ركائز وأصول النجاح في مباراة القضاء

المعلومة القانونية – ذ. محمد قاسمي

بسم الله الكريم وبه نستعين وبفضله نمضي حتى نبلغ اليقين والصلاة والسلام على خير الهدى وسيد البشرية أجمعين (ص).فأول ما يستهل به الكلام هو تقديم الشكر والعرفان وعظيم الامتنان إلى كل من كان لهم الفضل في زرع بذور البحث والعلم والأخلاق في نفوسنا، وأخص بالذكر والدي الحنونين وأساتذتي باعتبارهم قدوتي في دربي، ونبراسا للعلم في مسرتي، فأطال الله في عمرهم جميعا ولهم مني مودتي، وبعد، يشرفني أن أضع بين أيدي طلبتنا وباحثين في أسلاك الإجازة والماستر في تخصصي القانون الخاص والشريعة هذه الركائز والأصول التي هي بمثابة نصائح ودعامات تساعد على النجاح في مباراة القضاء (الملحقين القضائيين) راجيا من الله العلي القدير أن تكون مشكاة ينير بها كل مهتم دربه ويجد فيها كل ضال ضالته.

أما بعد:

إن أول الأمور التي يجب أن يسعى لها طالب النجاح والساعي له هي الجد والمثابرة والالتزام الدؤوب أثناء مرحلتي الإجازة والماستر في القانون والشريعة، حيث خلال هاتين المرحلتين يسعى الطالب والباحث بجد وإقدام للتحصيل العلمي والتشرب والارتواء في مختلف منابع العلوم القانونية حتى يتسنى له تكديس رصيد معرفي وزخم قانوني في مخياله يساعده في اجتياز مباراة القضاء بكل يسر وسهولة دون أية عراقل أو صعوبات تذكر.

قد يخطئ من يقول أن مباراة القضاء يتم الإعداد لها فقط عندما يتم الإعلان عن افتتاح الترشح لها إلى غاية إجرائها، فالصواب في هذا الصدد هو أن هذه المرحلة هي مجرد فترة لوضع اللمسات الأخيرة على مختلف المواد التي يمتحن فيها المترشح، حيث إن مرحلة الإعداد الحقيقية هي تلك المتمثلة في سنوات الإجازة بالأساس وكذا سنوات الماستر باعتبار التخصص، لذا ألح وألح أن يكون الطالب خلال فترة الدراسة في الكلية جديا ومثابرا لأجل التحصيل العلمي وتكديس المعارف وإشباع العقل بالمعلومة القانونية التي ستكون بلا شك أو ريب سندا ومعينا أثناء اجتياز مباراة القضاء.

يتم الإعلان عن مباراة الملحقين القضائيين من طرف وزارة العدل، حيث تحدد في الإعلان عدد المناصب المطلوبة وتاريخ افتتاح التسجيل القبلي وكذا تاريخ إرسال الملفات إلى مديرية الموارد البشرية من داخل وزارة العدل الكائن مقرها في ساحة المامونية الرباط، ويحدد في نفس الإعلان تاريخ إجراء الاختبارات الكتابية، وكل ذلك يتم التصريح به في الموقع الرسمي للوزارة المتمثل في (http://drh.justice.gov.ma) حيث إن أي إعلان مستقى من غير هذا الموقع تسقط عنه الصفة الرسمية، لدى فبعد الإعلان عن المباراة بشكل رسمي يبادر المترشح للتسجيل القبلي فيها وذلك في البوابة التي رصدتها الوزارة لذلك.

