دور الجمعيات الحقوقية في حماية حقوق الإنسان على المستوى الدولي

المعلومة القانونية – قديري المكي الخلافة

طالب بالإجازة المهنية للدراسات القانونية والمجتمع المدني، كلية الحقوق بسلا.

أنشئت العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية، لأهداف وغايات متباينة خاصة أو عامة، منها ما وجد للتنمية الثقافية الحقوقية وطنيا ودوليا، ومنها ما وجد للمساهمة في إتخاذ وتتبع وتقييم القرارات الدولية، فيما يرتبط بموضوع حقوق الإنسان.

فما هو موقع المجتمع المدني في مجال التعاون الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان؟ وإلى أي حد يمكن أن يكون فاعلا مستقلا في هذا المسعى؟

للإجابة حول هذا الإشكال، سوف نقسم الموضوع إلى شقين، الأول منه سيتعلق بمسألة وضع المنظمات والجمعيات الحقوقية كشريك في التعاون الدولي لحماية حقوق الإنسان، أما الثاني فسيخصص لتسليط الضوء حول أدوار الجمعيات والمنظمات، وخاصة الحقوقية منها في ظل النسيج الجمعوي على المستوى الوطني والدولي في المساهمة في صناعة وتقييم وتتبع حقوق الإنسان.

أولا: المجتمع المدني شريك في التعاون الدولي لحماية حقوق الإنسان 

لا شك أن مسألة حقوق الإنسان بالمفهوم الحديث، لم تظهر ملامحها بشكل واضح إلا في حضن المجتمع الدولي، موازاتا وتطور مفهوم الدبلوماسية الدولية، بالتحديد داخل هيئة الأمم المتحدة، كرد فعل على النتائج المدمرة التي أسفرت عنها الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي عام 1948 إتخذ العالم قرارا تاريخيا داخل “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، بتبني “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، باعتباره المرجع الأساسي لتحديد الحقوق المتعارف عليها دوليا، وحيث أكد في مجمله على إحترام وتعزيز أوضاع إنسانية إعتبرها حقا مشروع لجميع البشر دون تمييز. هذا إلى جانب “العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية”، و”العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية” لسنة 1967، وغيرها من المعاهدات والمؤتمرات الدولية، التي إنخرطت فيها مجموعة من الدول والمنظمات الدولية منها الحكومية وغير الحكومية إلى جانب الفاعلين الإقتصاديين والإعلام.

ولعل ما أصبح يميز الجيل الجديد للدفاع عن حقوق الإنسان، هو ما أضحت المنظمات غير الحكومية وفعاليات المجتمع المدني، تضطلع به من أدوار طلائعية في تطوير المفاهيم والآليات الخاصة بحقوق الإنسان على المستوى الوطني.

وهذا الدور الجديد للمجتمع المدني يجد منبعه بالأساس من خلال وعي الفاعلين الدوليين بأن رعاية حقوق الإنسان لا يمكن أن تنتهي بإنتهاء مرحلة إنتاج المعاهدات والإتفاقيات الدولية كقواعد للقانون الدولي، وإنما هي تمتد لتشمل مرحلة مراقبة وتقييم مدى تنفيذ السلطات العمومية لتلك المعاهدات، سواء على مستوى التشريع الداخلي من جهة، أو على مستوى الواقع والممارسة من جهة أخرى، إذ بدون هاته العملية لن تتمكن مساعي حماية هاته الحقوق في بلوغ مسعاها.

فماهي أدوار المجتمع المدني في تقييم وتتبع وتنفيذ المساعي الدوية لحماية حقوق الإنسان؟

ثانيا: المجتمع المدني الحقوقي فاعل في الضغط على الحكومات لاحترام حقوق الإنسان

من دون شك إن المنظمات والجمعيات الحقوقية في مسعاها لحماية الحقوق والحريات العامة، تقوم بتنفيذ العديد من السياسات والإستراتيجيات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، حيث تساهم هاته الجمعيات إلى جانب أجهزة العمل الدولية في التعاون لحماية حقوق الإنسان، إذ نذكر على سبيل المثال: دور “المجلس الإقتصادي والإجتماعي” التابع لهيئة “الأمم المتحدة” في تتبع وتقييم مسألة حقوق الإنسان على المستوى الدولي، بحيث إن هذا المجلس -في إطار تحقيق أهدافه- يمنح الصفة الإستشارية لمجموعة من فعاليات المجتمع المدني الحقوقية، بناءا على طلب هاته الأخيرة تنظمه مقتضيات ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وذلك بغرض المساهمة في مراقبة وتقييم وتتبع الوضع الحقوقي بالدول، إذ على سبيل المثال -في المملكة المغربية- هنالك جمعيات عديدة تحظى بهاته الصفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، منظمة العمل النسائي، وجمعية جسور ملتقى النساء المغربيات وغيرها.

