تصفية الوقف المعقب

المعلومة القانونية  – الحسن الهطى،

باحث في ماستر القضاء والتوثيق بكلية الشريعة،

لا يستطيع الباحث المهتم بإبراز إشراقات تاريخ الأمة الاسلامية أن يتحاشى الحديث عن نظام الوقف و دوره الطلائعي في إرساء ركائز و أسس هذه الأمة، نظرا لطابعه الخيري الديني الهادف إلى غرس القيم النبيلة لدى الأفراد و الجماعات و تقوية أواصر التقارب بين الميسور و المحتاج، الشيء الذي أهل الوقف بشكل عام ليكون أداة لقياس عمق العلاقات الاجتماعية.

والوقف المعقب(1) كغيره من أنواع الوقف الأخرى عند عجزه عن تحقيق هذه الأهداف النبيلة أو بزوال الغرض الذي رصد من أجله، يتم إنهاءه أو تصفيته عن طريق مسطرة التصفية في حالات حددها المشرع.

فماهو موقف الشريعة الاسلامية و المشرع المغربي من التصفية ؟ وماهي الحالات التي تصفى فيها الأوقاف؟ ثم ماهي المسطرة المتبعة في تصفية الوقف المعقب والآثار المترتبة عنها؟

سنحاول الاجابة عن هذه الاشكالية من خلال مطلبين إثنين :

المطلب الأول- موقف الفقه من التصفية و الحالات التي تصفى فيه الأوقاف.

المطلب الثاني- مسطرة تصفية الأحباس المعقبة و الأثار المترتبة عنه.

المطلب الأول: موقف الفقه من التصفية و الحالات التي تصفى فيه الأوقاف

سأتحدث في هذا المطلب عن موقف الفقه الاسلامي من تصفية الوقف ( الفقرة الأولى)، ثم عن موقف المشرع من المغربي منه و الحالات التي تصفى فيها الأوقاف ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى- موقف الفقه من تصفية الوقف

من المعلوم لدى جل الباحثين أن مسألة تصفية الأوقاف المعقبة تضاربت حولها آراء الفقه بين مجيز و مانع، وهذا ظاهر بشكل جلي في ردود المجالس العلمية و رابطة علماء المغرب على الأسئلة الموجهة إليها من طرف وزارة الأوقاف بخصوص تصفية الأوقاف المعقبة.

و المتتبع لأقوال الفقهاء في مسألة انتهاء الوقف يجدها كالآتي:(2)

الفقه الحنفي: لا يجيزون بيع الموقوف و إنهاءه، إلا عند الاشتراط، أو ذكر جهة تنقطع وفي هذه الحالة ينتهي الوقف في ذاته ويعود الوقف ملكا للواقف إن كان حيا أو لورثته.

الفقه المالكي: ينتهي الوقف عند المالكية بجعل الواقف له مؤقتا بمدة أو بجيل من الأجيال، أو لحاجة الموقوف عليهم الشديدة عندما يباع الوقف.

الفقه الشافعي: شدد الشافعي رحمه الله في منع بيع الوقف وعودته إلى المالك إلا إذا أصبح الموقوف لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه ولا يباع ولا يوهب بل ينتفع به بعينه.

الفقه الحنبلي: اجازوا بيع بعض الموقوف الخراب لإصلاح باقيه.

من خلال أقوال الفقهاء يتبين أن الوقف إذا قل ريعه ولم يعد محققا للمنفعة التي رصد من أجلها ينتهي فيعود ملكا قابلا للتداول و الانتقال فيصح بذلك بيعه ووهبه، وإعارته سواء للوقف أو للمستحقين من ورثته.

الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي من التصفية وحالاتها

أما بخصوص موقف المشرع المغربي من تصفية الوقف فإنه لا يتعارض مع موقف الفقه حيث سمح بتصفية الأوقاف في الحالات المنصوص عليها في المادة 122 من مدونة الأوقاف التي تداركت الفراغ القانون الذي عرفه ظهير 8 أكتوبر 1977 حيث نصت على أنه تصفى الأوقاف المعقبة في الأحوال التالية:

إذا انقطع المال الموقوف أو قل نفعه إلى حد كبير.
إذا أصبح المال الموقوف في حالة يتعذر معها الانتفاع به.

