛
  • ضرورة التكامل بين الأنظمة المعلوماتية، لتوفير أرضية لمنظومة رقابية موحدة تتولى الرقابة على العمليات المالية والمحاسبية. وتتمثل في النشاط الذي يقوم به المراجع، والرقابة الداخلية في بيئة الحاسوب، بالإضافة إلى الفعالية الفنية للنظم الإلكترونية.

وجدير بالذكر أنه عند تصميم برنامج المراجع الداخلية، توافق الإدارة على استخدام هذه الأنواع لإنجاز مهام وظيفة المراجعة الداخلية، ويمكن تصنيف هذه الأنواع الأربعة من حيث الوظيفة إلى:

1- المراجعة المستمرة وتنقسم إلى المراجعة السابقة والمراجعة اللاحقة؛

2- المراجعة الدورية.

فعادة ما تستخدم المراجعة المستمرة “السابقة”، عند الرغبة في التحقق من جميع العمليات بشكل مستقل قبل الانتهاء منها. ويتم القيام بهذا الشكل من المراجعة عند تنظيم المراجعة الداخلية على مستوى القسم، مثل مراجعة النفقات ومراجعة حسابات الدائنين ومراجعة الرواتب. وأما المراجعة المستمرة “اللاحقة” فهي تختلف عن سابقتها من حيث توقيت القيام بها فقط، إذ يقوم بها المراجع بعد الانتهاء من العملية محل الفحص. أما المراجعة الدورية فيقوم بها المراجع المستقبل بشكل دوري لتحقيق الفحص الدوري للعمليات. وبشكل عام فإن استخدام نوع من المراجعة الداخلية، يعتمد كلية على الوضع التنظيمي للمراجعة الداخلية والأهداف المنوطة بها. فالمراجعة الداخلية لا تعمل في شكل “قوالب جاهزة”، بل ينبغي أن تكون فعالة وقادرة على خدمة أهداف الإدارة[12]. فالتوثيق الجيد لعمليات تدبير النفقات يعتمد بالأساس على التدريب الجيد لمستخدمي المنظومة المندمجة، على توثيق السجلات، والتقارير وأوراق العمل، ووصف النظام وبرامجه، وخرائط تدفق تعليمات التشغيل وغيرها، والتي تساعد على وصف النظام والإجراءات المستخدمة لأغراض أداء مهام تشغيل البيانات. ويؤدي التوثيق الجيد للنظام إلى زيادة فهم المدقق للرقابة على تطبيقات النظام، ومن ثم تخفيض وقت تكلفة التدقيق، كما أنه يقدم معلومات تفيد النظام، لذا يقتضي الأمر ضرورة وجود إجراءات للرقابة على التوثيق لضمان الثقة فيه، ومن أهم هذه الإجراءات ما يلي[13]:

  • وجود معايير التوثيق كسند للتدقيق الجيد، وصعوبة الرقابة على تعديل النظام والالتزام بمعايير التشغيل المرضية؛
  • استخدام البرامج المساعدة مثل: برامج خرائط أمناء المكاتب، والتي تتولى التوثيق الآلي للنظام بالدقة والسرعة الملائمة، مما يؤدي إلى خفض التكاليف؛
  • توثيق البرامج من خلال: إعداد خرائط تدفق البرامج، توصيف البرامج والهدف منها، شرح لشكل المدخلات والمخرجات الخاصة بكل برنامج والإجراءات الرقابية التي يتضمنها، إعداد سجل بكافة التعديلات التي أدخلت على البرنامج، يوضح اختبارها بها وتاريخ بدء تنفيذها؛
  • توثيق تعليمات التشغيل اللازمة لمساعدة مشغلي الحاسب على القيام بعمليات التشغيل، ويعرف بدليل العمليات، ويمكن من تحقيق رقابة فعالة.

