الأحكام المنظمة “للمرض المهني” من وجهة نظر القانون المغربي
إنجاز الطالب الجامعي “محمد السراج“، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية“.
“المخاطر المهنية” لا تقتصر فقط على حادثة الشغل أو حادثة الطريق، وإنما تتعداها إلى أشكال أخرى من قبيل إصابة العامل “بمرض مهني” بفعل إشتغاله في بعض المناجم أو المصانع أو إحتكاكه ببعض المواد الكيماوية الخطيرة ذات التأثير السام والخفي، ذلك أنها لا تظهر أثرها على المدى القريب، وإنما على مدى بعيد.
إذن وعيا بذلك، وبالضعف الذي كان يتصف به ظهير 25-6-1927 في توفير الحماية اللازمة للأجير، من الأخطار التي تهدد سلامته، بحيث كان هذا القانون يقتصر في ذلك فقط على حماية المخاطر التي تهدد الأجير والمتعلقة بحوادث الشغ ودون الأمراض المهنية، التي كانت تتوقف على إثبات خطأ رب العمل، وهي أمور جد صعبة على الأجير إثباتها واقعيا، ولذلك تدخل المشرع المغربي، إبان الحرب العاملية الثانية، كما تشير إليه الأبحاث القانونية بشكل عام، وأصدر ظهير 31-50-1943 الذي مدد بموجبه مقتضيات الظهير أعلاه، ليشمل فضلا عن حوادث الشغل، الأمراض المهنية أيضا.
فإلى أي حد حاول المشرع المغربي توفير حماية قانونية ضد أخطار المرض المهني التي تهدد بدون شك سلامة الأجير، وذلك في إطار تطور الطب الحديث؟
لفهم هذا النوع من المخاطر سيتم تسليط الضوء على مفهومه (أولا)، قبل أن ننتقل لأنواعه (ثانيا)، ثم شروطه (ثالثا)، وكذى طبيعته القانونية (رابعا)، من أجل توضيح وجهة نظر المشرع المغربي للمرض المهني، وتمييزه عما سواه من الأمراض العادية،
هذا ما سنحاول معرفته من خلال هاته المحاولة المتواضعة، إعتمادا بالأساس على نتائج الدراسات والأبحاث القانونية التي أجريت في هذا الصدد.
أولا: مفهوم المرض المهني من خلال وجهة نظر التشريع المغربي والمقارن
نظرا للصعوبة التي طرحت ولا زالت مطروحة، بصدد تعريف المرض المهني، إذ على مستوى التشريع المغربي أو كذى المقارن، وذلك يتجلى بحكم عدم خضوع المرض المهني لقواعد علمية دقيقة، يمكن من خلالها وضع تعريف يحدد صورته الحقيقية على أرض الواقع، مما نتج عنه إختلاف التشريعات في مدى النص على تعريف له، ضمن الأحطام العامة للقانون الخاص، لكن هذا لا ينفي عدم وجود إجتهادات من لدن بعض التشريعات المقارنة في وضع تعريف له، إذ هنالك من التشريعات من عرفته مثلا كالتشريع التونسي على وجه الخصوص.
تثبته أغلب الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع، حيث يتضح أن الكثير من التشريعات من أبت إلا أن على تقديم تعريف له، إذ على سبيل المثال حال المشرع المغربي، على غرار التشريع المقارن، وأخص بالذكر هنا كلا من التشريعين الفرنسي والمصري، وحيث يلاحظ أن المشرع المغربي قد إكتفى إلى الإشارة فقط بكون أن الأمراض المهنية تعتبر كل العلل المؤلمة والأمراض المتسببة عن الجراثيم المتعفنة، وكذلك تلك الأمراض المبينة في قرار وزير الشغل والشؤون الإجتماعية، والمتخدة بعد إستشارة وزير الصحة العمومية، وفق جداول خاصة.