وفي هذا الصدد تقوم فعاليات المجتمع المدني بمراقبة مدى إلتزام السلطات العمومية في الدولة باحترام وتطبيق الحقوق والحريات الأساسية كما هو متعارف به دستوريا، ولعل ما يساعدها في بلوغ ذلك الهدف، هو لجوء المواطنين إلى هاته المنظمات والجمعيات لرفع شكاويهم وتظلماتهم ضد الإنتهاكات التي يعانون منها في مجال حقوق الإنسان، وأيضا بغرض طلب المشورة القانونية.

بالتالي، هذا يجعل توثيقات الجمعيات الحقوقية لانتهاكات حقوق الإنسان تمتاز بالدقة والموضوعية، ولعل ذلك هو ما يضفي مصداقية على التقارير والتحقيقات التي تصدرها، والتي غالبا ما يتم الإعتماد عليها لإصدار ملاحظات وتوصيات دولية تدخل في مجال حماية حقوق الإنسان.

من جهة أخري، تلعب المنظمات الدولية غير الحكومية في علاقتها بالمساعي الدولية لتتبع أوضاع حقوق الإنسان دورا هاما يتجسد من خلال مطالبة الدول بإيفاد لجان لتقصي الحقائق عند الضرورة، وبالتحديد عندما تروج مجموعة من الأخبار حول وجود إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة معينة، وذلك بالأساس من أجل إصدار تقارير للتأكد من حقيقة الوضع المعني، مما يعطي لفعاليات المجتمع المدني والتنسيقيات المرتبطة بها إختصاصا هاما في تتبع وتقييم الأوضاع الحقوقية بالبلد، سواء على المستوى القانوني وكذى على المستوى الواقعي، أي أنه حتى وإن كانت أهداف بعض فعاليات المجتمع المدني التي قد تصدر تلك التقارير هي ليست حقوقية، مثلا قد يكون موضوعها يصب في مجال الصحة العامة، أو الهجرة أو التعليم أو غيرها من المجالات الإجتماعية، إلا أن ذلك التشخيص يسهم بشكل أو بآخر في فضح الإنتهاكات والممارسات غير القانونية، مما يجعل السلطات العمومية تحاول الإستجابة لمتطلبات الإصلاح، وخاصة منه القانوني، مثلا نذكر التقرير الذي أصدرته المنظمة الدولية للهجرة حول الوضع الإجتماعي الغير إنساني الذي يعيشه المهاجرين الأفارقة في ليبيا، من جراء تعرضهم للعبودية والنخاسة حسب ما جاء في التقرير، ودور هذا الأخير في تحرك الأجهزة الدولية نحو إتخاذ قرارت وتوصيات ومواقف على السلطة الليبية ومجلس الإتحاد الأروبي، من أجل التدخل لتصحيح هذا الوضع.

إلا أنه في الأخير تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقع الجديد للمجتمع المدني الحقوقي، يطرح إشكاليات أخرى متعلقة اساسا بمدى استقلالية “المجتمع المدني” على الفاعلين الأساسيين في العلاقات الدولية من دول ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية، وخاصة لدى دول العلم الثالث.


المراجع المعتمدة:

1) خلاصات محاضرات جامعية من إلقاء أساتذة شعبة الإجازة المهنية للدراسات القانونية والمجتمع المدني بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية – سلا، موسم 2017-2018.

2) الموقع الإلكتروني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي.

3) الموقع الإلكتروني  لهيأة الأمم المتحدة.

4) سلسلة أبحاث ميدانية لطلبة الإجازة المهنية للدراسات القانونية والمجتمع المدني، على مجموعة من الجمعيات الحقوقية بالمغرب، تحت إشراف الأستاذ “محمد مكليف“، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – سلا، السنة الجامعية 2017-2018.

شارك الموضوع للإفادة..

قد يعجبك ايضا