التسجيل بالباكلوريا القديمة، بين أحكام القانون والقضاء وقرارات العمداء
إنجاز “عبد المجيد إدريسي منادي” حاصل على الإجازة في القانون الخاص، والإجازة المهنية فاعل جمعوي، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية“
مقدمة :
يعد الحق في التعليم من الحقوق الإنسانية التي يكفلها التشريع الرباني، قبل التشريع الوضعي، حيث قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم، بعد بإسم الله الرحمان الرحيم { إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} صدق الله العظيم، سورة العلق. والعلم نور والجهل عار كما يقال، ولعل المغزى من حث الله سبحانه وتعالى المسلمين على طلب العلم، هو كون غاية تقدم الأمة، رهين بمدى قدرتها على توفير التعليم بجودة عالية، ليخدم التنشئة الإجتماعية، ويزرع قيم المواطنة والإعتراف بالغير وضرورته في الحياة العامة، فالتعليم يتبوأ مكانة هامة في المشروع المجتمعي،نظرا لما يكتسبه من أهمية في إرساء دعامات التنمية البشرية، وتعميم مجتمع المعرفة والتسامح وإعداد أجيال المستقبلية .
وكونه كذلك فلا مناص للدولة من توفير كل المقومات لبناء مغرب حداثي قائم على المعرفة والحداثة، مغرب تتلاقح فيه الثقافات، وتتنوع فيه الإبداعات، ولعل الحقيقة هي أن هذه الرهانات، لا يمكن ان يطلع بها المغرب، إلا بتكريس الحق في التعليم واقعا يعاش ومكتسب للجميع، لأن حاجة الأمة اليوم لصقل مواهب وإبدعات العنصر البشري، هي أكثر إلحاحا اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصا وأن العولمة ألقت بظلالها على العالم أجمع فأصبح عبارة عن قرية صغيرة تمرر فيه الخطابات وتتلاقح فيه التقافات، وأمام هذا الإنفجار المعرفي يبقى بلدنا مطالب بالسير نحو الإنخراط في مسلسل إصلاحي جودة التعليم، وتعزيز الحق فيه.
وأمام هذه الخيارات والرهانات يبقى الحق في التعليم من المواضيع التي عرفت إهتماما كبيرا في التشريع والقضاء، فالدستور المغربي الجديد كرس الحق في التعلي، خلال عدة فصول 31 و33 منه، علاوة عن الحق في حرية الإبداع والبحث العلمي، في الفصل 26 منه كذلك بالموازاة مع تكريس هيئة لحوكمة هذا القطاع، الذي هو المجلس الأعلي للتربية والتكوين، بموجب الفصل 168 من الدستور الجديد، إيمانا من المشرع الدستوري بأن عجلة التنمية في بعدها الشمولي، لا يمكن أن تسير إلا بتعليم يواكب التحولات الإقتصادية والإجتماعية التي يشهدها العالم، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن موقع هذه الضمانات الدستورية أمام ارض الواقع، على إعتبار ان بعض الجامعات المغربية تمتنع عن تسجيل التلاميذ والطلبة والموظفين الحاملين لشهادة الباكالوريا القديمة، وحيث من الملاحظ على المستوى الواقعي أن جل إن لم نقل كل الجامعات المغربية، تضع ضمن شروط الحق للولوج إليها، المدة المعتمدة في الحصول على الباكالوريا؟ هل هي سنة أم سنتين، الشيء الذي يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل الأمر يتعلق بإستبعاد هذا الحق الدستوري الذي هو الحق في التعليم، أم أن الشواهد المدرسية تتقادم فعلا؟ وما موقف القضاء الإداري من هذا القرار غير العادي؟
جوابا عن الإشكالات العملية الواردة أعلاه إرتأينا مقاربة هذا الموضوع على النحو التالي :
