حكومة دكار… المغربية

بقلم زهير البكري، مختص في القانون العام
لقد عرت محاولة تشكيل الحكومة من جديد قصور القانون الدستوري المغربي عن وضع قواعد قانونية امرة واضحة وغير قابلة للتأويلات المختلفة و المتناقضة احيانا للفصول الدستورية ، فالأحزاب سواء التي تصدرت او التي اخفقت في الانتخابات لها قراءاتها وتأويلاتها الخاصة لنص الدستوري خصوصا الفصل47 المثير للجدل الذي ينص على ” يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ، وعلى أساس نتائجها ..”
كما ان للمؤسسة الملكية ومحيطها الاستشاري تأويلاتهم الخاصة والتي عبر عنها الملك في مرحلة اولى حيث التزم الملك بتفعيل النص الدستوري من خلال تعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات كما احترم العرف الدستوري الذي سنه منذ حكومة 2007 حين عين السيد عباس الفاسي امين عام حزب الاستقلال وزيرا اولا ثم و 2011 حيث عين السيد عبد الالاه بنكران رئيسا للحكومة وهو ما تم تكريسه ايضا سنة 2016 ، هكذا يكون الملك وضع عرفا دستورها هو تعين الامين العام للحزب المتصدر للانتخابات رئيسا للحكومة .. الامر الذي يدعوا لتساؤل حول سبب عجز رئيس الحكومة المعين عن تشكيل حكومة منسجمة بعد انتخابات 7 اكتوبر 2016 التي بوأت حزب العدالة والتنمية الصدارة .. فأين تكمن هذه العراقيل وأين تتجلى ؟ وهل هي عراقيل سياسية ام قانونية ؟ وما هي السبل الممكنة لتجاوز هذه الازمة مستقبلا حتى تتم صيانة حسن سير المؤسسات ؟
وهو ما سنتناوله بالشرح و التحليل وفق محورين اساسين اسفله
1- العراقيل السياسية و القانونية التي تعتلي تشكيل حكومة منسجمة :
مباشرة بعد اعلان نتائج الانتخابات بثلاث ايام أي يوم 10 اكتوبر2016 قام الملك محمد السادس بتعيين السيد عبد الالاه بنكران رئيسا للحكومة و مسئولا عن تشكيلها حسب بلاغ القصر ، وهو ما يجعل الملك محترما للمقتضايات الدستورية و حسن تفعيلها ، لكن وأثناء اجراء بنكران للمحادثات و اللقاءات التواصلية مع الاحزاب الراغبة في تشكيل الحكومة و بعد تعبير حزبين هما حزب الاستقلال و حزب التقدم و الاشتراكية رغبتهم اللامشروطة في المشاركة في الحكومة وفي انتظار موقف حزب التجمع الوطني للأحرار الذي اعاد انتخاب اجهزته التقريرية . و كذلك انتظار موقف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حيث انه كان بإمكان بنكران تشكيل الحكومة بسهولة بمجرد اعلان احد هذه الاحزاب لرغبتها في المشاركة، فجأة و في خضم زيارة الملك لدول افريقيا القى الملك خطابا توجيهيا لبنكران يبن له من خلاله المعايير والمنهجية و الاهداف التي يجب ان يأخدها بعين الاعتبار اثناء تشكيل الحكومة حيث جاء في منطوق الخطاب الملكي : ” إن المغرب يحتاج لحكومة جادة و مسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة ، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية. بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية ، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه.
الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة ، باختصاصات قطاعية مضبوطة.وسأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة ، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها.فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة”
هكذا يتبين لنا مواكبة الملك لبنكران في مشاوراته الخاصة بتشكيل الحكومة إلا ان الخطاب له دلالات عامة و غامضة وهو الامر الذي يتجلى في التفسيرات و التحاليل المتناقضة احيانا لمضمون الخطاب فهناك من فسره على انه موجه للأحزاب السياسية و منهم من قال انه موجه لرئيس الحكومة رغم ان المسألة الحسابة ضرورية لتشكيل اغلبية عددية مريحة تمكن الحكومة من تنفيذ برنامجها الانتخابية و الكل مجمع امام الرأي العام على عدم الانجرار وراء ارضاء الرغبات التي تسيء الى نبل العمل الحكومي و أدواره، والأمر الاخر في الخطاب هو : ما هي هذه المنهجية الصارمة التي ستتبناها المؤسسة الملكية و ما هي اسسها القانونية والدستورية ام انها ستدخل في اطار السلطة التقديرية للمؤسسة الملكية و محيطها ؟
ثم ما المقصود بالكفاءات المؤهلة فجل الاحزاب تحتوي على كفاءات مؤهلة و لها اختصاصات قطاعية، وما هي الشروط و المستويات و الشواهد المطلوبة حتى تكون الشفافية تحكم اختيارات جميع الاحزاب ام ان الامر يدفع الى اعتبار التقنوقراط و بعض الاحزاب التي تعتبر ادارية هي من تتوفر دون غيرها على اطر و كفاءات ؟ اوليس اهم شرط ان يكون هؤلاء الوزراء زيادة على كفاءاتهم ان يكونوا حاصلين على الشرعية الشعبية من خلال الانتخابات الامر الذي يجعلهم خاضعين للمسائلة والمحاسبة الشعبية كما ينص على دلك الدستور من خلال مبدءا ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ اليس الوزراء السياسيين هم المعبر الوحيد عن الارادة المغاربة في الحكومة المقبلة؟
ومن جهة اخرى هناك اخبار تروج بأن هناك احزاب تسعى الى تشكيل تنسيقات و تحالفات فيما بينها ، الامر الذي اعتبره الحزب المتصدر و حزب الاستقلال الذي جاء في الرتبة الثالثة مؤامرة للانقلاب على رئيس الحكومة الجديد و هو اجتماع جمع كل من الاصالة والمعاصرة و حزب التجمع الوطني للأحرار و الحركة الشعبية و الاتحاد الدستوري و حزب الاستقلال الذي خرج رافضا لهذا الطرح نظرا لغدر الاصالة و المعاصرة له اثناء التصويت على رئيس مجلس المستشارين ..
فهل فعلا مبادرة الاصالة و المعاصرة تعتبر مؤامرة او ان لهذا الحزب و غيره الحق في السعي نحو الدفاع عن مشروعه المجتمعي الذي قد تتوافق معه عليه احزاب اخرى قد لا تتفق كليا مع مشروع العدالة والتنمية ؟ ولماذا جميع الاحزاب التي لها مكانة كبيرة في المشهد السياسي تنسحب من حكومة العدالة والتنمية كما فعل حزب الاستقلال سابقا و هذه التحالفات المسبقة ضد حكومة العدالة والتنمية الحالية ، كتحالف الاحرار و الاتحاد الدستوري و الحركة الشعبية الذي كان الى جانب الاحرار مع بنكران في الحكومة السابقة .. فهل جميع هذه الاحزاب متحكم في قرارها انني اقول لا وخير دليل هو انسحاب حزب الاستقلال مرة و عودته مرة مما يدل على نوع من الاستقلالية …
من حق الاصالة والمعاصرة الحزب الثاني ان يشكل تحالفات تقوي موقعه كما للعدالة والتنمية و لحزب الاستقلال حق تشكيل اقطاب تقوي مواقعهم ، ومن حق الاصالة و المعاصرة كما من حق أي حزب اخر رفع مذكرات للملك للمطالبة بتعديل دستوري يخرج البلاد من هذا الاختناق السياسي ، فكون حزب معين تصدر الانتخابات لا يعني انه يمتلك الاغلبية المطلقة و الشرعية الشعبية ..و لا يمكن بعد الان اعتبار حزب الاصالة والمعاصرة حزب اداريا او من صنع التحكم بعد حصوله على 102 مقعد من اصوات المغاربة التي يجب ان تحترم و ابواب الطعن في الخروقات مفتوحة لدى القضاء المختص ، هذا اذا افترضنا جدلا نزاهة الانتخابات التي اعترف بها العدالة والتنمية و شهد لها العالم بدلك..
هذه الاغلبية التي يسعى بنكران الى جمعها حتى تتسم حكومته بالشرعية ، كما نه من حق المتفاوضين معه تقوية موقعهم التفاوضي من خلال تنسيقات و تحالفات ، فلا ننسى ان رغم ان العدالة والتنمية تصدر النتائج إلا انه لم يكن يوما في علاقة جيدة مع حلفائه و كانت علاقاته متوترة مع الجميع زيادة على الحصيلة الهزيلة للحكومة الفارطة وقراراتها اللاشعبية التي كان لها الوقع السلبي على حلفائه ..وحيث ان بنكران يسنسب الانجازات لحزبه فقط مع اقصاء الحلفاء .. ولم يستطع التفريق في كثير من الاحيان بين القبعة الحزبية وقبعة رئيس الحكومة تم ان اتهامه الدائم لخصومه بالفساد و خدمة التحكم وغيرها لم تسعفه الان ..كما ان تفاوضه اكتسى نوعا من الصلابة و التعالي عن الاخرين واعتبارهم مجرد تكملة للأغلبية و نعته بخلق تحالفات الاقل سوءا و استعمالهم كوسيلة للوصول للحكم ، ان منطق ان كنت معي فانت ملاك و ان كنت ضدي فانت شيطان منطق خاطئ اوصل تشكيل الحكومة للباب المسدود..