الفرع الثاني: انعكاسات الرقابة الآلية على تدبير النفقات

إن سبل نجاح البرامج التنموية للجماعات الترابية، تتطلب توفير رقابة مندمجة تعمل على المحافظة على المال العام المحلي، وضمان حسن استخدامه والارتقاء بالأداء لتحسين مردودية منظومة النفقات العمومية، وتكريس قيم الشفافية والنزاهة والمساءلة. فوجود أجهزة رقابة قوية تتمتع بكافة المقومات التي تسهم في الرفع من مردودية أدائها. حيث إن، تلك الأجهزة تسهم في صنع القرارات من خلال ما تقدمه من مقترحات وما تبرره من تقييم للأوضاع القائمة، بالإضافة إلى دورها الفاعل في حماية الأموال العامة، وهو ما حرصت عليه المنظمات الرقابية الدولية والإقليمية، من خلال التأكيد على أهمية استقلال الأجهزة الرقابية ودعمها، وتوفير كافة المقومات القانونية والمالية  اللازمة ليحقق ذلك[14].

فالتحول من الرقابة رصدا إلى الرقابة عملية، هو الاقتراب نحو الرقابة في الحاضر بدلا من الرقابة على الماضي، مما يقلل من المفاجآت الداخلية بوجود الرقابة الفورية عليها وتصحيحها، مع توسيع الرقابة على الشراء والموردين والشبكات الداخلية والخارجية[15]. وترتيبا على ذلك، فإن إرساء الرقابة الآلية تمكن من تطوير الرؤى النظرية لمنظور الرقابة (الفقرة الأولى)، الأمر الذي يجعلنا أمام جدلية المميزات والمخاطر (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تطور المنظور الرقابي

لقد كانت وظائف أجهزة الرقابة، مقتصرة في المراحل الأولى على مراجعة الأجهزة المركزية للدولة، واستهدفت كشف الأخطاء الحسابية التي قد توجد في سجلات تلك الأجهزة ودفاترها. وفي وقت لاحق، استهدفت الرقابة المالية التحقق من الالتزام بالقوانين والتشريعات المختلفة، مما نتج عنه ما يعرف برقابة الالتزام أو رقابة المشروعية. ثم تطورت الرقابة من حيث وظيفتها، لتشمل البحث في كفاية المشروعات والبرامج، وفاعليتها في تحقيق أهداف الخطط الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وقد أطلق على هذا الوجهالمتطور من الرقابة ما يعرف برقابة الأداء، أو عائد الإنفاق. وفي السنوات الأخيرة أيضا، تطورت وظائف أجهزة الرقابة لتشمل تقديم الخدمات الاستشارية مجال التنظيم الإداري والمالي، والمشاركة في إعداد القوانين واللوائح المالية والإدارية، وفي بعض الأحيان امتد هذا التطور إلى المشاركة في مجالس إدارات المؤسسات والهيئات العامة، الإدارية منها والاقتصادية[16].

ومواكبة لمجموع التطورات المجتمعية، أصبح لزاما على الأجهزة الرقابية المالية وضع خطط مستقبلية لتفعيل مفهوم المراجعة في ظل بيئة الحاسب الآلي والانتقال التدريجي إلى أساليب المراجعة الحديثة، ومنها المراجعة الآلية والتي يمكن تعريفها بأنها إجراء الاختبارات على البرامج المستخدمة داخل الحاسب الآلي لإحكام الرقابة عليها، وكذا دراسة الإجراءات وخطوات العمل المستخدمة في إدخال البيانات للحاسب وطرق الرقابة عليها، للتأكد من سلامة وصحة البيانات المدخلة للحاسب، إضافة إلى تقييم أنظمة الرقابة الداخلية، على مدخلات ومخرجات وعمليات تشغيل الحاسب الآلي. فعملية الانتقال من المراجعة التقليدية إلى المراجعة الآلية، سوف تؤدي بالطبع إلى تحقيق نتائج إيجابية في حالة توفر الوسائل المساعدة للانتقال إلى هذه المرحلة، ولتحقيق متطلباتها فإنه يتعين على الأجهزة الرقابية اتخاذ عدد من الخطوات لتفعيل موضوع المراجعة الآلية[17]، ومنها ما يلي:

