الوساطة البنكية كآلية لحل النزاعات

بقلم، عبد الرحيم لطفي طالب باحث بسلك الماتسر في مجال الطرق البديلة لحل النزاعات، فاس

 

تعد الوساطة البنكية نموذجا تطبيقا للوساطة الاتفاقية التي نظمها المشرع المغربي لأول مرة بموجب القانون 05.08 الصادر بتاريخ 30 نونبر 2007 الذي يقضي بنسخ وتعويض الباب الثاني بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية بشأن ”التحكيم والوساطة الاتفاقية”.

كما نجد سندها أيضا في القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك خاصة ما ورد في ديباجته التي نصت على دور القانون المذكور في تعزيز عدة حقوق أساسية للمستهلك ومنها الحق في الاختيار. والذي يفيد في مفهومه الواسع تكريس حق المستهلك في اختيار آلية الوساطة كل النزاع القائم بينه وبين مورد الخدمة البنكية عوض اللجوء للقضاء وكذا ما ورد في المادة 111 منه التي أوقفت دعوى المطالبة بأقساط القرض الحالة على إجراء عملية الوساطة، إذا كان التوقف عن الأداء ناتجا عن الفعل عن العمل أو عن حالة اجتماعية غير متوقعة.

إضافة إلى ذلك نجد القانون البنكي – القانون 103 – 12- المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها. -القانون الأساسي لبنك المغرب- ويشير صراحة إلى ضرورة عمل مؤسسات الائتمان على تحسين العلاقة مع زبنائها ويشكل الحفاظ على العلاقات القائمة وتعزيزها وتحسينها مستقبلا بين الطرفين هدفا من بين الأهداف المتعددة التي تعمل مؤسسة الوساطة البنكية على تحقيقها.

ويكتسي الإطار التنظيمي للوساطة البنكية أهمية خاصة، ويتعلق الأمر بالميثاق البنكي بإحداث آلية الوساطة، وكذا النظام الأساسي الخاص بالمركز المغربي للوساطة البنكية والنصوص الداخلية المنظمة للوساطة.

وقد مرت تجربة الوساطة البنكية بالمغرب بمرحلتين: تتمثل الأولى في الوساطة البنكية والميثاق البنكي، ونشير بداية إلى أن هذه المرحلة من عمر تجربة الوساطة البنكية تعتبر من الماضي على اعتبار أن الميثاق المنظم لها لم يعد يطبق عمليا بشأن آلية الوساطة والتي أصبح يجسدها حاليا ”المركز المغربي للوساطة البنكية”. وتعد (الوساطة البنكية) أول تجربة مغربية في هذا المجال تم تفعيلها على ضوء مقتضيات قانون 05.08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية إذ بدأ العمل بها بعد دخوله حيز التنفيذ، حيث تم تعيين أول وسيط بنكي خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2008. وانطلقت الوساطة البنكية رسميا يوم 7 دجنبر 2009. وهذا يبين مدى اهتمام الفاعلين في قطاع الائتمان عموما، والقطاع البنكي على وجه الخصوص لهاته الآلية وعزمهم على المشاركة في تفعيلها وبالتالي تحقيق الأهداف المتوخاة منها، إن على مستوى الحفاظ على استقرار العلاقات مع الزبناء وتحسينها، أو على مستوى التخفيف على الجهاز القضائي من عبء القضايا البسيطة والتي يمكن حلها عن طريق الوساطة.

في حين تتعلق المرحلة الثانية بتجربة المركز المغربي للوساطة البنكية، هاته المرحلة انطلقت منذ ما يزيد عن سنتين من الآن بعد المصادقة على النظام الأساسي للمركز خلال سنة 2013، وتعيين الوسيط البنكي في مارس 2014.

وعلى عكس التجربة السابقة التي كانت بنكية بامتياز فإن نظام الوساطة الحالي يهم تسوية الخلافات بين مختلف مؤسسات الائتمان (البنوك، شركات التمويل، وجمعيات القروض الصغرى…) وبين زبنائها.

ويستند المركز المغربي للوساطة البنكية في أداء مهامه على النظام الأساسي المتعلق به وكذا نظام الوساطة الخاص به، إضافة إلى مدونة الأخلاقيات ويقوم عبر آليتين: تتعلق الأولى بالوساطة المؤسساتية médiation institutionnelle، حيث يعمل المركز من خلال هاته الآلية على تسوية مجموعة من النزاعات استنادا إلى معيار نوعي (النزاعات المتعلقة: الحسابات تحت الطلب، الحسابات لأجل، وسائل الأداء) والآخر قيمي ألا تتجاوز قيمة النزاع مليون درهم، ومن خصائصها أنها مسطرة إرادية مجانية وسريعة يتم بموجبها البث في النزاع داخل أجل 30 يوما من قبول الطلب، قابل للتمديد مرة واحدة لنفس المدة باتفاق معلل بين الطرفين.

أما الآلية الثانية فتخص الوساطة التعاقديةcontractuelle médiation ويدخل في إطارها النزاعات التي تفوق قيمتها مليون درهم عند عرض النزاع أمام المركز ومن خصائصها أنها تعاقدية ومؤدى عنها حسب جدول معد من قبل مجلس إدارة المركز، يتم بموجبها البث في النزاع داخل أجل 90 يوما قابلة للتمديد باتفاق بين الطرفين وتمنح لطرفي النزاع حق طلب تغيير الوسيط المعين من المركز مرة واحدة خلال أجل 7 أيام التالية لإشعارهما بتعيينه.

ومن خلال دراستنا لهذا الموضوع يتضح أنه وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي أولاها الفاعلين في قطاع الائتمان لهاته التجربة، نظرا لمدى فعاليتها في حل مجموعة من النزاعات خاصة البسيطة منها، والتي تثقل كاهل القضاء، إلا أن هذا لا يمنع القول بأن هاته التجربة لا زالت تشوبها مجموعة من النواقص أو السلبيات على عدة مستويات مذكر من بينها: على مستوى تمركز جهة الوساطة (يقع المركز بفرع بنك المغرب بالدال البيضاء) وعدم وجود فروع أو حتى مكاتب جهوية، وعلى مستوى تعيين الوسيط (تجربة الوسيط). أما على مستوى تمثيل الزبون/المستهلك (طريقة تأسيس المركز توحي بأنه جهة عليا لمؤسسات الائتمان وهذا من شأنه أن يفقده مصداقيته والثقة التي يمكن أن يضعها فيه الزبون المشتكي، ومن بين السلبيات أيضا التمييز بين نوعين من الوساطة وما يترتب عنه من أثار بخصوص مجانية الوساطة والتي تصبح أحيانا مكلفة (تصل إلى 1.75 بالمائة من قيمة ؟؟؟؟؟؟؟، إضافة إلى مصاريف فتح الملف (3000 درهم دون احتساب الرسوم).

ولتفادي سلبيات مؤسسة الوساطة البنكية ارتأينا طرح بعض المقترحات: إحداث فروع محلية وجهوية للوساطة البنكية، التركيز على المجتمع المدني عن طريق تعريفه بالوساطة ومزاياها، وكذا حثه من جانب آخر على القيام بدوره في التعريف بها والمساهمة في تفعيل مقتضياتها، وأخيرا ضرورة تدخل المشرع المغربي من أجل إيجاد إطار قانوني خاص بالوساطة مع مؤسسات الائتمان مع الأخذ بالوساطة الإجبارية في هذا المجال بالنظر لخصوصية هذا النوع من النزاعات.

قد يعجبك ايضا