تقرير حول الندوة الوطنية الأخيرة، المنظمة تحت عنوان “التصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير” على ضوء الرسالة الملكية للسياسة العقارية 2016

 

إنجاز “كرم سعدون” طالب باحث بماستر القانون المدني والأعمال بطنجة، توضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية”

إنعقدت صبيحة يوم السبت 22 يوليوز 2017 إبتداءا من الساعة العاشرة صباحا، بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بطنجة –الملحقة- ندوة علمية حملت عنوان “التصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير على ضوء الرسالة الملكية 30 دجنبر 2017“، وذلك بتنظيم من ماستر الدراسات العقارية بطنجة، وبشراكة مع نادي قضاة المغرب، والودادية الحسنية للقضاة، ومختبر الدراسات القانونية والتنمية المستدامة في الفضاء الأورومتوسطي، والمركز المغربي للتحكيم ومنازعات الأعمال، وقد عرفت هذه الندوة مشاركة شخصيات بارزة لها وزن في الساحة القانونية، والذين ساهموا في إغناء هذه المناسبة العلمية بمداخلاتهم القيمة عبر جلسات هذه الندوة.

وقد أفتتحت مجريات هذا اللقاء بتلاوة من آيات الذكر الحكيم -وهو خير ما يبدأ به المرء- ألقاها على مسامع الحضور المقرئ “نجيب بولعيش“، ثم بعد ذلك تم الإستماع للنشيد الوطني للمملكة، أعقبه كلمة ترحيبية تقدم بها عميد كلية العلوم القانونية بطنجة الدكتور “محمد يحيا“، شاكرا من خلالها كل الحاضرين وكذا المساهمين في أطوار الندوة، مبررا كذلك الغاية من وراء تنظيمها، خاصة في ظل الأهمية التي أصبح يحتلها موضوع “الإستيلاء على عقارات الغير”، الذي طالما شكل موضوعا يؤرق بال الحقوقيين والمختصين بالمجال العقاري، وكذلك الرأي العام، لما يثيره من إشكالات قانونية ،سيما في ظل تضارب النصوص القانونية، في حين أكد الدكتور “محمد يحيا” على ضرورة حماية ملكية العقارات، لأن في ذلك مساهمة في تحقيق التنمية، إذ لا مجال للحديث عن التنمية دون حماية العقارات، لذلك فإن الغاية الأساسية من الندوة هو الخروج بتوصيات وإقتراحات كفيلة بالتصدي لهذه الظاهرة، وهذه الأهمية كذلك أكدها الدكتور “مرزوق آيت الحاج” -مؤطر الندوة- خلال كلمته الترحيبية شأنه في ذلك شأن الدكتور “عبد الله أشركي” رئيس شعبة القانون الخاص بكلية العلوم القانونية بطنجة، حيث إعتبر هذا الموضوع من مواضيع الساعة.

أما مداخلة للأستاذ “عبد اللطيف الشنتوف” -رئيس نادي قضاة المغرب- فقد أبدى فيها إستعداد القضاة للمشاركة في مثل هاته المناسبات، ومساهمتهم فيها عبر الإنفتاح على الجامعات، ثم ذكر في معرض حديثه بمناسبة كلمته عل ضرورة معالجة هذه الظاهرة، أكد أنه لن يتم ذلك إلا بمعالجة أسبابها من حيث الأساس، سواء من خلال البعد القانوني أو الزجري، خاصة وأن عدد كبير من القضايا المعروضة أمام المحكمة هي مواضيع مرتبطة بالأساس بهذا الموضوع، وكل ذلك في سبيل حماية حق دستوري ألى وهو حق الملكية.

وأعقب مداخلة “الأستاذ الشنتوف“، مداخلة للسيد رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة، الذي بدوره نادى إلى ضرورة وضع إستراتيجية وطنية تروم حماية ملكية العقارات، وتنزيلها إلى أرض الواقع، وذلك قصد تحقيق الأمن العقاري خصوصا وأن العقار أصبح يساهم كذلك في تحقيق علامة بارزة في تنمية الإقتصاد ودعم الإستثمار، ناهيك عن كونه آلية أساسية لحماية حق المواطنين في السكن، كما أنه يساهم كذلك في تنمية القطاع الفلاحي.

