إستقلال النيابة العامة من خلال قانون 17-33 ومدى انعكاسها على مهنة المحاماة
المعلومة القانونية – الدكتور نور الدين الفلاق محامي متمرن بهيئة تطوان.
تكثفت في السنوات الأخيرة جهود إصلاح منظومة العدالة بالمغرب وعرفت وتيرة متسارعة، لكن 2017 ستظل السنة الفارقة في مسار إصلاح هذه المنظومة والتي تجسد خلالها انبثاق الهيئات القيادية للسلطة القضائية المستقلة.
في خلال هذه السنة، التي ستبقى بحق مرجعا في تقوية ركائز البناء المؤسساتي والديمقراطي للمملكة عبر توطيد الفصل بين السلط، تم تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية من خلال تنصيب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفصل تبعية النيابة العامة عن وزارة العدل بتسلم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض السيد محمد عبد النباوي سلطة رئاستها.
وفي هذا السياق، قام جلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يوم 6 أبريل 2017، باستقبال وتعيين أعضاء المجلس، حيث تم تعيين السيد مصطفى فارس، بصفته الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا للمجلس.
ولعل من أبرز المميزات التي يتسم بها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى جانب تعزيز انفتاحه على محيطه وتوسيع اختصاصاته، تنوع وتعددية تركيبته، إذ يضم شخصيات مؤسساتية وطنية مهمة وقضاة وأشخاصا من ذوي الكفاءة والخبرة القانونية والقضائية والحقوقية العالية ومشهود بعطاءاتهم القيمة في الساحة الوطنية.
ومواصلة لهذا المسار الإصلاحي لمنظومة العدالة، احتضن مقر رئاسة النيابة العامة بالرباط، في 6 أكتوبر 2017، حفل تسلم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض السيد محمد عبد النباوي سلطة رئاسة النيابة العامة من وزير العدل السيد محمد أوجار، في خطوة لافتة أنهت تبعية النيابة العامة لوزارة العدل، وبالتالي تكريس فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
ومهدت المناقشات المتعددة والمتنوعة للحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والمعمق لمنظومة العدالة، والخلاصات الصادرة عنه سابقا، الطريق لبلورة مختلف هذه التوجهات الإصلاحية الرامية إلى تعزيز مكانة القضاء في البناء المؤسسي الوطني والارتقاء بالسلطة القضائية إلى سلطة قائمة الذات، مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصولا إلى محطة مصادقة البرلمان على القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، المتضمنين في دستور 2011.
وشكل قانون 17-33 المتعلق بنقل اختصاصات جدلا في الساحة الحقوقية بين مؤيد ومعارض لهذا القانون ومنهم من ينفي وجوده والحكم عليه بعد الدستورية، والاتجاه المؤيد يرى انه نور اشرق في سماء العدالة وانه بداية لثورة الفكر الحقوقي وتكريس القانوني.
من هذا البسط الوجيز في فلسفة استقلال النيابة العامة يمكن طرح الاشكالات التالية:
إلى اي حد إستطاع المشرع المغربي من خلال قانون 33-17 ابراز استقلالية النيابة؟ وما هو الثابت والمتغير في عوالم هذا الجهاز؟
ومامدى تأثر المهن المساعدة للقضاء بهذا التحول من الاطار السياسي الى القضائي بخصوص استقلالية النيابة العامة؟
على العموم ومن أجل تفسير القول بخصوص هذا الموضوع الحيوي نسلك التصميم التالي في معالجة هاته الإشكالات:
المبحث الاول : الثابت و المتغير من خلال قانون 33.17
المبحث الثاني: علاقة النيابة العامة بالمحاماة بعد صدور قانون 17-33
المبحث الاول: الثابت و المتغير بعد استقلال النيابة العامة:
من خلال هذا المبحث سوف نحاول معرفة التغيرات التي حدثت بعد استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل (المطلب الاول)، وبعدها نعرج للحديث بقاء تبعية النيابة العامة لوزارة العدل ( المطلب الثاني) وهذا كله من خلال رأي المهتمين بالشأن القضائي و الحقوقي ببلادنا.
المطلب الاول : استقلال القضاء الواقف عن السلطة النتفذية
_ نصت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة على تقوية استقلال القضاء والإقرار باستقلاله الذاتي بشريا وماليا وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة، هذه التوصيات وضعت اللبنة الأولى لمعالم استقلال النيابة العامة عن رجل السياسة بإقرارها ضرورة اعتماد تأهيل العدالة وتقوية استقلاليته.
