التطليق للضرر في ضوء أحكام مدونة الأسرة، دراسة في إطار القانون والفقه والقضاء المقارن –

محمد قاسمي“، ماستر كلية الحقوق بأكادير:

لا خلاف حول كون مؤسسة الأسرة عماد المجتمع وأساسه، فهي الدعامة التي يقوم عليها صرحه، والدرع  لكيانه، حيث أحاطها الشارع الإسلامي بعناية كبيرة، كونها تعنى بدور مركزي في إصلاح الأمة وازدهارها، وعلى دربه صارت معظم العلوم الإنسانية وكذا التشريعات الوضعية سواء الداخلية أو الأممية، حيث بدورها خصصت في أحضانها اهتماما كبيرا لهذه الوحدة التي لا محيد عنها لقيام المجتمعات الإنسانية.

والأسرة ككيان تتأسس بالزواج بين رجل وامرأة، مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً﴾ النساء، الآية 1.

فقد اعتنى الإسلام بالزواج وندب إليه، ودعا إلى الاتزان والتريث والأناة قبل الإقدام عليه، وهو الأمر الذي نحت نحوه جل التشريعات العربية الأسرية، ومنها مدونة الأسرة المغربية التي جاء في مضمون المادة الرابعة منها أن الزواج ميثاق تراضي وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام والاستطالة لتكوين أسرة مستقرة تؤدي دورها الإيجابي داخل صرح المجتمع.

لكن، ودوام الحال من المحال، فرغم تنصيص المدونة أن الزواج يراد به الدوام إلا أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون مجرد قاعدة ترد عليها استثناءات لعل أهمها الفراق.
فالطلاق والتطليق كسببين من أسباب انحلال الرابطة الزوجية يجدان سندهما في الذكر الحكيم، مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ الأحزاب، الآية 28.

فقد عمل المشرع المغربي والمقارن على تعداد الوسائل التي تنحل بها الرابطة الزوجية، لعل أهمها الضرر بمفهومه الضيق، والذي يعتبر موضوع وجوهر هذه الدراسة.
سيدي الرئيس، السادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
إن التطليق للضرر يعتبر من المواضيع التي نالت من الدراسة والتمحيص في المؤلفات الفقهية الشيء الكثير، وهو ما يعرف بالتفريق للضرر. كذلك تطرق المشرع المغربي له في المدونة في المواد من 98 إلى 101، كما سبق له أن تناوله في المادة 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وهو نفس المنحى الذي سلكته جل التشريعات العربية الأسرية المقارنة.

لكن، فالتطليق للضرر كموضوع كثيرا ما يثير العديد من الإشكالات العلمية والعملية أمام القضاء التي حاولنا مقاربتها في هذا البحث.

فأهمية موضوعنا قيد الدراسة، تتجلى بالأساس في نواحي عدة، يمكن أن نجملها في ما يلي:

– أولا: من الناحية الشرعية: اختلف فقهاء المذاهب السنية الأربعة في مواضيع عدة بخصوص التطليق للضرر، لعل أهمها حق الزوجة في فك العصمة لنفس العلة من عدمه، فالإلمام بالخلاف الفقهي العالي في المسألة الواحدة يجعل من موضوعنا هذا ذا أهمية بالغة.

– ثانيا: من الناحية الاجتماعية: في عصرنا هذا تلاشت القيم، وضعفت الهمم، وأصبحت كثير من أسرنا في مرتع السقم، ففي معظم الأحيان لا نكاد نجد أسرة زوجية يختفي فيها الشد والجدب، ويغيب فيها الخصام والشجار، وينحني فيها الشقاق بين الزوجين لقيم التسامح والوقار، فأهمية موضوعنا من الناحية الاجتماعية تتجلى في رفع القناع عن الأحوال التي آلت إليها العديد من الأسرة العربية والمغربية بالخصوص، من عنف أسري وإيذاء زوجي وفساد أخلاقي لأوهى الأمور والمشكلات.