المحور الأول : الضمانات التشريعية والقضائية لمتابعة الدراسة بالجامعات المغربية
المحور الثاني : أثار الفعلي لهذه الضمانات على الساحة الواقعية
المحور الأول : الضمانات التشريعية والقضائية لمتابعة الدراسة بالجامعات المغربية
لاشك أن مغرب اليوم في ظل الإصلاحات، قد عزز الحقوق والحريات بمجموعة من المكتسبات الهامة والجادة، فأصبح الشأن الحقوقي في بلادنا محطة إهتمام التشريع إلى جانب القضاء، الذي يصون هذا الحق من التعسف والشطط، وكون الحق في التعليم من أسمى الحقوق التي ينبغي أن تحضى بحماية تشريعية وقضائية، بل حتى يجب أن تكون أمام الجميع وعلى قدم المساواة، وهو ما خطى نحوه المشرع الدستوري في الباب الثاني، فالفصل 31 من دستور 2011 نص على “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب إستفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في :
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج ودي جودة.“
فالمشرع الدستوري عمل على التقعيد لمجتمع المواطنة الحقة، وألزم الدولة ومؤسساتها بتعبئة كل ما في وسعها من أجل توفير تعليم عصري يستجيب لمعايير الجودة، والنجاعة، والفعالية، تعليم يرقى بالدولة عامة، والمواطن على وجه الخصوص.
وبهذا الإقرار الدستوري من الحق في الإستفادة من التعليم، يمنح المشرع مبادئ تكافؤ الفرص والدفع بالمتعلم إلى فضاء التدافع الإيجابي والتنافس المثمر في الفضاء الإجتماعي، علاوة عن ذلك نجد أن الوثيقة الدستورية أقرت في الفصل 33 منها على: “على السلطات العمومية إتخاد التدابير الملائمة لتحقيق مايلي:
– مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية ، وتقديم المساعدة لاولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني
– تيسير ولوج الشباب للتقافة والعلم والتكنولوجيا ، والفن والرياضة والانطة الترفيهية
مع توفير الظروف المواتية لتفتق طقاتهم الخلاقة والابداعية في كل هذه المجالات “
وهكذا يكون المشرع الدستوري قد ألزم مؤسسات الدولة في تيسير ولوج الشباب إلى الحقل العلمي على قدم المساواة، بما يتطلبه سوق الشغل من موارد بشرية ذات كفاءة عالية، تتماشى مع التحولات العصرية التي يشهدها العلم في مجال المقاولة والأعمال وغيرها. فالإنخراط الفعلي نحو تحقيق الرهان التنموي ببلادنا ينطلق من ثورة علمية قادرة على الدفع بالإقتصاد الوطني إلى مراتب متقدمة، وهو ما لا يتحقق إلا بتسخير كل المقومات التي تزخر بها بلادنا في النهوض بالمنظومة التعليمية، وجعلها في خدمة الباحثين والمهتمين بقضايا المعرفة، وإذا كان البحث العلمي إستطاع ان يحقق الصحوة العلمية في الغرب في مجال الإعلاميات والتكنولوجيا، فإن السر وراء هذا التقدم يرجع إلى حوكمة تدبير المنظومة التعليمية عامة والجامعية خاصة، هذا التوجه الذي سعى المغرب إليه، وعبر عن حسن نيته على الإنخراط فيه، بمر من خلال التنصيص في الفصل 168 من الدستور الجديد ، على حكامة القطاع التعليمي وتخليقيه، حيث تم إحداث “المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” باعتباره هيئة إستشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم هذا القطاع، وتقييم السياسة الحكومية التي تنهجها الدولة فيما يتعلق بالمستوى المؤسساتي والبيداغوجي، وتدبير الموارد.