يتم الترشح لمباراة الملحقين القضائيين من طرف كل شخص توفرت فيه الشروط المسطرة في النظام الأساسي للقضاة وكذا في الإعلان الخاص بالمباراة، حيث تفتتح المباراة في وجه حاملي شواهد الإجازة في الدراسات القانونية (القانون الخاص) والشريعة، وكذا حاملي شواهد الماستر في القانون الخاص، بالإضافة إلى موظفي كتابة الضبط المتوفرين على عدد سنوات الأقدمية المتطلبة، وتجدر الإشارة إلى أن المترشحين بشواهد الإجازة وموظفي كتابة الضبط يخضعون لمسطرة الانتقاء الأولي فيما يعفى مترشحي شواهد الماستر من هذه المسطرة.
عندما يتقدم الراغب في الترشح للمباراة لأجل التسجيل القبلي في البوابة الإلكترونية المخصصة لذلك، فإنه يتعين عليه أن يتقيد بالعديد من الضوابط التي لا غنى عنها حتى يتم تسجيله دون أي شائبة تذكر، ومن هذه الضوابط أن على المترشح أن يقوم بتعبئة المعلومات المطلوبة منه بكل أناة ورصانة والتأكد منها ومن جدتها وكذا المرور من جميع المراحل الخاصة بالتسجيل، فأي خطأ يقع فيه المترشح عند إدخال المعلومات الخاصة به وبمساره الأكاديمي واختياراته للمباراة يصبح معه تصحيحه بعد استخراج وصل التسجيل أمرا مستحيلا، لدى فيجب الثرية والتأكد من أي معلومة يتم التصريح بها وعدم التسرع في حفظها.

أثناء التسجيل الإلكتروني في المباراة فإن المترشح تطرح أمامه بعض الأمور التي يعود له الاختيار فيها، وأخص بالذكر بعض مواد الاختبارات الكتابية ومنها مادة التخصص (الأسرة – التجاري – الجنائي) وكذا الترجمة (من الفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية إلى العربية) لدى فيجب عليه أن يحسن الاختيار لأن أي اختيار له ضريبة تؤدى عنه.

بعد التسجيل القبلي في المباراة يستخرج المترشح وصل التسجيل ويبادر إلى جمع جملة من الوثائق ومنها نسخ الشواهد الدراسية وبيانات النقاط (يجب أن تكون أصلية) ونسخة من بطاقة التعريف…الخ، ويجب أن تكون غالبية هذه الوثائق مصادق عليها من لدن السلطات المختصة وتوضع في ظرف (A4) يحمل في واجهته كل المعلومات المتعلقة بالمترشح وفي دبره المعلومات المتعلقة بالوجهة المرسل إليها الملف وهي:”وزارة العدل – مديرية الموارد البشرية – ساحة المامونية الرباط (مباراة الملحقين القضائيين)”، ويثنبر الظرف ويرسل عبر البريد بعدما تؤدى عنه الرسوم الواجبة.

بعد الإعلان عن المباراة والترشح لها وإرسال الملف إلى الوجهة المعلومة، تبدأ مرحلة الإعداد للاختبارات الكتابية وذلك عن طريق مراجعة وضبط المواد التي يجتاز فيها المترشح الامتحان، وهذه المواد هي القانون المدني والموضوع العام كمادتين إلزاميتين ومادة التخصص المختارة (إما الأسرة أو التجاري أو الجنائي) وكذا الترجمة، وللإشارة فهذه المواد تختلف أهميتها باختلاف معاملها لكن القاسم المشترك بينها أنها لها وزن لا يستهان به في نجاح المترشح أو رسوبه.

يتم الإعداد لمواد الاختبار الكتابي بكل جدية والتزام، فلا تراخي ولا جمود ولا استهتار، فهذه المرحلة (أي من تاريخ الإعلان عن المباراة إلى تاريخ إجراء الاختبارات الكتابية) هي مرحلة الضبط والتركيز والجدية، حيث يعمل المترشح على دراسة كل مادة على حدا سواء عن طريق دراسة النصوص القانونية أو المؤلفات الفقهية أو التلاخيص والخطاطات القانونية الأكاديمية وكذا المطبوعات والمحاضرات والتسجيلات الصوتية، فيجب التنويع في مصادر المعلومة وذلك لأجل إبعاد الملل والتراخي والحفاظ على نفس النسق ليكون كل الوقت مستثمرا، ويجب كذلك المزاوجة في هذا الشأن بين الحفظ والفهم وعدم الاستغناء عن أحدهما لصالح الآخر وذلك كي يكون الإعداد للمباراة في مستوى التطلعات.
يخصص المترشح لمباراة الملحقين القضائيين جدول أعمال يلتزم بتنفيذه بحذافره دون إخلال أو تماطل، فالجدية والالتزام والضبط هي أولى خطوات النجاح في هذه المباراة، فتخصص الفترة الصباحة للحفظ وتخصص الفترة المسائية للفهم والمناقشة وتخصص الفترة الليلية للضبط والتغذية الراجعة والترسيخ، والأمر الذي ألح عليه هو الالتزام بالديمومة والمواصلة بنفس النهج والنسق وعدم خرق الجدول المسطر سلفا.