ثالثا: من الناحية القانونية: تتجلى أهمية موضوعنا في شقه القانوني كون المشرع المغربي والمقارن خصص لموضوع الضرر كمبرر للتطليق نصوصا وافرة في ظل المنظومة القانونية الأسرية لهذه التشريعات، حيث كثيرا ما تعطي هذه الأخيرة للزوج المتضرر الحق في المطالبة بفك رباط الميثاق الغليظ مع الزوج المعتدي.

رابعا: من الناحية القضائية: يعود للقضاء الفضل الكبير في تطبيق نصوص أي قانون، وإخراجه من مرحلة الجمود إلى الحياة العملية، وكدا سد الثغرات التي تعتريه في بعض الأحيان، لكن قد يقع الخلاف في العمل القضائي بخصوص المسألة الواحدة، ففي ما يخص التطليق للضرر فهناك خلاف في الأحكام والقرارت القضائية الصادرة بخصوص الأضرار الموجبة للتطليق، وكذا المستحقات التي تؤول إلى الزوجة المطلقة للضرر، فكل هذه الأمور تعطي لبحثنا هذا أهمية بالغة تستحق بالكاد دراسة وتمحيصا.

سيدي الرئيس، السادة أعضاء اللجنة العلمية المحترمة
إن التطليق للضرر كموضوع اخترنا سبر أغواره يطرح إشكالية رئيسية متفرعة، حددنا للإجابة عنها مناهج متنوعة.

ففي ما يخص الإشكالية التي عهدنا أنفسنا أن نؤطر بها تفاصيل هذه الدراسة، فتتمثل أساسا في: إلى أي حد استطاع المشرع المغربي والمقارن تحقيق الحماية الكافية الموضوعية والإجرائية للزوجة المطلقة للضرر من خلال النصوص القانونية، وتوجه الفقه والقضاء في هذا المضمار؟

ويتفرع عن هذه الإشكالية العديد من التساؤلات الفرعية، تنطوي في كليتها على توجهات ثلاث تجدونها في صلب هذه الرسالة.

أما بخصوص المنهج الذي قمنا بإعماله للإجابة عن الإشكالية المطروحة، فقد أسسناه انطلاقا من منهج وصفي تحليلي ومقارن.

– فالمنهج الوصفي قصدنا منه إدراج النصوص القانونية والآراء الفقهية والأحكام والقرارات القضائية في بعض مواضع هذا البحث كما هي، حيث نقوم بوصفها على شاكلتها دون أن نغير شيء من مضمونها ومحتواها.
– أما المنهج التحليلي، فكما هو معروف، فالتحليل في أي دراسة قانونية أمر لازم، حيث سنعمل على تحليل بعض من أراء الفقه وبعض من مضامين النصوص القانونية، بالإضافة إلى الأحكام والقرارات القضائية.

أما اختيارنا للمنهج المقارن، فقد قصدنا منه المقارنة بين توجهات الفقه المختلفة في المسألة الواحدة، وكذا بين النصوص القانونية الأسرية المنظمة للتطليق للضرر في التشريع المغربي و المقارن لكي نعلم مكامن القوة والقصور فيها، وكذا أعملنا هذا المنهج للمقارنة بين توجهات القضاء المغربي وحتى المقارن بمختلف درجاته لنعلم توجهه في ظل النصوص القانونية المعمول بها.
سيدي الرئيس، السادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة
وفاء منا للمنهجية الأكاديمية القانونية التي تفرض علينا تناول موضوع بحثنا هذا انطلاقا من تصميم ثنائي، فلقد عملنا على دراسته وفق تقسيم مزدوج، سنستعرض لكم أبرز خطوطه العريضة:

فموضوعنا قيد الدراسة مقسم إلى فصلين، يتجلى موضوع الفصل الأول في موقف الفقه الإسلامي والقانون من التطليق للضرر، أسبابه وإثباته، في حين ينصب موضوع الفصل الثاني على الإجراءات المسطرية لإيقاع التطليق للضرر والآثار الناجمة عنه.