أما توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة اعتبرت أن أحكام الدستور أقرت بجلاء استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويجب فصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مع تخويل وزير العدل صلاحية إعداد السياسة الجنائية التي سيتم إقرارها من طرف السلطات المختصة، وتبليغ مقتضياتها كتابة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مع إحاطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ووزير العدل علما بالإجراءات والتدابير المتخذة بشأن السياسة الجنائية، على أن يقوم الوكيل العام للملك بتقديم تقرير سنوي إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة يكون موضوع نقاش داخل المجلس.
جاء دعم فكرة استقلال النيابة العامة عن سلطة وزير العدل من المبررات الدستورية استنادا على ما تضمنته الوثيقة الدستورية بعد تعديل فاتح يوليوز 2011 التي كرست استقلالية سلطة القضاء عن السلطتين التشريعية و التنفيذية في باب مستقل (الباب السابع من دستور 2011)، وأنه من خلال القراءة العادية للفقرة الأولى من الفصل 107 يتبين أن الإرادة الدستورية توجهت نحو فك الارتباط نهائيا بين السلطة القضائية وباقي السلط الأخرى، هذا الاستقلال يعتبر استقلال كامل للسلطة القضائية تهم القضاء الجالس و القضاء الواقف (قضاة أحكام و قضاة نيابة عامة). وأن الدستور لم يميز بينهما، اللهم في الشق المتعلق بآليات اشتغال كل منهما، على اعتبار أن للنيابة العامة خصوصيات تميزها عن قضاء الحكم، وهو ما يؤكده الفصل 110 من الدستور “لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون، ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون.
وإجمالا يمكن طرح أهم الأفكار التي تدعم استقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل ما خلصت إليه الندوة الدولية التي نظمها النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية والتي خلصت إلى:
– تخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض باعتباره رئيس النيابة العامة الإشراف وتتبع أعمال النيابة العامة؛
– استقلال سلطة النيابة العامة عن السلطة التنفيذية بشكل مطلق، للطلاق البائن بين السياسي والقضائي؛
– صلاحية السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في تبليغ السياسة الجنائية العامة للوكيل العام للملك بمحكمة النقض على أن تكون كتابة وغير متعلقة بحالات محددة؛
– نقل الإشراف الكلي على الضابطة القضائية إلى سلطة النيابة العامة، و جعلها من أجهزة السلطة القضائية؛
– إحداث مجلس الوكلاء العامين للملك تحت السلطة المباشرة للوكيل العام للملك بمحكمة النقض يخول له إقتراح موجهات السياسة الجنائية والسهر على تنفيذها؛
– تخويل هذا المجلس حق مراجعة قرارات النيابة العامة المتصلة بحفظ الشكايات، و سائر التظلمات ضد القرارات المتعلقة بها؛
– تخويل مجلس الوكلاء العامين للملك صلاحية مراقبة أعمال النيابة العامة؛
– تعزيز إستقلالية قاض النيابة العامة، في إبداء آرائه بكل حرية وإستقلال في الجلسات العلنية؛
– تنظيم قاعدة التبعية و التسلسل الرئاسي و حدوده التي يخضع لها قضاة النيابة العامة؛
– تمتيع قضاة النيابة العامة بنفس الحصانة ضد النقل والعزل التي يتمتع بها قضاة الأحكام؛
هذا التوجه الداعم لاستقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل يعتبر بالنسبة لبعض الفاعلين في مجال القضاء خطوة إلى الإمام، وانتصار للتوجه الحقوقي الشامل الذي يفصل بين السلط ويضع الحدود الضرورية التي تمنع تدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية، وتتويجا للإجماع الوطني والحقوقي المنبثق عن ميثاق إصلاح العدالة والمصادق عليه من طرف الهيئة الوطنية لميثاق إصلاح العدالة الذي حظي بالموافقة الملكية في حفل رسمي أعلن فيه أنه مشروع مجتمعي لإصلاح القضاء وتطوير العدالة شاركت فيه كل الهيئات والمنظمات الوطنية.
المطلب الثاني :استمرارية تبعية قضاة النيابة العامة لوزير العدل
إن إصلاح مؤسسة النيابة العامة يشكل عنصرا أساسيا ضمن نسق إصلاح منظومة العدالة كونها مؤسسة قضائية أساسية، وأن أي إصلاح دون أن يشملها يجعل الجسم القضائي عليلا ومعاقا، إلا إنه في المقابل ينتاب أصحاب هذا الاتجاه هاجس كبير بشأن ضمانات الجهة التي ستشرف على النيابة العامة و الجهة التي ستسهر على توفير الاستقلال الفعلي لها، وكيفية محاسبتها عن أخطائها وتقاعسها عن القيام بواجبها.
