الأطفال المهملين في ظل مصير مجهول

جاء على لسان وزارة العدل المغربية أن المحاكم في البلاد رصدت بالإجمال 5377 حالة من الأطفال المهملين، أي بمعدل 15 حالة يوميا في حين سنة 2009 أحصيت 5274 حالة على حسب تصريحات السيد “مصطفى الرميد” لما كان وقتها وزير للعدل والحريات، في تصريحات نقلتها عنه وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية المغربية.

وفي دراسة أخرى جرت سنة 2009 عن الأمهات العازبات في المغرب، أكدت جمعية الانصاف النسوية أن حوالي 24 طفلا يولدون من علاقات خارج إطار الزواج يتخلى عنهم أمهاتهم يوميا.

وفي تقرير أجرته الجمعية مع الأمم المتحدة يتضمن حوالي 30 ألف ولادة من أمهات عازبات سنويا، وفي نفس الموضوع قامت المديرية العامة للأمن الوطني لسنة 2010، كالتالي فقد تم العثور على 273 طفل ورضيع متخلى عنه في الشارع، وحسب نفس الإحصائيات تحتل الدار البيضاء صدارة المدن التي يعثر فيها على هؤلاء الصغار في وضعية التخلي بنسبة 20 بالمائة، ثم مدينة بني ملال بنسبة 16 في المائة، فمراكش ب 13 في المائة، ثم مدينة مكناس ب 11 في المائة.

وهذا ان دل عن شيء فهو يدل على إرتفاع عدد الأطفال المهملين ومدى تفاقم الظاهرة رغم تجريمها من طرف المشرع المغربي طبقا للفصل 459 من القانون الجنائي.
ولعل من بين ما طرح على السيد الوزير المكلف بحقوق الانسان “مصطفى الرميد” في شهر ماي من السنة الجارية 2017 بجنيف السويسرية والتي تضمنت ما يلي:
• ماهي الخطوات التي ينوي المغرب اتخادها لتعزيز حماية الأطفال المعرضين للخطر، والقاصرين الغير المصحوبين، والأطفال في نزاع مع القانون، وخاصة منهم الأطفال خارج إطار الزواج بما فيهم المهملين؟

ونحن نعرف مدى خطورة الإهمال الذي يتعرض له ذلك الطفل ومفهومه طبقا للقانون 15.01 الذي يتعلق بالأطفال المهملين، وطبقا للمادة 1 من نفس القانون يعتبر مهملا الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سن 18 سنة شمسية كاملة طبقا للقانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، وطبقا للمادة 209 من نفس القانون:

في حين يعتبر كل طفل مهمل إذا ولد من ابوين مجهولين أو ولد من أب مجهول أو أم معلومة تخلت عنه بمحض ارادتها، او إذا كان يتيما أو عجز ابواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش او إذا كان ابواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهه من اجل اكتساب سلوك حسن.

ويبقى الطفل المهمل في مجتمعنا هذا مهمشا ومقصيا من أبسط الحقوق حتى ولو بلغ سن الرشد، حيت تكبر المعاناة فلا قانون يحمي ولا مجتمع يرحم.

وفي هذا السياق ما ورد في أحد البرامج الخاصة التي تبث على القناة الأولى، حيت صرحت الناطقة والناشطة الحقوقية “عائشة الشنا” رئيسة جمعية “التضامن النسوي” كالتالي: ان الفئة المهملة تحرم من بعض الوظائف والمناصب في الدولة بمبرر ان ليس لهم هوية مكتملة. ولعل ما قالته السيدة “عائشة الشنا” يكمن وصفه خرق سافر لكل المواثيق الدولية ولأعلى وثيقة في البلاد. ألا وهو التشريع الأساسي –الدستور طبقا للفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 2011، كالتالي: تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحت عن منصب شغل، او في التشغيل الذاتي، الولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.

وطبقا لنفس التشريع ينص الفصل 32 من الفقرة الثالثة تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.
حيث يؤخذ من الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل، التي صادق عليها المغرب بتاريخ 21/6/1993 أن القضاء يتوجب عليه إيلاء الاعتبار الأول لمصالح الأطفال الفضلى، عند النظر في النزاعات المتعلقة بهم.

