قراءة في نص الخطاب الملكي لٱفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية للولاية التشريعية العاشرة

قديري المكي الخلافة، مدير موقع المعلومة القانونية

جاء هذا الخطاب ليعلن صاحب السمو من خلاله عن إفتتاح السنة التشريعية الجديدة، ولعل المتتبع يتبين له أن مضامين الخطاب تتضمن مجموعة من الرسائل، التي جاءت في شكل توجهات رئيسية تضع خارطة العمل البرلماني خاصة، والآداء الحكومي والإداري على وجه العموم.

من حيث سياقه العام جاء هذا الخطاب، بعد ثاني إنتخابات تشريعية عرفها المغرب في ظل دستور 2011، التي سبق وركز عليها صاحب السموو، بكونها تأتي كمرحلة مهمة لتنزيل وإعداد مختلف القوانين التنظيمية، المتعلقة بالمقتضيات التي ينص عليها الدستور المغربي الجديد، وأيضا كونه جاء بعد خطاب جلالته في ذكرى عيد العرش الذي دعى من خلاله الأحزاب السياسة إلى تقديم المصلحة العامة للوطن أثناء تشكيل الحكومة، في مقابل إستبعاد المصالح الحزبية الضيقة، وكذى دعوته إياهم الإنكباب على مختلف القضايا العامة المتعلقة بمتطلبات وإحتياجات المواطنين المغاربة، كما خاطب الإدارة المغربية على جعل المواطن في قلب إهتماماتها.

ويتضمن الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس أمام قبة البرلمان بغرفتيه مساء اليوم، مجموعة من المقتضيات التي تضم نوعين من التوجهات الأساسية، ويحظى النوع الأول من هذه التوجهات بأبعاد عامة، أما النوع الثاني فيتمثل في مواضيع ذات طابع خاص، تعرض لها الملك في موضوع “إفتتاح هاته السنة التشريعية”، والذي أكد في مجمله على تفعيل المبادئ الدستورية الكبرى التي تصدرت الوثيقة الدستورية، من قبيل تفعيل الديموقراطية التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل الجهوية الموسعة، في ظل الرؤية العامة المؤطرة لمفهوم الحكامة الجيدة.

عموما القراءة الموضوعية لنص الخطاب، فهي جاءت كالتالي:

1- المواضيع العامة: التي إرتبطت بشكل كبير بالمجال السياسي والإداري، والتي تضمنت ما يلي:

أ‌- التأكيد على الديموقراطية التشاركية :

وذلك من خلال، أولا التسريع في تنزيل وتفعيل مشروع الجهوية الموسعة، من أجل إشراك الجميع في تدبير الشأن العام، وفي محاولة البحث عن الحلول الحقيقية التي يعاني منها المواطن المغربي، سواء في التعليم والصحة والشغل، من أجل إيجاد الحلول وتفعيل نموذج الديموقراطية التشاركية، كأساس للوصول لتلك الغاية.

ب‌- ربط المسؤولية بالمحاسبة:

ركز جلالة الملك في خطابه على هذا المبدأ الدستوري، من خلال ما ينص عليه الدستور، أن نظام الحكم في المغرب، هو نظام ملكية دستورية برلمانية، يقوم على أساس الديموقراطية التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة… وذكر مخاطبا بصيغة الجمع، بأن ما يفرض على كل مسؤول اليوم قبل أي وقت مضى أن يقوم بالمهام المنوطة به، سواء كان برلماني فهو مسؤول من موقعه،  أو كان وزير فهو مسؤول من موقعه، أو كان موظف فهو مسؤول من موقعه، وكذى أشار لمسؤولية المواطن في هذا الصدد بتغييره أن الكل مسؤول، من موقعه في محاربة مجموعة من الظواهر كالرشوة والزبونية والفساد، كما وعد جلالته القيام بمهمة المراقبة والتتبع والمحاسبة بشكل شخصي من أجل محاسبة كل مسؤول، وحيث كان الملك يرجع إلى التنبيه على هذا المبدأ سواء في مجال التنمية، التعليم، تكوين الشباب، وعلى مستوى تلبية حاجيات المواطن الإدارية.