ويرى اصحاب هذا الاتجاه أنه بالرغم من المبادئ الدستورية الضامنة لاستقلال السلطة القضائية، فإن الممارسة والتطبيق يشهدان على تدخل صارخ في الأعمال ذات الصبغة القضائية، بل هناك من اعتبر أن وضع النيابة العامة تحت مسؤولية الوكيل العام لدى محكمة النقض أنها خطوة للوراء ولن تكون سوى امتيازا قضائيا في ظل الوضع الحالي للجهاز القضائي وستكون معها النيابة العامة بدون محاسبة و لا رقيب.
وحجة أصحاب هذا الرأي بما تعرفه الأرضية الأساسية لجهاز القضاء ببلادنا التي لا زالت هشة، والمتمثلة أساسا في الفساد الإداري وغياب النزاهة في بعض عناصر النيابة العامة، وهو ما تؤكده الكثير من القرارات والأوامر الجائرة وغير المؤسسة قانونا سواء تعلق الأمر بالاعتقال أو السراح المؤقت أو حفظ الملفات حسب ما جاء في الرسالة التي بعث بها الدكتور خالد السموني الشرقاوي، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية،
هذا الطرح في نظرنا لا مبرر له طالما أن قضاة النيابة العامة يشتغلون تحت سلطة وزير العدل و يمكن له توجيه التعليمات في جميع الملفات بل أحيانا أن وزير العدل هو من يتحكم في المتابعات و ردهات المحاكم مليئة بملفات حساسة كان لوزير العدل اليد القوية في تحريك المتابعات بخصوصها.
المسألة الأخرى التي يطرحها أصحاب هذا الاتجاه، مسألة الرقابة التي ستخضع لها النيابة العامة في حالة إخضاعها لإشراف الوكيل العام لدى محكمة النقض كونه لن تخضع لأي رقابة مؤسساتية في الدولة، في حين يرى هذا الاتجاه أن استمرارية تبعية النيابة العامة لوزير العدل يمكنها من الخضوع لرقابتين أساسيتين الأولى رقابة رئيس الحكومة باعتباره الرئيس الفعلي المباشر للوزير يمارسها مباشرة أو من خلال اجتماعات مجلس الحكومة، والرقابة البرلمانية، عندما يمثل وزير العدل أمام البرلمان بمجلسيه لمساءلته عن قراراته عندما تكون خارجة عن نطاق القانون أو تمس بمبدأ استقلال القضاء ويبقى مسؤولا عن قراراته وسياسته الجنائية أمام البرلمان في إطار ديمقراطي يربط المسؤولية بالمحاسبة.
لهذا فإن أصحاب هذا الاتجاه من أعضاء الهيئة جانبوا الصواب، باقتراحهم في مشروع إصلاح القضاء استقلالية النيابة العامة بشكل تام عن وزير العدل، وأن همهم الوحيد هو تفعيل مبدأ فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية تطبيقا لمقتضيات الدستور، كما اعتبروا أن بعض الحقوقيين الذين طالبوا ودافعوا عن استقلال النيابة العامة عن وزير العدل لم يعوا خطورة هذا المطلب، نظرا لغياب ضمانات قانونية تتعلق باختيار الوكيل العام وآليات محاسبته بعيدا عن السلطة التنفيذية، وأن إبعاد النيابة العامة عن وزارة العدل في غياب ضمانات دستورية وقانونية يعتبرخطأ تاريخيا سنتحمل تبعاته في المستقبل.
المبحث الثاني :علاقة النيابة العامة بالمحاماة بعد صدور قانون 17-33
يشكل القضاء الجالس والواقف، اهمية بالغة في تحقيق العدل و تكريس مبدأ المسؤولية لذلك فهو اسمى سلطة لخدمة المجتمع وحماية الحقوق و الحريات، واعطاء لكل ذي حق حقه من غير خوف ولا فزاع؛ لكن هل يستطيع القضاء وحده خدمة العدالة؟ وما هي العلاقة التي تجمع بين القضاء و المهن المساعدة له وتحديدا المحاماة باعتباره دينموا البحث عن الحقيقة في جذور الترسانة القانونية؟
لايمكن الحديث عن اي استقلال في ظل غياب التنصيص عن حقوق البذلة السوداء التي تشكل نقطة تحول في ظل حراك العدالة وذلك من خلال النص و الواقع ،( المطلب الاول) وكذلك لحظة تحليل واستنباط لتخليق مهنة المحاماة من خلال قانون 17-33 المتعلق بنقل الاختصاصات من سلطة وزير العدل الى النيابة العامة لدى محكمة النقض ( المطلب الثاني).