إذا صار عائده لا يغطي نفقاته و الواجبات المفروضة عليه.

إذا كثر المستفيدون وقل نصيب كل واحد.
و مدمنا قد أشرنا إلى ظهير 8 أكتوبر فإن المشرع المغربي قيد من خلاله تصفية الأحباس المعقبة بشرط توفر المصلحة العامة التي تتمثل في إنشاء المدارس أو الطرق و المستشفيات وغيرها من المرافق التي تعود على المجتمع بالخير، كما قيده أيضا بالمصلحة الخاصة للمحبس عليهم كما في الحالة التي ينقطع فيها نفع المال الموقوف أو إذا أصبح في حالة يتعذر معها الاستفادة منه أو إذا أصبحت فوائده لا تغطى مصاريفه، وقد كرس القضاء المغربي هذا الموقف حيث جاء أحد أحكام ابتدائية الرباط ما يلي: ” إن الحبس المعقب يمكن تصفيته بمبادرة من السلطة المكلفة بشؤون الأوقاف إذا تبين لها أن المصلحة العامة أو مصلحة المستفيدين تستوجب ذلك…”.(3)

المطلب الثاني: مسطرة تصفية الأحباس المعقبة و الأثار المترتبة عنه

سأتناول في هذا المطلب مسطرة تصفية الحبس المعقب ( الفقرة الأولى)، لأنتقل للحديث عن الآثار المترتبة عن التصفية ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مسطرة تصفية الأحباس المعقبة

تعتبر وزارة الأوقاف صاحبة الولاية العامة على الأوقاف سواء العامة أو الخاصة، وذلك من خلال إشرافها المباشر عليها، كما تبرز هذه الولاية بشكل أكثر وضوحا خلال مسطرة التصفية حيث نصت المادة 123 من مدونة الأوقاف على أن التصفية تتم بمبادرة من إدارة الأوقاف، أو بطلب من أغلبية المستفيدين، وفي كلتا الحالتين تحيل السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف بموجب قرار ملف التصفية على لجنة خاصة تسمى ” لجنة التصفية” التي تتكون حسب الفصل الأول من القرار الوزاري لوزارة الأوقاف و الشؤون الاسلامية من التشكيلة التالية :
مدير الأوقاف رئيسا.

مختص في المواريث.

محافظ الأملاك العقارية من الدرجة الممتازة.

رئيس قسم المحافظة العقارية على الأصول الوقفية.

رئيس قسم التشريع بوزارة الأوقاف و الشؤون الاسلامية.(4)

تعقد هذه اللجنة اجتماعاتها بدعوة من مدير الأوقاف باعتباره رئيسا مرة كل ستة أشهر على الأقل وكلما دعت الحاجة إلى ذلك بحضور أغلبية أعضائها، وتتخذ هذه اللجنة توصياتها بأغلبية الأصوات وفي حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي يكون معه الرئيس، يتم إدراج هذه التوصيات في تقرير حددت المادة 8 و9 مضامينه سواء في حالة التوصية بالموافقة أو بعدمها.(5)

بعد تقديم طلب التصفية من طرف طالبها، يقوم ناظر الأوقاف بالتأكد من توفر ملف التصفية على الشروط و الوثائق التي اشترطتها المادة 124 من مدونة الأوقاف حيث نصت على أنه يجب أن يتكون ملف التصفية من الوثائق التالية:

مقرر الاحالة المذكورة في المادة 123.(6)

نسخ من الوثائق المثبتة للوقف، وما طرأ عليه من تغييرات عن الاقتضاء.

قائمة تتضمن الأسماء الشخصية والعائلية للمستفيدين ومهنهم ومواطنهم أو محلات إقامتهم مصحوبة بنسخ مصادق عليها من بطائق تعريفهم الوطنية أو بأي وثيقة رسمية تقوم مقامه.

نسخ من الوثائق التي تثبت صفة المستفيدين من الوقف.
تقرير عن الحالة الموجبة للتصفية يرفق عند الاقتضاء بالوثائق المثبتة لذلك.

تقرير دقيق يصف المال الموقوف و قيمته الشرائية ينجز من طرف خبير مختص.

ومتى صدر قرار التصفية بالقبول من طرف اللجنة المختصة تستحق الأوقاف العامة نسبة الثلث من الوقف المعقب، مالم يتعلق الأمر بمحل لازم لسكنى المستفيدين.

