مستجدات قانون الأعمال في المغرب

من إنجاز “سعيد المريني” طالب باحث، وتوضيب فريق عمل موقع “المعلومة القانونية”.

شهدت الساحة القانونية بصفة عامة، وقانون الأعمال على وجه الخصوص خلال السنوات الأخيرة، نشاطا تشريعيا مكثفا، حمل معه فيضا من المتغيرات التي ستدشن بلا شك إنطلاقة مشاريع جديدة في مسار الإصلاح في بلادنا، هذا الأخير، الذي فرضته الحاجة من جهة إلى توفير حماية لفئة هشة تارة، وإلى فك ترسانة قانونية مترهة ومساطر وإجراءات قديمة، يزيد عمرها عن 60 سنة من جهة أخرى، أبانت عن عجزها في مواكبة المتطلبات، وأحيانا نتيجة رغبة في تحريك عجلة التنمية وتشجيع الإستثمار والمبادرة الفردية.

وقد يتسائل الطالب الباحث، وخاصة المقبل على إجتياز مباراة الماستر تخصص قانون الأعمال، حول ماهية المواد الواجب دراستها؟ ضمانا للإستعداد الجيد.

الإجابة، نجدها لدى الوقوف أمام المقصود بقانون الأعمال، وحيث يمكن القول صراحة بأنه يصعب تحديد مفهوم ىهذا القانون، ولعل السبب الرئيس في ذلك راجع من وجهة نظرنا المتواضعة إلى صعوبة إيجاد تعريف شامل لجميع القوانين، التي يمكن أن تشكل فرعا من فروعه، في حين هنالك من الفقه من ذهب إلى تعريف قانون الأعمال على أنه “فرع من فروع القانون الخاص، يحكم فئة معينة من الأعمال، تسمى الأعمال التجارية، وطائفة من الأشخاص تدعى طبقة التجار“، إلا أن هذا التعريف -كما هو ملاحظ- لا يعتبر شاملا جامعا، لكون تنظيم الأعمال التجارية، والتجار، اختصاص يتولاه القانون التجاري في حد ذاته، هذا الأخير الذي لا يعتبر إلا جزءا لا يتجزأ من قانون الأعمال، وعليه، فإن هذا الأخير هو الأكثر إتساعا وشمولا من القانون التجاري.

مما يزكي تعريف قانون الأعمال، هو تعدد السمات التي يطلقها الفقه لوصف التنظيم الذي يعنى به، أهمها أنه كل القواعد القانونية المطبقة في عالم الأعمال، وأنه فرع من فروع القانون الخاص، وهو تقنية قانونية في خدمة حياة الأعمال تسرعها وتبسطها، وبذلك يكون قانون الأعمال نطاقا يدخل ضمن القانون الخاص، يشمل جميع النصوص القانونية التي لها علاقة بكافة أنشطة المقاولة، على إعتبار أنه لم ينظم فقط طائفة التجار وحسب، أو حتى الأعمال التجارية، وإنما ينظم كذلك النشاط الصناعي، حوادث الشغل، قانون الضمان الاجتماعي ومختلف علاقات الشغل الجماعية، الأنشطة البنكية، قانون التأمين، قانون الملكية الصناعية والتجارية، وغيرها من القوانين ذات الطابع الدينامي.

بالتالي، هذا ما يفسر كون أن قانون الأعمال له ارتباط وثيق بجميع نصوص القانون الخاص.

وعليه، إنسجاما والأهداف التي يسعى هذا القانون الوصول إليها، في ظل المتطلبات التي أصبح يفرضها الواقع، نطرح الإشكال التالي:
إلى أي حد نجح المشرع المغربي من خلال المستجدات القانونية في تحقيق الإصلاح التشريعي المنشود، وتوفير الحماية القانونية المطلوبة في ميدان الأعمال؟

رغبة في تبسيط الرؤيا عن هذا الموضوع، كونه موجه بالأساس إلى الطلبة المقبلين على اجتياز مبارايات الماستر، وحيث يكون همهم الوحيد من المعلومة القانونية، هو معرفة الإطار القانوني وأهم المستجدات في كل مجال على حدى، نظرا لإختلاف المستجدات وتنوعها وتشعبها.