وتندرج دسترة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في إطار مواصلة المشروع الإصلاحي الذي تنهجه اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين وتفعيل توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
أمام هذه الثورة التشريعية الهامة والجادة، التي جاءت لمواكبة الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال التعليم، كانت كافية إلى توفير الأمن القانوني للحق في التعليم، لكن للأسف الواقع العملي يطرح أكثر من علامة للإستفهام حول التطبيق العملي لهذه الضمانات التشريعية، حيث جابهت عدة طلبة وباحثين ومهتمين بقضايا المعرفة إكرهات في حقهم المشروع في متابعة دراستهم في التعليم الجامعي بدعوى أن الباكلوريا المعتمدة في بنود التسجيل إلتي تشترطها بعض الجامعات، لا تتوافق خاصة مع الشهادة المقدمة من طرفهم فيما يتعلق بمدة الحصول عليها، الشيء الذي يطرح أكثر من إشكال عن مدى قانونية هذا المنع من جهة، وعن ما إذا كانت الشواهد المدرسية الرسمية تتقادم؟
إن الإجابة عن هذا الطرح يقتضي أن يحتكم الجميع لمنطق القانون، فحماية الحق في التعليم يكفله التشريع والقضاء، هذا الأخير الذي عزز الحماية التشريعية لكافة الحقوق الواردة في الوثيقة الدستورية عامة والتعليم خاصة، فكان القضاء الإداري حاضرا في الرد عن المنع الذي صدر من بعض العمداء، ففي قضية من قضايا الطعن في القرارات الإدارية، ندرج قضية كانت معروضة أمام القضاء الإداري بالمحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 04/02/2014 ملف عدد 2013/71/10/194، حيث تقدم احد الموظفين بالطعن في القرار الإداري الصادر عن إدارة كلية الحقوق وجدة القاضي بعدم السماح له بالتسجيل ومتابعة مشواره الدراسي، تحت ذريعة محدودية الطاقة الإستيعابية للكلية والإكتظاظ، وهو ما عجل بالطاعن إلى رفع القضية إلى القضاء الإداري، هذا الأخير الذي تبقى له صلاحية الطعن في القرارات الإدارية، حيث حكمت المحكمة الإدارية له، بقبول الطعن وإلغاء القرار المطعون فيه مع ترتيب الآثار القانونية.
وفي قضية أخرى باتت معروضة على أنظار القضاء الإداري، حيث قضت المحكمة الإدارية بالسماح بالتسجيل بشهادة الباكالويا بغض النظر عن السنة التي تم الحصول عليها، وهو توجه محمود خطى نحوه القضاء الإداري في بلادنا لتكريس الحق في الولوج المؤسسات التعليمية على قدم المساواة، كما هو منصوص عليه دستوريا. لكن واقع بعض الجامعات المغربية لازالت تتمسك بقرارها الرامي إلى التسجيل الجامعي وفق بنود لا تسمح بالتسجيل لكل حامل شهادة الباكالوريا، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول موقع هذه الضمانات التشريعية والدستورية نحو الحق في متبابعة الدراسة في الأسلاك الجامعية؟
المحور الثاني : أثار الفعلي لهذه الضمانات على الساحة الواقعية
إن نجاعة القاعدة القانونية تكون ذات فعالية إذا ما واكبها التطبيق الفعلي، والإمتثال العملي لها وعيا بأهميتها في توجيه المجتمع والنهوض به، وهو ما حصل مع القواعد الدستورية الرامية إلى حماية الحق في التعليم، حيث ألزم المشرع الدستوري الدولة ومؤسساتها في تيسير الولوج إلى الحقل العلمي على وجه المساواة، كما أن دور القضاء ظل بارزا في حماية هذا الحق في أكثر من مناسبة، فجل احكام القضاء الإداري جاءت متطابقة مع مضامين الوثيقة الدستورية، تكريسا لمشروعية الحق في