– فبخصوص الفصل الأول، فقد قسمناه إلى مبحثين، تطرقنا في المبحث الأول إلى موقف الفقه والقانون من الضرر المبرر للتطليق، فيما خصصنا المبحث الثاني لوسائل وآليات إثبات الضرر المبرر للتطليق.

– أما بخصوص الفصل الثاني، فقد قسمناه بدوره إلى مبحثين، يتمحور عنوان المبحث الأول في الإجراءات المسطرية لإيقاع التطليق للضرر، فيما خصصنا المبحث الثاني للحديث عن آثار الحكم بالتطليق للضرر وإجراءات ومضمون الإشهاد عليه.

سيدي الرئيس، السادة أعضاء اللجنة العلمية المحترمة
صفة الكلام ومسك الختام، يظل موضوع التطليق للضرر في ضوء أحكام مدونة الأسرة من المواضيع الشيقة والشاقة، خصوصا إذا اقترنت دراسته بالفقه والقانون والقضاء المقارن، فلا شك أن هناك صعوبة حقيقية عند محاولة مقاربة هذا الموضوع بهذه العناصر الثلاث لتهيئ دراسة منسجمة، لكن هذه الصعوبة التي تواجه الباحث في البداية ما تفتأ لتتلاشى وتتحول إلى إحساس رائع على أعتاب النهاية.

فمن خلال دراستنا لهذا الموضوع، ومحاولتنا الإلمام بكل تفاصيله من حيت التأصيل له، وتبيان موقف كل من الفقه والقانون والقضاء منه، وكذا البحث عن مختلف الأضرار الموجبة للتطليق وطرق ووسائل إثباتها، بالإضافة إلى مختلف الإجراءات المسطرية لإيقاع التطليق للضرر عند نجاح الزوجة في إثباته، وكذا مختلف الآثار الناجمة عن الحكم بالتطليق، خلصنا للعديد من الخلاصات، وأعقبناها بالعديد من المقترحات، وسنحاول تبيانها تبعا لما سيأتي:
أولا: الخلاصات

 جنح فقهاء المذاهب الإسلامية إلى سلوك توجهات مختلفة بعضهم عن بعض في ما يخص مسألة التطليق للضرر، في جانب يعترف بجواز فصم الرابطة الزوجية لنفس العلة والممثل في الفقه المالكي والفقه الحنبلي، وجانب آخر ينفي هذه الإمكانية والممثل في الفقه الشافعي والفقه الحنفي.

 اتفقت التشريعات العربية الأسرية ومنها مدونة الأسرة المغربية على مسألة جواز فصم الرابطة الزوجية للضرر، رغم أن الخلاف واقع بينها حول منح هذه الإمكانية لكلا الزوجين، أو منحها للزوجة حصرا، كما وقع الخلاف لديها كذلك بخصوص تسمية هذه الإمكانية، في جانب أطلق عليها التطليق للضرر، وجانب آخر لقبها بالطلاق للضرر، وتوجه ثالث أسماها التفريق للضرر.

 تعددت التعاريف التي أعطاها فقهاء الإسلام وبعده التشريعات الوضعية لعنصر الضرر كمفهوم، لكن الاتفاق حاصل لديها في كليتها أن الضرر هو ما يصيب الإنسان في جسده أو ماله أو عاطفته، وينقسم إلى قسمين، ضرر مادي وآخر معنوي.

 لا خلاف بين المذاهب الفقهية وكذا التشريعات الوضعية الأسرية حول ضرورة القيام بمحاولات الإصلاح بين الزوجين بكل السبل الشرعية عندما تتصدع ركائز وأسس الأسرة.

 أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية عند وجود خلاف عميق بين الزوجين على ضرورة الإصلاح بينهما وذلك ببعث الحكمين، الأول من أهل الزوج والثاني من أهل الزوجية، لكن الخلاف وقع لديهم في مسألة إمكانية تفريق الحكمين بين الزوجين من عدمه، فالمالكية والحنبلية أكدوا إمكانية تفريق الحكمين بين الزوجين، في حين أن الشافعية والحنفية نزعوا هذه السلطة منهما.

