المجتمع المدني بالمغرب ورهان الوصول لديموقراطية تشاركية

المعلومة القانونية – قديري المكي الخلافة

طالب بالإجازة المهنية للدراسات القانونية والمجتمع المدني، كلية الحقوق بسلا.

ينص الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 على مجموعة من المبادي كالحكامة الجيدة، ربط المسؤولية بالمحاسبة، الحق في الوصول إلى المعلومات، الديموقراطية التشاركية، وخاصة هذا المبدأ الأخير الذي عملت على تنزيله مجموعة من مقتضيات القوانين التنظيمية (1)، وذلك من أجل تعزيز دور جمعيات المجتمع المدني في بلورة وتقييم وتتبع السياسات العمومية، كشريك مساهم إلي جانب المجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية في تدبير الشأن العمومي في إطار تشاركي وتوافقي بين أهم القوى الحية في المجتمع والدولة، هذا ناهيك عن الترسانة القانونية المنظمة لعمل المجتمع المدني.

وعليه، إلى أي حد يمكن أن نقر بهذا الدور الجديد للمجتمع المدني بالمغرب على مستوى الممارسة؟

إن الملاحظ لوضع جمعيات المجتمع المدني على المستوى العملي في المغرب، يتبين له أنه من الصعب قيام الجمعيات بالأدوار المعلقة عليها كرهان دستوري، وذلك نظرا لمجموعة من الإختلالات التي تعاني منها، والتي نذكر من أهمها على سبيل المثال:

أولا: عدم إستقلالية جمعيات المجتمع المدني

حيث يشكل عدم إستقلالية المجتمع المدني إشكالية كبرى، تجعل هاته الأخيرة عاجزة عن المشاركة في تدبير الشأن العام، فإذا كان من المتفق عليه أن الجانب المالي مهم جدا لضمان التسيير المستقل للجمعيات، إلا أن ما يلاحظ عمليا في هذا الصدد أن تمويل الجمعيات يعتمد بشكل أساسي على الدعم العمومي من طرف السلطات الممثلة للدولة والمجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية.

وحيث لا مناص من القول أن ربط تمويل الجمعيات بهذه الهيئات، سيجعلها مبدئيا في حالة تبعية لها، مما سيحد من القوة الإقتراحية للمجتمع المدني، وبالتالي هذا الإشكال لا محالة سيؤدي إلى إضعاف عمل المجتمع المدني في بلورة المهام الجسيمة المسندة إليه، والمتمثلة في مراقبة السياسات العمومية وتدبير الشأن العام الترابي، وهو ما سيجعل جمعيات المجتمع المدني في مركز ضعف مقارنة مع المجالس المنتخبة، وعليه هذا الوضع يتعارض مع الأهداف التي تقوم عليها الديموقراطية التشاركية من حيث المبدأ.

ثانيا: غياب البعد الديموقراطي في التسيير

إن ما يعاب كذلك على أنظمة المجتمع المدني، هو غياب البعد الديموقراطي في التسيير الداخلي لأجهزتها، فهذه الأخيرة لا زالت تسير بأنماط كلاسيكية بعيدا عن مبادئ الديموقراطية، الشفافية، والحكامة الجيدة، في حين أن هاته المبادئ الأخيرة أصبحت حتمية، خصوصا بعد صدور دستور يوليوز 2011 الذي يؤكد على هذا الإلتزام، ويتجلى هذا الضعف على مستوى التسيير أساسا في إستحواذ رؤساء الجمعيات على جل إن لم نقل كل إختصاصات الجمعيات، وبالتالي هذا الوضع القائم من شأنه أن يغيب دور المنخرطين في تدبير الشأن الجمعوي كنتيجة، وهو ما من شأنه أن يفرغ فلسفة الديموقراطية التشاركية من محتواها.

وفي هذا الإطار، يجب الإعتراف بان جزء هام من المسؤولية عن وجود هاته الإشكالية، هو راجع لعدم تنظيم المشرع المغربي لكيفية تسيير الجمعيات بشكل دقيق، وفق مبادئ الديموقراطية والحكامة الجيدة، كما هو معمول به على مستوى تسيير مجموعة من المؤسسات والشركات المدنية والتجارية، سواء فيما يتعلق بكيفية إتخاذ القرار في الجمعية العامة، وكذى فرض الرقابة على الجهاز المسير، والمحاسبة المالية، وغيرها.

وعليه يمكن القول، بأن الحديث عن ديموقراطية تشاركية بمعزل عن دمقرطة النظام الداخلي للجمعيات، يبقي مسألة تحقيق الديموقراطية التشاركية في دائرة شبه المستحيل، بل هو ضرب من العبث ليس إلا.