إذن، لكل هاته الأسباب إخترنا لكم سبيلا إلى ذلك، تجاوز بعض الحدود المنهجية، حتى نتمكن من إيصال الفكرة بشكل بسيط وسهل، ولذلك، سنعمل على تقسيم الموضوع إلى مجموعة من الفقرات، يمكن إبرازها على الشكل التالي:

الفقرة الأولى: حماية ضعيفة لعاملات وعمال المنازل.
الفقرة الثانية: السياسة الإقصائية لقانون التعويض عن فقدان الشغل.
الفقرة الثالثة: نظام المقاول الذاتي بين رهان التنمية وتحديات الواقع.
الفقرة الرابعة: مستجدات قانون الكراء التجاري 49.16
الفقرة الخامسة: مظاهر حماية المستهلك من خلال قانون 31.08

الفقرة الأولى: حماية ضعيفة لعاملات وعمال المنازل:

لما كانت المادة الرابعة من مدونة الشغل الصادرة تحت رقم 65.99، الذي دخلت حيز التنفيذ مؤخرا، تستثني من الخضوع لمقتضياتها فئات العمال المنزليين، بعلة أنه سيصدر قانون خاص ينظم طريقة اشتغال هاته الفئة، طبقا لنص الفقرة الأولى من ذات المرجع، بأن يحدد –القانون المنتظر– شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت.

وقد ظلت للأسف هذه الفئة لمدة 10 سنوات بدون تنظيم خاص أو عام، وذلك بالرغم من كون العلاقة بين رب المنزل والعامل من أكثر العلاقات التي تطرح نزاعات على مستوى الواقع، إلا أن الساحة القانونية لم تعرف صدور القانون 19.12 المتعلق بتحديد شروط التشغيل والشغل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين إلا مؤخرا، في حين أنه جاء في حلته الشكلية يضم 27 مادة فقط موزعة على خمسة أبواب عامة.

الشئ الذي يجرنا إلى  طرح الإشكال الآتي:

إلى أي حد وفق المشرع المغربي في حماية فئة عمال المنازل، من خلال مقتضيات القانون –الذي علق آمال فئة إجتماعية لمدة طويلة– الحامل لرقم 19.12؟

للإجابة عن هذا السؤال المهم، علينا بداية الوقوف عند مزايا هذا القانون (أولا)، قبل أن ننتقل للحديث عن عيوبه (ثانيا) من حيث المضمون.

أولا: مزايا قانون العمال المنزليين:

لا أحد ينكر أهمية القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط التشغيل والشغل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، خاصة في ظل الوضعية الصعبة التي تعرفها هذه الفئة، لذلك تدخل المشرع لحمايتها من خلال إقرار مجموعة من الحقوق والمقتضيات الحمائية، التي يمكن أن تبرز بعض أوصافها على الشكل التالي:

• تسمية حديثة:

إذا كان القانون المتعلق بالضمان الاجتماعي أطلق على عمال المنازل تسمية “الأعوان المستخدمون بالمنازل” (علما أن التسمية استبعدها المشرع خلال القانون رقم 18.12) بينما وردت تسمية “خدم البيوت” بمدونة الشغل الجديدة، وحيث لاقى هذا المستجد انتقادا لذيعا من لدن البعض من الفقه المغربي، نظرا لما يشكله في نظرهم من احتقار الإنسان لأخيه، الأمر الذي حاول تجنبه القانون رقم 19.12، وذلك حينما أطلق على هذه الفئة تسمية “عمال المنازل“، وحسنا ما فعل المشرع، باعتبار أن هاته التسمية تعتبر أكثر ضمانة لكرامة هذه الفئة من العمال، وتنسجم تماما مع التسمية المعتمدة في إتفاقية منظمة العمل الدولية.

لكن التساؤل المطروح هنا أي التسميات نستعمل، هل عبارة “خدم البيوت” الواردة بمدونة الشغل، أم عبارة “عمال المنازل” المعتمدة في إطار القانون 19.12؟

ذهب ” الأستاذ محمد بنحساين ” خلال أحد محاضراته، إلى إعتبار أنه متى كنا أمام تطبيق مقتضيات مدونة الشغل، فيجب اعتماد عبارة خدم البيوت، أما إذا كنا أمام تطبيق أحكام قانون 19.12، فإنه يجب علينا أن نستعمل عبارة “عمال المنازل“.

• وضع تعريف لأطراف العلاقة:

عمل المشرع من خلال قانون 19.12 على وضع تعاريف لأطراف العلاقة، وحيث يعرف المشرع في المادة الأولى العاملة أو العامل المنزلي، بكونه ذلك العامل “الذي يقوم بصفة إعتيادية مقابل أجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون، سواء عند مشغل واحد أو أكثر“، كما عمل المشرع من نفس المادة أعلاه إلى تعريف المشغل بكونه “كل شخص ذاتي يستأجر عمل عامله أو عامل منزلي لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة 2 أدناه أو أحدها“.