 وسعت مدونة الأسرة من حق الزوجية في المطالبة بالفراق، حيث عددت وسائل وسبل كثيرة لفصل الرابطة الزوجية، ومنها ما ورد في مضمون المادة 99، وهذه الأسباب مستمدة بالأساس من المبادئ العامة للفقه الإسلامي، وتتصل كلها بمفهوم الضرر بشكل عام، فهي عبارة عن تكييف تشريعي حيث المشرع أورد أنواع من الأضرار وترك الباب مفتوحا على مصراعيه للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع لاعتبار أنواع أخرى من الأضرار من موجبات التطليق للضرر شريطة أن يقترن هذا الأمر بتعليل منضبط ومقبول.

 لم تبين الفقرة الثانية من المادة 99 من مدونة الأسرة نوعا محصورا من الضرر، بل أقرت بأن أي تصرف من الزوج أو سلوكه المشين يقدم على ارتكابه في حق زوجته وتكون معه الحياة الزوجية عصيت الاستمرار يكون من موجبات التطليق للضرر، وعلى نفس النهج سارت معظم التشريعات العربية المقارنة.

 بخصوص التطليق للضرر نجد المشرع المغربي في المدونة يحيد على مبدأ المساواة التي كرستها هذه الأخيرة، لأن الضرر كما قد يطال الزوجة، قد يطال الزوج من طرفها فهي ليست معصومة.

 أجمعت التشريعات العربية ومنها مدونة الأسرة المغربية أن العنف المبرر للتطليق هو الذي تستحيل معه العشرة الزوجية بين الزوجين استنادا إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع.

 كرس القضاء المغربي بجميع درجاته في الأحكام والقرارات الصادرة عنه أنواع متنوعة من الأضرار المبررة للتطليق للضرر، كمثال السب والشتم والقذف بالزنا، وتعاطي المخدرات بجميع أشكالها وترويجها، وإتيان الفواحش، وكذا إقدام الزوج على ارتكاب بعض الجرائم من قبيل الخيانة الزوجية والسرقة وهتك العرض…الخ.

 لم يشترط المشرع المغربي تكرار الضرر المبرر للتطليق، بل أوضح أن وقوعه ولو لمرة واحدة كافي لذلك، كما أنه لم يقيد وقوعه بمكان معين، سواء في بيت الزوجية أو خارجه، وكل هذه الأمور لم تتطرق لها المدونة بصريح النص، لكن الدليل العملي لها استدركهم عنها.

 اعتبر القضاء المغربي والمقارن أن الأضرار المبررة للتطليق هي تلك التي تصدر عن الزوج بأفعاله وأقواله، أما الأضرار التي لا دخل للزوج في وقوعها فلا تبرر التطليق بشأنها.

 يعرف الإثبات بأنه إقامة الدليل أمام القضاء على وجود واقعة أو نفيها بالطرق التي يحددها القانون، وللإثبات في المادة الأسرية خصوصيات عدة لعل أهما حريته وتنوع وسائله، حيث أقر المشرع المغربي في المدونة حرية الزوجة في إثبات الضرر الذي لحق بها بشتى الوسائل، على رأسها شهادة الشهود والإقرار والقرائن واليمين والأبحاث والخبرة القضائية بصفة عامة، حيث هذا الأمر لم نكن نلمسه في ظل الفصل 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة.

 ذهب المشرع المغربي بخصوص الاستماع إلى شهود الزوجين سواء شهودا عدولا أو لفيفا إلى أن يتم الاستماع إليهم في غرفة المشورة، وذلك رغبة منه في الحفاظ على أساس الأسرة والستر على خباياها.

 قام القضاء المغربي بإعمال عديد الوسائل لأجل إثبات الضرر المبرر للتطليق بالإضافة إلى تلك المعروفة في التشريع لعل أهمها: محاضر الضابطة القضائية وتقارير الخبرة الطبية بالإضافة إلى الأحكام القضائية القاضية بالإدانة والصور الفوتوغرافية…الخ.