التعليم. غير ان التطبيق الفعلي والتنزيل العملي لمقتضيات الدستور من جهة، وأحكام القضاء من جهة أخرى، لازالت تجابهها عدة معيقات، حيث هناك عدة طلبات رامية إلى السعي في متابعة الدراسة بالأسلاك الجامعية، فيقابلها الرفض من طرف بعض رؤساء وعمداء الجامعات، وكأن هنالك زحف واضح على بنود الدستور وأحكام القضاء، وهو ما جعل إشكالية الحق في متابعة الدراسة، تطفو نحو السطح وتصبح هي الأخرى من القضايا التي باتت ترهق الطلبة والباحثين ومن لهم شغف البحث والمعرفة، وتكون القضية التعليمية في بلادنا تعيش على صفيح ساخن في السنين الأخيرة، . ففي الوقت الذي ينبغي أن يكون تشيعا على البحث العلمي وتكريس تقافة المعرفة العلمية، نجد بعض الجامعات لا تولي أي إهتمام لهذا الرهان وتركت أمر الرغبة في العلم إلى أجل غير مسمى، مقدمة مبررات لا تستساغ وحجج أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير مقنعة، فضعفت الطاقة الإستعابية والإكتاظ وقلة الموظفين والأساتذة، كلها مبررات مردودة وأن التشجيع على البحث العلمي وتيسير الولوج إليه خيار لا مناص منه، في كسب رهان التنمية المستدامة، وأن حاجة المغرب اليوم للعنصر البشري المؤهل ضرورة ملحة وحاجة فرضتها العولمة.
وقد أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه للذكرى الثامنة عشر لعيد العرش المجيد، حيث قال ” إننا نستطيع أن نضع أنجع نموذج تنموي، وأحسن المخططات والإستراتيجيات، إلا انه :
– بدون توفر الادارة على افضل الأطر “
وهنا لابد من إستحضار الفضاء الجامعي ودوره في خدمة الرأسمال البشري، حيث يعتبر التعليم العالي مركز تكوين مهم في مسار الطلبة والباحثين، خصوصا وأن المناهج المعتمدة في التدريس والمقاربات العلمية المعتمدة في التدريس تساهم في صقل المواهب الإبداعية للطلبة والباحثين، وهو ما ينبغي أن تعزز الدولة ومؤسساتها مجهوداتها نحوه، بتيسير الولوج إلى الجامعة المغربية، وفسح المجال للطلبة والموظفين والباحثين في التدافع الإيجابي والبناء نحو النهوض بالقضايا المعرفية بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع.
خاتمة:
ختاما يمكن القول أن القضية التعليمية من القضايا التي عرفت إصلاحات جذرية تعززت مع الدستور الجديد، وعيا من المشرع بمكانة التعليم في المشروع المجتمعي، وأن الرهان التنموي لا يمكن تحقيقه إلا بتعليم عصري قادر على مواكبة العولمة في كل إبعادها، وفعلا تعززت الحماية التشريعية والقضائية للحق في التعليم، غير أن واقع بعض الجامعات المغربية لازالت بعيدة عن الإنخراط في المسلسل التنموي الذي دعت إليه الوثيقة الدستورية، ولازالت تجابه الطلبة والباحثين صعوبات في الإلتحاق بأسلاكها تحت مبررات عابرة وحجج عارضة، وكأن الشواهد المدرسية الرسمية ( الباكالوريا) يطالها التقادم مع الزمن وصلاحيتها تزول من حين لآخر، وهو معطى بعيد عن المنطق ولغة القانون ، الشيء الذي ينبغي أن تتفطن إليه بعض الجامعات المغربية، وتفتح أبوابها للراغبين في صقل مواهبهم والتعبير عن قدراتهم، فمغرب اليوم مغرب الحقوق والحريات وأن دولة الحق والقانون تفرض أن تظل الحقوق الإنسانية على درجة عالية من الحماية والصيانة، وأن قضية التعليم قضية الجميع الكل من موقعه وعلى قدر جهده وإستطاعته سواء قطاع خاص أو مجتمع مدني، مما يحيل أشكال جوهري، ما دور المجتمع المدني في تكريس الحق في متابعة المشوار الدراسي؟