لكن الملاحظ يتبين له بأن هذا القانون، سار على منوال مدونة الشغل، لما أغفل تعريف عقد الشغل.

• تقرير الكتابة:

لا ريب أن الكتابة لها أهمية كبرى في مجال الأعمال، للحد من النزاعات سواء بصفة قبلية، أو بصفة بعدية أمام القضاء في حالة إنكار أحد أطراف العلاقة العقد أو أحد بنوده، لتقييم الأدلة ولحل النزاع -سواء بالنسبة للمشغل أو لمشتغله- في ظل الرابطة التبعية التي تجمعه بمشغله، الأمر الذي تنبه له المشرع وذلك بإقراره كتابة العقد من خلال المادة 3 من القانون رقم 19.12، التي ورد فيها بأنه “يتم تشغيل العاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل محدد أو غير محدد المدة، يعده المشغل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي…” وذلك على خلاف مدونة الشغل، التي تقر برضائية العقود، اللهم ما تعلق منها بحالات إستثنائية.
ولعل تقرير الكتابة من شأنه حماية العامل المنزلي، وضمان إستفادته من أحكام القانون 19.12، لاستقرار العلاقة الرابطة بينهما، وتمكين العامل من وسيلة إثبات فعالة أمام القضاء الإجتماعي.

• تحسين ظروف العامل أثناء القيام بعمله:

عمل المشرع المغربي من خلال المادة 19.12 المتعلقة بالعمال المنزليين على وضع قواعد حمائية، وذلك من أجل حماية هذه الفئة.
وهكذا نجد المادة 6 من نفس القانون تنص “تعرض العاملات والعمال المنزليون المتراوحة أعمارهم بين 16 و18 سنة وجوبا على فحص طبي كل ستة اشهر على نفقة المشغل ويمنع تشغيل العاملات والعمال المنزليين المشار إليهم في الفقرة السابقة ليلا، ويمنع تشغيلهم من الأماكن المرتفعة غير الآمنة، وفي حمل الأجسام الثقيلة وفي استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطرة وفي كل الأشغال التي تشكل خطرا بينا على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي…”
ورغم خطورة الأعمال المنصوص عليها في المادة السابقة إلا أننا نجد المشرع قد اقتصر على الفئة التي تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، وكأن العاملة ذو 45 أو 50 سنة قادرة على العمل في الأماكن المرتفعة غير الآمنة… ونصت المادة 7 من نفس القانون “يمنع تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا“.

كما نجد المشرع قد مكن العاملة أو العامل المنزلي من راحة أسبوعية لا تقل عن 24 ساعة متصلة، وكذا تخويل الاستفادة من عطلة سنوية مدفوعة الأجر إذا قضت ستة أشهر متصلة في خدمة المشغل، على ألا تقل مدتها عن يوم ونصف يوم عمل عن كل شهر.
بالإضافة إلى تمكين العاملة أو العامل المنزلي من راحة مؤدى عنها خلال أيام الأعياد الدينية والوطنية.
ونص القانون كذلك على مقتضيات تروم توفير الحماية للأم ووليدها وذلك من خلال المادة 15 من قانون 19.12 والتي جاء فيها “تستفيد الأم، العاملة المنزلية، ابتداء من تاريخ استئنافها العمل إثر الوضع من استراحة خاصة للرضاعة مدتها ساعة واحدة عن كل يوم خلال مدة اثني عشر شهرا متوالية“.
ونظرا للساعات الطويلة التي تشتغلها العاملات والعمال المنزليين فقد تنبه المشرع لذلك وعمل على تحديدها من خلال المادة 13 تحدد مدة العمل في الأشغال المنزلية في 48 ساعة من الأسبوع يتم توزيعها على أيام الأسبوع باتفاق الأطراف.

• سن التشغيل:

نصت المادة 6 قانون 19.12 “يحدد الحد الأدنى لسن تشغيل الأشخاص بصفتهم عاملات أو عمال منزليين في 18 سنة.
غير أنه يمكن، خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات (5) تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، بتشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة بصفتهم عاملات أو عمال منزليين“.
وذلك بعدما نصت مسودة القانون على سن 15 سنة كحد أدنى للتشغيل في العمل المنزلي، إلا أن ضغط الهيئات الحقوقية واستنكارها لتشغيل الأطفال دون سن الرشد القانوني حدا بالمشرع إلى رفع السن.
إلا أنه عمل بتقييد تشغيل الأشخاص المتراوحة أعمارهم بين 16 و18 بحصول على إذن مكتوب مصادق على صحة إمضائه قصد توقيع عقد الشغل المتعلق بهم.

