قانون ميزانية الدولة

المعلومة القانونية – نورا الزرايدي،

باحثة في العلوم القانونية،

تعتبر الميزانية العامة بيان يرد بوثيقة قانونية تسمى القانون المالي للسنة وتشتمل القانون المالي على مجموع موارد و تكاليف الدولة كما أنها تعد وثيقة قانونية و محاسبية بمقتضاها يأذن البرلمان للحكومة بصرف الاعتمادات و استخلاص الموارد العامة المقدرة لسنة مالية مقبلة تنفيذا للسياسة العامة للدولة.

ولقانون الميزانية أهمية سياسية واقتصادية واجتماعية، كما تعد وسيلة برلمانية تستخدمها السلطة التشريعية لنقد اختيار عمل السلطة التنفيذية. فهي وسيلة ضغط تحول الدولة من دولة حارسة الى دولة متدخلة مما أدى الى توسيع أهمية الميزانية العامة وتستخدم وسائلها المالية للتأثير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

كما تتميز الميزانية العامة بمجموعة من الخصائص من أهمها، أنها بيان توقعي أو تقديري فالميزانية بيان لما تتوقع السلطة التنفيذية أن تنفقه وما تحصل عليه من إيرادات فهي تقديرية كما أنها تعد لفترة مقبلة و توقعية حيث يعكس برنامج عمل الحكومة سياسة السلطة التنفيذية في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كالانسحاب من النشاط الاقتصادي أو الرفع من الاعتمادات الخاصة للتكافل الاجتماعي.

اذن ما هي مبادئ الميزانية واستثناءاتها ؟ وماهو مشروع قانون المالية ؟

المبحث الأول مبادئ الميزانية واستثناءاتها
ان مبادئ الميزانية ارتبطت بالدولة الحارسة، فرواد المدرسة الكلاسيكية وضعوها للموازنة بين الموارد والنفقات،” لضبط تصرفات الساهرين على تدبير المال العام لكي لا تكون مغالاة في الانفاق العام مراعاة للمقدرة التكليفية للخاضعين للفرض الضريبي و عدم المساس بالأنشطة التي هي من صميم المبادرة الخاصة “(1)

ان مبادئ الميزانية كانت عند ظهورها قابلة للتطبيق، وكانت منسجمة مع الأهداف المالية للدولة. لكن أصبحت غير قابلة للتطبيق مع تطور الفكر المالي وتطور طبيعة الأنشطة المالية العمومية.
____________
1) الدكتور عبد النبي اضريف، قانون ميزانية الدولة، مطبعة بني ازناسن، الطبعة الرابعة 2016، ص 48

المطلب الأول مبدأ سنوية الميزانية

يعني هذا المبدأ أن توضع الميزانية لفترة يجب أن لا تقل و لا تزيد عن سنة، كما جاء في التشريع المغربي حيث ينص القانون التنظيمي للمالية رقم 130-13 في مادته الأولى على أنه “يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعية و مبلغ و تخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية عند اعداد قانون المالية، وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون.”

من جهة أخرى، تنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من نفس القانون على أن ” تبتدئ السنة المالية في فاتح يناير و تنتهي في 31 دجنبر من نفس السنة ” . نستنتج اذن من النص أن عمليتي صرف المال العام و جبايته، تنقضي بانقضاء السنة المالية. ” و لا تتبع الدول المختلفة سنة مالية واحدة، بل تختلف بداية ونهاية السنة ما بين دولة و أخرى، طبقا للظروف المحيطة بتلك الدول، فتبدأ السنة المالية في بعض الدول من أول يناير كما في مصر و ليبيا وسوريا وروسيا وبلجيكا وفرنسا، وفي بعض الدول في أول يوليوز مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وفي البعض الأخر من أول أبريل، كما هو الحال في المملكة المتحدة والهند، وتبدأ السنة المالية في المملكة العربية السعودية من أول رجب من السنة الهجرية .” (2)

كما ان تحديد المدة الزمنية في سنة واحدة، فرضتها اعتبارات تطبيقية من أهمها اعتبارات مالية، اعتبارات اقتصادية، اعتبارات تقنية واعتبارات سياسية.
__________
2) محمد قطب إبراهيم، الموازنة العامة للدولة، م س، ص31، نقلا عن عبد النبي اضريف، قانون ميزانية الدولة مطبعة بني ازناسن الطبعة الرابعة 2016، ص49

الفقرة الأولى الاستثناءات الواردة على مبدأ سنوية الميزانية

يعرف مبدأ سنوية الميزانية عدة استثناءات بعضها داخل السنة وأخرى خارج السنة.