إذن، فكل المداخلات التي عرفتها الجلسة الإفتتاحية إتفقت على ضرورة حماية ملكية العقارات الذي سيتبعه لا مجال تنمية في شتى المجالات.

وبعد إستراحة شاي قصيرة، تابعت الندوة أشغالها، عبر جلسة أولى ضمت خبراء قانونيين من أمثال “عبد السلام فيغو” –رئيس المجلس العلمي الأعلى المحلي لإقليم الفحص أنجرة– والأستاذ “محمد بنيعيشرئيس غرفة بمحكمة النقض، وأستاذ زائر بكلية العلوم القانونية بطنجة، والأستاذ “محمد الخضراوينائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة، والأستاذ “عمر أزوكارمحام بهيئة الدار البيضاء وباريس، وأستاذ زائر بكلية الحقوق بطنجة، وكذلك الأستاذ “أحمد الجباريأستاذ كلية الحقوق بطنجة، أما رئيس الجلسة فقد كان الأستاذ “أحمدون عبد الخالق“، منسق ماستر القانون المدني والأعمال بكلية الحقوق طنجة.

وقص شريط هذه الجلسة الدكتور “عليه السلام فيغو” بمداخلة تحت عنوان الإستيلاء على عقارات الغير والأجانب، وأكد على أنه إذا كان الفرد يسعى إلى أمن قانوني لحماية حقوقه، فإن الأمن العقاري كذلك يعد هدفا يسعى الفرد إلى تحقيقه، من خلال حماية حق من حقوقه ألى وهو حق الملكية، خاصة في ظل إستفحال ظاهرة الإستيلاء على ملك الغير، ويتضح ذلك من خلال عدد القضايا التي تعرض على محكمة النقض الذي بلغ 57 قضية على حد قوله، وتتخذ ظاهرة الإستيلاء على ملك الغير حسب الدكتور “عبد السلام فيغو” أربع صور:

1– عدم حضور المالك الحقيقي، مما يفتح للغير المجال لإنتحال صفة المالك أثناء عملية البيع.

2– عدم حضور المالك وحضور وكيله، وهذا الأخير قد يتجاوز حدود ما هو ملتزم به بموجب الوكالة.

3– الإدلاء بالوثائق المزورة.

4– إبرام وتوثيق عقود بيع العقارات خارج المغرب.

أما مداخلة “أحمد الجباري“، فقد تناول من خلالها إبراز دور التوثيق في الحد من ظاهرة الإستيلاء على مالك الغير، حيث إن مؤسسة التوثيق ظهرت في خضم التزاحم والتسابق نحو تملك العقارات، خاصة وأنه كان في السابق يكفي فقط وضع اليد على العقار ليصبح ملك لك، وهو أمر أصبح مستبعدا، على إعتبار أن الكل أصبح يتهافت وراء العقارات لما يلعبه من دور بارز في الحياة الإقتصادية.

وبالتالي في ظل التوثيق الرسمي سيكون للعقار حماية أكبر.

وبعد ذلك جاء الدور على الدكتور “بنيعيش” الذي إستهل حديثه بإبراز حماية المقيد في السجل العقاري على ضوء المادة 2 من مدونة الحقوق العينية، حيث إعتبر أن الحقوق العينية – التي من بينها نجد حق الملكية- بأنها ستكون محمية لو تم تسجيلها في الرسم العقاري، وهذه الحماية لا تشمل فقط الحقوق العينية، وإنما تشمل كذلك حقوقا شخصية، وضرب الدكتور “بنيعيش” مثلا بعقود الكراء التي تفوق 3 سنوات، وكذلك حوالة أجرة الكراء.