المطلب الاول : دور المؤسسات لعمل المحامي بالمغرب ودفاع عن المحامي امام جل الجهات الاخرى
يفترض في المحامي – منطقيا – من حرصه على حقوقه قبل حقوق غيره، إلا أنه على عكس هذا الافتراض فإن المحامين أضحوا من أكثر الفئات المستهدفة في حقوقها، سواء بحكم ممارستهم المهنية، أو فيما يتعلق بمجال الحريات العامة، و هذا هو مناط الاستغراب، إذ أن الذين يدافعون عن حقوق وحريات الأشخاص أصبحوا مهددين في حقوقهم وحرياتهم أكثر من أي وقت مضى.
أمام ما ذكر فإن أول تساؤل يثار لتحليل هذا الموضوع يبقى حول دور المؤسسات المنظمة لعمل المحامي بالمغرب، و موقعها مما آلت إليه المحاماة بهذا البلد، و المقصود هنا هم الهيئات المهنية من جهة (الفقرة الاولى)، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب من جهة أخرى(الفقرة الثانية)، وذلك بوصفهما المعنيين بتأطير الممارسة المهنية للمحامين، سواء من حيث الالتزامات التي يفرضها القانون على الأولى – أي الهيئات -، أو بالنظر لطبيعة الأهداف المسطرة في قانونها الأساسي و الوظائف التي اضطلعت بها بالنسبة للثانية، علما أن هذه الأخيرة هي الجمعية الوحيدة التي تفردت بهذا الأمر على المستوى الوطني، وذلك بطبيعة الحال في حدود الإمكانيات التشريعية و بالنظر إلى أدائهما الميداني من خلال ما راكمتاه من تجربة تاريخية في الموضوع.
الفقرة أولى: دور الهيئات المهنية حدود الإرادة التشريعية
نصت المادة 85 من القانون المنظم لمهنة المحاماة على ما يلي:
يتولى مجلس الهيئة، زيادة على الاختصاصات المسندة إليه للنظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة، المهام التالية:
… حماية حقوق المحامين والسهر على تقيدهم بواجباتهم في نطاق المبادئ التي ترتكز عليها المهنة
إنشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة أعضاء الهيئة وتوفير الموارد الضرورية لضمان الإعانات والمعاشات لهم أو للمتقاعدين منهم أو لأراملهم وأولادهم سواء في شكل مساعدات مباشرة أو عن طريق تأسيس صندوق للتقاعد أو الانخراط في صندوق مقبول للتقاعد…
إن هذه المقتضيات هي الوحيدة في هذا القانون التي تناولت موضوع حقوق المحامين، و قد وردت ضمن الحديث عن دور مجالس الهيئات و صلاحياتها في تدبير الشأن المهني، و باستقرائنا لمضمون هاتين الفقرتين ننتهي إلى الملاحظات الآتية:
1- إن المطلوب من مجالس الهيئات بصفتها الإطار التنظيمي المحلي للمحامين هو حماية حقوق هؤلاء مقابل سهرها على ضمان وفائهم بواجباتهم في إطار المبادئ المهنية، و بذلك فهي تتحمل مسؤولية الإشراف و التنظيم و المراقبة و التأديب أكثر من كونها إطارا يرصد مطالب المحامين و يسعى إلى توفير سبل تحقيقها، و هذا طبيعي، لأن المشرع عندما أوجدها حملها كإطارات تنظيمية لم يخولها أي صلاحيات من هذا القبيل و الذي غالبا ما تستأثر به النقابات.
2- توفير الموارد الضرورية لتغطية مصاريف تسييرها و ضمان التغطية الصحية و الاجتماعية للمحامين من خلال خلقها و تدبيرها لمشاريع اجتماعية، و هنا أيضا ينحصر دورها فيما يمكن وصفه بالحقوق الاجتماعية في تفعيل مبادرات خاصة بعيدا عن أي منحى مطالبي تجاه المؤسسات الرسمية أو الدولة.
