التواصل الأسري

 

إنجاز الطلبة “عبد المجيد إدريسي منادي” و “جواد كطيبي” وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية

مقدمة:

تعد الأسرة نواة أي مجتمع نظرا لما تقوم به من أدوار صعبة تتمثل في نقل وترسيخ قيم المجتمع عن التواصل الأسري، حيث يعد إشكال التواصل داخل الأسرة من الإشكاليات التي اهتم بها العديد من التخصصات كعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا والقانون وغيرها.

ولكي نقترب أكثر إلى الدور الذي يلعبه التواصل داخل الأسرة علينا أن نحدد مفهومه، فالتواصل بصفة عامة هو عملية قصد نوعي تصدر بواسطتها إثارة استجابة نوعية لدى مستقبل نوعي، ونعني بالتواصل داخل الأسرة ذلك التوحد بين الأفراد والتفاعل حتى يصبحوا أصحاب لغة واحدة ومفاهيم موحدة، أو على الأقل مفاهيم متقاربة.

إن التواصل يعد من أهم المقومات الأساسية لما لها من قوة في التأثير على الآخر لبناء العلاقات الاجتماعية باعتبارها أهم قوة دينامية في التحول الاجتماعي، غير أننا أصبحنا نشاهد في الآونة الأخيرة وما تنقله لنا وسائل الإعلام حول التواصل داخل الأسرة ما نسميه بالاغتراب الأسري نتيجة لغياب التواصل داخل الأسرة خصوصا الأسرة المغربية، الشيء الذي يدفعنا الى التساؤل عن مجالات التواصل الأسري .وعن وسائل تفعيله .وما هو الدور الذي يلعبه التواصل داخل مؤسسة الأسرة ؟ وما هي معيقات التواصل الفعال داخل خلية الأسرة؟
للإجابة عن هذه الإشكالات وغيرها سنعتمد التقسيم التصميم التالي.

المبحث الأول: مجالات التواصل الأسري ووسائل تحقيقه
المطلب الأول: مجالات التواصل الأسري
المطلب الثاني: وسائل التواصل الأسري
المبحث الثاني: أثار التواصل الأسري
المطلب الأول: دور التواصل داخل مؤسسة الأسرة
المطلب الثاني: معيقات التواصل داخل خلية الأسرة

المبحث الأول: مجالات التواصل الأسري ووسائل تحقيقه

المطلب الأول: مجالات التواصل الأسري
التواصل الزوجي

يقصد الخبراء بالتواصل الزوجي، تواصل الزوجين معاً، وتفاهمهما معاً فيما يتعلق بحياتهما الزوجية والأسرية.
ومن المفترض أن يشمل هذا النوع من التواصل مشاعر الود والاحترام بين الزوجين.
ويعد التواصل بين الزوجين من أهم مجالات التواصل الأسري.

وإذا كان التواصل الزوجي جيداً كان تفاعل الزوجين معاً إيجابياً بحيث يجلب لهما ولباقي أفراد الأسرة الفرح والسرور وهدوء النفس، والقدرة على مواجهة المشاكل.

التواصل الأبوي:

التواصل “الأبوي” هو تواصل الأب مع ابنه أو ابنته، وحوارهما معاً وتفاهمهما حول ما يريده كلّ منهما من الآخر.

وأساس هذا التواصل هو تبادلهما مشاعر الود والاحترام والاهتمام والرعاية والحماية.
وهذا النوع من التواصل يعدّ من أهم الركائز التي تقوم عليها التنشئة الاجتماعية، وبناء شخصية الابن أو الابنة.

وفي حال تفاهم الأب مع ابنه أو ابنته بأسلوب جيد فيه احترام متبادل وتشجيع في مختلف المواقف الجيدة، ومساندة ومساعدة في مواقف الضرّاء، كان تفاعلهما الأسري إيجابياً، وتوافقهما معاً حسناً.
كما ويسهم هذا التفاعل والتوافق في تنمية الشخصية السوية عند الأبناء، وحمايتهم من الانحراف والاضطراب.

