دعوى الإلغاء

المعلومة القانونية – حنان خطايبي الإدريسي

دكتورة باحثة وأستاذة جامعية في العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن بألمانيا.

لا شك ان دعوى الإلغاء هي دعوى قضائية ترفع إلى القضاء لإعدام قرار إداري، صدر بخلاف ما يقضي به القانون، وتسمى أيضاً دعوى “تجاوز السلطة“، وتعد من أهم وسائل “حماية المشروعية“.

وقد كان للقضاء الفرنسي الريادة في إنشاء دعوى الإلغاء، في حين كان مجلس الدولة صاحب الولاية العامة للنظر في الدعاوى الإدارية منذ عام 1872، وبسبب تزايد الطعون المقدمة إلى المجلس، أصدر الإصلاح التشريعي في 30 سبتمبر 1953، الذي جعل مجلس الدولة صاحب الولاية العامة للنظر في الدعاوى الإدارية، التي لم يمنح القانون اختصاص النظر فيها إلى محاكم إدارية أخرى، مع امكانية استئناف أحكام المحاكم الإدارية، أمام مجلس الدولة الفرنسي كقاعدة، لا تستثنى منها إلا حالات ينص فيها القانون على خلاف ذلك.

ومن ثم فإن دعوى الإلغاء في فرنسا تنظر على درجتين، تعرض الأولى أمام المحاكم الإدارية، والدرجة الثانية تعرض أمام مجلس الدولة، بوصفه محكمة الاستئناف.

أما في مصر فإن دعوى الإلغاء ظهرت بنشوء مجلس الدولة، بمقتضى القانون رقم 112 لسنة 1946، وكانت محكمة القضاء الإداري تختص دون غيرها في الفصل في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية، لكن لما أنشأت المحاكم الإدارية والتأديبية، أسهمت مع محكمة القضاء الإداري بنظر دعوى الإلغاء كلاً حسب اختصاصها، فتنظر المحكمة الإدارية العليا في مصر دعوى الإلغاء، عندما يقدم إليها الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري، بينما تنظر محكمة القضاء الإداري في الطعون التي ترفع إليها في الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية.

وعلى ذلك، فإن دعوى الإلغاء تنظر في مصر على درجتين أيضاً، الدرجة الأولى أمام محاكم القضاء الإداري أو “المحاكم الإدارية” كل حسب اختصاصها، والدرجة الثانية عندما تفصل المحكمة الإدارية العليا في الطعون المقدمة إليها من محاكم القضاء الإداري، وعندما تفصل الأخيرة في الطعون المقدمة إليها من المحاكم الإدارية.

أما في العراق فقد نشأت دعوى الالغاء بنشوء القضاء الاداري بصدور القانون رقم 106 لسنة 1989 (قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979) لتختص بالنظر في صحة الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والتعويض عنها.

وكانت محكمة القضاء الإداري في مجلس شورى الدولة تختص بقضاء الإلغاء بصفتها قاضي أول درجه، وقد أجاز القانون الطعن بقرار محكمة القضاء الإداري تمييزا لدى الهيئة العامة لمجلس شورى الدوله ( المادة 7 /ثانيا/ط).

إلا انه واستنادا “للمادة 44 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية والقسم الثاني من ملحقه وبناءا” على موافقة مجلس الرئاسة أصدر مجلس الوزراء قانون المحكمة الإتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 الذي منح المحكمة الإتحادية العليا في العراق اختصاص النظر في الطعون المقدمة على الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الإداري.

طبيعة دعوى الالغاء :

دعوى الإلغاء دعوى موضوعية أو عينية تقوم على مخاصمة القرار الاداري غير المشروع، وهي موجهة ضد القرار الإداري، ويتعين لقبول الدعوى ان يكون القرار قائماً ومنتجاً لآثاره عند إقامة الدعوى.

وقد ذهب جانب من الفقه الفرنسي إلى أن دعوى الإلغاء “ليست دعوى بين أطراف ولكنها دعوى موجهة ضد قرار وأنه إذا كان هناك مدع في إجراءات دعوى الإلغاء فأنه لا يوجد بالمعنى الدقيق للكلمة مدعى عليه“، وهو كما بينا مما يميز دعوى الإلغاء من دعوى القضاء الكامل، التي تتعلق بتأثير القرار في مركز قانوني شخصي، فتكون الدعوى شخصية في هذه الصورة.

كما تتميز “دعوى الإلغاء” في أن الحكم فيها يتمتع بحجية قبل الكافة، فإذا تضمن الحكم إلغاء القرار الإداري موضوع الدعوى فتعتبر جميع الإجراءات والتصرفات القانونية والإدارية، التي تمت بموجبه ملغاة من تاريخ صدور ذلك القرار .

ومن الجدير بالذكر أن سلطة القاضي في دعوى الإلغاء تنحصر في التحقق من صحة ومشروعية القرار الإداري ومدى موافقته للقانون، فإذا رفع أحد الأفراد إلى القضاء الإداري بطلب إلغاء قرار إداري، فأن هذة الدعوى تخول القاضي فحص مشروعية القرار الإداري، أما إذا تبين مخالفته للقانون، حكم بإلغائه، ولكن دون أن يمتد حكمه إلى أكثر من ذلك، فليس له تعديل القرار المطعون فيه أو أستبدال غيره به.

وعلى هذا الأساس يكون قضاء الإلغاء على عكس القضاء الكامل الذي يخول للقاضي سلطات كاملة لحسم النزاع، فالقاضي لا يقتصر على إلغاء قرار غير مشروع، وإنما يرتب على الوضع غير المشروع جميع نتائجه القانونية، لأنه يتعلق بالحقوق الشخصية لرافع الدعوى، فله أن يحكم بالغاء القرار والتعويض عن الأضرار التي ألحقها بالمدعي، ومن ذلك المنازعات المتعلقة بقضاء التعويض عن أعمال الإدارة الضاره.

كما يتمتع الحكم في دعوى الإلغاء بحجية مطلقة في مواجهة الكافة في الوقت الذي يكون فيه الحكم في دعوى القضاء الكامل ذوا حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع.

وقد أجاز المشرع العراقي في المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة الجمع بين دعوى الإلغاء والقضاء الكامل في طلب واحد، فيكون التعويض تابعاً للألغاء ان كان له مقتضى، ومن ثم لا تختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في طلبات التعويض، إذا رفعت إليها بصفه أصلية وإنما يختص بها القضاء العادي.

وفي هذا الإطار، استقر العمل على أن يقدم المشرع على تحديد ميعاد يتوجب خلاله رفع دعوى الإلغاء لمسوغات عملية وقانونية يمتنع على الأفراد طلب الإلغاء بعد انقضائها وهي “شهران” في القانون الفرنسي و”ستون يوماً” في القانون المصري، تبتدئ من تاريخ البت في التظلم، أو من تاريخ إنتهاء الثلاثين يوما الواجب على الإدارة البت فيه، إذا امتنعت عن ذلك في العراق.

في حين، لايتقيد الطاعن في دعوى القضاء الكامل بهذه المواعيد القصيرة، وإنما يخضع لمدد التقادم العادية.

شارك الموضوع للإفادة..

قد يعجبك ايضا