 خول المشرع المغربي للزوجة عند إرادتها توقيع التطليق للضرر إجراءات ميسرة ومساطر مقتضبة وأجال معقولة، حيث منحها نوعين من المساطر، مسطرة التطليق للضرر كمسطرة أصلية يتم سلوكها عند نجاحها في إثبات الضرر المبرر للتطليق، لكن قد تعجز الزوجة عن إثبات الضرر ومع ذلك تصر على طلب التطليق، فهنا المشرع أسعفها بمسطرة احتياطية كمخرج لمحنتها وهي مسطرة التطليق للشقاق.

 تبت المحكمة في دعاوى التطليق للضرر عند إثباته أو الشقاق عند العجز عن إثباته في أجل ستة أشهر بعد استنفاد كل مرامي الإصلاح بين الزوجين ورأب الصدع بينهما.

 إن الزوجة التي تدعي إضرار زوجها بها ورفعها لمقال لأجل التطليق لنفس العلة، يجب عليها ألا تمكنه من نفسها حسب ما يقر به الفقه المالكي – والقانون الأسري المغربي بموجب الإحالة على نفس الفقه – تحت طائلة سقوط دعواها إذا قامت بتمكينه منها ودعوى التطليق للضرر جارية أمام المحكمة، كما أن دعوى الزوج الرامية للرجوع لبيت الزوجية تسقط بمجرد رفع الزوجة لدعوى التطليق للضرر.

 لم يتطرق المشرع المغربي إلى الشروط العامة سواء الموضوعية أو الشكلية لرفع لدعوى التطليق للضرر أمام القضاء في مدونة الأسرة، بل نص على ذلك في القواعد العامة الإجرائية لقانون المسطرة المدنية، حيث يجب على الزوجة رافعة المقال الرامي للتطليق للضرر أن تتوفر فيها كل من الصفة والأهلية والمصلحة والحق في التقاضي في بعض الحالات، بالإضافة إلى شروط شكلية بينها الفصل 31 من ق.م.م تتمثل في رفع مقال متضمن للعديد من البيانات الإلزامية (الفصل 32) دون ضرورة تنصيب محامي لأن المسطرة شفوية طبقا للفصل 45 من نفس القانون.

 جعل المشرع المغربي الاختصاص النوعي في قضايا الأسرة بصفة عامة والتطليق للضرر بصفة خاصة مقيدا في أقسام قضاء الأسرة وربط ذلك بالنظام العام، حيث المحكمة تثيره تلقائيا قبل أي دفع أو دفاع، على خلاف الاختصاص المكاني في نفس الدعوى الذي ليس من متعلقات النظام العام بصريح الفصل 212 من ق.م.م، حيث وسع المشرع المغربي من دائرة الاختصاص المكاني رغبة منه في تيسير وحماية مصالح الزوجية على الخصوص.

 أولى المشرع المغربي التبليغ في القضايا الأسرية خصوصيات، حيث بالتمعن في مقتضيات المادتين 43 و 81 من مدونة الأسرة يتضح أن التبليغ في قضايا الأسرة يتميز بخصوصيات لعل أهمها ضرورة التوصل الشخصي للزوجة بالاستدعاء خلاف لما عليه الأمر في القواعد العالمة الإجرائية، وخصوصا الفصل 38 من ق.م.م.

 أولت الشريعة الإسلامية وبعدها الفقه الإسلامي عناية كبيرة لمسألة الإصلاح بين الزوجين، ويظهر ذلك في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وكذا المؤلفات الفقهية، وعلى نهجهم صارت معظم التشريعات العربية، ومنها مدونة الأسرة المغربية، حيث المشرع المغربي جعل الإصلاح بين الزوجين من متعلقات النظام العام، فالمحكمة ملزمة بالقيام به كقاعدة عامة.

 في القانون المغربي تم إخراج الصلح من نصوص قانون المسطرة المدنية بعدما تم إلغاء المادتين 178 و 121 منها، وتم استبدالها بمقتضيات واضحة تم التنصيص عليها في المدونة، وتعتبر المادة 82 منها الإطار العام الذي صاغ فيه المشرع الإجراءات وكذا مؤسسات الإصلاح بين الزوجين، ومن أهم هذه المؤسسات المرصودة للصلح نجد مؤسسة الحكمين ومجلس العائلة وكذا المجلس العلمي والمساعدة الاجتماعية…الخ.

