إجراءات مسطرة الصلح في مدونة الأسرة وإشكاليات التطبيق

المعلومة القانونية – ياسين القنافدي

طالب باحث في القانون الخاص

من بين المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة هي التنصيص على الزامية مسطرة الصلح(1) قبل الحسم في مسألة انحلال مثاق الزوجية ذلك للحفاض على استمراريته مصداقا لقول الحق سبحانه “إن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهم” سورة النساء الآية 35
ويعتبر الصلح(2)في قضايا التطليق والطلاق والتعدد إجراء جوهري نصت عليه بذلك المادة 94 من مدونة الأسرة والتي ورد فيها أنه ” اذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لاصلاح ذات البين طبقا لأحكام المادة 82 أعلاه”
كما أن المجلس الأعلى في هذا الصدد اعتبر “إجراء التصالح من النظام العام ” وتبعا لذلك قرر المجلس الأعلى فيما يتعلق بالإصلاح بين الزوجين إجراء جوهريا تفتتح به دعوى التطليق ويترتب على نجاحه إثبات ذلك في أمر تنتهي به الدعوى كما يترتب على فشله إصدار أمر بعدم التصالح والإذن بمواصلة الدعوى ولهذا فإن المحكمة لما رفضت الدفع بعدم احترام هذا الإجراء بعلة أنه لا يكون ضروريا إلا عند قيام الحجة عند الضررتكون قدد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض( 2″)
ومسطرة الصلح تدخل ضمن سلسلة المساطر غير القضائية(3) بحيث أنه قد يتعدر على المحكمة الاحاطة بجميع أسباب النزاع وأسباب الشقاق ومن المسؤول عنها مما يتعين سلوك الزامية مسطـــــــرة الصــــــــــــلـــــح
وهكذا فقد انصب التجديد الذي أدخله المشرع بخصوص النظام القانوني للصـلـــح على جعل النظر فيه من اختصاص المحكمة بدل قاضي التوثيق الذي كان معمول به في ظل مدونة الأحوال الشخصية وفق مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 56 والفصل 179 من ق م م
وبذلك تعتبر مسطرة الصلح في القضايا المتعلقة بالأسرة من أهم الوسائل التي بيد المحكمة لدرء النزاع بين طرفي العلاقة الزوجية وجلب المصلحة لهما ,لأن المغزى الأساسي من تنظم المشرع الأسري لنظام الصلح يرجع بالأساس الى حفظ الروابط العائلية وقطع دابر النزاع باعتبار الأسرة عماد المجتمع لارتباط قضاياها بجوانب انسانية واجتماعية

الا أنه تبقى مسطرة الصلح _محاولة إصلاح ذات البين بين الزوجين، لفض النزاع بين طرفي الدعوى _ من بين المعيقات المهمة التي تحول دون تنزيل أو تفعيل النصوص القانونية لمدونة الأسرة المتعلقة بمسطرة التطليق خصوصا والطلاق و التعدد.