في حين تجدر الإشارة كما يلاحظ على مستوى الأبحاث التي أجريت في هذا الإطار، على أن الفقه المغربي سجل على المشرع المغربي خلال التعريف أنه إقتصر فقط على إبراز عدد من الأمراض التي إعتبرها مهنية، مع إبرازه الأعمال والمواد المسببة لها، وكذى المدة الزمنية اللازمة لبقاء المشغل خلالها مسؤولا عن التعويض عنها، دون تقديم أي ضابط للتمييز بينها وبين مختلف الأمراض المشابهة، وهو نفس الوضع المطروح أيضا من لدن جل إن لم نقل كل التشريعات المقارنة، بما فيها التشريع الفرنسي، الشئ الذي آثار ردود فعل فقهية تتباين بين من مؤيد ومن يعارض هذا الوضع المسكوت عن تحديده بشكل دقيق، لكن كما يرى بعض الفقه المغربي مثلا الدكتور محمد العروصي، الذي عبر من خلال وجهة نظره أنه تبقى لتلك التوضيحات التي وضعها الفقه المغربي، وإن كانت لا ترقى إلى تعريفات بحد ذاتها، قيمتها العلمية والقانونية في إعطاء تعريف لهذا المرض عموما، وهذا عموما يخول يخول للقاضي سلطة تقديرية واسعة في إثبات أو نفي مدى إعتبار المرض الذي يعاني منه الأجير، كونه مرض مهني أو أنه مجرد مرض عادي نسبيا، وذلك من خلال ظروف وملابسات وووقائع كل قضية على حدى.
ثانيا: أنواع المرض المهني على ضوء القانون المغربي
عمل المشرع المغربي من خلال ظهير 1943، إلى تقسيم الأمراض المهنية إلى ثلاثة أقسام، حاول من خلالها توضيح ما يدخل في حكم الأمراض المهنية، وكذى الأعمال التي من شأنها أن تسببها، هذا التقسيم الذي يمكن إبرازه كالتالي:
1- أمراض التسمم الخطيرة والمزمنة
يستفاد من هذا القسم أن إصابة الأجير بمرض أثبت بمقتضى خبرة طبية أنه قد جاء نتيجة إشتغاله في أي عمل يحتوي على أية مادة تدخل في حكم المواد ذات العناصر السامة، يعتبر مرضه مرضا مهنيا، لذى يكفي الأجير المصاب من ذلك المرض كمدعي متضرر أن يثبت أنه قد إشتغل في مواد من ذلك القبيل خلال مدة المسؤولية، لكي يعتبر مرضه مهنيا، ولا يشترط التقيد هنا بنوع الأشغال الواردة في الجداول، مادامت قد ورد هذا النوع من الأمراض في صيغة النص، على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
2- الأمراض المتسسبة في الجراثيم التعفنية
هذا النوع من الأمراض هو ما يعرف طبيا بالإلتهابات الميكروبية، التي هي عامة كل الإصابات الناتجة عن قيام الشخص بمجموعة من الأعمال التي تضم أخطارا من شأنها أن تهدد سلامة الأجير، بحيث لا مكن أن تعتبر إصابة مهنية إلا إذا كان الأجير المصاب بها يشتغل بإنتظام في عمل من الأعمال التي من الممكن أن تسببها علميا، وحيث تبقى هاته المسائل العلمية طبعا من إختصاص القاضي يحكم فيها بناءا على الخبرة الطبية التي تجرى على المتضرر.
3- الأمراض الناجمة عن عن الوسط المهني، سواء كانت ناتجة عن الجو الذي يوجد فيه المصاب
لعل من أمثلة هذا النوع من الأمراض أنها منها ما يكون نتيجة الإشتغال في مكان كثير الضجيج، أو ما يكون قد أدى إلى قصور سمعي أو إلتهاب.
ثالثا: الشروط التي يجب توفرها في المرض لكي يعتبر في حكم المرض المهني وفق أحكام القانون المغربي.
بناءا على هاته الأنواع المقدمة للأمراض المهنية، يمكن أن نستشف منها مجموعة من الشروط، حتى يصح القول بأن من حق المصاب منها، أن يستفيد من مقتضيات ظهير 1963 الذي يقرر له الحق في التعويض، التي عامة هي كالتالي:
ا– الإصابة بمرض يعتبره القانون مهنيا، طبقا لما تنص عليه القوائم الخاصة، التي سبق تجسيدها بالشرح والتفسير.
ب– العمل بانتظام في العمل المسبب للمرض المهني، كمسألة تقع على العامل إثباتها، خاصة في حالة إدعاء إصابته بأمراض التسمم الحادة أو المزمنة، أو الأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية، أما في حالة الأمراض الناتجة عن الوسط المهني، أنه يكفي إثبات ذلك فقط بكيفية عرضية خلال مدة المسؤولية عن المرض المهني، المحددة في الجداول المقررة، التي هي عامة تتراوح بين عدة أيام وبين 15 سنة على الأكثر في حالات قصوى ذات المدى البعيد لحدوث الضرر، وذلك كما جاء على لسان مجموعة من الفقه القانوني المغربي.