 بمجرد إثبات الزوجية للضرر الذي تستحيل معه العشرة الزوجية وفشل كل محاولات الإصلاح التي تقوم بها المحكمة بين الزوجين سواء القضائية أو الودية، تلجأ لتحديد المستحقات التي تضمن حقوق الزوجة والأطفال، ومنها مؤخر الصداق ونفقة العدة إن كانت حامل وسكن العدة إن لم تكن كذلك، تم المتعة والتعويض، بالإضافة إلى نفقة الأطفال وحضانتهم، وكل هذه المستحقات تستقل المحكمة بسلطة تقديرية واسعة لتقديرها ولا معقب عليها إلا من حيث التعليل.

 إذا كان فقهاء الإسلام لا خلاف بينهم من حيث مشروعية المتعة، فإنهم وقع الخلاف لديهم في مسألة وجوبها من عدمه، فذهب الأحناف إلى القول بوجوبيتها على الزوج لفائدة مفارقته، وعلى القاضي الحكم بها من تلقاء نفسه وذلك في حالة الطلاق قبل الدخول وقبل تسمية الصداق، في حين ذهب الشافعية والحنبلية بوجوبيتها على الزوج لفائدة مفارقته، إلى إذا طلق قبل الدخول وقد فرض لها الصداق، أما المالكية فقد اعتبروا المتعة بغير واجبة إنما هي مندوبة.

 لم تكن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة تقر بالتعويض للزوجة المتضررة من أفعال زوجها، خلافا لما عليه الأمر في مدونة الأسرة حيث أصبح من حقها المطالبة بالتعويض لجبر الضرر الذي لحقها من جراء أفعال زوجها، لكن حصول الزوجة على هذا التعويض رهين بمطالبتها به في مقالها أو بناء على طلب مستقل يوجه إلى القضاء، بمعنى أن القاضي لا يحكم به من تلقاء نفسه، حيث جبر ضرر المطلقة للضرر من ضمن المستجدات التي جاءت بها المدونة.

 بعد إيقاع المحكمة التطليق للضرر، يقع على الأب تجاه أبنائه حقوق لعل أهمها أن المحكمة تحكم بمقدار النفقة الواجبة لهم إذا توفرت فيهم الشروط المتطلبة قانونا، كما تقوم المحكمة في نفس الحكم بإسناد الحضانة لمن له الحق فيها وتحديد أجرتها والسكن الذي ستؤدى فيه بالإضافة إلى تحديد أوقات الزيارة.

 يمكن للزوج أن يطعن بالاستئناف والنقض في الحكم الصادر بالتطليق للضرر في الشق المتعلق بالمستحقات، وذلك داخل أجل 15 يوما من صدوره، بخلاف الشق القاضي بإنهاء الرابطة الزوجية فلا يقبل أي طريق من طرق الطعن كونه يصدر نهائيا مكتسبا لقوة الشيء المقضي به المطلقة.

 اعترف المشرع المغربي بضرورة تبليغ ضابط الحالة المدنية بالحكم الصادر بالتطليق للضرر في أجل أقصاه 15 يوما من صدور هذا الحكم قصد تضمينه في هامش رسم ولادة الزوجين معا، وذلك تلافيا لحصول بعض الأشخاص على شواهد ووثائق إدارية لا تعبر عن حقيقة وضعهم الأسري والعائلي.

 بمجرد ما تصدر المحكمة حكما بالتطليق للضرر، فهذا الأخير يتخذ وصفا معينا يتجلى بأنه بائن، حيث أن كل طلاق حكمة به المحكمة فهو بائي باستثناء التطليق للايلاء و عدم الإنفاق، حيث الحكم بالتطليق للضرر قد يكون بائنا بينونة صغرى، كما قد يكون بائنا بينونة كبرى إذا كان في نصاب الطلقة الثالثة من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته.