أولا الاستثناءات داخل اطار السنة

توجد عدة حالات من أهمها:

الحالة الأولى حالة عدم موافقة السلطة التشريعية قبل بداية السنة المالية

تنص الفقرة الأولى من المادة 50من القانون التنظيمي رقم 130-13 على أنه ” طبقا للفصل 75 من الدستور، اذا لم يتم في 31 ديسمبر التصويت على قانون المالية للسنة أو لم يصدر الأمر بتنفيذه بسبب احالته الى المحكمة الدستورية، فان الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح بالميزانية المعروضة على الموافقة .”

نستفيد من هذه المادة أنه يجب على البرلمان أن يصوت على على مشروع قانون المالية يوم 31 دجنبر على أبعد تقدير، واذا صوت البرلمان بعد هذا التاريخ فترخيصه يكون للمدة المتبقية من السنة و ليس السنة كاملة كما ينص مبدأ سنوية الميزانية. “هذه الحالة عرفتها المالية العمومية من خلال قانون مالية السنة ل1964, الذي تم التصويت عليه في شهر مارس. وفي سنة 1984لم يكن هناك برلمان، وتم التصويت في أبريل من نفس السنة على الميزانية بقرار ملكي.

وكذلك قانون مالية السنة 1994 الذي صوت عليه في أبريل من نفس السنة نتيجة تأخر الحكومة في تقديم مشروع القانون المالي لمجلس النواب بقصد المصادقة عليه، وبهدف ضمان سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.”3

وبالنسبة للسنة المالية 2012 لم تتم المصادقة على مشروع قانون المالية الا في 16 ماي 2012، بسبب الانتخابات التشريعية و التأخر في تنصيب الحكومة، فأصبح الأمر يتعلق بقانون مالية بمدة لا تتعدى سبعة أشهر .
____________
3 د.منصور عسو، المالية العامة، الطبعة الأولى، 1995، ص56.

الحالة الثانية الاعتمادات الإضافية

هي اعتمادات تطلبها الحكومة و يقرها البرلمان، بعدما تقر الميزانية السنوية نهائيا. كما تفتح أثناء السنة المالية لتغطية نفقات ملحوظة.

ان الأرقام التي توضع في الميزانية لكل وجه من وجوه الانفاق تعد أرقام تقريبية مبنية على التخمين والكثير من الحوادث العارضة تحتاج الى أموال تنفق في الحال دون أن تكون لها اعتمادات في الميزانية وتعتبر خارجة عن مبدأ السنوية.

الحالة الثالثة قانون المالية التعديلي.

تنص المادة الرابعة من القانون التنظيمي للمالية رقم 13.130 على أنه”لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة الا بقوانين المالية المعدلة. ” حسب هذه المادة ان هذه القوانين تعطي مجال لتصحيح و تعديل السياسة المالية التي تتوقعا الدولة خلال السنة من خلال تغير التقديرات المتعلق بالايرادات أو بالنفقات أو خلق إيرادات جديدة واذا لجأت الحكومة الى هذه الامكانية تكون قد ألغت القانون المالي الساري المفعول وعوضته بقانون مالي لأقل من سنة.

وهذا في حد ذاته يعتبر استثناء داخل اطار السنة.

الحالة الرابعة قانون المالية الانتقالي

يعد من أنذر الحالات التي عرفتها المالية العمومية، يغطي فترة مالية انتقالية أقل من سنة، لأجل ضمان الانتقال من فترة مالية لأخرى دون التأثير على العمليات المالية العمومية لضمان استمرارية مرافق الدولة.