فإلى أي حد توفق المشرع بنتظيمه لإجراءات الصلح في مدونة الأسرة؟
على ضوء هذا الإشكال المحوري تطرح مجموعة من الأسئلة التي يثيرها الموضوع:
ماهي اجراءات مسطرة الصلح المسطرة في أوراق مدونة الأسرة ؟ وماهي اشكالات هده المسطرة؟ وماهي الحلول التي يمكن اعتمادها لتفعيل هده المسطرة بشكل ايجابي يتلائم و الهدف الأسمى التي شرعنت من أجله هده المدونة_التي جاءت نتاج حراك نسائي لادماج المرأة في التنمية باعتبارها تشكل نصف حلقة المجتمع_ الا وهو الحفاظ على التماسك الأسري والروابط العائلية من خلال المساواة بين الرجل والمرأة؟
يترتب عن هذا الإشكال وما يتفرع عنه من أسئلة، فرضيتان:
الفرضية الأولى: تنظيم المشرع للإجراءات الصلح إيجابيات التنصيص عليه.
الفرضية الثانية: الممارسة العملية لإجراء الصلح ومكامن الخلل.
للإحاطة بهذا الموضوع سنعمل على تقسيمه إلى مبحثين: نتناول في (المبحث الأول) الإجراءات المسطرية للصلح على أن نتحدت على إشكاليات مسطرة الصلح في (المبحث الثاني)
المبحث الأول : اجراءات مسطرة الصلح في مدونة الأسرة
لم تعد مسطرة الصلح تشمل مجال التطليق للضرر فقط كما كان معمول به في ضل قانون الأحوال الشخصية بل اتسعت رقعتها لتشمل مجال الطلاق والتعدد و التطليق بكل انواعه استتناء التطليق للغيبة الدي استغنى فيه المشرع عن سلوك مسطرة الصلح ( المادة 113 من مدونة الأسرة)
فبمجرد تقديم طلب الطلاق أو التطليق أو طلب الاذن بالتعدد يقوم القاضي المكلف بالقضية باستدعاء الزوجين (طرفي الدعوى ) الى جلسة يعين تاريخها لإجراء محاولة الصلح كما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 37 من ق م م بواسطة أعوان كتابة الضبط أو احد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية وعند الاقتضاء يتم التبليغ عن طريق النيابة العامة (4) باعتبار هده الأخيرة طرفا رئيسيا في جميع القضايا الرامية الى تطبيق أحكام مدونة الأسرة ، بصريح المادة 3 من مدونة الأسرة
وعند حضور الزوجين _طرفي الدعوى_ يتم الاستماع الى وسائل ادعائهم ودفاعهم بغرفة المشورة من طرف قاضي الأسرة بحضور كاتب الضبط , وخلال هذه الجلسة تقوم المحكمة بجميع محاولات الرامية الى تقريب وجهة نظرهما لإنهاء النزاع القائم بينهما ()
وتجدر الإشارة هنا أن جلسة الصلح تكون سرية أي أنه تجرى في جلسة مغلقة لا يحضرها الا أطراف النزاع ودفاعهم
وفي حالة ما ادا كان هناك أطفال أو بدا للمحكمة من خلال المناقشة أن المصلحة تقتضي تأخير القضية لجلسة أخرى إما تلقائيا أو بناء على طلب الزوجين فإنه يجوز تأخيرها مع اشعار الطرفين بتاريخ الجلسة المقبلة كما يمكنها تأخير القضية لاستدعاء من ترى فائدة في الاستماع اليه _مع مراعاة أجل 6 أشهر التي يتعين البث من خلالها بالنسبة لدعوى الشقاق طبقا للمادة 97 من مدونة الأسرة_بما في دلك اللجوء الى الحكمين أو مجلس العائلة(5) لتقصي الحقائق وتجديد محاولة الصلح لانهاء الشقاق من خلال حث الزوجين على العودة الى الحياة المشتركة او أي شخص مشهود له بالكفاءة والصلاح وهذه الامكانيات منحتها المادة 82 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية التي تنص على أنه للمحكمة أن تقوم بكل الاجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لاصلاح دات البين بين الزوجين
ونشير هنا أن المدة الفاصلة بين جلسات الصلح التي تعتمدها المحكمة في مجال دعوى الطلاق و التطليق واالتعدد تستغرق مدة لا تقل عن 30 يوما ،دلك لتوفر مجال الاصلاح ورأب الصدع
وفي حالة وقوع الصلح ينجز التقرير(6) في ثلاث نسخ ويوقع عليه من طرف الحكمان والزوجان ثم تتولى المحكمة تسليم نسخة من التقرير لكل واحد من الزوجين وتحفض النسخة الثالثة بملف النزاع بعد الاشهاد من طرفها على نجاح الصلح
أما في حالة اسرار الطرفين على انهاء الرابطة الزوجية ورفع قيد النكاح وتعدر الاصلاح بينهما تحدد المحكمة مبلغا ماليا يتعين على الزوج ايداعه بصندوق المحكمة وذلك لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم الإنفاق عليهم