1- التنسيق مع مختلف الجهات الخاضعة لرقابة الأجهزة الرقابية، للتأكد من استعدادها للانتقال إلى هذا الأسلوب من المراجعة؛

2- العمل على توحيد بيئة العمل في مختلف الجهات من خلال البرمجيات ونظم التشغيل وتمثيل البيانات؛

3- تهيئة وتثقيف مسؤولي ومدققي الأجهزة الرقابية للانتقال إلى المراجعة الآلية؛

4- التأكد من توفر الأجهزة والتجهيزات اللازمة؛

6- التعرف على تجارب الأجهزة الرقابية التي سبق أن طبقت أسلوب المراجعة الآلية للاستفادة منها.

وتأسيساً على ذلك، لم تعد أهمية الأجهزة الرقابية المالية، محل خلاف في الدول الحديثة كافة، بعد أن تزايدت الحاجة لوجود تلك الأجهزة، نظرا لدورها الهام في مراجعة التصرفات التي تجرى على موارد الدول، والتي تتصف بالمحدودية في بعض منها، بالإضافة إلى تشعب وتطور وسائل وأساليب الفساد على جميع المستويات، وارتباط بعضها ببعض خاصة من خلال تطور تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى ما يحدث من أزمات مالية واقتصادية. ونتيجة لذلك كله، فإن الأمر يتطلب وجود رقابة فعالة تسهم في مواجهة الأزمات ومحاربة الفساد وحماية تلك الموارد، وضمان استخدامها الاستخدام الأمثل. وبالنظر لتطور التصور التدبيري للإدارة المحلية، واتجاهه نحو تكريس الإدارة الإلكترونية في جميع مناحي الحياة الإدارية، اعتمدت الحكومة المغربية العديد من المناهج لتبسيط المساطر وتسهيل الولوج للخدمات الإدارية، ونزع الصبغة المادية عن المساطر الإدارية، مع الحرص على معالجة البيانات المهمة، وحفظها وإصدار التقارير بشأنها.

ومن حيث المقاربة المقارنة، نجد وزارة الداخلية بفرنسا قد اعتمدت  “منذ 2004” منظومة أديل ADELE، والتي تعمل على ترسيخ الإدارة الإلكترونية بالتدبير المالي ومراقبة الميزانية، وفق منظور حداثي يعمل على ضرورة دمج الإدارة “المركزية واللامركزية” بطرق تدبير إلكتروني متطور. فمن ناحية تشمل هذه المنظومة “شبكة جمع Réseau Collecte”، وتمكن من الوصول إليها عن طريق خدمات على الخط، يتيحها مشغلو الإرسال الذين يعملون على تشغيل جهاز توافق عليه وزارة الداخلية الفرنسية، لمستعملي المنظومة، الأمر الذي يمكن من تسهيل خضوع المنظومة لرقابة المشروعية ومراقبة الميزانية. ومن ناحية أخرى، يمَكن تطبيق منظومة @ctes من السماح للفاعلين المتدخلين في تدبير الميزانية من مراقبة الأعمال المرسلة إلكترونيا. وتهدف هذه المنظومة إلى إزالة الطابع المحلي لسلسلة الميزانية المحلية برمتها، بدءًا من إعداد الميزانيات المحلية وإحالتها إلكترونيا إلى أن تصبح تحت إمرة الوزارة الوصية[18]. نفس المنهاج سلكته الإدارة المغربية بتطبيقها منظومة “جيد” GID لتدبير النفقات العمومية بالجماعات الترابية، كما حاول المشرع المغربي العمل على خلق توافق بين الأسس التشريعية والمنظومة المعلوماتية للمالية والمحاسبة العمومية،بالرغم من كونها محاولة بسيطة وتستلزم مزيدا من التعبئة التشريعية والبشرية والمنظوماتية.