بعد الإعلان عن للوائح النهائية للمترشحين المنتقين لاجتياز الاختبارات الكتابية، يبادر المترشح المنتقى إلى سحب الاستدعاء الخاص به من البوابة المرصودة لذلك، حيث يحدد في هذا الاستدعاء المواد الممتحن فيها وكذا تاريخ وساعة إجراء كل منها والمركز الذي سيتم فيه الاختبار، كما يحدد في نفس الاستدعاء الضوابط والإجراءات التي يجب على المترشح التقيد بها أثناء اجتيازه هذه الاختبارات والعقوبات المقررة في حالة الإخلال بها.

يتوجه المترشح إلى مركز المباراة المبين في الاستدعاء في التاريخ والساعة المحددة لذلك وهو مدجج بسلاح الإيمان والتبات واليقين بالمقدرة على النجاح، فكل الحظوظ تتساوى بين المترشحين، فأمور بسيطة وجزئيات طفيفة هي التي تصنع الفارق بين مترشح وآخر. لدى أنصح بأن يكون للمترشح أسلوب رصين وقانوني خالي من الأخطاء اللغوية والنحوية، وكذا أن يقوم بتقسيم المواضيع الممتحن فيها تقسيما ثنائيا موضوعيا يجيب عن الإشكالية التي يطرحها في شموليتها مع تحاشي الأساليب الأدبية والإطالة والحشو والإطناب.

يكون للمترشح أثناء الاختبارات الكتابية وقت كافي للإجابة عن التساؤلات المطروحة (4 ساعات لكل من القانون المدني والمادة الاختيارية و3 ساعات لمادتي الموضوع العام والترجمة)، وما عليه إلى التحلي بالأناة والثرية وعدم التسرع والانضباط داخل القاعة وملء المعلومات الشخصية في ورقة الامتحان بكل دقة ومراجعة الأجوبة التي تم تدوينها وتصحيحها قبل تسليم ورقة الامتحان للجنة ومغادرة مركز المباراة.