التواصل الأمومي:

لا يمكن ذكر أنواع التواصل الأسري من دون التطرق إلى التواصل الأمومي.
وأوضح الخبراء أنّ هذا التواصل تقوم به الأم مع ابنها أو ابنتها، ومحاورتهما معاً، وتفاهمهما حول ما يريده كل منها من الآخر، وتبادلهما مشاعر الود والمحبة والاحترام والرعاية والحماية والاهتمام. ولا يقلّ تواصل الأم مع أبنائها وبناتها أهمية عن التواصل الأبوي : إن لم يكن يفوقه تأثيراً في التنشئة الاجتماعية وبناء شخصية الابن أو الابنة. ولأن الأب والأم هما الكبيران في الأسرة واللذان يعدّان رأس العائلة، وهما المهيمنان على حياة الأبناء الأسرية، لذلك يجب أن يحرصا على طريقة توجيه عملية التواصل مع الأبناء.

تواصل البنوة :

يقصد الخبراء بتواصل البنوة أنه تواصل الابن أو الابنة مع أبيه وأمه، وحوراهما معه، وتفاهمهما معه حول ما يريده كلّ منهما من الآخر.

إلى جانب تبادل الابن مشاعر الود والرحمة والاحترام مع والديه، أي يتواصل معهما تواصلاً جيداً، ويتفاعل معهما تفاعلاً إيجابياً في كل الأحوال.

أما تواصل البنوة فيكون من الأبناء إلى الآباء، حيث يدير الأبناء الحوار، ويؤثرون في الآباء، ويقدمون وجهات نظرهم بطرق تقوم في الأساس على مبدأ الاحترام المتبادل.

تواصل الأخوة :

أما تواصل الأخوة فيقصد به تفاهم الأخ أو الأخت مع أخيه أو أخته، وحوارهما معاً حول ما يريده كل منهما من الآخر، وتبادلهما مشاعر الود والاحترام والمساندة والمساعدة والمواساة في الضرّاء، والتهنئة في السراء. ويقدم تواصل الأخوة على أنه رباط دم وصلة رحم تربط بين الأخ وأخيه، وهو رباط إلزامي.

المطلب الثاني : وسائل التواصل الأسري

خطوات بناء التواصل داخل الأسرة :

تنشغل الأسر اليوم بمواعيد عمل الوالدين أو المدرسة وأنشطة الأطفال، لذا فالأوقات التي تقضيها الأسرة معاً قليلة جداً، مما يجعل مستوى تبادل الأحاديث والتواصل فيما بين أفرادها متدنٍ جداً، وفيما يلي بعض الطرق لبناء تواصل أسري صحيح:

• تحديد وقت للقاء وللتواصل:

على أفراد الأسرة تخصيص وقت للتواصل فيما بينهم لمدة 10 دقائق يومياً، مما يحدث فرقاً كبيراً في تشكيل عادات التواصل الجيد، كإيقاف التلفزيون والراديو وإظهار الاهتمام الكامل للحوار، إضافة إلى تركيز النظر على المتحدث.

• الإستماع الجيد:

الاستماع الجيد أثناء التواصل يعطي الشعور بالحب والتقدير، وخاصة لدى الأطفال، حيث يحملون مشاعرهم أثناء حديثهم مما يجعل الوالدين أقرب لفهم تفكير أطفالهم.

• إظهار التعاطف:

أي إظهار المشاعر التي تتناسب مع الحوار الذي يدور بين أفراد الأسرة كالحزن أو الفرح، وتجنب التقليل من شأنها كالقول: “لا داعي للبكاء فالأمر سخيف” إن مثل هذا التصرف يؤثر في المتحدث ويبعده عن التواصل مع الأسرة.

• أداء التواصل بشكل صحيح:

يتعلم الأطفال معاني الرسائل التي توجه إليهم من آبائهم، مثل نغمات الصوت أثناء الكلام أو تعابير الوجه؛ لذا على الوالدين أن يمارسا التواصل بشكل صحيح، فإن قول عبارة ” لا تفعل ذلك” أثناء الضحك ستكون رسالة مربكة، لذا من الأفضل أن تكون الاتجاهات واضحة كي تصل الرسالة بشكل جيد.

• إستخدام لغة الجسد:

معظم الإتصالات شفهية بالدرجة الأولى، ثم تأتي لغة الجسد لتقدم مزيداً من المعلومات عما يقال، هنا تكمن أهمية استخدام لغة الجسد ويمكن توضيح أهميتها من خلال ما يلي:

1- تعطينا المعلومات عن الحالة المزاجية للمرسل، وتوضح هدف الرسالة.