وبناءًا على توصيات المؤتمرات والاجتماعات، التي عقدتها المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، المعنية بتطوير عمل الأجهزة العليا للرقابة المالية، مثل المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية “انتوساي”، والمنظمة الآسيوية “اسوساي” والمنظمة العربية “ارابوساي”، فقد وضعت عدد من البلدان خطتها للتحول الإلكتروني، مستفيدة من تلك التجارب والتوصيات، بما ينسجم مع التوجيهات الصادرة، مما يمكن من تنفيذ مهامها وتطوير آلية تنفيذ أعمال الرقابة، بشكل ينسجم مع بيئة التشغيل الإلكتروني للبيانات[19].

ويقوم تصور الحكومات حول تنفيذ المهام وتطوير آليات تنفيذ أعمال الرقابة، بشكل ينسجم مع بيئة التشغيل الإلكتروني للبيانات، على خمسة مسارات متكاملة[20] :

1- القيام بأعمال مراجعة نظم المعلومات، لدى الجهات الخاضعة للرقابة للتحقق من سلامة وفعالية الضوابط الرقابية التي تحكمها، عبر تقييم مدى توفر وصحة وسرية الأصول المعلوماتية. ومراجعة وتحليل الأنظمة والتطبيقات والبنية التحتية لتقنية المعلومات. وتقييم مدى كفاءة وفعالية واقتصادية استعمال تقنيات المعلومات لتنفيذ المهام المطلوبة، وأيضا تقييم مدى التقيد بالسياسات وإجراءات العمل المقررة؛

2- استخدام التقنية التي تساعد في رفع كفاءة وفعالية المراجعين، أثناء تنفيذ أعمال مراجعة البيانات الإلكترونية، عبر تمكين المراجعين من فحص عدد كبير من العمليات والبيانات المتوفرة في الحاسوب وتحليلها، وكشف الحالات غير الاعتيادية “الاستثنائية” منها بكفاءة عالية، بهدف التحقق من كفاءة نظام الضبط الداخلي والاختبارات الجوهرية بشكل فعال، والتقليل من مستوى مخاطر المراجعة المتأصلة، وتسهيل إمكانية الحصول على المعلومات المطلوبة بسرعة كبيرة، كما يساعد على مراجعة حجم كبير من البيانات، واكتشاف الحالات غير الاعتيادية “الاستثناءات” ضمن البيانات، ونقط الضعف في الضبط الداخلي، بالإضافة إلى المساعدة في سحب عينات غير متحيزة، مما يعطي مصداقية لأعمال المراجعة، وفي برمجة بعض عمليات المراجعة، وخاصة في مراجعة حسابات البنوك، مما يؤدي إلى التوفير في تكاليف المراجعة، وتوثيق خطوات المراجعة التي ينفذها المراجع، وكذلك النتائج التي تسفر عنها، والتي تساعد على التحقق من جودة وصحة أعمال المراجعة وتوفر أدلة إثبات موثوقة.

الفقرة الثانية: الانتقال نحو الرقابة الآلية: جدلية المميزات والمخاطر

للرقابة الإلكترونية جانب مضيء، من حيث تفعيل الشفافية المالية للإدارة المحلية، وتحقيق الوضوح في النشاطات المالية والمحاسبية، والحد من بؤر الفساد الإداري والمالي، والانعكاس الإيجابي على فعالية القرار المالي، وتسريع وتيرة الرقابة على الميزانية المحلية وبالتالي القضاء على مكامن الفساد. إذ إن اعتماد الرقابة الإلكترونية قد يخفف العبء على باقي الأجهزة والآليات التي طالما نادى فقهاء القانون بثقلها وضرورة التخفيف منها.