هذا وقد إعتبر أن هذه الحقوق تكتسب حماية حتى ولو كانت باطلة، إلا إذا أثبت المتضرر أن هناك سوء نية، مع مراعاة أن يكون التشبت بهذا المبدأ داخل أجل 4 سنوات، وحسب الأستاذ بنيعيش دائما فإنه لا يعتد بمبدأ قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل” معتبرا إياه مبدأ معاملات دينية ليس إلا، كما تعرض كذلك في معرض حديثه عن الإبطال، حيث إنه يقوم كلما كان هناك تدليس، ولكن يجب إثبات التدليس في العقد الأول، أما العقود الموالية فهي عقود صحيحة، وهنا فإن التدليس إما أن يكون دافع للإبطال إذا كان قائما بذاته، وإما أن يكون غير دافع للإبطال إذ يشترط اقترانه بغبن.

أما مداخلة الأستاذ “محمد الخضراوي“، ركز من خلالها على ثلاث نقاط أساسية:

– حماية الملكية العقارية تستوجب وجود قانون جيد ومحكم.

– المنظومة القانونية ببلادنا تعاني من قصور.

– لتوفير أمن عقاري ينبغي وضع نصوص قانونية قادرة على ذلك.

وبالتالي فهو من خلال مداخلته هاته يبدو أنه يحمل المشرع مسؤولية تفشي ظاهرة الاستيلاء على ملك الغير.
وفي ختام الجلسة الأولى ألقا الدكتور عمر أزوكار مداخلته، والتي اتخذت من مبدأ حسن النية في التقسيمات العقارية عنوانا لها، حيث اعتبر أن الأصل هو مبدأ حسن النية، ولا مجال لإعمال مبدأ “ما بني على باطل فهو باطل”. في التصرفات القانونية، وإنما يمكن إعماله في المعاملات اليومية والدينية، وأشار إلى اختلاف بشأن هذه المسألة، حيث ينقسم الفقه والقضاء إلى اتجاهين، اتجاه يعمل بمبدأ حسن النية وهو اتجاه ذو تكوين قانوني، واتجاه يعمل بمبدأ ما بين على باطل فهو باطل وهو اتجاه ذو تكوين شرعي بكليات الشريعة.
وإذا كان التمسك بمبدأ حسن النية يجب التمسك به داحل أجل 4 سنوات، فإن ذلك حسب الدكتور أزوكار تدمير للمنظومة العقارية، وبالتالي فهو ينتقد المشرع ويدعوه إلى رفع هذا الأجل على الأقل إلى عشر سنوات، كما اقترح كذلك إحداث صندوق يؤدى منه تعويض لكل من كان ضحية تزوير ملكية عقار، وذلك بمساهمة تقدر بـ 50 درهم عن كل عقد.

وفيما يخص الجلسة الثانية من هذه الندوة فقد ترأستها الأستاذة “جميلة العماري“، أستاذة بكلية الحقوق بطنجة، حيث عرفت هذه الجلسة مداخلات قيمة لمجموعة من الأساتذة أمثال الدكتور “محمد بنخفيف“، أستاذ بكلية الحقوق بفاس، والدكتورة “وداد العيدوني” أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، والدكتور “هشام بوحوص“، أستاذ بنفس الكلية، والأستاذ “رشيد السملالي“، مدير مكتب الدراسات العقارية والقانونية بطنجة.

وٱفتتحت هذه الجلسة بمداخلة للأستاذ “محمد بنخفيف”، حيث نادى بإلغاء شرط الحيازة لأنه يثير العديد من المشاكل، أو على الأقل إعادة النظر في مسألة حيازة الأجانب، كما اقترح ضرورة وضع الدولة لسياسة كفيلة بمحاربة ظاهرة إختلال الأرصفة، والذي يعتبر بحد ذاته استيلاء على عقار مملوك للغير، كما وجه انتقادا لاذعا للمادة 2 من مدونة الحقوق العينية، حيث إعتبرها مقيدها للفصل 91 من قانون التحفيظ العقاري، وبدوره ينادي أيضا إلى ضرورة رفع الآجال المنصوص عليها في المادة 2 من مدونة الحقوق العينية.

أما الدكتورة “وداد العيدوني”، فأكدت على ضرورة العناية بالأنظمة القانونية العقارية بغية تحقيق الإستقرار، كما أشارت كذلك إلى أن الأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج هم الأكثر عرضة للتعرض إلى إستيلاء على عقاراتهم، ولعل من أبرز النقاط التي نادت بها هو دعوة المشرع إلى إحداث محاكم عقارية مختصة في خضم التزايد المهول للقضايا والنزاعات العقارية.