2. تسيطر على سير المحادثة، وتوضح أن المتحدث أتم حديثه، وإلى متى يجب أن تستمر المحادثة.

3. تعبر عن الشخص الذي نتحدث معه، فمثلا لغة الجسد أثناء الحديث إلى طفل تختلف عند الحديث مع الكبار.

المبحث الثاني : أثار التواصل الأسري

المطلب الأول : التواصل الأسري وتحقيق التماسك الأسري

إن علاقة الوالدين مع أبنائهم من أهم العوامل،خاصة إذا كانت مبنية على الاحترام والمحبة والتواصل الجيد،فالتواصل بين الوالدين والطفل مهم جدا،لا سيما في هذا العصر،حيث أصبحت طريقة تفكير أطفالنا متأثرة بالتكنولوجيا المتقدمة والأحداث التي تحيط بعالمنا،كما تؤدي وسائل الإعلام دورا كبيرا في كيفية تفكير الأطفال وتحدثهم.

إن عمليات التواصل هي أساس العلاقات الإنسانية والتفاهم الإنساني،وهي تلعب دورا بارزا في عملية التعليم والتعلم،لا سيما وإن كان التعليم والتواصل مع الأبناء في طفولتهم منذ نعومة أظافرهم، فالطفولة قاعدة بناء الشخصية الإنسانية وانطلاقتها الأولى،ومرتكز تكوين الإنسان تكوينا قويا سليما من النواحي المختلفة الجسدية المادية والصحية والنفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ويتأثر الكبار عادة بما تعودوا عليه في مرحلة الصغر، ولا يمكن لإنسان أن ينسى تلك المرحلة بما لها من حسنات أو إيجابيات،وما عليها من عثرات أو سلبيات،وتظل ذاكرته لأحداث الطفولة راسخة.لذا كان لزاما على رب الأسرة أن يدرك مدى أهمية التواصل مع أبنائه منذ الصغر،فللأسرة دور كبير وهام فيما يتعلق بتعليم الطفل أساليب التعامل مع الآخرين،كما أن لها دورا في تعديل السلوك.

ويحتاج الأبناء إلى تواصل مكثف حكيم لإعدادهم إعدادا صحيحا بهدف الارتقاء والنهوض بالحضارة فمن أهم الوسائل التربوية للأسرة إعداد الأبناء لأداء الدور المنوط بهم في مسيرة النهوض الحضاري لأمتهم فيحدث نوع من تصحيح المفاهيم وضبط النية وجعل شعارها في الحياة.
يعد التواصل الأسري أساس الوحدة في العائلة والوحدة في العائلة يمكن أن تشبه سلسلة مترابطة كل فرد في العائلة يعتبر حلقة في هذه السلسلة،وهو حلقة قوية مستقلة بحد ذاتها،وتجمع السلاسل يشبه وحدة العائلة19.

وفي كثير من الأسر لا يتحدث الوالدين مع الأبناء إلا قليلا،وغالبا ما يكون هذا الكلام عبارة عن أوامر أو تأنيب،مما يجعل الأجواء الأسرية مشحونة،ومتوترة بسبب الجهل بفوائد التواصل الأسري ومزاياه وعدم إدراك أهمية الحوار بين الوالدين والأبناء.

ومن أجل عدم الوقوع في كل هذه المشاكل التواصلية والأسرية والتربوية بسبب انعدام التواصل أو ضعفه بين الزوجين أو بين الوالدين مع أبنائهم، يجب نهج سبل تأسيس تواصل قوي وصادق.

وذلك، باستشعار أهمية الأمر من جهة سده لحاجات حقيقية لجميع أفراد الأسرة، وبكونه يدخل في التنشئة السليمة للأطفال، التواصل الأسري ودوره في تحقيق التماسك السري،وترسيخ دعائم المودة والرحمة والسكينة بين الزوجين،ورسوخ الوعي بأهمية التواصل وفوائده التربوية والاجتماعية،والتفنن في إبداع الوسائل الموصلة إلى ذلك وتعلمها والاستفادة من تجارب الآخرين فيها.