فالتشديد على العملية الرقابية والمتابعة الدقيقة مع تعدد الجهات الرقابية، قد يفقد الجهاز الرقابي المرونة في مواجهة التغيرات المحيطة، بالإضافة إلى الجمود الذي فرضته الضوابط والتعليمات التي قيدت قدرات وطاقات العاملين[21]. فإلى أي حد يمكن اعتبار وظائف الرقابة الإلكترونية حلا مناسبا لحماية المال العام المحلي من “التقتير والتبذير”؟، وماهي الحلول المناسبة لتدعيم الرقابة المذكورة للقيام بدورها على أكمل وجه؟ وللإجابة على هذه التساؤلات سنتطرق لمميزات الانتقال نحو الرقابة الآلية، ثم المخاطر التي قد تواجهها.

أولا: مميزات الانتقال نحو الرقابة الآلية

تتجلى الإشكالية الرئيسة للرقابة الكلاسيكية، في محدودية إمكانياتها لتوفير المعلومات المحاسبية الدقيقة، وذلك في ظل تراكم ملفات الصفقات العمومية والطلبيات العمومية، والوثائق المحاسبية والمالية، مع ما يتطلب ذلك من مراجعة وتدقيق مالي ومحاسبي، يتخلله في بعض الأحيان إخلالات وأخطاء، مع الإخفاق في القدرة على تحقيق النتائج المرجوة من الرقابة المالية.

وتبعا لذلك، تأتي مرحلة تبني الآليات الإلكترونية لتدبير الحياة الإدارية كقفزة نوعية، لتسهيل العمل الإداري، وبالتالي تسهيل الحصول على المعلومات المالية والمحاسبية بجودة ودقة، وبأسرع وقت وأقل تكلفة، مع تمكينها للجهات المعنية عبر توفير منظومة موحدة للنفقات العمومية، بما يخدم الأجهزة الرقابية، من مخرجات المنظومة، ويسهم في اتخاذ القرارات الإدارية والمالية الملائمة، وتحديد مكامن الخلل والخرق. فالانتقال من التدبير التقليدي للرقابة على النفقات إلى التدبير الإلكتروني، يسهم بشكل فعال في ضمان وتحقيق أهداف الإدارة المحلية، والتي تسعى إلى توفير أنظمة آلية وميكانيكية تعمل على مسك المحاسبة العمومية والقوائم المالية، للتخفيف من مخاطر إلحاق الضرر بالميزانية المحلية.

كما أن توفير المعلومات في قاعدة بيانات موحدة بين مختلف الفاعلين سيسهم في إزالة الغموض عن الكثير من المعاملات المالية والنفقات غير الشرعية، مما سيمكن من التدقيق في البيانات والمعلومات المالية المخالفة. أضف إلى ذلك، فإن المنظومة المعلوماتية لها القدرة على “التبليغ” أو “التنبيه”، عن العمليات المخالفة وغير الصحيحة أو المخالفة للقواعد المعلوماتية، المبرمجة مسبقا من قبل القائمين على إنشاء المنظومة. إلا أن الإشكال المطروح بالرقابة الإلكترونية، أنه لا يوجد قانون منظم للعملية الرقابية للمنظومة المندمجة للنفقات، إذ يتطلب هذا النوع من التدبير عقلانية قانونية، تمكن المتدخلين من قواعد قانونية تعمل على تنظيم هذا المجال كما هو الشأن بالرقابة الكلاسيكية. الأمر الذي قد يعرض هذا النوع من الرقابة إلى مخاطر أمام هذه الفجوة القانونية.

انيا: مخاطر الرقابة الإلكترونية

إن العمل في بيئة شديدة التغير قد فرض على المنشآت العديد من التحديات والمخاطر، ومن ثم فإن نجاح المنشآت واستمرارها في المستقبل يتوقف على مدى قبولها وتعاملها مع هذه المخاطر وإدارتها بشكل جيد وفعال. وقد أصبح التحدي الأساسي للمنشآت هو تحسين قدرتها على إدارة المخاطر[22].