ثانيا الاستثناءات خارج اطار السنة

الحالة الأولى برمجة الميزانية لثلاث سنوات

ان رواد الفكر الكلاسيكي يرون أن الميزانية لا يمكنها أن تتعدى السنة فحسب رأيهم تبقى هذه المدة هي الفترة الملائمة لوضع البرنامج المالي للدولة.

أما بالنسبة للمحدثين النيوكلاسيكيين خرجو عن اطار السنة نظرا للأدوار الجديدة التي أصبحت تقوم بها الدولة آنذاك.

لهذا أصبحت المقاربة السنوية متجاوزة

مما أكد محدوديتها و عدم مسايرتها لحجم تدخلات الدولة في كلا المجالين الاقتصادي والاجتماعي، من هنا تفنن واضعو الدساتير المالية في سن قواعد قانونية صريحة تكفل حجم الدور الجديد للدولة، وذلك بالتنصيص على قواعد واضحة تتيح للساهرين على تنفيذ المال العام ووضع اعتمادات مالية متوسطة وبعيدة المدى بهدف الحد من صلابة الإجراءات و المساطير أثناء صرف المال العام.

الحالة الثانية الترخيصات في البرامج

ان الترخيص في البرنامج يمثل تقديرا مؤقتا لمشروع استثماري يتطلب إنجازه أكثر من سنة و هو غير ملزم للدولة تجاه الغير، أما اعتمادات الأداء لا بد أن تمر عبر قانون المالية وقابلة للتنفيذ الفعلي.

هذا ما أكدته الفقرة الأولى من المادة 17 من القانون التنظيمي حيث نصت على أنه “توجه نفقات الاستتمار بالأساس لانجاز المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات، بغية الحفاظ على الثروات الوطنية أو إعادة تكوينها أو تنميتها.”

الحالة الثالثة ترحيل الاعتمادات

توجد حالات لا تتمكن فيها وزارة من الوزارات من صرف جميع الوحدات الحسابية المأذون لها فيها بموجب قانون مالية السنة، والأصل هو أن الأمر بالصرف ليس له أي حق في الوحدات المتبقية في أخر السنة الموالية يجب أن يرجعها الى الكتلة المالية للدولة في أخر تلك السنة طبقا لمبدأ السنوية. توجد حالات استثنائية يجوز فيها استعمال الاعتمادات المالية التي لم تستعمل في السنة المالية وتنقسم الى ثلاثة أصناف وهي:

نقل اعتمادات الأداء.

رصيد الحسابات الخصوصية للخزينة.

أموال المساهمة و الهبات.

المطلب الثاني مبدأ صدقية الميزانية

وينص هذا المبدأ على أن الأرقام الواردة في القانون المالي والتي تتعلق بالتكاليف و الموارد يجب أن تكون على درجة عالية من الصدقية وقريبة من الحقيقة وعلى توقعات تراعي الظرفية الاقتصادية ومستوى التوازنات المالية للبلاد. كما يحث هذا المبدأ على صدقية الحسابات المقيدة في سجلات الموارد والنفقات، وقد نص القانون التنظيمي للمالية في مادته العاشرة على أنه ” تقدم قوانين المالية بشكل صادق مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويتم تقييم صدقية الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء اعدادها والتوقعات التي يمكن أن تنتج عنها. “

بالإضافة الى الفقرة الرابعة من المادة 31 من نفس القانون التي أكدت على أنه “يجب أن تكون حسابات الدولة شرعية و صادقة و تعكس صورة حقيقية لثروتها و لوضعيتها المالية.” والأصل في هذا المبدأ هو أنه كان يؤطر المالية العمومية حيث لا ميزانية ولا مال عمومي بدون صدق الحسابات والأرقام.

المبحث الثاني مشروع قانون المالية

ان مشروع قانون المالية تقوم به وزارة المالية، وهذا الاعداد يختلف كل الاختلاف عن الاختصاص الثاني الذي يطلق عليه التحضير الذي تقوم به الجهات التنفيذية أي الوزارات المعنية كل فيما يتعلق بأجزاء الميزانية الخاصة بها.

