تطبيقات مبدأ ’’حسن النية‘‘ في عقد الـتـــأمين، على ضوء القانون المغربي

ذ. أمين بوطلحة.

ينص الفصل 231 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي على أن: “كل تعهد يجب تنفيده بحسن نية…”، وهذا الأمر كما هو معلوم ولا خلاف بصدده، متعلق “بقاعدة عامة” تسري على كل العقود بما فيها عقد التأمين، حيث يعتبر “حسن النية” من بين أهم الخصوصيات التي تميزه بالذات، وذلك لأن هذا “المبدأ” يلعب دورا بارزا وجوهريا، سواء من جهة خلال إنعقاد عقد التأمين بصورة سليمة، أو من جهة أخرى أثناء سريانه أو تنفيذه، مما يجعل قوة هذا “المبدأ” تظهر بشكل بارز في عقد التأمين، وذلك أكثر من أي عقد آخر من العقود والإلتزامات الموجودة في دائرة التعامل.

وتنص مدونة التأمينات المغربية من خلال القانون رقم ‘‘17.99’’ على أن ‘‘حسن النية’’ يعتبر من بين الإلتزامات القانونية التي يتحملها المؤمن له، التي توقع على عاتق هذا الأخير مجموعة من التصرفات، ولعل ما يؤكد ذلك هو “الأمر” الذي يلاحظ إنطلاقا من العبارة التي تضمنتها المادة 20 منه، على أنه: “يلزم المؤمن له…

2- بأن يصرح بالضبط عند إبرام العقد بكل الظروف المعروفة لديه، والتي من شأنها أن تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها.”

بالتالي، يلاحظ أن المشرع المغربي، من خلال هاته المادة الأخيرة، أنه قد أسس إبرام عقد التأمين على “مبدأ حسن النية” بما يقتضيه من نزاهة وصدق وشفافية، وذلك بالأساس خلال مرحلة إدلاء المؤمن بالبيانات المتعلقة بالخطر المؤمن منه، التي يستند المؤمن على صحتها في قبول التعاقد من عدمه، وذلك بالأساس على إعتبار أن تلك المعلومات هي التي تمكن المؤمن من تقدير الخطر المؤمن منه، ومدى جسامته، لتقرير التعويض المناسب، من خلال أداء الأقساط التي يحددها.

كما يلاحظ أيضا، أن قانون التأمين المغربي ألزم المؤمن له أثناء سريان العقد، بأن يصرح للمؤمن بكامل الظروف التي ينتج عنها تفاقم الخطر، وفقا لما جاء في نص “المادة 24” من مدونة التأمينات، ولعل ما يعضض ذلك هو ما أكدت عليه “المادة 20″ من نفس القانون، التي أوجبت على المؤمن له “إخبار المؤمن بكل ظروف أو واقعة أو وضعية خطيرة، يمكن أن يؤدي وقوعها إلى زيادة درجة إحتمال وقوع الخطر، أو زيادة درجة جسامته.

وعليه، إذا كان “مبدأ حسن النية” يلازم عقد التأمين منذ تكوينه، ويسايره خلال مدة تنفيذه، فإنه يكون سببا لبطلانه في حالة غيابه كأثر، متى أخل المؤمن له بإلتزامه على إحترام مبدأ ‘‘حسن النية’’ في التعاقد، وذلك في إطار علاقته بالمؤمن أو وكيله، إذ رتبت “المادة 30″ من مدونة التأمينات “بطلان العقد” في حالة الكتمان أو التصريح الكاذب، الذي يقوم به المؤمن له للمؤمن، كما نصت “المادة 31″ من نفس القانون على أنه لا يبطل العقد إذا لم تثبت سوء نيته في حالة الإغفال أو التصريح الخاطئ.

