الإلتزام بالتصريح عند المؤمن له في عقد التأمين، على ضوء القانون المغربي

لما كان عقد التأمين كما عرفه المشرع المغربي من خلال القانون 17.99 إتفاق بين المؤمن

والمكتتب من أجل تغطية خطر ما وأنه بمقتضى هذا الاتفاق تتحدد التزاماتهما المتبادلة، فإنه من أجل ذلك يتحمل المؤمن له بالتزامات سواء عند إبرام العقد أو أثناء سريانه، وهي كما نصت عليها المادة 20 من مدونة التأمينات، التصريح بكل الظروف التي تمكن من تقدير الأخطار، أداء قسط التأمين ثم إشعار المؤمن بكل حادث قد يؤدي إلى إثارة ضمانه. ونحن اليوم سنسلط الضوء عن الالتزام بالتصريح عند المؤمن له، فكيف حدد المشرع المغربي هذا الالتزام؟ وماهي الآثار القانونية المترتبة عن الاخلال بالالتزام بالتصريح؟

سنتناول عرض الموضوع من خلال الحديث في المبحث الأول عن الالتزم بالتصريح عند ابرام العقد (المطلب الأول) والالتزام بالتصريح أثناء سريان العقد(المطلب الثاني)،اما في المبحث الثاني فسنتحدث عن بعض الآثار المترتبة عن الإخلال بالالتزام بالتصريح.

المبحث الأول: الالتزام بالتصريح عند إبرام عقد التأمين وأثناء سريانه

يعد الخطر موضوع أول محل عقد التأمين، إذ بالرغم من التحريات التي يمكن للمؤمن أن يقوم بها بواسطة ذوي الخبرة قصد معرفة الخطر وأوصافه ومداه تبقى العديد من الظروف والبيانات والمعلومات التي لا يمكن للمؤمن العلم بها إلا بواسطة المؤمن. كما أنه من بين الخصائص المميزة لعقد التامين قيامه على مبدإ حسن النية، هذا المبدأ الذي يفرض على المؤمن له تمكين المؤمن من التحديد الدقيق للخطر محل التأمين عن طريق إخباره إخبارا شاملا بكل المعلومات اللازمة التي تمكنه من تقديره وأيضا تلك التي تؤدي إلى تفاقمه، لذلك سارت قوانين التأمين و من ضمنها المشرع المغربي على فرض هذا الالتزام بالتصريح سواء أثناء التعاقد أو خلال سريان العقد.

المطلب الأول: الالتزام بالتصريح عند إبرام العقد

لقد أوجب المشرع على المؤمن له الالتزام بالتصريح بالظروف المعروفة لديه وقت التعاقد وذلك حماية للمؤمن منه من الضرر لعدم قدرته على التقدير الحقيقي للأخطار التي يتحملها. (المادة 20 من مدونة التأمينات) ولما كان التأمين يقوم على أساس عمليات حسابية وإحصائية دقيقة يستطيع المؤمن عن طريقها توقع عدد الحوادث المحتملة خلال فترة زمنية معينة، وبالتالي معرفة مقدار ما سيعطي كتعويض و ما سيحققه من أرباح عن طريق إجراء المقاصة بين مجموع الأقساط المدفوعة من مختلف المؤمن لهم عن خطر واحد، فإن المشرع ألزم المؤمن له أثناء التعاقد أن يصرح “بالضبط” و بالتحديد و بالدقة عن كل الظروف المتعلقة بالخطر المعروفة لديه، وذلك حماية للمؤمن من الوقوع في غلط جوهري يجعله يقبل عقد التأمين بشروط ما كان ليقبلها لو علم بحقيقة الخطر و أوصافه و مداه.
ولكي تتحقق غاية المشرع من هذا الالتزام وهي تمكين المؤمن من التقدير الحقيقي للأخطار فإن التصريح أو الإخبار الذي يلزم به المؤمن له يجب أن تتوافر فيه ثلاثة شروط أساسية:

أولا: أن يتعلق الأمر بكل الظروف المؤثرة في تقدير الخطر

والمقصود تلك البيانات والمعلومات التي تمكن المؤمن من إدراك مدى جسامة الخطر و مدى إمكانية وقوعه و كذلك تحديد آثاره والتي على أساسها يقبل التعاقد أو يرفضه، كما أنه على أساسها سيحدد نسبة القسط الذي يلزم المؤمن له بدفعه بناء على إجراءات حساب التأمين التي يقوم بها، و هذه الظروف المؤثرة تتضمن ما هو موضوعي و ما هو شخصي.

ثانيا: التصريح بكل الظروف المعروفة لدى المؤمن له

وصف الفقه هذا الشرط بالأمر البديهي الذي يمليه المنطق السليم، وهو ما ذهب إليه المشرع المغربي على غرار غيره من التشريعات في عدم إلزام المؤمن له بما هو مستحيل، لذلك حمله مسؤولية التصريح بالظروف و البيانات المتعلقة بالخطر و التي يعلم بها و ذلك حتى لا يقع الخلط بين الجهل بالمعلومة و بالتالي عدم مساءلة المؤمن له و بين التصريح ببيانات كاذبة أو كتمان بيانات معروفة و التي يكون جزاؤها إبطال العقد بالإضافة إلى التعويض عن الضرر (المادة 30 من مدونة التأمينات).