وتَعرف الرقابة الإلكترونية مجموعة من المخاطر في مجال الرقابة الإلكترونية، يلزم التطرق إليها لأهميتها، وهي كالتالي:

  • يجب على مدققي تقنية المعلومات، عند قيامهم بإحدى عمليات رقابة تقنية المعلومات لأغراض الرقابة المالية، التركيز على النواحي التي تعرض الجهة لخطر عدم عرض القوائم المالية، بصورة عادلة وصادقة؛
  • الانتباه للنواحي الشائعة والتي تشكل مخاطر في بيئة الحاسب الآلي، وهي :

1- قيام الجهة بتطوير وتشغيل برامجها الآلية الخاصة بها، بدلا من لجوئها لبرامج من الخارج، واستخدامها لمجموعة برامج متخصصة في الأغراض الصناعية والمالية؛

2- قد تؤثر الجوانب المتعلقة بنشاط الجهة أو بيئتها، على تطوير وتطبيق ضوابطها الداخلية، مثلا… قد يؤدي ضغط المنافسة لإدخال تبادل آلي بالجهة إلى أن تقوم باستخدام نظام للاتصالات والمعلومات، تكون الرقابة عليه غير كافية أو لا تعمل وفقا للمواصفات؛

3- قد تؤثر ضوابط أنظمة الاتصالات والمعلومات المنتشرة، على اعتماد كافة برامج الأنظمة التي يتم تشغيلها على أجهزة الحاسب الآلي، مثل: تطوير النظم وصيانة الرقابة عند وصول المستخدمين إلى الوظائف الحساسة بالحاسب الآلي، ويتوقف تأثير تلك الضوابط على مدى تطبيقها للبرنامج، ومدى ملائمة جودة الضوابط لمستوى المخاطر المصاحبة لتلك البرامج[23]؛

4- مخاطر تتعلق بسند التدقيق، وتعتبر هذه الأخيرة مجموعة من مراجع التشغيل من بيانات وتوثيق منطقي، والتي تمكن المدقق من تتبع العملية من مصدرها إلى نتائجها النهائية أو العكس، وتتمثل مخاطر سند التدقيق في:

  • عدم توافر المستندات الأصلية، حيث يتم التخلص منها بعد الإدخال المبدئي للبيانات؛
  • عدم توافر دفاتر اليومية، حيث يتم الإدخال لدفاتر الأستاذ مباشرة؛
  • عدم توافر إمكانية ملاحظة تتابع عملية التشغيل التي تتم داخل الحاسب الإلكتروني؛
  • ملفات الحاسب وقواعد البيانات تكون غير مرئية، ولا تسمح بالتتبع الواضح للعمليات من خلال كافة أجزاء النظام[24].

خاتمة

ترتيبا على ما سبق، لا يمكن الجزم بالقول، أن تكريس الرقابة الإلكترونية على تدبير النفقات هو الحل الأمثل لحماية المال العام المحلي من التبذير، “فلكل شيء إذا ما تم نقصان“، إذ يلزم تظافر كل الجهود ومختلف المقومات، لتدعيم مقومات وتقنيات الترافع الإلكتروني للرقابة على النفقات، فلابد من التنصيص التشريعي على هذا الشق من الرقابة، وتنظيمه تنظيما قانونيا يمكن مختلف المتدخلين في تدبير النفقات من مرجعية قانونية منظمة للحقل الإلكتروني الرقابي، ليكتمل “النصاب القانوني” المتميز للرقابة على النفقات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لابد من تعزيز القدرات التدبيرية للمتدخلين في تدبير النفقات، بغية الرفع من مردودية المالية المحلية والوصول للأهداف المالية المنشودة.