3- الاهتمام بالمحامين المنتمين لدائرة نفوذها فقط دون الامتداد إلى ما يهم زملاءهم على المستوى الوطني، إذ إن هذه الهيئات، كما هو واضح في القانون، محلية بطبعها و لا يمكنها أن تمارس صلاحياتها خارج دائرة نفوذ محكمة الاستئناف التي تنتمي إليها، كما أن إنشاءها و حلها رهين بالشروط و المعايير الواردة في القانون المنظم للمهنة و لا حظ لإرادة أعضائها في هذا كله، فهي إطارات نظامية تدخل ضمن الهياكل المنظمة للممارسة المهنية بقوة القانون.
وعليه فإن المشرع و بناء على الملاحظات السابقة يكون قد حصر دور مجالس الهيئات بالنسبة لحماية حقوق المحامين في المجالين الموضوعي و الترابي، كما أسند إليها مهاما مقابلة تتمثل في الجانبين الرقابي و التأديبي، و بالتالي فإن صلاحياتها في إدارة الشأن المهني حسب القانون المنظم للمهنة ينحصر في الحفاظ و الحماية لما أقره القانون كما سلف ذكره، أكثر من أخذها أي طابع مطالبي و لو شاع في التداول العام وصفها بالنقابة، فهي لا تحمل مواصفات هذا النعت لا قانونا و لا ممارسة، مما يجعله مجرد خطإ شائع ليس إلا حدود الممارسة الميدانية:
تؤكد التجربة العملية لهذه لهيئات المحامين بالمغرب خلال ما يناهز قرنا من الزمن أن حضورها الأساسي في الحياة المهنية يكمن في سهرها على تنظيم الممارسة المهنية من خلال ما يلي:
– تنظيم عملية الولوج للمهنة و ما تقتضيه من تمرين و مباريات و تدبير للملفات المهنية.
– ضبط جداول الممارسين، سواء كانوا متمرنين، أو رسميين، أو مقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى مع السهر على تحيينها.
– مراقبة حسن سير الأداء المهني و ضمان احترام القانون و الأعراف و التقاليد المهنية.
– ممارسة صلاحيات التأديب و تنفيذ المقررات المرتبطة بها مع تتبع ذلك مع الجهات الرسمية المعنية.
– تدبير المرافق المهنية و ضمان حسن سيرها.
– تأمين الموارد المالية لتغطية مصاريف المرافق المهنية و الخدمات الاجتماعية.
– تنظيم الجموع العامة و الانتخابات المهنية، و ذلك لضمان تداول المسؤولية على الأجهزة طبقا للقانون.
و هذا ما يمكن رصده من خلال الوثائق الصادرة عن الهيئات في هذا الشأن، و أهمها التقارير الأدبية و المالية و المنشورات و التي تحررها للتواصل مع أعضائها من جهة، و مع الرأي العام من جهة أخرى.
الفقرة الثانية :دور جمعية هيئات المحامين بالمغرب
– الحدود القانونية والتنظيمية:
تعد جمعية هيئات المحامين بالمغرب جمعية وطنية تضم لعضويتها جميع الهيئات المهنية التي تنظم ممارسة المحاماة بالمغرب، و قد لخصت أهدافها في المادة 4 من قانونها الأساسي، حيث سطرت أحد عشرة هدفا توزعت على مجالات مختلفة، و بقراءة أولية لهذه الأهداف فإنه يمكن الوقوف على ما يلي:
ذكرت عبارة (حقوق المحامين) في فقرة واحدة ضمن الهدف الثاني، و هو الهدف الوحيد الذي ركز على هذا البعد الحقوقي المهني.
إن هذه الحقوق المهنية أتت في سياق تأمين حصانة المحامي و حريته و استقلاله، و من زاوية ضمانها له سواء كانت مادية أو أدبية.
إن معظم الأهداف الأخرى، أي العشرة المتبقية تهم التنسيق بين الهيئات و العمل على تعميم الوعي بحقوق الإنسان و الدفاع عن احترامها بشكل عام.
وهناك هدف آخر مرتبط بالدفاع عن المقومات و المصالح الوطنية من خلال الأنشطة التي تساهم فيها الجمعية وطنيا ودوليا و هو أوسع من سابقيه و أعم.