• تحديد حد أدنى للأجر:

نصت المادة 19 من قانون 19.12 على “لا يمكن أن يقل مبلغ الأجر النقدي للعاملة أو العامل المنزلي عن 60 بالمائة من الحد الأدنى القانوني للأجر، المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مزايا الإطعام والسكن ضمن مكونات الأجر النقدي“.
وبالتالي أصبح بإمكان العامل المنزلي الحصول على حد أدنى من الأجر عوض تركه لإرادة الأطراف التي يمكن للمشغل (صاحب البيت) أن يتعسف في تحديده.

ثانيا: نواقص قانون عمال المنازل:

لا أحد يجادل في أن القانون 19.12 المتعلق بتحديد شروط التشغيل والشغل المرتبطة بالعاملات والعمال المنزليين قد منح ضمانات حمائية لهذه الفئة، إلا أنه وكما يقول هيكل “كل شيء يحمل في جوفه نقيضه”، بمعنى أن قانون 19.12 يبقى منتوج بشري عرف مجموعة من النواقص والعيوب نذكرها على الترتيب التالي:

غياب النص على الرعاية الصحية:

لم يعر المشرع أية أهمية للوضعية الصحية للعامل المنزلي بعد الشروع في العمل، حيث لم ينص على من يتحمل مصاريف علاجه من حالة إصابته بمرض بعد الشروع في العمل، حيث أننا لا نجد أي نص قانوني يربط بين فئة عمال المنازل وهذه الحماية.
الأمر الذي يفرض علينا الرجوع إلى القواعد العامة حيث نجد الفصل 747 نص “إذا كان الأجير يعيش في منزل مخدومه، ثم مرض أو أصيب في حادثة من غير أن يكون ذلك راجعا إلى خطئه، وجب على المخدوم أن يقدم له وعلى نفقته ولمدة عشرين يوما، ما يلزم لمؤو نته وعلاجه“.

– حصرية التعويض:

نصت المادة 21 من قانون 19.12 على “تستحق العاملة أو العامل المنزلي تعويضا عند فصله، إذا قضى مالا يقل عن سنة متواصلة، من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل…“.
فإذا كان الأجير يستفيد في إطار مدونة الشغل من تعويض عن عدم احترام أجل الإخطار وكذا تعويض عن الفصل وتعويض عن الضرر وتعويض عن فقدان الشغل، فالعامل المنزلي يستفيد فقط من تعويض عن الفصل، بل والأكثر من ذلك فالمشرع اشترط على هذا العامل أن يكون قد قضى مالا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي، وهي مدة طويلة قد تدفع بعض المشتغلين إلى التحايل من خلال فصل العامل قبل مرور تلك المدة وتعويضه بعامل آخر، وكان الأجدر بالمشرع عدم اشتراط هذه المدة، وعلى الأقل جعلها في 6 أشهر كما هو الشأن بالنسبة للمادة 52 من مدونة الشغل.

– إغفال القانون لعديد الحقوق:

أغفل القانون مجموعة من الحقوق كعدم تحديده لساعات العمل الإضافية والتعويض عنها وإغفاله لإجارة الأمومة، كما لم يبين أحقية العامل في الحرية النقابية وحق المفاوضة الجماعية.
مما يدفعنا إلى التساؤل عن السبب وراء عدم تنصيص المشرع على هذه الحقوق؟ فهل نعتبر ذلك مجرد سهو من المشرع أم أنه عبث؟ مع العلم أن أعمال المشرع مصونة عن العبث.

تعليق بداية التنفيذ:

نصت المادة 27 من قانون 19.12تدخل أحكام القانون حيز التنفيذ بعد انصرام أجل سنة ابتداء من التاريخ التي تنشر فيه بالجريدة الرسمية النصوص اللازمة لتطبيقه التام“.
وهكذا إذا كنا قد درسنا أن القانون قد يدخل حيز التنفيذ بتاريخ إصداره أو بعد مدة من إصداره أو قبل مدة من إصداره، فإننا الآن نكون أمام حالة رابعة وهي دخول القانون حيز التنفيذ بنشر كافة النصوص اللازمة لتطبيقه.
وفي نظري أن هذا المقتضى من شأنه حرمان فئة عمال المنازل من الحماية وتأجيلها إلى أجل غير محدد.
وإذا كان المقام لا يسمح بذكر كافة النقائص، كغياب الاستفادة من تعويضات الضمان الاجتماعي، وعدم الإذن لمفتش الشغل للقيام بزيارات لأماكن الاشتغال ومراقبة مدى احترام مقتضيات القانون، وضعف الجزاءات المفروضة على المشغل في حالة إخلاله بمقتضيات القانون…