ثالثا: أن يتعلق الأمر بظروف يجهلها المؤمن

إن أساس إلزام المشرع للمؤمن له بالتصريح بكل الظروف المتعلقة بالخطر هو تمكين المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها، لذلك يعتبر منطقيا عدم اعتبار المؤمن له مخلا بالتزامه بالإعلام (و بالتصريح)، و إذا لم يصرح بظرف مؤثر في الخطر كان المؤمن على علم به، فتقوم مسؤولية هذا الأخير في الضمان دون جواز تكييف السكوت على أنه غش أي أنه صادر عن سوء نية، غير أنه يقع على المؤمن له عبء إثبات علم المؤمن بالبيان المؤثر محل النزاع وذلك بكل طرق الإثبات لإعفاءه من الجزاء و المسؤولية.

المطلب الثاني: الالتزام بالتصريح أثناء سريان العقد

بعد إبرام عقد التأمين أثناء سريانه وضع المشرع على عاتق المؤمن له ثلاثة التزامات بالتصريح وردت في البنود 3و4و5 من المادة 20 من مدونة التأمينات سنركز على أهمها وهو الالتزام بالتصريح في حالة كون القسط التامين متغيرا.
إذا كان قسط التأمين متغيرا وليس ثابتا وفق ما تم النص ضمن شروط العقد، يلزم المؤمن له استنادا إلى ما نص عليه البند 3 من المادة 20 أنه يوجه إلى المؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين.
كما ألزم المشرع في البند 4 من المادة 20 من مدونة التأمينات المؤمن له بأن يصرح للمؤمن بالظروف المنصوص عليها في بوليصة التأمين و التي ينتج عنها تفاقم الخطر، و هذا الالتزام يشترك في المنطق الذي يقوم عليه مع الالتزام بالتصريح خلال إبرام العقد و هو حماية المؤمن من كل إثراء بلا سبب يقع للمؤمن له بسبب عدم التناسب و التوافق بين أقساط التأمين و مبلغ التعويض، فأساس هذا الالتزام هو إحاطة المؤمن علما بما يستجد من ظروف منصوص عليها في بوليصة التأمين بعد انعقاد العقد و التي ينتج عنها تفاقم الخطر بشكل يجعله لا يتناسب مع القسط.
وهذا أمر يغيب في عقود التأمين على الحياة، لذلك أعفى المشرع المؤمن له من هذا الالتزام بمعنى أن محتوى عقد التامين على الحياة جعل التفاقم جزء من الخطر المضمون، وقد أخذه المؤمن في حساباته وقت التعاقد.

المبحث الثاني: بعض الآثار المترتبة عن الإخلال بالالتزام بالتصريح

تناول المشرع المغربي الآثار المترتبة على إخلال المؤمن له بالتزامه بالتصريح في المواد31 -30و32 من مدونة التأمينات، وقد سبق أن تناولها في إطار سلامة الرضا من العيوب.
أقر المشرع المغربي البطلان كجزاء على الكتمان أو التصريح الكاذب من طرف المؤمن له طبقا( للمادة 30 الفقرة 1)، و كذلك الاغفال أو التصريح الخاطئ عن سوء نية ( المادة 31 الفقرة 1)، و يختلف عن البطلان المقرر للقواعد العامة إذا مست إرادة المتعاقد الأخر لما فبل التعاقد(الفصلين 40 و41 من ق.ل.ع)، ثم إن التدليس لا يبطل العقد إلا إذا كانت الوسائل الاحتيالية التي لجا إليها المتعاقد الآخر هي الدافعة إلى التعاقد (الفصل52 من ق.ل.ع)، بل جعل قانون التأمين العقد باطلا فقط لأن الكتمان أو التصريح الكاذب أو الاغفال غير موضوع الخطر أو نقص من أهميته في نظر المؤمن حتى ولو لم يكن له تأثير على الحادث، وبذلك يكون المشرع المغربي قد تشدد مع المؤمن له سيء النية حماية للمؤمن الذي أعطاه الصلاحية المطلقة في ذلك التقدير، وفي ذلك حماية لمصالح المؤمن التي أساسها مبدأ حسن النية الذي يؤسس عليه عقد التأمين.
نضيف فقط إلى أن المشرع المغربي شأنه شأن المشرع الفرنسي ميز بخصوص تلك الجزاءات بين المؤمن له حسن النية و سيء النية، و يدخل ذلك ضمن السلطة التقديرية للقاضي، و يقع إثبات ذلك على عاتق المؤمن، وتستشف سوء نية المؤمن له من إجاباته عن الأسئلة الصريحة التي يوجهها له المؤمن ولا يعتبر القضاء الفرنسي عدم الإجابة على هذه الأسئلة دليل لتوفر سوء نيته، غير أنه في واقعه اعتبر أن عدم إجابة المؤمن له عن سؤال صريح عن عدد الحوادث التي وقعت خلال السنتين السابقتين على التقاعد ينطوي على سوء النية، وفي حالات أخرى اعتبر ذلك فقط إهمالا لا ينم عن سوء نية إذا اختلف تقديره بحسب كل واقعة على حدة.

إنجاز “شيماء مرزوق” وتوضيب من فريق عمل موقع “المعلومة القانونية”


لائحة المراجع المعتمدة:

مدونة التأمينات المغربية
قانون الالتزامات والعقود المغربي
محاضرات في قانون التأمين، إلهام الهواس، 2014-2015.

قد يعجبك ايضا