المطلب الثاني : تخليق مهنة المحاماة من خلال قانون 17-33 المتعلق بنقل الاختصاصات من وزير العدل الى وكيل العام لدى محكمة النقض
«المحامي شريك للقاضي في صنع العدالة وفي إعلاء قيم الإنصاف والحق، وفي الدفاع عن القانون وقيم المساواة»، بهذه العبارة اختار رئيس النيابة العامة الإشادة بدور المحامي وأهميته في تحقيق العدالة، مشددا على دعم مؤسسة رئاسة النيابة العامة «اللامشروط لكل الجهود التي ستقرر هيئات المحامين بذلها من أجل تخليق المهنة والرفع من قيمتها وتكريم نسائها ورجالها والمحافظة على كرامتهم».
رئيس النيابة العامة الذي كان يتحدث خلال لقاء احتضنته القاعة الكبرى بمحكمة النقض اليوم الخميس احتفاء بالنقباء الجدد، أكد على «نبل مهنة المحاماة ودورها الرائد»، مضييفا «كيف لا وهي المهنة التي كرمها جلالة الملك عندما ارتدى بذلة المحامي خلال اجتماع المكتب الدائم للمحامين العرب في دورته الثانية التي انعقدت بالدار البيضاء سنة 2000» التي سلمها له أحد كبار النقباء، وهو النقيب عبد الله درميش.
كما أثنى «محمد عبد النباوي»، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، خلال لقاء جمع بين المسؤولين القضائيين والنقباء الجدد، بمناسبة الانتخابات التي أجريت خلال الأسابيع القليلة الماضية على الصعيد الوطني، على الأجواء التي سادت مراحل انتخاب نقباء هيئات المحامين بـ «الديمقراطية»، مشيدا بقدرة «أصحاب البذلة السوداء» على «احتواء الاختلافات وتدبيرها في إطار أخلاقيات المهنة، ووفقا لقواعد الزمالة وبمقتضى المساطر القانونية.
وإن القاضي والمحامي «ملزمان بوضع اليد في اليد من أجل الوفاء بالتزاماتهما المهنية والإخلاص لقسم الشرف الذي تعهدا به ساعة انتمائهما لمهنة القضاء والدفاع»، موضحا أن «المرحلة الحالية تقتضي من الجميع إعادة تنظيم الصفوف ووضع الآليات المناسبة للأشغال لحل الإشكاليات بما تقتضيه المرحلة الجديدة.
واقترح المسؤول الأول عن النيابة العامة «تشكيل لجنة مركزية تتولى دراسة القضايا التي يتطلب حلها قرارا مركزيا، تتكون من رئيس جمعية المحامين وبعض النقباء ومن ممثلين عن السلطة القضائية والمحاكم والنيابات العامة، وتجتمع دوريا حسب الحاجة وترفع إليها القضايا التي يتعذر حلها.
نخلص للقول ان :
– قانون 17-33 امل الشعب المغربي عامة، واهل الاختصاص خاصة لاعطاء كل ذي حق حقه من غير خوف ولا فزع،
33-17 بوابة ربط المسؤولية بالمحاسبة في جل المجالات هو طريق لنجديد العقلية، واحياء الضمير المهني.
-33-17 رسالة توبيخ الى العقلية المتحجرة التي ترى ان السيادة و السلطان الهدف الاسمى
وأخيرا فإن إصدار قانون رئاسة النيابة العامة رقم 33.17 يكتسي رمزية كبيرة ودعامة أساسية لتوطيد استقلال القضاء لكونه يتوج نضال الطبقة الحقوقية المغربية مند عقود والتي نادت بإنهاء زمن التوظيف السياسي لهذه المؤسسة و ووضع حد للخلاف الدائر بين تداخل السلطة التنفيذية و السلطة القضائية كما شكل لحظة تاريخية تؤسس لبناء سلطة قضائية مستقلة في كل مكوناتها وتدعيم ثقة المواطن في القضاء وضمانة للرفع من الحكامة والنجاعة القضائية بعيدا عن أي تدخل خارجي في وظيفتها.
المراجع المعتمدة:
الدستور المغربي لسنة2011
القانون المنظم للسلطة القضائية
القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب
قانون المسطرة المدنية
القانون17-33 المتعلق بنقل الاختصاصات من وزارة العدل الى السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
الدكتور محمد عياض دراسة في المسطرة الجنائية المغربية الجزء الأول الطبعة الأولى
لدكتور عبد العزيز الخضري ،القانون القضائي الخاص الطبعة الثالثة ،2002 مطبعة الطيور وجدة الصفحة 42.
المجلة الاكترونية هسبريس
مجلة عالم الفقه و القانون
أحداث انفو
شارك الموضوع للإفادة..