المراجع المعتمدة

كتب

  • إيمان عبد المحسن، “الحكومة الإلكترونية مدخل إداري متكامل”، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2009.
  • جمال العماري، ” الرقابة على أنشطة الجماعات الترابیة”، مطبعة الأمنیة-الرباط، 2012.
  • رائد محمد عبد ربه، “المراجعة الداخلیة”، الجنادریة للنشر والتوزیع، 2010.
  • عطا الله أحمد الحسبان،” نظم المعلومات المحاسبية “،اليازوري، 2013.
  • مصطفى يوسف كاف، “الحكومة الإلكترونية في ظل الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة”، دار مؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 2009.

أطروحات

  • إيمان لعماري، “دور التدقیق في ظل المعالجة الإلكترونیة للبیانات المحاسبیة في تفعیل الرقابة الداخلیة”، جامعة حسیبة بن بوعلي الشلف، كلیة العلوم الاقتصادیة والتجاریة وعلوم التسییر قسم العلوم الاقتصادیة، أطروحة مقدمة لنیل شھادة دكتوراه، 2016/2017.
  • أحمد بن سعيد النبهاني، “آليات الرقابة على المال العام سلطنة عمان نموذجا”، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية-طنجة، 2010-2011.

مقالات

  • “أهمية تطوير أعمال الأجهزة الرقابية لمواكبة التقنيات الحديثة”، مجلة الرقابة المالية، يونيو، 2005، ص: 2-5.
  • “تحديات الرقابة على تقنية المعلومات”، مجلة الرقابة المالية، عدد 61، ديسمبر 2012، ص:3 – 6.
  • كمال عبد السلام عبد السلام السيد، “العناصر والمتطلبات الأساسية اللازم توافرها لجودة العمل الرقابي بالأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية”، مجلة الرقابة المالية، العدد 60، يونيو 2012، ص: 7-10.
  • عامر علي سليمان محمد، “دور مراقب الحسابات في تقييم مخاطر الأعمال وأثر ذلك على عملية المراجعة”، مجلة الرقابة المالية، عدد:63، ديسمبر 2013، ص:11-15.
  • عبد العزيز يوسف العدساني، “حول فعلية الأجهزة الرقابية في ظل المتغيرات الحديثة”، مجلة الرقابة المالية، عدد 62، يونيو 2013، ص:1 – 3
  • عبد الله بن سعود آل ثاني، “الاتجاهات الحديثة في الرقابة”، مجلة الرقابة المالية، يونيو -2003، ص: 1 -4.
  • وفاء مصطفى محمد عثمان، “الرقابة على تقنية المعلومات”، مجلة الرقابة المالية، العدد 50 يونيو 2007، ص:12-14.
  • ياسر عبد الله أميري، “التحول إلى الرقابة في بيئة نظام المعلومات المحوسبة”، مجلة الرقابة المالية، دجنبر 2004، ص:11-16.

webographie

[1] مصطفى يوسف كاف، “الحكومة الإلكترونية في ظل الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة”، دار مؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة 2009، ص:93.

[2] كمال عبد السلام عبد السلام السيد، “العناصر والمتطلبات الأساسية اللازم توافرها لجودة العمل الرقابي بالأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية”، مجلة الرقابة المالية، العدد 60، يونيو 2012، ص:8.

[3]عطا الله أحمد الحسبان،” نظم المعلومات المحاسبية “،اليازوري، 2013، ص: 46.

[4]إيمان لعماري، “دور التدقیق في ظل المعالجة الإلكترونیة للبیانات المحاسبیة في تفعیل الرقابة الداخلیة”، جامعة حسیبة بن بوعلي الشلف، كلیة العلوم الاقتصادیة والتجاریة وعلوم التسییر قسم العلوم الاقتصادیة، أطروحة مقدمة لنیل شھادة دكتوراه، 2016/2017، ص: 40.

[5]أحمد بن سعيد النبهاني، “آليات الرقابة على المال العام سلطنة عمان نموذجا”، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية-طنجة، 2010-2011، ص: 310.