كما تنص المادة 7 من نفس الاتفاقية على أن الطفل يسجل بعد ولادته فورا، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه، وتلقي رعايتهما.

وتنص الاتفاقية الأوروبية بشأن حماية حقوق الطفل، الموقعة بستراسبورغ بتاريخ 25/1/1996 والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 27/3/2014، في الفقرة الأولى من المادة السادسة على ما يلي:
في الإجراءات التي تشمل الطفل تقوم السلطة القضائية قبل اتخاذ القرار: بدراسة هل لديها معلومات كافية تحت يدها من أجل اتخاذ قرار في صالح الطفل، وعند الضرورة الحصول على معلومات إضافية.

كما ان هذه الفئة تعد بمثابة بضاعة رخيصة الثمن تضاف ضمن الفئات من الأطفال المستهدفين والتي تتم المتاجرة فيهم وكذا استدراجهم من اجل مصاحبتهم للتسول وممارسة سلوكيات منحرفة كالسرقة واغراض جنسية، وغيرها، علما ان هده الفئة حلقة ضعيفة يسهل التأثير عليها وغسل ادمغتها بكيفية سريعة .والامر اخطر حينما نجد أطفالا مهملين تم استغلالهم لأغراض تمس بأمن الدولة واستقرار النظام، كما يتم استغلال هذه الطفولة البريئة واستقطابها، بهدف اعتناق ديانات أخرى غير الإسلام، وذلك باستغلال ظروفها الاجتماعية، رغم ان القانون الجنائي المغربي يجرم ذلك طبقا للفصل 220 الذي تصل العقوبة فيه من ستة اشهر الى ثلاث سنوات كالتالي :
كل من استغل الاغراء، لزعزعة عقيدة مسلم، او تحويله الى ديانة أخرى وذلك باستغلال ضعفه او حاجته الى المساعدة.

كما تعاني هذه الفئة من المجتمع العنصرية والكراهية، وخصوصا العنصر النسوي، لاسيما خلال بلوغ الفتاة سن الزواج، ونحن في مجتمعنا هذا نعرف كيف تعامل الفتاة المتخلى عنها لما تصل الى مرحلة الزواج. فهي في نظر المجتمع وصمة عار على العائلة ككل، مادام ليس هناك ثبوت لهويتها، بالإضافة الى ما يصدر من مجتمعنا هذا من معاملة قاسية تمس بكرامة الفئة المهملة من اقوال وافعال، فهي أصبح يضرب المثل بأقوال لا علاقة لها بالطفل او الشخص المهمل حيت نسمع يوميا كلمات أصبحت متداولة تتناقلها الالسن (أولاد الحرام او أولاد الزنقة) على حسب الدارجة المغربية، وهذا يعتبر قذف وسب علني، يعاقب عليه طبقا لقانون الصحافة. لكن للأسف هذا غير كاف نطرا لأنه تحقير وتنقيص وميز عنصري، يجب الى الإشارة اليه كجريمة تامة بجميع أركانها، بما فيها الركن القانوني والمعنوي والمادي، ويجب ان يعاقب عليه طبقا للقانون الجنائي في حين الحديث في هدا الموضوع طويل، وما خفي كان أعظم.

ولعل من بين الحلول، ولو لم تكن جدرية يجب طرح الموضوع الى نقاش عمومي مفتوح، يشترك فيه كل الفاعلين الجمعويين والحقوقيين ورجالات القانون والهيئات والمنظمات الحقوقية والمؤسسات الدستورية، وعلى رأسهم البرلمان وكذا المجلس الوطني للحقوق الانسان، والمجلس العلمي الأعلى، وكل من يمكن ان يغني النقاش.

إن هذا الموضوع يجب أن يحظى باهتمام هؤلاء بشكل عام وخصوصا المؤسسة التشريعية من اجل أخذ الموضوع بجدية ومناقشة جزئياته الصغيرة، والكبيرة ودارسة حيثياته، لإيجاد مكامن الخلل ووضع حل لهذه الفئة التي تتوخى من صناع القرار أخذ هذا الموضوع بجدية واعطاؤه أكثر مما يستحق من اعتبار.

من إعداد “ياسين الطاهري” طالب باحث بجامعة الحسن الأول- سطات، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية

قد يعجبك ايضا