قراءة على ضوء أهم مستجدات القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية

 

بقلم “صالحة نعيمة” طالبة باحثة بسلك الماستر، مجال الطرق البديلة لفض النزاعات، توضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية

صدر بالجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ 22 – 01 – 2015 القانون رقم 12.18 المتعلق بالتعريض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، الذي حل محل ظهير  28 – 06 – 1963، كما تم نسخه وتتميمه بمقتضى المادة 194 من نفس القانون.

وقد جاء هذا القانون ليتم مجموعة من الإصلاحات التي عرفها ميدان الحماية الاجتماعية عامة، بدءا بإقرار مدونة الشغل المنظمة بقانون 65.99 الصادر سنة 2003، مرورا على القانون 34.06 المتعلق بالعمال المنزليين، وصولا إلى القانون 14.03 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل.

والملاحظ أن المشرع المغربي من خلال القانون 12.18 حافظ على نفس فلسفة ظهير 1963، سواء فيما يتعلق بمسؤولية المشغل، وتغطيته لمخاطر حوادث الشغل بالتأمين التجاري كآلية أساسية إلى جانب صندوق ضمان حوادث الشغل، كآلية ثانوية لتغطية حوادث الشغل عند عدم وجود التأمين، وكذلك من خلال الإحتفاظ بنفس عناصر وطريقة إحتساب التعويضات والإيرادات، بل وعلى مجمل نسب التعريض، إضافة إلى عدم تنظيمه للأمراض المهنية والإكتفاء بالإحالة على ظهير 31 – 05 – 1943، والذي لم يتم تعديله.

وبقراءتنا لقانون 12.18، نلاحظ أن المشرع حاول تجسيد التوجهات الحديثة للسياسة القضائية ببلادنا، وذلك بتفعيل الوسائل البديلة لحل النزاعات خاصة الصلح لتخفيف العبء على المحاكم، حيث خصص للصلح حيزا مهما متمثلا في (الباب الأول) من (القسم الخامس) المعنون ”بمسطرة الصلح”.

في حين ميز هذا القانون بين نوعين من الصلح، الأول غير قضائي أو اتفاقي، والذي يعتبر إجراءا شكليا إلزاميا يجب على الضحية سلوكه قبل اللجوء إلى المسطرة القضائية، بحيث عرفته المادة 133 من هذا القانون بكونه إتفاق بين الضحية وشركة التأمين، من أجل تمكينه من الحصول على التعويضات المستحقة له من حادثة الشغل.

أما بخصوص الإجراءات المسطرية للصلح، فهي تتم بمبادرة من شركة التأمين، التي يجب عليها تقديم عروض للضحية داخل أجل 3 أيام من تاريخ إيداع شهادة الشفاء أو الوفاة، بالمقابل يتعين على الضحية الإجابة على هذه العروض داخل أجل 30 يوما من تاريخ توصله بها، وفي حالة موافقته يتم تحرير محضر الصلح بين الطرفين، وبذلك يجب على شركة التأمين منح الضحية التعويضات المتفق عليها داخل أجل 30 يوما الموالية لتاريخ توقيع محضر الصلح.

أما في حالة رفض الضحية لكل هذه العروض، يمكنه سلك المسطرة القضائية.

وقد أحاط المشرع المغربي من خلال القانون 12.18 مسطرة الصلح غير القضائية، أي ما يعرف بالصلح الإتفاقي، بمجموعة من الضمانات، أهمها إلزام شركة التأمين بتقديم العروض داخل الأجل المحدد، تحت طائلة أداء غرامية مالية تتراوح  بين 20 ألف درهم و50 ألف درهم، كما ألزم الضحية بضرورة تبرير رفضه لهذه العروض أمام المحكمة، هذا بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 22 من نفس القانون: على أن الطبيب المعالج يحدد نسبة العجز التي بقيت عالقة بالضحية، باتفاق مع الطبيب الخبير المنتدب من طرف شركة التأمين، وفي حالة إتفاقهما على نسبة العجز يمكن لشركة التأمين إنتداب خبير يقترحه الطبيب المعالج، الذي يكون عليه إبداع تقريره النهائي داخل أجل شهر من إنتدابه، وبالتالي فإن تحديد نسبة العجز بين الطبيب المعالج، وخبير شركة التأمين يكون هو أساسا إتفاق الأطراف على الصلح.

أما النوع الثاني، فيتعلق بالصلح القضائي، والذي أقرته المادة 140 من قانون 12.18 والتي تنص على أنه: ”يمكن للمشغل غير المؤمن أن يبرم مع المصاب بحادثة الشغل أو ذوي حقوقه صلحا قضائيا بالمحكمة الابتدائية المختصة من أجل تمكينهم من الاستفادة من المصاريف والتعويضات التي يضمنها هذا القانون…

وبذلك فالمحكمة الابتدائية تختص طبقا لقواعد الاختصاص المحددة في قانون المسطرة المدنية بالبث في جميع النزاعات الناتجة عن تطبيق أحكام هذا القانون 12.18 ومن الحالات التي يتصور فيها بلوغ المرحلة القضائية، هناك حالة رفض المصاب أو ذوي حقوقه للعروض المقدمة له من طرف شركة التأمين، أو في حالة عدم خضوع المشغل لإجبارية التأمين.

في الختام، ومن خلال ما سبق لا يمكننا إلا الإعتراف بأن المشرع المغربي، وإن كان قد خطا خطوة هامة، من أجل ضمان إستقرار العلاقات الشغيلة، بإعطاء الصلح، كوسيلة فعالة لحل النزاعات، مكانة متميزة، إلا أن هاته المسطرة لا زال يشوبها غموض، سواء من حيث الشكل أو حتى المضمون، هذا الأخير الذي إعتمد خلاله المشرع غالبا على نفس فلسفة ظهير 1963.

ولهذا، فإنه يتعين على المشرع التدخل من أجل تعديل المقتضيات الغامضة التي يتضمنها هذا القانون، بهدف توفير حماية أكثر نجاعة للطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية في الميدان الإجتماعي.

 

قد يعجبك ايضا