ثانيا: المقترحات

1- نقترح في بداية الأمر ضرورة تدخل المشرع المغربي من أجل تقييد السلطة التقديرية المخولة لقضاة الموضوع بخصوص مسألة تقدير الضرر المبرر للتطليق، ووضع معايير واضحة وصريحة التي على ضوئها يتأسس هذا التقدير.

2- إن اعتبار المشرع المغربي أن وقوع الضرر ولو لمرة واحدة كافي لمطالبة الزوجة بتطليقها من زوجها للضرر، نسجل عليه ما نسجل، فهذا الأمر سيؤدي حتما إلى إغراق المحاكم بطلبات التطليق رغم أن الأضرار التي أسست عليها هذه الطلبات لا تستحق أن تنفصل الرابطة الزوجية لأجلها، مما نقترح ضرورة تدخل المشرع لتعديل النص القانوني المنظم لمبررات التطليق للضرر، وصياغته صياغة رصينة، أو على الأقل حذف الفقرة التي تقضي بأحقية الزوجة في المطالبة بالتطليق للضرر ولو وقع هذا الأخير لمرة واحدة في الدليل العملي للمدونة ما دام دليلا تابعا لهذه الأخيرة يستأنس القضاة بمضامينه.

3- قد يطرح وأن تقدم الزوجة شهودا يثبتون تضررها من زوجها، وهذا الأخير بدوره يقدم شهودا آخرين ينفون هذا الإدعاء، مما نكون معه أمام تضارب في الشهادة أمام القضاء، لذلك نقترح في هذا الصدد إعمال القاعدة المقرر بما يلي:”شهود الإثبات مقدمون في شهادتهم على شهود النفي” وذلك لحسم هذا التضارب.

4- بخصوص إعمال الشواهد الطبية كوسائل لإثبات الضرر أمام القضاء، نقترح على القضاء ألا يتوسع في الأخذ بها، حيث يجب عليه أن يتشدد ويكون حازما في التعامل معها، وسندنا في ذلك أن هذه الشواهد يمكن الحصول عليها بمقابل زهيد من أي مستشفى أو مستوصف أو مصحة خاصة، حيث كثيرا ما يقع التواطؤ بين طالب الشهادة والطبيب المعبئ لها، ويقوم هذا الأخير بتضمينها أمورا هي في حقيقة الأمر غير موجودة، حيث غياب الضمير المهني والرغبة في الربح السريع يجعل هذه الشهادة في أحيان كثيرة تفقد لمصداقيتها.

5- بخصوص الوسائل التي يعتمد عليها القضاء المغربي للاستجابة لطلب الزوجة بالتطليق للضرر، وتحديدا الصور الفوتوغرافية، فإننا نقترح عدم التوسع في الأخذ بها، حيث يجب على القضاء أخد الحيطة والحذر منها، ودليلنا في ذلك أن التطور التكنولوجي الذي عرفته الحياة الرقمية أفرز تطورا معلوماتي يمكن من خلاله فبركة الصور وإدخال عليها مؤثرات هي في الحقيقة غير موجودة في واقع الأمر.

6- عند تصفحنا للفصول من 71 إلى 84 من ق.م.م، أي الفرع الرابع من الباب الثالث، نجد المشرع فيه يتحدث عن مسطرة أداء الشهادة، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن قيام المشرع بعنونة هذا الإجراء ب”الأبحاث”، حيث وضع هذا العنوان اختيار غير موفق، لأن وضع مصطلح البحث للدلالة على إجراءات الشهادة لا ينبئ بسهولة على الموضوع الذي ينظمه، زد على ذلك اختلاط مصطلح البحث بمصطلح التحقيق، مما نقترح معه ضرورة تدخل المشرع لوضع عنوان مناسب يتناسب والموضوع الذي ينظمه، ونقترح عليه عنونة هذا الفرع بعنوان “مسطرة أداء الشهادة” أو ” مسطرة الاستماع إلى الشهود” عوض مصطلح “الأبحاث”.