وعليه يجب على المحكمة في هده المرحلة_مسطرة الصلح_ أن تبدل جهدا للتوصل الى حل يرضي الطرفين وقبل ذلك تحقيق مصلحة الأسرة، فمهمة القاضي هنا تكون أقرب الى دور المصلح الاجتماعي ونظرة الطبيب الذي يحاول مساعدة الأفراد العائلية على حل نزاعهم وتجاوز ما يعترض سبيل حياتهم المشتركة بما يعود على الأسرة والمجتمع بالنفع(7)
المبحث الثاني: اشكاليات مسطرة الصلح
تتعدد الاشكاليات التي تحول دون تنزيل وتفعيل للنصوص القانونية المؤطرة لمسطرة الصلح التي أصبحت ضرورية ومطلوبة في كل النزاعات المشتعلة بين الزوجين،ذلك انسجاما مع فلسفة المشرع المتجهة نحو التركيز على الدور الوقائي والاصلاحي الإحترازي بدل الإسراع الى الحكم بإنهاء العلاقة الزوجية ‘ التي تترتب عنها أثار تضر بالأسرة والمجتمع معا
فبالرجوع الى التطبيق العملي لمسطرة الصلح نجد الأمر يختلف بكثير عن المسطرة المسطرة وفق مقتضيات القانونن رقم 03_ 70بحيث أن هناك تناقض كبير بين التطبيق والنص القانوني ذلك أن جلسات الصلح التي تقيمها المحكمة لا تستغرق سوى بضع دقائق يكتفي من خلالها قاضي الأسرة بطرح سؤال أوسؤالين على الزوجين _طرفي الدعوى_ دون الغوص في النزاعات الحقيقية الحاصلة بين الزوجين بعلة كثرة الملفات وتراكمها و التزام القاضي بالحياد علاوة على ذلك عدم توفره على مؤهلات المصالح المحنك مما يجعلنا نقول ان مسطرة الصلح اصبحت مجرد محطة عبور ضرورية لالزاميتها من طرف المشرع يمر منها الزوجين لانتقال للمحطة الحاسمة الا وهي الطلاق او التطليق
كما أن المحكمة غالبا لا تتأكد من صفة الحكمين ومدى قرابتهما من الزوجين وأهليتهما لإجراءا محاولة الصلح وكذا قدرتهما على التأثير على الزوجين وتكتفي بتصريح الزوج بكون الحكم من أهله وتقوم بتسجيل هويته بمحضر الجلسة من طرف كاتب الضبط( الشاهد الشريف) بقطع النظر عن توفره على الشروط(8) لمحاولة الإصلاح، كما أن المحكمة بعد اهمال الحكمين لإجراء محاولة الصلح لا تطلب منهما تقريرا بمحاولة الصلح وأسباب درجة الخلاف بينهما وتكتفي بتصريح الحكمين بفشل محاولة الصلح والواقع أن الحكمين يقومان بضور المحرض على الطلاق والتطليق(9)
بمعنى أن مجلس العائلة اصبح له نزعة تحريضية أكثر من النزعة التوفيقية بين الطرفين خلال اجراء الصلح مما يزيد من احتدام النزاع والشقاق بين الطرفين يصل فى بعض الأحيان الى شنآن بين الأسرتين داخل غرفة المشورة
و هذا ما يجعل مسطرة الصلح مجرد إجراء شكلي (10) روتيني من حيت التطبيق العملي لها على أرض الواقع مما يحول دون تحقيق غاية المشرع من هذه المسطرة التي أولاها عناية خاصة نظرا لأهميتها
إذن فكيف السبيل للحد من تحول الطلاق والتطليق والتعدد الى حالة تفكك أسري تفعيلا لتسريح بإحسان؟
فلتجاوز هذا الوضع المزري يجب إعادة النظر في مسطرة الصلح لتأتي أكلها بشكل يتلاءم مع الحفاض على التماسك الأسر ودلك من خلال
تفعيل دور المساعد الإجتماعي في إجراء محاولة الصلح مع توفير الفضاء الملائم لهده العملية
الإستعانة بأطباء نفسانيين لامكانية التدخل وحل النزاع لصاح الأسرة
الإستغناء على مجلس العائلة الذي أصبح له دور سلبي أكثر من الدور الإجابي الذي يتوخاه المشرع مع الإستئناس برجال الدين –أئمة المساجد- من خلال انتدابهم من طرف المحكمة بهدف تحسيس الزوجين بأهمية ميثاق الزوجية ودعوتهم الى نسيان الأخطاء المرتكبة بينهم
تكوين القضاة من خلال تهييئم نفسانيا واجتيازهم لفترات تدريبية تؤهلهم لاصلاح بين الزوجين،
تخصيص قضاة متقدمين في السن لإجرا ءات الصلح نظرا لكونهم راكموا تجارب عدة من خلال ممارستهم لمهنة القضاء،
التنصيص قانونا على المدة الزمنية للصلح التي تعقدها المحكمة داخل غرفة المشورة لكي يتأتى للمحكمة استقصاب مكامين الخلل ونقاط النزاع بين الزوجين
تكثيف الحملات التحسيسية والتثقيفية والتوعوية للتعريف بالإجراءات الواجب إتباعها من أجل الوصول إلى المقصد الذي توخاه المشرع.