ثالثا: عدم تفعيل الحق في الوصول إلى المعلومات

يعتبر الحق في الوصول إلى المعلومات حقا دستوريا أساسيا للتمتع بمجموعة من الحقوق الأخرى المتفرعة عنه، وخاصة الحق في حرية التعبير، وحق مشاركة فعاليات المجتمع المدني في الحياة العامة كقوة إقتراحية وتتبعية.
وتكمن أهمية هذا المبدأ في كونه يقيد شرعية الإدارة لمدى إلتزامها بإحترام القانون والحريات الفردية، ويساهم في ديموقراطية المجتمع، وضمان مساواة المواطنين أمام القانون، وهو أيضا قرينة لمدى النضج السياسي لأية دولة في العالم المتحضر، كما يساهم في إرساء ثقافة جديدة تسودها الشفافية والوضوح والمسؤولية(2).

بالتالي من أجل ضمان مشاركة فعالة للمجتمع المدني في تدبير الشان العام، فإن هذا الرهان يستوجب بالضرورة تمكين جمعيات المجتمع المدني من الحق في الوصول إلى المعلومات الموجودة في حوزة الإدارت العمومية  والمجالس المنتخبة، كما يؤكد عليه الفصل 27 من الدستور المغربي(3)، وحيث أضحى هذا الحق ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بالتحديد لمواجهة الثورة التي يعرفها مجال الإعلام الرقمي، الذي تنتشر فيه مجموعة من المغالطات، التي إن تم بناء مقترحات على أساسها، حتما لن تسير إلا في الإتجاه المعاكس لتحقيق المصلحة العامة، لأن تصويت او إقتراح الشخص الذي لا يعلم الوضعية الحقيقية للشيء، فهو تصويت او إقتراح غير ديموقراطي لأنه لن يسير في الإتجاه الصحيح، وبالتالي، فإن تغييب هذا المبدا سيزيح البعد التشاركي عن مساره، المتمثل أساسا في تحقيق المصلحة العامة (4).

في الأخير نخلص للقول، بان هاته الإختلالات التي هي في الحقيقة لا تشكل سوى بعضا من جملة من الإشكالات التي تعكس أزمة مجتمع مدني، لا يسع إلا الإعتراف بأن الجمعيات هي عاجزة على مستوى المشاركة في تدبير الشأن العام، وبالتالي ما يستوجب على المشرع المغربي ضرورة التدخل لضمان إستقلال المجتمع المدني، سواء من خلال إعادة تنظيم النصوص القانونية الخاصة بالتدبير الإداري والمالي، في إتجاه فرض رقابة علي البيت الداخلي لجمعيات المجتمع المدني، وذلك من خلال إعتماد مبادئ الديموقراطية والشفافية في تسيير أجهزتها نحو حوكمتها، وكذلك يجب إعادة النظر في الجانب التمويلي للجمعيات حتى تضمن إستقلاليتها، وكذى تشجيعها على نهج سياسة إعلامية، فضلا عن تحفيزها ضريبيا.

وعليه عند توفر هذه الشروط، أثناءه يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورا أساسيا في بلورة وتتبع وتقييم السيسات العمومية، في إطار توافقي وتشاركي مع أهم القوى الحية في المجتمع.


لائحة المراجع:

1– القانون التنظيمي رقم 64.14، القانون التنظيمي رقم 44.14، القانون التنظيمي المتعلق بالجهات رقم 113.14، القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم رقم 112.14، القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية 111.14

2– عبد العزيز دحماني، الحق في الحصول على المعلومات والمجتمع المدني أية علاقة؟، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، ص143.

3– تنص الفقرة الأولى من الدستور المغربي لسنة 2011: للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. وكخطوة لتفعيل مقتضات الدستور فيما يتعلق بحق الولوج لمعلومات، تقدمت الحكومة بمشروع قانون رقم 31.13 كما تمت المصادقة عليه في إنتظار تفعيله، وإن تعرض لنقد لديع في مجموعة من مقتضايته، وقد عمل هذا القانون 31.13 على تحديد مجال تطبيق الحق في الوصول إلى المعلومات، وكذى شروط وكيفية ممارستة.

4– مداخلة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ذ. مصطفى الخلفي، الدرس الإفتتاحي لماستر التشريع وعمل المؤسسات الدستورية والسياسية، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية والإقتصادية بسلا، بتاريخ 13-12-2017 على الساعة 10 صباحا بالمدرج الرئيسي للكلية.

شارك الموضوع للإفادة..

قد يعجبك ايضا