[6]“تحديات الرقابة على تقنية المعلومات”، مجلة الرقابة المالية، عدد 61، ديسمبر 2012، ص:3.

[7]أحمد بن سعيد النبهاني، م. س.، ص: 25.

[8]نفسه، ص: 4.

[9]مصطفى يوسف كاف، م. س.، ص:98.

[10] عطا الله أحمد الحسبان، م. س.، ص: 92.

[11]رائد محمد عبد ربه، “المراجعة الداخلیة”، الجنادریة للنشر والتوزیع، 2010، ص: 19.

[12]نفسه، ص: 51.

[13] جمال العماري، ” الرقابة على أنشطة الجماعات الترابیة”، مطبعة الأمنیة-الرباط، 2012، ص: 111.

[14]عبد العزيز يوسف العدساني، “حول فعلية الأجهزة الرقابية في ظل المتغيرات الحديثة”، مجلة الرقابة المالية، عدد 62، يونيو 2013، ص:1.

[15]مصطفى يوسف كاف، م. س.، ص: 97.

[16]عبد الله بن سعود آل ثاني، “الاتجاهات الحديثة في الرقابة”، مجلة الرقابة المالية، يونيو -2003، ص: 1

[17]أهمية تطوير أعمال الأجهزة الرقابية لمواكبة التقنيات الحديثة، مجلة الرقابة المالية، يونيو، 2005، ص: 3

[18]« La transmission électronique des actes soumis au contrôle de légalité et au contrôle budgétaire », https://www.collectivites-locales.gouv.fr/transmission-electronique-des-actes-soumis-au-controle-legalite-et-au-controle-budgetaire, vu le 03/12/2017.

[19]ياسر عبد الله أميري، “التحول إلى الرقابة في بيئة نظام المعلومات المحوسبة”، مجلة الرقابة المالية، دجنبر 2004، ص:13.

[20]نفسه، ص: 11.

[21]إيمان عبد المحسن، “الحكومة الإلكترونية مدخل إداري متكامل”، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، 2009، ص: 45.

[22]وقد لقى مفهوم المخاطر وإدارتها اهتماما بالغا منذ نهاية القرن العشرين، من كافة الجهات الأكاديمية والمهنية والتشريعية والسياسية، وقد ازداد هذا الاهتمام من عام 1999 نتيجة للانهيارات المالية التي تعرضت لها الأسواق المالية في دول شرق آسيا عام 1997 والإخفاقات المالية والمحاسبية المؤثرة لكل من شركة إنرون عام 2001، وشركة وورلد كوم عام 2002 في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نتيجة الفساد والغش والتلاعب. وانعكاس المخاطر التي تواجهها المنشآت على المراجعة والمراجعين تنبع من إمكانية قيام المراجعة، بدور فعال في إدارة هذه المخاطر عن طريق تقييم الأساليب والإجراءات التي قررتها الإدارة للسيطرة والتحكم فيهذه المخاطر، ويتطلب هذا الأمر بدوره مراجعا ومؤهلا وقادرا على تقييم إدارة هذه المخاطر. وقد ارتبطت المراجعة الداخلية ارتباطا وثيقا بالمسؤولية عن مراجعة هذه المخاطر في الوقت الذي غاب فيه الدور الصريح للمراجعة الخارجية، و مراقب الحسابات فيما يتعلق بهذا الأمر. انظر عامر علي سليمان محمد، “دور مراقب الحسابات في تقييم مخاطر الأعمال وأثر ذلك على عملية المراجعة”، مجلة الرقابة المالية، عدد:63، ديسمبر 2013، ص:12.

[23]وفاء مصطفى محمد عثمان، “الرقابة على تقنية المعلومات”، مجلة الرقابة المالية، العدد 50 يونيو 2007، ص:13.

[24] إيمان لعماري، م. س.، ص:48

ما هو رأيك؟

شارك معنا

قد يعجبك ايضا