المطلب الأول صناعة القرار المالي

ان عملية تحضير واعداد القانون المالي، من أهم الفترات التشريعية التي تعرفها الدولة في السنة لأن الأمر يتعلق بالقرار المالي التي تتعدى أثاره سنة لذلك فالسلطة التنفيدية وهي تحضر مشروع القانون المالي تأخد بعين الاعتبار هذه المسألة خاصة وأنه سيعرض أمام البرلمان.

يعتبر قانون المالية كترجمة للسياسة العامة للبلاد. ويمكن للمتتبع أن يستشف الخطوط العريضة لهذه السياسة وأولويتها فالأرقام والأهداف التي يتضمنها هذا القانون تكون دائما بمثابة المؤشر الحقيقي على التوجهات الفعلية للحكومة، فالرفع من الضريبة على الشركات يستفاد منه رغبة الحكومة في إعادة توزيع الدخل والرفع من مناصب الشغل.

وتخصيص اعتمادات كبيرة لصندوق الموازنة وذلك من خلال استغلال الموارد الجديدة التي يمكن أن يقوم به. ولهذا القانون أهمية بالغة ومن الضروري احاطته بجميع الضمانات حتى يكون في مستوى الأهداف المنتظرة منه وذلك في جميع مراحل اعداده وتحضيره والمصادقة عليه.

المطلب الثاني اعتماد مشروع قانون المالية السنوي

بعد تحضير و اعداد مشروع القانون المالي وبعد المصادقة عليه في مجلسي الحكومة والوزراء، يصبح جاهزا على قبة البرلمان لاعتماده من لدن نواب الأمة ومستشاريها كما يعتبر هذا المشروع من أهم مشاريع القوانين التي تعرض على الهيئة التشريعية نظرا لأهمية التخصيصات والأعباء التي تحددها الحكومة، والتي لها دور كبير في رهن مستقبل الأمة لفترة قد تزيد عن سنة، لذا فعملية اعتماد مشروع القانون المالي، تعتبر من أهم الأحداث السياسية التي يعرفها الوطن، لما لها من انعكاسات على جميع المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 وتعد عملية الاعتماد والمصادقة على مشروع قانون المالية عبارة عن إذن للسماح للحكومة بمباشرة الانفاق وتنفيذ التزاماتها كما أنها اذن في جباية إيرادات الدولة لذلك لا بد من صدور قانون لكل ميزانية في كل سنة جديدة، فهذا القانون هو الذي يفرض على السلطة التنفيذية ضرورة الالتزام بعدم تجاوز ما هو محدد في سقف معين للانفاق الا بعد موافقة السلطة التشريعية مجددا، بهدف إعطاء رقابة فعالة للبرلمان على احترام ميزانية الدولة و لهذا لا يجوز المصادقة عليها.

وبالنسبة للنظام المالي المغربي يتميز بالدور الذي يلعبه الملك في جميع المراحل التي يمر بها القانون المالي من اعداد و تحضير الى مرحلة التنفيذ.

في الأخير، لقد نص القانون التنظيمي للمالية على العديد من المبادئ والمفاهيم التي هي في الأصل مستوحاة من الدستور و يتعلق الأمر بصدقية الحسابات وشفافيتها وميزانية الأهداف التي تنبع من الحكامة الجيدة، وتقوية سلطات البرلمان في مراقبة المال العام. لكن تبقى هذه الحمولة مجرد بنود ومبادئ شكلية لأنه من خلال القانون التنظيمي الجديد يتضح بأن السلطة التنفيدية ما زالت تتأثر بالقرار المالي منذ نشأته الى تنفيذه.

ما هو اختصاص وزارة المالية في اعداد وتحضير الميزانية العامة للدولة؟

المراجع المعتمدة:

ذ.ابراهيم علي عبد الله و أنور عجرامة، مبادئ المالية العامة.
د. حسن عواضه المالية العامة، 1983
رشيد الدقر، علم المالية العامة، الطبعة الثانية، الجزء الثاني، 1962.
عبد النبي أضريف، قانون ميزانية الدولة، الطبعة الرابعة 2016.
القانون التنظيمي للمالية 13.130

شارك الموضوع للإفادة..

قد يعجبك ايضا