ثم بعد ذلك جاء الدور على الأستاذ “هشام بوحوص”، حيث كانت مداخلته تتمحور حول دور القضاء الزجري في حماية الملكية العقارية، فأشار إلى أن الرسالة الملكية جاءت بثلاث نقاط أساسية:

– أن هناك خلل في الأنظمة العقارية.

– القضاء المغربي لا يقوم بدور فعال من أجل حماية الملكية العقارية.

– أن الرسالة دعوة لكل المهتمين والمتداخلين في المجال من أجل المساهمة في تحقيق الأمن العقاري.

واعتبر أستاذنا أن المشرع الجنائي المغربي وفر الحماية اللازمة للملكية العقارية، وذلك من خلال تجريم التزوير والذي تصل عقوبته للسجن المؤبد، لكن الخلل يكمن في الاجراءات المسطرية المتعلقة بالمتابعات، كما تحدث ايضا عن طبيعة المجرم في جرائم الاعتداء على العقارات إذ له طبيعة مختلفة، حيث يتميز بالذكاء، الأمر الذي يجعلهم يستغلون الثغرات القانونية، كما أن هذه الجريمة -الاعتداء على عقارات الغير- تعتبر من الجرائم العابرة للحدود، وقد نادى الأستاذ هشام بوحوص إلى إعادة النظر في مسألة التقادم، ودعا إلى إلغائه في جرائم الإعتداء على ملك الغير، كما دعا أيضا إلى ضرورة التعاون الدولي لمحاربة هذه الظاهرة خاصة وأن هذه الجرائم عابرة للحدود، وقد اقترح أستاذنا استخدام تسجيل صوتي لمجلس العقد للإستعانة به أثناء وقوع نزاع.

أما فيما يخص مداخلة الأستاذ “رشيد السملالي”، فقد إنصبت حول إبراز دور المحافظ ومدى مساهمته في حماية الملكية العقارية، وكذلك في سهره على تفعيل مضامين الرسالة الملكية، وبالتالي فمن أجل ذلك لابد من توفير حماية قانونية له.

وكان من بين المتدخلين كذلك في هذه الندوة الأستاذة “نهال اللواح” أستاذة بكلية الحقوق بطنجة، حيث ركزت على الإشكالات القانونية المرتبطة بالعقارات المملوكة للشركات التجارية، ولعل أبرز هذه الإشكالات تتمثل في الازدواج القانوني، إذ تخضع لكل من القانون العقاري وكذلك للقوانين المرتبطة بالمال والأعمال، خصوصا وأن المضاربات العقارية تعتبر عملا تجاريا إذا مورست على سبيل الاعتياد والاحتراف.

ومن المتدخلين كذلك كان الأستاذ “أحمد الوجدي” أستاذ بكلية الحقوق بتطوان، حيث انصبت مداخلته حول مفهوم أصل التملك مبرزا تطوره التاريخي بدءا من مرحلة ما قبل ظهير 1944 مرورا بمرحلة ما بين 1944 و1982 وصولا بالمرحلة الممتدة بين 1982 و2006، فأول ظهير نظم أصل التملك هو ظهير 1944، كذلك إعتبر هذا الموضوع من المواضيع المدرجة في إطار خطة العدالة.
هذا وقد تم على هامش الندوة توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين ماستر الدراسات العقارية، وكل من نادى قضاة المغرب والودادية الحسنية للقضاة، كما عرف تكريم الاستاذة “جميلة العماري“، إذ تم على إثر ذلك تسليمها مجموعة من الهدايا والنصب التذكارية كعربون إمتنان وتقدير لمجهوداتها.

لتختتم أطوار هذه الحفلة العلمية بتلاوة برقية ولاء لصاحب الجلالة من طرف الدكتور “مرزوق آيت الحاج“، مؤطر الندوة التي دارت في حدود سبع ساعات من الزمن.

 

قد يعجبك ايضا