النظرية العامة للشخصية المعنوية في التنظيم الإداري

إعداد شيماء مرزوق طالبة جامعية، توضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية”.

لقد نشأت نظرية الشخصية المعنوية في مجال القانون الخاص، إلا أن أهميتها في مجال القانون العام أصبحت تفوق أهميتها في القانون الخاص، نظرا لاهتمام هذا القانون الأخير بالأشخاص الطبيعيين، في حين أن القانون العام لا يعترف بالأشخاص الطبيعيين إلا بصفتهم ممثلين للأشخاص المعنوية. ويتولى المشرع منح هذه الشخصية المعنوية وتحديد أنواعها، فتترتب على منحها نتائج قانونية معينة وتزول تلك النتائج بانتهاء أو زوال تلك الشخصية.

وفيما يلي نتعرض بإيجاز لمفهوم الشخصية المعنوية وطبيعتها القانونية، ثم نتعرض للنتائج القانونية المترتبة على منح الشخصية المعنوية العامة لنخلص إلى زوال أو نهاية الشخص المعنوي العام.

المبحث الأول: مفهوم الشخصية المعنوية وطبيعتها القانونية

المطلب الأول: مفهوم الشخصية المعنوية

تطلق الشخصية المعنوية في القانون على كل مجموعة من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا أو مجموعة من الأموال ترمي لتحقيق غرض معين. فتصبح هذه المجموعة من الأفراد أو الأموال في حد ذاتها من عداد الأشخاص القانونية لتمتعها بالشخصية المعنوية المستقلة أي أنها تصبح متمتعة بالأهلية القانونية تماما كالأشخاص الطبيعيين فتكون أهلا لإكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات. وعليه فإن الشخص المعنوي يمكنه التملك والتعاقد والتقاضي شأنه في ذلك شأن الأشخاص الطبيعيين تماما.

المطلب الثاني: طبيعة الشخصية المعنوية

إن فكرة الشخصية المعنوية كانت موضوع خلاف كبير بين الفقهاء، فمنهم من اعتبرها مجرد افتراض من المشرع(نظرية المجاز أو الافتراض القانوني)، ومنهم من نظرإليها على أنها حقيقة واقعية لا مجاز فيها ولا افتراض (نظرية الحقيقة)، في حين أنكر الفريق

الثالث أهميتها تماما سواء أكانت من قبيل المجاز أو الحقيقة (هذا ما ذهبت إليه نظرية نفي الشخصية المعنوية).

وإذا تناولنا النظريات الفقهية حول طبيعة الشخصية المعنوية من حيث التطور التاريخي للفكر القانوني نجد أن نظرية الافتراض القانوني ظهرت في عهد الملكية المطلقة في فرنسا فهي تعطي للسلطة العامة الحق المطلق في إنشاء الأشخاص المعنوية وفي طريقة أدائها لوظائفها. وبالنسبة لنظريات الحقيقة، فقد ظهرت ابتداء من النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وهي وليدة مذاهب الحريات الشخصية بقصد سلب السلطة العامة كل سيطرة على إنشاء الأشخاص المعنوية ورقابتها. فأصبحت الشخصية المعنوية حسب هذه النظريات  لا تمنح وإنما تنشأ ويعترف بها القانون للجماعات التي تتكون باتباع بعض الإجراءات المحددة سلفا.

أما بالنسبة لنظرية الملكية المشتركة، فقد ظهرت نتيجة للمذاهب الاشتراكية في القانون كرد فعل مضاد للمذاهب الفردية. وتسعى هذه النظرية إلى إعلاء شأن المصالح المشتركة، لأن فكرة الملكية المشتركة تفسر لنا_ حسن أنصار هذه النظرية_ النتائج التي نريدها من وراء فكرة الشخصية المعنوية.

ومن حيث تقسيم الأشخاص المعنوية نجد أن هناك:

– الأشخاص المعنوية العامة الإقليمية: وتضم الدولة والجهات والجماعات الترابية.

– الأشخاص المعنوية العامة المرفقية: وترتبط بوجود المرفق العام والمؤسسات العمومية الإدارية، الاقتصادية، الاجتماعية والمهنية.