الفقرة الثانية: السياسة الإقصائية لقانون التعويض عن فقدان الشغل:

صدر بتاريخ 22 غشت 2014 قانون 03.14 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل، ويعتبر أداة قانونية للتأمين ضد خطر فقدان الشغل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية أو ما يماثلها، فهو آلية لحماية الأجراء من احتمال فقدان الشغل بكيفية غير إرادية خلال فترة معينة عن طريق تعويضهم.
وهكذا صدر القانون 03.14 المغير والمتمم لظهير 27 يوليوز ليصنف هذا التعويض إلى جانب التعويضات القصير الأمد التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وذلك بعد الجدل الذي عرفه هذا التعويض، وبعد الانتقاد الذي توجه به الفقه والقضاء منذ صدور مدونة الشغل.
وبالرجوع إلى القانون 03.14 نجد المشرع ربط الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل بشروط نعتبرها إلى حد كبير إقصائية، وهي كالآتي:

أولا: أن يكون الأجير قد فقد شغله بكيفية لا إرادية
بمعنى أن يكون الأخير قد فقد شغله لأسباب اقتصادية أو هيكلية أو تكنولوجية أو لأي سبب من الأسباب الخارجة عن إرادته.
وبالتالي فالمشرع بهذا الشرط يكون قد أقصى الأجير الذي يغادر بصفة تلقائية أو الذي يقدم استقالته.

ثانيا: أن يثبت توفره على فترة من التأمين بنظام الضمان الاجتماعي لا تقل عن 780 يوما خلال السنوات الثلاث السابقة لتاريخ فقدان الشغل، منها 260 يوما خلال اثني عشر شهرا لهذا التاريخ ولا تدخل في احتساب هذه المدة الأيام المسجلة برسم التأمين الاختياري المنصوص عليه، وهو شرط يصعب تحققه أمام إحجام عدد كبير من أرباب العمل عن القيام بعملية التصريح، كما أنه كان بإمكان المشرع الاكتفاء ب 780 يوما من التصريح خلال الثلاث سنوات دون اشتراط 260 يوما خلال 12 شهرا علما أن قسمه 780 على ثلاثة تساوي 260.

ثالثا: أن يكون مسجلا كطالب للشغل لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، وبذلك يكون قد استبعد الأجير غير المسجل، مادام أنه اشترط التسجيل المسبق، مع العلم أن أغلب الأجراء من الناحية العملية والواقعية يعملون دون اللجوء إلى مؤسسة الوساطة في التشغيل، وهذا إذا لم نقل أن هناك من الأجراء لا يعلم بوجودها، وهذا ما يكرس مرة أخرى السياسة الإقصائية للمشرع.

رابعا: أن يكون قادرا على العمل، ونرى أنه إجحاف في حق الأجير الذي فقد الشغل بسبب عدم قدرته على العمل أو عجزه ويجب عدم حرمانه من التعويض نظرا للوضعية الصعبة التي يمر منها، كما أن الأمر يتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل وليس التعويض عن القدرة على العمل.

خامسا: تقديم طلب الاستفادة من التعويض لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تحت طائلة سقوط الحق داخل أجل 60 يوما الموالية لليوم الأول من فقدان الشغل ما عدا في حالة القوة القاهرة، علما أنه قبل ذلك ملزم بتعبئة استمارة من طرف المشغل، ونتساءل في حالة تماطل المشغل عن تعبئتها أو رفضه، خاصة أن أجل 60 يوم هو أجل سقوط فماذا على الأجير أن يفعله؟
سادسا: صرف التعويض لمدة 6 أشهر فقط.
بعد أن يستوفي الأجير الشروط السالفة الذكر، يتعين عليه إيداع طلبه بإحدى وكالات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خلال أجل لا يتعدى 60 يوما ابتداء من تاريخ فقدان الشغل، بحيث يضمن له الصندوق تعويضا يساوي 70% من متوسط الأجر المصرح به خلال 36 شهرا الأخيرة، دون تجاوز الحد ا لأدنى للأجر المعمول به ويصرف لمدة 6 أشهر ابتداء من اليوم الموالي لتاريخ الانقطاع عن العمل، ونسائل المشرع هنا في حالة عدم حصول الأجير عن عمل جديد خلال مدة ستة أشهر خاصة في ظل الواقع المعاش فما العمل؟ لذلك نطلب من المشرع إتاحة إمكانية تمديد المدة لكون مدة 6 أشهر غير كافية بتاتا.
خلاصة القول، فقانون 03.14 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل يبقى دون التطلعات والإنتظارات نظرا للشروط المجحفة والإقصائية التي لن تؤول سوى بحرمان شريحة عريضة من الأجراء من الاستفادة