و يقسم الثلثان الباقيان بين الورثة ذكورا و إناثا طبقا لأحكام الفريضة الشرعية، في حال كان ورثة الواقف لا يزالون كلهم أو بعضهم على قيد الحياة، سواء كانوا هم المستفيدين وحدهم أو مع غيرهم، أو كان بعضهم مستفيدا و الآخر محروما.

وإذا لم يوجد للواقف ورثة يقسم الثلثان الباقيان على المستفيدين من الوقف حسب الحصة المحددة لكل واحد منهم في رسم التحبيس، وفي هذه الحالة يعتبر الحجب ملغى بقوة القانون، ويستحق المحجوبون نصيب آبائهم في القسمة.(7)

وفي حال حدوث أي نزاع بين الأطراف المعينية أثناء القيام بعملية التصفية يتم اللجوء إلى القضاء للبث في المسألة، بالرغم من كون المشرع لم يعط أي صلاحية للقضاء للنظر في عملية تصفية الوقف المعقب، و هو ما أكده القضاء نفسه حيث جاء في حكم لابتدائية الرباط ما يلي :” إنه بإحداث لجنة خاصة يترأسها وزير الأوقاف و الشؤون الاسلامية مكلفة بتصفية الحبس المعقب…يكون المشرع قد انتزع من القضاء الاختصاص المتعلق بتصفية الحبس المعقب و اسنده للجنة المذكورة، مما يتعين معه التصريح بعدم الاختصاص”.(8)

الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن تصفية الوقف

تترتب عن هذه العملية مجموعة من الآثار على رأسها إخراج الوقف من دائرة الأحباس و صيرورته في حكم الملك الخاص، بالإضافة إلى استفادة الأوقاف العامة من ثلث الوقف المعقب في حالة تصفيته مالم يتعلق الأمر بمسكن معد للسكنى ويقسم الثلثان المتبقيان على بين الورثة كما رأينا سابقا.

خاتمة :
إن دراستنا لموضوع الأحباس المعقبة يبين لنا كونه من المواضيع الشائكة التي تحتاج إلى دراسة شاملة و معمقة تجمع شتاته من بطون كتب الفقه و غيرها، خصوصا إذا وضعنا نصب أعيننا الاختلافات الفقيهة و الاشكالات التي تطرحها الأوقاف المعقبة، و التي تتعلق بكيفيات و طرق الاستغلال التي تصطدم بمجموعة من العراقيل أهمها تحول الوقف المعقب مع مرور الزمن إلى مصدر للتواكل والتقاعس و تجميد العمل بالوقف المحبس و اخراجه من دائرة التعامل.


الهوامش:

(1) – الوقف المعقب أو الوقف الذري حسب نص المادة 108 من مدونة الأوقاف ” هو كل وقف على ولد أو عقب أو نسل أو ذرية المحبس أو غيره”.

(2) – منذر عبد الكريم القضاة، أحكام الوقف دراسة قانونية فقهية مقارنة بين الشريعة والقانون ط 1 سنة 2011 دار الثقافة ص 113-114/ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي و أدلته ط 2 سنة 1985 دار الفكر بدمشق ج 8 ص 219-227.

(3) – حكم رقم 105 في الملف عدد 93/153 بتاريخ 30/03/1994 منشور بمجلة رسالة المحاماة عدد 12/11 ص 305.

(4) – قرار وزير الأوقاف رقم 12.69 الصادر بتاريخ 10 صفر 1433 الموافق 4 يناير 2012 بشأن تحديد تشكيل لجنة التصفية الخاصة بالأوقاف المعقبة و كيفية عملها.

(5) – أنظر المواد 5 و 6 و7 و 8 و 9 و ما بعدها من القرار 12.69 بشأن كيفية عمل لجنة التصفية.

(6) – المقرر الذي تحيل بموجبه السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف ملف التصفية على اللجنة المختصة بموجب القانون.

(7) – أنظر المادة 128 من مدونة الأوقاف.

(8) – حكم عدد 105 ملف عدد 153/93 بتاريخ 31/03/94 مجلة رسالة المحاماة ص 351.

شارك الموضوع للإفادة.. 

 

قد يعجبك ايضا