كما أن الخطوات الأولى لإرساء تواصل أسري ùتبدأ بالحرص على حسن العشرة بالمعروف وكف الأذى حتى يشعر الجميع بالفائدة الملموسة للتواصل، والحرص على أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، فيؤدي الآباء ما وجب عليهم تجاه الأبناء، ويبذل الأبناء ما فرض عليهم من واجبات الإحسان وتؤدي الزوجة حق زوجها والزوج حق زوجته…

وإذا كان الحوار بين الزوجين ضروريا وملحا، فإنه بين الآباء وبين الأبناء أكثر إلحاحا، لأنه يؤسس للثقة بينهما، ويساعد على تداول كل القضايا ـ مهما كانت حساسة ـ تبادلا للرأي أو بحثا عن حلول لما يستجد في حياة الأبناء، عوض أن يتكتم الأبناء.
فتدبير شؤون الأسرة أكبر من أن يتولاه أحد الأبوين، بل يقتضي تشاورا دائما وحوارا مستمرا داخل الأسرة لتكريس الحوار في نفوس الأبناء20.

وتبرز أهمية التواصل الأسري في سعيه نحو تحقيق أغراض معينة،وأهداف عديدة يكون أساس تحقيقها الأفراد اللذين يعملون بها،وينتمون إليها كما تعد عملية التواصل الأسري الوسيلة الناجعة لتحقيق التماسك الأسري إذ بدونه ينتفي فهم الغرض المشترك وكذلك تنتفي عملية تنسيق الجهود لتحقيق هذا الغرض أو ذاك.
ومن الطبيعي ألا يقف التواصل الأسري عند نقل المعلومات فقط بل يتعداها إلى تناول المشكلات وطرق علاجها، من أجل إحداث التأثير المطلوب21.

وكلما كان التواصل الأسري جيدا كلما أدى ذلك إلى التماسك الأسري بين أعضاء الأسرة،وإلى ظهور علاقات وروابط وضوابط اجتماعية سليمة بين أفرادها في تعاملهم داخل الأسرة وفي المجتمع الأكبر.

المطلب الثاني : معوقات التواصل داخل خلية الأسرة

– عدم تعود الوالدين على قيم وثقافة التواصل.

– سيادة قيم سلبية لدى الوالدين تجاه أبنائهم ،كضرورة انصياع الأبناء لرغبات وقرارات الوالدين دون مناقشتهما في ذلك.

– ضغوطات العمل والمتطلبات الأسرية للوالدين ،قد تجعلهما يهملان تتبع وتربية أبنائها، وبالتالي ينعدم التواصل في القضايا والحاجيات والمشاكل التي تهم الأسرة وخاصة الأبناء.

– سوء التعامل مع جهاز قنوات التواصل الاجتماعي والتي تستحوذ على وقت اجتماع الأسرة الشحيح.

– إقامة حواجز بين الوالدين والأبناء باسم الحياء والوقار فيحرم الأبناء من تجاربهما وتوجيهاتهما.

.
خاتمة:
وختاما يمكن القول أن موضوع التواصل الأسري يحضى بأهمية بالغة . نظرا لارتباطه بمؤسسة الأسرة.هذه الأخيرة تعد بمثابة قاطرة تجر مها عربات التنمية.

فالتنظيم الأسري القائم على التواصل البناء والفعال يمكن أن يساهم بشكل كبير في رفع معدل التنمية داخل هرم الوسط الاجتماعي.

وفي المقابل فإن الجسم الأسري غير الممنع بثقافة التواصل الايجابي داخل الأسرة يكون عرضة لكل الهزات القلبية التي قد تعصف به كل وقت وحين.

ومن هذا المنطلق ووعيا بدور التواصل داخل نواة الأسرة بدأ تطوير ورش مأسسة الحوار داخل الأسرة عامة وبين الزوجين خاصة وذلك عن طريق توسيع قنوات ومراكز الاستماع ومحاولة زرع الفكر التواصلي بما ينسجم مع منطق الأشياء ومحاولة الحفاظ على خلية الأسرة من التشتت، الشيء الذي يفرض أكثر من أي وقت مضى تدخل كل مكونات المجتمع من أجل الانخراط في تدشين عهد جديد لجيل اسري قائم على التواصل الفعال وتقبل الأخر تجسيدا لقيم الرحمة والمودة.

 

قد يعجبك ايضا