7- قد تتعمد الزوجة التصريح بمعلومات كاذبة عن زوجها في مقالها الرامي للتطليق للضرر، سواء بتحريف اسمه أو مكان سكنه لكي تفوت عليه فرصة الحضور إلى الجلسات وتتبع المناقشات وإدلائه بأقواله في صددها، فالمشرع لم يرتب أي جزاء جنائي في حقها في هذه الحالة، مما نقترح معه تنصيص المشرع على جزاء جنائي في حق الزوجة مرتكبة هذا الفعل إسوة بما صرح به المشرع في حق الزوج لأنها ليست معصومة.

8- نص المشرع المغربي في المادة 113 من مدونة الأسرة على أجل للبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد الأسباب الواردة في المادة 98 من المدونة، والذي حدده في ستة أشهر، لكنه أغفل الحديث في نفس المادة على التاريخ الذي يبتدئ فيه سريان هذا الأجل، مما نقترح على المشرع ضرورة تتميم المادة 113 من المدونة، وذلك بإضافة الأمد الذي يبتدئ فيه سريان أجل الستة أشهر الواردة في نفس المادة، وذلك اقتداء في ذلك بما فعل في المادة 97 من المدونة أثناء تنظيمه لمسطرة الشقاق.

9- إن من بين الصعوبات التي تعترض إجراء الصلح بين الزوجين في مساطر انفصال الرابطة الزوجية حيث أصبحت عاجزة عن تحقيق الأهداف المتوخاة منها للسرعة التي تتم بها، لذلك نرى ضرورة تتدخل المشرع المغربي للزيادة في آجال البت في دعاوى التطليق للضرر، وكذا الرفع من عدد محاولات الإصلاح إلى ثلاثة محاولات إسوة بالمشرع التونسي.

10- إن من الأسباب التي تؤدي إلى فشل محاولات الإصلاح بين الزوجين، نجد كذلك الفضاءات التي يتم فيها هذا الإصلاح، فجو المحاكم المكتظ والشد والجدب وكثرة الزحام من الأسباب التي لا تلين النفس ولا تجعلها في أهبة للصلح، لذلك نقترح إعداد فضاءات خاصة يتم فيها الإصلاح بين الزوجين بعيدا عن شوشرة المحاكم واكتظاظها، إقتداء في ذلك بما ذهبت إليه بعض الدول الغربية التي خصصت فضاءات كمتنزهات للإصلاح بين الزوجين.

11- بخصوص المتعة في التطليق للضرر، نجد العمل القضائي المغربي وكذا الاجتهاد كثيرا ما يصدر أحكاما وقرارات متضاربة بينها، بعضها يقر للزوجة بالمتعة والبعض الآخر ينفي عنها هذا الحق، مما نقترح معه تدخل المقنن المغربي بنصوص واضحة صريحة ليبدي موقفه من مدى استحقاق المطلقة للضرر للمتعة من عدمه، وذلك لأجل توحيد العمل والاجتهاد القضائيين والسير بهما في نسق واحد.

12- كثيرا ما يخلط القضاء المغربي بين عنصر المتعة والتعويض رغم أن كليهما مؤسسة مستقلة عن الأخرى، حيث اتجاه يحكم بالمتعة دون التعويض على اعتبار أن المتعة تأخذ أحكام التعويض في نظره، واتجاه يحكم بالتعويض ويتغاضى عن الحكم بالمتعة، واتجاه ثالث يحكم بهما معا، هذا الأمر أدى إلى تدبدب العمل القضائي، مما نرى معه ضرورة التدخل من قبل المشرع لأجل توحيده بنصوص لا تدع مجالا للشك تقر بمستحقات المطلقة للضرر تحاشيا لهذا التضارب.


رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، بعنوان:

” التطليق للضرر في ضوء أحكام مدونة الأسرة “

– دراسة في إطار القانون والفقه والقضاء المقارن –

من إعداد الطالب الباحث: “محمد قاسمي“، ماستر كلية الحقوق بأكادير.

لقراءة الرسالة كاملة وتحميلها، يرجى الضغط على الرابط التالي:

قد يعجبك ايضا