ت‌- المشاريع التنموية:

التوجيه الحكومي للتصدي للتحديات التي يواجهها المواطن المغربي والإقتصاد الوطني، والتي أرجع أسبابها لضعف التعليم، وقلة فرص التشغيل، وتلبية حاجياة المواطن الإدارية، كما وجه جلالته الحكومة من أجل تقييم وتتبع الأوراس التي فتحها جلالته في إفريقيا، كما أكد على إرادته في تعزيز دور المغرب في السياسة الإفريقية.

2- النوع الثاني : يتمثل في مواضيع مرتبطة بواقع المواطن المغربي، والمشاكل التي يعاني منها، والتي يمكن إبرازها كما يلي :

أ‌- على مستوى التعليم:

نبه الملك محمد السادس لوضع التعليم في المغرب وخطورته، ووصفه بكونه لم يحقق المنتظر منه، في أفق تطبيق المخططات والدراسات التي أجريت في هذا الإطار، وعبر عن إنتظاراته تتبع تقارير المجلس الأعلى للتعليم بشكل قريب.

ب- على مستوى الصحة:

حيث حمل الملك المسؤولية للجميع وزارة وبرلمان حول الوضع السلبي لقطاع الصحة في المغرب، في حين تطرق الملك محمد السادس إلى هذا الموضوع بشكل مقتضب فقط.

ت- على مستوى الشباب:

دعى جلالته إلى تأهيل الشباب المغربي، ومعاناتهم من الإقصاء والبطالة، وضعف التعليم والتكوين، وحاول فتح نقاش عمومي من إيجاد حلول للشباب الذين يعملون في القطاع الغير مهيكل، وذلك من خلال تكوينهم في مجال التشغيل الذاتي، وخاصة في القرى، كما نبه جلالته بضرورة إعطاء الشباب الكلمة في المجال السياسي كذلك.

هذا إلى جانب مواضيع أخرى في الجانب الإداري المالي، كالإختلالات المالية الحاصلة، لكن الملك محمد السادس وعد بالمحاسبة والتتبع شخصيا من خلال ما ستقدم إلى جلالته من تقارير مقدمة من طرف المجلس الأعلى للحسابات في هذا الشأن.

وكقراءة قانونية، فقد خاطب الملك محمد السادس البرلمان المغربي عقب إفتتاح السنة التشريعية، بلهجة قانونية دقيقة وبثقة كبيرة، إلى حد قوله -في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة- بإمكانية وصوله إلى حد إحداث زلزال على مستوى السياسة العامة، الشىء الذي أثار نقاش سياسي عميق حول المقصود من وراء هذا التصريح، أيضا كان أبرز ما جاء في خطابه من الناحية القانونية تذكيرهم بصلاحياته كملك للبلاد، بكونه الضامن على إحترام القانون والحقوق والحريات وتطبيقها، وبأنه أول من يطبق القانون، وأنه في إطار صلاحياته الدستورية لن يتوالى في محاسبة كل من ثبتت مسؤوليته في عدم القيام بالمهام المنوطة به كمسؤول، أو متى ثبتت مسؤوليته في الإختلالات التي تعيق المشاريع التنموية التي تم إطلاقها، في مختلف القطاعات مثل التنمية والشغل، التعليم، التكوين والصحة، كما وعدهم بالمتابعة القانونية عن طريق الأجهزة الإدارية القانونية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، الذي يشكل أبرز آليات المتابعة والمحاسبة والتقييم، كما عبر عن إرادته في تقوية العلاقات الدبلوماسية مع دول الإتحاد الإفريقي، من أجل تتبع المشاريع التي تم إطلاقها وتفعيلها بالشكل الذي يخدم مصلحة الوطن والمواطن المغربي.

وبذلك يتبين أن خطاب جلالة الملك كان ذوا أبعاد دستورية وقانونية بإعتبار أن المملكة قد أطلقت مشاريع تنموية كبرى يجب مواصلتها، بالتالي هذا الرهان يفرض حسن التدبير وحسن التتبع، من خلال آليات المحاسبة.

قد يعجبك ايضا