2- السبل الممكنة لتجاوز هذه الازمة مستقبلا حتى تتم صيانة حسن سير المؤسسات :-
من خلال المحور الاول يتبين لنا ان صعوبة تشكيل الحكومة نابع من تداخل مجموعة من العوامل السياسية و القانونية ، الشيء الذي يدفعنا للبحث عن حلول قانونية سياسية تجنب البلاد الوقوع في مثل هذا الاختناق السياسي ، الامر الاول تعديل دستوري جزئي خاص بالفصل 47 من خلال تفعيل مقتضيات الفقرة التالتة من الفصل 174 حيث ينص على ان للملك ، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية ان يعرض بظهير ، على البرلمان ، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور” ودلك بجعل الفقرة الفصل47 تنص على ” يعيين الملك امين عام الحزب المتصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ، و على اساس نتائجها رئيسا الحكومة . وفي حالة عدم تشكيل الحكومة من خلال الحصول على اغلبية مطلقة لأعضاء مجلس النواب خلال اجل شهر من اليوم الموالي للتكليف يعين الملك من جديد زعيم التحالف السياسي الذي يستطيع جمع الاغلبية المطلقة ، والذي اتفقت احزاب هذا التحالف على اختياره وفق ميثاق موقع من طرف هذه الاحزاب ، وفي حالة فشل هذا التحالف من خلال عدم الالتزام بالميثاق في اجل 15 يوم يقوم الملك بتعيين حكومة اتلاف وطنية..”
و من جهة اخرى وتجنبا لمشكل ارضاء الرغبات يلزم التنصيص في الدستور على عدد الوزارات الادنى و الاعلى مثلا بين 7 و 20 وزارة على الاكثر ثم يجب التنصيص على اعداد البرنامج الحكومي اولا وتحديد الاولويات ثم الاتفاق على هيكلة للحكومة واضحة ثم اختيار وزراء وفق مسطرة و شروط متفق عليها مسبقا يكون اهمها الى جانب الكفاءة و التخصص الانتماء السياسي و المسائلة الانتخابية..
اما الحلول التي تبقى امامنا الان هو تدخل ملكي بصفته الحكم الاسمى بين المؤسسات بخلق اغلبية تساعد بنكران على تشكيل حكومته بدون ضغوطات ، لأنه من غير المعقول وبعد تكريس عرف دستوري يثمتل في تعين امين عام الحزب المتصدر رئيسا للحكومة يتم العدول عنه، الامر الذي ندعوا الى تدوينه و اقراره في التعديلات الدستورية القادمة رغم ان للملك الحق دستوريا في تعيين شخص اخر من نفس الحزب المتصدر للانتخابات قادر على تجمييع اغلبية اخرى بعد ان فشل السيد عبد الالاه بن كران في مدة تجاوزة الشهر و نصف..فهذا ممكن من الناحية الدستورية..
ولكن من الناحية السياسية و الاخلاقية لا يمكن خصوصا ان السيد عبد الالاه بنكران نجح عن طريق صناديق الاقتراع في دائرة سلا- له شرعية انتخابية – ثم انه هو الامين العام الشرعي الذي يمثل اعلى هرم حزب العدالة والتنمية ،زيادة على ان حزب العدالة والتنمية حزب دمقراطي يحتكم و يشتغل وفق قرارات اجهزته الداخلية الامر الذي لن تكون معه نتيجة مغايرة لما وصل اليه عبد الالاه بنكران مع شخص اخر غيره ، ثم ان هذا الامر سيزيد من احتقان الشارع و امتعاض اعضاء العدالة والتنمية..الامر الذي يجب معه استبعاد هذا السيناريو..اما اللجوء الى انتخابات سابقة لأوانها فنعتقد انها سيزيد من عدم الاستقرار و غليان الشارع خصوصا في هذه الظروف ، اضافة الى ان النتائج لن تكون غير ما كانت عليه في 7 اكتوبر الامر الذي لا يعدو كونه استنزاف لمالية الدولة..

قد يعجبك ايضا