الفقرة الثالثة: نظام المقاول الذاتي بين رهان التنمية وتحديات الواقع:

صيغة مقاولاتية جديدة أحدثها ظهير صادر في 19 فبراير 2015 بتنفيذ القانون رقم 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي بهدف الحد من البطالة وتشجيع العمل الحر مع تسهيل الإجراءات الإدارية إلى أقصى حد، واستقطاب أنشطة القطاع غير المهيكل والحد منه، والحث على اندماجها في النسيج الاقتصادي الوطني، ويعتبر المقاول الذاتي نموذج جديد للمقاولة يضاف إلى جانب المقاولات التقليدية، ويعتبر نسخة للقانون الفرنسي وإن سبق أن ظهرت في دول أخرى.
ولاقى نجاحا كبيرا بفرنسا حيث عرف انخراط حوالي 300.000 مقاول ذاتي، الأمر الذي نتج عنه تخوف المقاولات التقليدية من المنافسة، مما دفع للحد منه.
ويبدو أن المشرع المغربي استفاد من التجربة الفرنسية ولم يمنح مساحة كبيرة للمقاول الذاتي وذلك من خلال الحد من رقم معاملاته وغيرها من المقتضيات، ولكن هل توفق المشرع في تنظيم المقاول الذاتي؟

للإجابة عن ذلك لابد أن نتعرض أولا للامتيازات التي يمنحها نظام المقاول الذاتي لنمر ثانيا للحديث عن مظاهر محدودية نظام المقاول الذاتي.

أولا: امتيازات نظام المقاول الذاتي:

لكي تستفيد من نظام المقاول الذاتي، يتعين عليك أن تكون شخص طبيعي وتمارس نشاطا مهنيا بصفة فردية بصفتك مقاولا ذاتيا طبقا للتشريعات المعمول بها، وهكذا نجد المادة الأولى ورد فيها “يقصد بالمقاول الذاتي في مدلول هذا القانون كل شخص ذاتي يزاول بصفة فردية نشاطا صناعيا أو حرفيا أو تجاريا أو يقدم خدمات”. لا يتجاوز رقم معاملاتها السنوي 500.000 درهم، وتظهر رغبة المشرع بشكل واضح في تشجيع هذه الفئة على الانخراط في نظام المقاول الذاتي وذلك بسنه مجموعة من التحفيزات نتناولها كالآتي:

• البساطة في التأسيس

يجب على من يرغب بالانخراط في نظام المقاول الذاتي:

1 – التسجيل الأولي في السجل الوطني للمقاول الذاتي من البوابة الإلكترونية http://rh.ae.gov.ma

* ملء استمارة التسجيل.

* طبع وتوقيع الاستمارة.

2 – التسجيل لدى وكالات بريد المغرب.

* تقديم استمارة التسجيل ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية وصورة شمسية.

ويتولى المسؤول عن شباك بريد المغرب منح وصل استلام، على أن يتوصل الطالب ببطاقة المقاول الذاتي بعد دراسة الطلب وقبوله.

• الامتياز الضريبي:

أقر المشرع نظام ضريبي مناسب ومشجع، حيث نص على 1% بالنسبة للأنشطة الصناعية، التجارية والحرفية، و 2% بالنسبة للخدمات بالإضافة إلى إمكانية أدائها بطريقة إلكترونية، وكذا الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة.

الإعفاء من مسك محاسبة.
• الإعفاء من القيد بالسجل التجاري.
• الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
• إمكانية إصدار فواتير.

في حالة عدم توفر المقاول الذاتي على محل مهني لممارسة نشاطه، يمكنه توطين هذا النشاط في محل سكناه كما لا يمكن بأي حال من الأحوال الحجز على محل سكناه الرئيسي، نظام للتغذية الاجتماعية والصحية، تحدد شروط وكيفيات الاستفادة منه بموجب تشريع خاص.