المبحث الثاني: النتائج المترتبة على منح الشخصية المعنوية وزوال الشخص المعنوي العام

المطلب الأول: مبدأ الاستقلالية

تترتب على الاعتراف بالشخصية المعنوية نتائج هامة يشترك فيها أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص. ولكن ثمة نتائج خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بالشخصية المعنوية لأشخاص القانون العام، منها:

استقلالها الإداري: إن استقلال أشخاص القانون العام بشؤونها عن الدولة لا يعني استقلالها المطلق في مواجهتها، بل يظل للدولة حق الإشراف والرقابة على تلك الهيئات.

استقلالها المالي: فلا خلاف في هذا الصدد على أن لكل من الدولة وأشخاص القانون العام الإقليمية أو المصلحية أموالها الخاصة التي تستقل بالتصرف فيها في حدود القانون، أما بالنسبة لأموال الدولة العامة فالراجح فقها أن كل شخص من أشخاص القانون العام يتوفر على جانب من هذه الأموال التي تمكنه من أداء مهامه.

استقلالها بموظفيها: تستعين أشخاص القانون العام الإقليمية(الجهات، العمالات و الأقاليم، الجماعات الترابية) وأشخاصها المصلحية (المؤسسات العمومية)بموظفين لتنفيذ ما أنيط بها من واجبات، إلا أن هؤلاء الموظفين مستقلين عن موظفي الدولة ويخضعون في ذلك إلى تشريعات تحتوي على مقتضيات خاصة بهم، ولكن هذا لا يمنع من خضوعهم للقانون العام الذي يحكم باقي الموظفين غير ما ورد في قوانينهم الخاصة.

مشاركتها للدولة في مظاهر سلطانها: إذ تصدر أشخاص القانون العام قرارات إدارية تخضع لكل ما تخضع له القرارات الإدارية من أحكام. فيجوز طلب إلغائها أمام الجهة القضائية، ويمكن تنفيذها جبرا، كما يجوز لأشخاص القانون العام استخدام وسائل القانون العام في تحقيق وظائفها، كنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء المؤقت على العقارات وإبرام العقود الإدارية…، وذلك في الحدود التي يرسمها القانون العام.

أهليتها للتقاضي وحدودها: يترتب على استقلال أشخاص القانون العام إمكانية مقاضاتها أمام القضاء عن طريق ممثلها القانوني، بمعنى يجوز رفع الدعوى على الجهة أو العمالة أو الإقليم أو المؤسسة العمومية مباشرة دون حاجة لمقاضاة الدولة، كما يجوز التقاضي بين أشخاص القانون العام أنفسهم. أما بالنسبة للوزارات فإن الوزير هو الذي يمثل وزارته أمام القضاء بالنسبة للأمور المتعلقة بالديوان الوزاري والمديريات والأقسام والفروع التابعة لها، وحتى بالنسبة للهيئات والمصالح الخاضعة لها والتي لا تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة.

استقلالها بمسؤوليتها: يترتب على استقلال الأشخاص المعنوية العامة بذمتها المالية عن الدولة تحملها بالمسؤولية عن أفعالها الضارة، سواء أكان أساس المسؤولية العقد أو الفعل الضار أو الإثراء بلا سبب أو مجرد المخاطر، كما تتحمل المسؤولية عن موظفيها بالنسبة لأعمالهم الضارة بالغير (وذلك في حدود معينة). 

المطلب الثاني: زوال أو نهاية الشخص المعنوي العام

تنتهي شخصية الدولة بفنائها، وذلك بزوال عنصر أو أكثر من العناصر المكونة لها، كما لو انقسمت الدولة إلى عدة دول أو اندمجت في دولة أخرى أو شملتها فوضى دائمة بحيث يستحيل معها قيام حكومة منظمة…، أما أشخاص القانون العام الأخرى فتنتهي شخصيتها بذات الطريقة التي نشأت بها. كما أن المشرع قد خول لسلطات المركزية إمكانية حل مجالس الهيئات اللامركزية، وهي مجالس الجهات والجماعات الترابية، غير أن حل هذه المجالس لا يؤدي إلى انقضاء الشخصية المعنوية لهذه الهيئات بقدر ما يؤدي إلى شل إرادتها من الناحية العملية.


المرجع المعتمد:

التنظيم الإداري، النظرية العامة للتنظيم الإداري، الدكتورة مليكة الصروخ.

شارك الموضوع للإفادة..

قد يعجبك ايضا