الهوامش والمراجع المعتمدة:

1 _ أنظر في ذلك قرار عدد 1322 صادر بتاريخ 19-11-1985 حيث اعتبر أن عدم إجراء مسطرة الصلح يعد خرقا للفصل 212 من ق م م يوجب نقض الحكم :منشور في مجلة الندوة 1 ص 92

2_الصلح الأسري هو التوفيق بين الزوجين خاصة، أو بين أفراد الأسرة عامة، وقطع المنازعة بينهما بتراضيهما والإصلاح ذات البين بينهما، حفاظا على تماسك الأسرة، وتفاديا لتشتتها بالطلاق أو التطليق لأن تفككها يعني شتات المجتمعوقد عرف المشرع المغربي بدوره الصلح في الفصل1098من ق ل ع حيث جاء فيه: ” الصلح عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقعان قيامه وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو بإعطائه مالا معينا أو حقا . “ا
(2”)-المجلس الأعلى الغرفة الإجتماعية قرار عدد 164 الصادر بتاريخ 19_04_1980ملف عدد 81153 (غير منشور) ذكره عبد المجيد غميجة_موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية _منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية العدد 1 مارس 2007 ص 229 وص 230
3-(الدكتور عبد الله أبو عوض أثر الإجتهاد الفقهي و القضائي في تعديل مدونة الأسرة المغربية دراسة تأصيلية في المادة 400 منشورات دار الأمان مطبعة الأمنية الرباط ص 287
4-( الدكتور محمد كشبور التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة طبعة 2006 مطبعة النجاح الدار البيضاء ص 108)
5_انطلاقا من المادة السابعة من مرسوم 24 نونبر 1994 فمهام مجلس العائلة هي مهام استشارية حيث له دور التحكيم لاصلاح ذات البين اذا انحلال مثاق الزوجية
ويتألف مجلس العائلة من
القاضي بصفته رئيسا
الأب والأم والوصي أو المقدم
أربعة أعضاء يعينهم القاضي من بين الأقارب
6-غالبا لا يتم تحرير التقرير لمحاولة الصلح من طرف الحكمين نظرا لعدم توفر الشروط الكاملة لنجاح هذا التقرير
7_محمد شيلح قراءة ميتودولوجية لمفهوم الصلح في قضايا الطلاق والتطليق منشورات مجلة القضاء المدني سلسلة دراسات وأبحاث قضايا الأسرة اشكاليات راهنة ومقاربات متعددة الجزء الأول ص 21 مطبعة المعارف الجديدة –الرباط 2012
8- بالرجوع الىمدونة الأسرة نجد أن المشرع المغربي لم يحدد الشروط الواجب توافرها في الحكمين،مما يفتح الباب على مصراعيه لمن هب ودب ان يكون حكما في قضية مصيرية تتعلق بكيان اسرة والمجتمع باعتبار الأسرة نواته صلاحه من صلاحها وفساده من فسادها.في حين نجد الفقه المالكي قد حدد الشروط الواجب توافرها في الحكمين في أربع شروط وهي:العدالة،الرشد،الدكورة و العلم بما هما

9-اشكاليات تنزيل مدونة الأسرة مسطرة الصلح مقال منشور بجريدة التجديد يوم 29″12″2010
10-عبد المجيد غميجة_موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون والفقه في مسائل الأحوال الشخصية _ مرجع سابق ص 231

قد يعجبك ايضا