يتعامل المترشح مع مواد الاختبار الكتابي بنوع من العقلنة والرزانة، وخصوصا تلك التي يحتاج للاجابة عنها اعمال المنهجية القانونية الثنائية، حيث يقسم كل من مواد القانون المدني والموضوع العام والمادة الاختيارية تقسيما ثنائيا يحترم فيه العديد من الشروط التي لا محيد عنها ومنها التقيد بالاشكالية المطروحة وعدم الخوض في التفاصيل المملة التي قد تؤدي في بعض الأحيان للخروج عن الموضوع، فأي موضوع يكون أمام المترشح ويحتاج فيه إلى تقسيم منهجي، أول ما يقوم به هو تحرير مقدمة مناسبة يعتمد فيها الأسلوب الاستنباطي ينطلق فيها من العام إلى الخاص، تم يقوم بطرح الاشكالية الرئيسية للموضوع والاشكاليات الفرعية إن توفرت، ويختتم معالم مقدمته بالاعلان عن التصميم الذي سيعمده للاجابة عن هذه الاشكالية، وبعدها في العرض يجيب عن هذه الأخيرة بنوع من الدقة باعتماد الأسلوب القانوني المتناغم مع احترام عدد الصفحات التي قد تحدد من طرف اللجنة المشرفة على الاختبارات في بادئ الأمر، ويختتم المترشح موضوعه المحرر بخاتمة يستعرض فيها أهم الخلاصات التي خلص إليها ويعقبها بطرح تساؤل يعتبر قنطرة عبور لمواضيع ذات الصلة.
بعد الإعلان عن لوائح الناجحين في الاختبارات الكتابية وتفوق المترشح فيها، يبادر مباشرة للإعداد للاختبارات الشفوية بكل حزم وجدية وهو متأكد بأنه على بعد خطوة لمعانقة النجاح، فما عليه إلى الإعداد الجيد للمواد الممتحن فيها في هذه المرحلة واضعا نصب عينيه أهم الأمور والضوابط التي تمر فيها هذه الاختبارات.
تتكون الاختبارات الشفوية من مواد متنوعة ولا تخرج في كليتها على القانون الإجرائي (المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية) والمادة الاختيارية (الأسرة أو التجاري أو الجنائي) بشرط أن تكون هذه المادة هي غير تلك التي تم اختيارها في الاختبار الكتابي، ونعطي مثالا عن ذلك أن المترشح الذي يجتاز الأسرة في الكتابي لا يبقى أمامه في الشفوي إلى الاختيار بين التجاري أو الجنائي.كذلك من المواد الممتحن فيها نجد الموضوع العام المرتبط بالجوانب القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى مادة الترجمة.

إن المواد الممتحن فيها في الاختبار الشفوي لها أهمية قصوى لا تقل عن تلك التي لمواد الاختبار الكتابي، ورغم أن هذه المواد تختلف في معاملاتها (المعامل 1 لكل من الموضوع العام والترجمة والمعامل 2 لكل من المساطر والمادة الاختيارية) إلى أنها تشكل في شموليتها دفعة قوية قد تدفع بالمترشح نحو النجاح والتفوق أو قد تهوي به إلى ذرك الرسوب.

يتعين على المترشح للاختبار الشفوي أن يتوجه في التاريخ والوقت المحدد في الاستدعاء لمركز الاختبار – وهو المعهد العالي للقضاء الكائن بحي الرياض في العاصمة الرباط – حيث يكون ملزما بالامتثال أمام أربع لجان، كل لجنة تكون مكلفة باختباره في مادة معينة حيث هناك لجنة المساطر تم هناك لجنة الموضوع العام تم لجنة الترجمة ولجنة المادة الاختيارية، وبمجرد امتثال المترشح أمام أي لجنة يقدم نفسه أمامها باعتدال ويحاول الإجابة عن التساؤلات التي تطرحها عليه بلغة فصيحة ومفهومة دون تعالي أو افتخار.

بعد اجتياز الاختبارات الشفوية ونجاح المترشح في المباراة بصفة نهائية، يكون عليه أن يجمع جملة من الوثائق المكونة للملف والتي يتم التصريح بها في الموقع الرسمي للوزارة، ويحدد في نفس الموقع التاريخ الذي يتعين فيه على الناجحين بصفة نهائية التوجه للمعهد العالي للقضاء لأجل استكمال إجراءات التسجيل، حيث يجب التأكد من استكمال الملف لجميع الوثائق المتطلبة حتى لا يقع الناجح في الإرباك أثناء إيداع ملفه في المعهد.

وفي ختام هذا المقال، أود أن أذكر أن هذه النصائح ما هي إلا أمور استقيتها من تجربتي في الولوج لسلك القضاء راجيا من المولى الكريم أن يكون لها الفضل الكبير والسيل الجرير للمقبلين على اجتياز هذه المباراة، مع متمنياتي بالتوفيق والسداد للجميع، ولا أنسى أن أذكر بالمبدأ الذي سطرته لمساري في هذه الحياة ألا وهو أن “الله في عون العبد مادام العبد في عون أخير”، ولا تنسوني من خير الدعاء. والسلام على من اتبع الهدى.

تم بحمد الله وقوته:
إعداد وتقديم الأستاذ:
ذ. محمد قاسمي

قد يعجبك ايضا