أما في حالة التأمينات التي يحسب فيها التأمين، سواء إعتبارا للأجير أو لرقم المعاملات، وإما بحسب عدد الأشخاص أو الأشياء موضوع العقد، فإنه حماية “لحسن النية” التي يتم إبرام عقد التأمين وتنفيذه بمقتضاها، يلاحظ عمليا على أن مما أقدم عليه المشرع المغربي أنه أعطى للمؤمن، وذلك من خلال المادة الموالية “32” -من نفس المدونة- الحق في وضع بنود في العقد من شأن محتواها، أن يوجب في حالة الإغفال أو التصريح الخاطئ، التي يحدد على أساسها قسط التأمين كما سبق قوله، تعويضا حدد المشرع حدا أقصا له، وإلى جانبه نجد نص المشرع المغربي خلال نفس المادة على أحقية المؤمن في إسترجاع المبالغ المؤداة عن الحوادث، متى كان لتلك التصريحات الخاطئة أو الإغفالات طابع تدليسي، وذلك بغض النظر عن التعويض المنصوص عليه أعلاه، بل الأكثر من ذلك أن المشرع المغربي أعفى المؤمن من أهم إلتزاماته التي هي الضمان، في حالة وقوع الخطر، متى خرق المؤمن له “مبدأ حسن النية” في التعاقد على التأمين، إذ لا يتحمل المؤمن بالرغم من أي إتفاق مخالف، الخسائر والأضرار الناتجة عن خطأ عمدي أو تدليسي للمؤمن له، طبقا لما تؤكد عليه “المادة 17″ من مدونة التأمين المغربية رقم 17.99.

 

وفي الجهة المقابلة، إن الإلتزام بقاعدة ‘‘حسن النية’’ له صورة أخرى أيضا، حيث أن هاته القاعدة لا تخص فقط المؤمن له فقط، بل تلزم المؤمن كذلك من جهة ثانية، بإعتبار أن “الإلتزام بالإخبار” يجسد آلية قانونية حمائية لإرادة المتعاقد من العيوب التي قد تشوبها، ولذلك فإن فعالية هذه الآلية تكرسها مدونة التأمين المغربية التي ألزمت المؤمن “بإخبار” المؤمن له، بل وجعلت هذا الإلتزام من بين الشروط والبيانات التي يجب أن يتضمنها عقد التأمين ذاته، هذا الأخير الذي هو على أية حال يعتبر عقدا شكليا، وفي هذا الصدد تنص “المادة 72″ من مدونة التأمينات على أنه: “يجب على المؤمن أن يبلغ المكتتب سنويا بواسطة رسالة مضمونة كل  المعلومات التي تمكن من تقييم إلتزاماتهما المتبادلة، كما يجب أن يكون هذا الإلتزام بالإبلاغ موضوع شرط خاص في العقد”، وحيث أنه تفعيلا لهذا المبدأ –حسن النية– يلاحظ أن المشرع المغربي قد منع على المؤمن إخفاء البيانات أو كل المعلومات التي من شأنها إيقاع المؤمن له في غلط أو تدليس.

بالإضافة إلى ما سلف ذكره، فقد ألزمت “المادة 19″ من مدونة التأمينات المغربية تسديد التعويض أو المبلغ المحدد حسب عقد التأمين، عند تحقق الخطر أو عند حلول أجل العقد، وذلك ما يؤكد ضرورة تنفيذ “إلتزامه بالضمان بحسن نية”، وكل خرق لهذا المبدأ تترتب عليه جزاءات قانونية.

فما هي هاته الجزاءات؟

نتمنى أن ينال الموضوع إعجابكم، وأن تكون المعلومات قد وصل بشكل مفيد، في حين نعدكم بأنه سوف يتم تسليط الضوء حول الجزاءات القانونية المترتبة عند الإخلال بهذا المبدأ، التي طرح الإشكال الأخبر بصددها في محاولة مقبلة، فقط كونوا على إطلاع دائم عبر موقع المعلومة القانونية، ولا تنسوا مشاركة الموضوع للإفادة والإستفادة..

من إنجاز ’’أمين بوطلحة‘‘ طالب جامعي، وتوضيب فريق عمل موقع ’’المعلومة القانونية‘‘

قد يعجبك ايضا