وبالتالي، يتطلب إجتماع كل هاته العناصر الثلاثة المشار إليها، أما إذا إختل شرط واحد فقط من بين تلك الشروط، فإن الأجير المصاب لا يعوض عن الضرر الذي أصابه وفق أحكام ظهير 1963، المعدل والمغير والمتمم بمقتض ظهير 2002، وإنما يبقى له حق الرجوع على المتسبب في الضرر، طبقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية العقدية أو التقصيرية.
رابعا: قواعد إسناد المرض المهني في ضوء التشريع المغربي
يفرض الواقع على العمال التنقل عبر عدة مؤسسات متشابهة في أنشطتها المهنية، بقصد البحث عن أجر مستقر وأو بقصد البحث عم ظروف عمل أحسن، وهذا التنقل يطرح عدة مشاكل بالنسبة لأرباب العمل، تحديد مسؤوليتهم عن الأمراض التي قد يصاب بها الأجير، وخاصة وأن المشرع المغربي في هذ الإطار وضع مدة أطول في ظل ظهير 31-5-1943 والتي قد تصل إلى 15 سنة.
ولذلك يمكن القول أن المشرع المغربي جعل وفق قواعد المسؤولية الموضوعية، في ظل مبدأ المسؤولية التبعية، في حين يلاحظ بأنه قد يختلف الوضع بحسب ما إذا كان المصاب قد إشتغل عند مشغل واحد، أم أنه إشتغل عند أكثر من مشغل لإسناد المسؤولية في أعمال قد تكون كلها مسببة لأمراض المنصوص عليها قانونا، أو أن يكون بعضها فقط هو الذي أدى إلى إصابة الأجير.
الحالة الأولى: لا تطرح أي مشكل من الناحية القانونية، حيث يسأل المشغل عن المرض المهني الذي أصاب الأجير، إذا ثبت يقينا أنه مرض يكيف بذلك الوصف، خلال مدة المسؤولية، ومصنف إحداها بالجداول الملحقة، ونتائج عن إستغلاله بعمل، سواء بصورة مستمرة او عرفية، ليستفيد من التعويض المنصوص عليه قانونيا.
أما في الحالة الثانية، فهؤلاء لا تقع على عاتقه أية مسؤولية، ولا يمكن للأجير مطالبتهم بالتعويض هو أو دوي حقوقه حالة وفاته.
سادسا: إثبات المرض المهني في ظل مقتضيات القانون المغربي
خلافا للقواعد المدنية كما سبقت الإشارة إليه، فإن المشرع لا يكلف الأجير الذي أصيب بمرض مهني عناء إثبات العلاقة السببية بين المرض والشغل، الذي يقوم به وفقا للطائفة المضيفة في الجدول، بل يكفي إصابة الأجير بإحداها لكي يستفيد هو أو ذوي حقوقه حالة وفاته من مختلف التعويضات والأداءات المنصوص عليها في ظل ظهير 1963، ولا يتم ذلك إلا بناءا على شهادة طبية يسلمها الطبيب المعالج والتصريح بالمرض، وذلك بالأساس من أجل مسايرة المستجدات الطبية على المخاطر الصحية، ولأن المشرع أورد تلك الحلات على سبيل المثال لا الحصر نظرا لصعوبة حصرها، كما قال به بعض الفقه مثلا د. عبد اللطيف خالفي في إطار الخلاف الفقهي الذي أثير في هاته النقطة بالذات.
إنتظروا مزيدا من المواضيع الأخرى، ذات الصلة بالموضوع وخاصة في قانون الشغل، من قبيل الأحكام المنظمة لكل من “حادثة الطريق” و”حادثة الشغل” من وجهة نظر المشرع المغربي والمقارن، على نفس الموقع.
فقط واصلوا دعمكم لنا عبر مشاركة هذا الموضوع للإفادة والإستفادة، وشكرا لكم.
مع تحيات الطالب الجامعي “محمد السراج” وكل أعضاء فريق عمل موقع “المعلومة القانونية“