ثانيا: محدودية نظام المقاول الذاتي:

إذا كان نظام المقاول الذاتي شكل فقرة نوعية على المستوى الوطني، فإنه في الآن ذاته نموذج متعثر، وذلك لعدة أسباب نوردها فيما يلي:

• صعوبة الحصول على التمويل:

لا أحد ينكر أن فئة كبيرة من المنخرطين في نظام المقاول الذاتي تعاني من الفقرة والهشاشة، كما أن كل مبادرة فردية تحتاج إلى تمويل، غير أن هذه الفئة تجد صعوبة في خلق مصادر للتمويل أمام إتباع مؤسسات الائتمان سياسة تقديم الضمانات.

غياب حماية للاسم التجاري:

الاسم التجاري من الأمور الذي يحتاجها التاجر، ولابد من حصوله على ذلك لكي يمارس العمل التجاري، حيث يساهم في تمييز المنشأة التجارية، لكن لا نجد بنظام المقاول الذاتي أي مقتضى يوفر حماية للاسم التجاري، ولا يبقى أمام المقاول الذاتي سوى التسجيل في المكتب الوطني للعلامة التجارية.

• عدم استعانت المقاول الذاتي بشخص آخر يشتغل معه:

كل هذه الأسباب جعلت من نظام المقاول الذاتي بعيد عن تحقيق الانطلاقة المنشودة، حيث لم يتمكن من تحقيق أهدافه والمتمثلة في تسجيل 100 مقاول ذاتي لكل سنة، فحسب المعطيات لم يتم تجيل سوى 45 ألف مقاول ذاتي حتى نهاية يونيو 2017، وتشير المعطيات نفسها أنه من بين 10 مقاولين ذاتيين توجد أربع نساء، كما أن تصنيف المسجلين بقي محصورا في جهة الدار البيضاء سطات وجهة سلا الرباط.

الفقرة الرابعة: قراءة في مستجدات قانون الكراء التجاري 49.16
بعد انتظار طويل صدر مؤخرا قانون كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي تحت رقم 49.16، وتتجلى أهيمته في كونه ينظم علاقة تعاقدية ذات بعد اجتماعي حساس، كما جاء ليخلصنا من كوارث ظهير 1955 الذي عرف بالصياغة الغامضة وكذا كثرة المساطر المعقدة وعدم مراعاة التوازن بين حقوق أطراف العلاقة، الأمر الذي نتج عنه تضارب الأحكام القضائية والآراء الفقهية.
أما القانون الحالي فقد جاء تجاورا لمجموعة من الإشكالات والعيوب التي أفرزها الواقع العملي، محاولا منح توازن لأطراف العلاقة، وضمان انسجامه مع قوانين أخرى، وتكريس اجتهادات قضائية دون أن يتناسى حفظ مصالح المقاولة وتحسين وضعية الاستثمار وخلق جو المبادرة.
إذن، ما هي أبرز المستجدات التي جاء بها قانون 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي؟

ذلك ما سنحاول مناقشته حسب الترتيب التالي:

• فيما يتعلق بالاختصاص:

الاختصاص بقضايا الكراء التجاري في ظل القانون رقم 49.16 أصبح اختصاصا أصيلا للقضاء التجاري، وذلك ما جاء من خلال المادة 35 منه: “تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق هذا القانون، غير أنه ينعقد الاختصاص للمحاكم الابتدائية طبقا للقانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة”.

غير أن الصياغة التي جاءت بها المادة المذكورة لم تحسم بشكل كبير كل النقاش الدائر حول مسألة الاختصاص النوعي بقضايا الكراء التجاري، وتركت مسألة الاختصاص معلقة على قانون مستقبلي يتعلق الأمر بمشروع قانون 15.38 المتعلق بالتنظيم القضائي والذي قد يعتمد أو لا يعتمد من طرف المشرع حيث جاء فيه إحداث أقسام تجارية بعض المحاكم الابتدائية، تختص بالنظر في القضايا التي تختص بها المحاكم التجارية، بغية تقريب القضاء التجاري من المتقاضين في الدوائر التي لا توجد بها محاكم تجارية.

وهكذا ظلت الإحالة واضحة على مشروع التنظيم القضائي، حيث كان من المتوقع أن يصدر القانونين في وقت واحد، لكن قانون 49.16 سبق مشروع قانون التنظيم القضائي عموما وفي ظل الصياغة الحالية للمادة 35 السالفة الذكر، فإن اختصاص قضاء الكراء التجاري يسند للمحاكم التجارية والأقسام التجارية التي ستحدث بالمحاكم الابتدائية في حالة إقرار مشروع قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي.
وتبقى المحاكم الابتدائية مختصة بقضايا الكراء التجاري ا لتي تقل قيمتها عن 20.000 درهم إعمالا للمادة 6 من القانون المحدث للمحاكم التجارية، كما ستبقى المحاكم الابتدائية مختصة بقضايا مراجعة وأداء وجيبة كراء المحلات التجارية، مادام أن القانون رقم 99.64 المتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية يسند الاختصاص صراحة للمحكمة الابتدائية ولرئيسها بشأن المطالبة بواجب الكراء. وكل ذلك ما لم يتعلق الأمر بدعاوى بين تجار بشأن أعمالهم التجارية، أو بعمل ت جاري مختلط، اختار بشأنه الطرف المدني اللجوء إلى القضاء التجاري بحيث ينعقد الاختصاص للمحكمة التجارية إعمالا للمادة الخامسة من قانون 53.95.

• فيما يتعلق بالكتابة:

على خلاف ظهير 1955 الذي خول إمكانية التعاقد بصفة شفوية، فقد ذهب المشرع من خلال القانون رقم 49.16 إلى التوسيع من دائرة الكتابة، وذلك عندما اشترط وجوب تحرير العقد كتابة من خلال المادة 3 منه التي جاء فيها “تبرم عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ”. وبهذا يكون المشرع قد انتقل من شكلية إثبات إلى شكلية انعقاد، وهذا ما سيساهم بشكل جدي في تقليل النزاعات المعروضة على القضاء، أما في حالة غياب الكتابة فإن ذلك يؤدي إلى الحرمان من تطبيق القانون 49.16، وبالتالي الخضوع للقواعد العام المقررة في ق.ل.ع.

• فيما يتعلق بالمدة:

لضمان زبناء المحل لابد من ضمان المحل، لذلك يكتسب المكري الحق في الكراء بمرور مدة معينة، نص عليها في المادة 4 من القانون 49.16 التي جاء فيها: “يستفيد المكتري من تجديد العقد متى أثبت انتفاعه بالمحل بصفة مستمرة لمدة سنتين على الأقل”. وقد أقر المشرع من خلال نفس المادة استثناءين وهما: – من قدم مبلغا ماليا مقابل الحق في الكراء ويجب توثيق المبلغ كتابة في عقد الكراء أو قضى عقد منفصل. وبمجرد فتح الصيدلية تخضع لمقتضيات القانون: الفقرة الأخيرة من المادة 61 من مدونة الأدوية والصيدلة.

• فيما يتعلق بنطاق التطبيق:

خلافا لظهير 24 ماي 1955 الذي لم يكن دقيقا بشأن مجال تطبيقه، فقد عمل المشرع خلال المادة الأولى والثانية من القانون رقم 49.16، المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، على التنصيص على بعض المجالات التي تسري عليها مقتضيات ا لقانون الجديد والتي لم يكن منصوص عليها في ظل مؤسسات التعليم الخصوصي، أو التي تمارس فيها التعاونيات نشاطا تجاريا، أو عقود كراء المحلات التي تمارس فيها المصحات والمؤسسات المماثلة نشاطها، أو التي تمارس فيها النشاط الصيدلي والمختبرات الحاصلة للتحاليل البيولوجية الطبية وعيادات الفحص بالأشعة، وكلها مجالات تقدم خدمات اجتماعية ذات صلة بحياة المواطن، لذا رأى جانب من الفقه أن المشرع لم يكن موفقا في إقحامه في إطار الكراء التجاري.

• فيما يتعلق بحقوق المكتري:

– حق المكتري بإضافة أنشطة مكملة للأصل التجاري:
خول للمكتري إمكانية إضافة أنشطة مكملة للأصل التجاري وذلك حتى لا يبقى حبيس الأصل التجاري، وهكذا نصت المادة 22 من ا لقانون 49.16يمكن السماح للمكتري بممارسة نشاط أو أنشطة مكملة أو مرتبطة بالنشاط الأصلي متى كانت هذه الأنشطة غير منافية لغرض وخصائص وموقع النيابة، وليس من شأنها التأثير على سلامتها، وفي هذه الحالة يجب على المكتري أن يوجه طلبه للمكري يتضمن الإشارة إلى الأنشطة التي يريد ممارستها”.

– الحق في إحداث تغييرات:

أتاح المشرع للمكتري من إحداث تغييرات، شريطة ألا يكون لها تأثير على سلامة البناء، ولا تزيد من تحملات المكري وذلك في إطار التغييرات الطفيفة.
– الحق في الكراء من الباطن
وتعتبر من الأمور المستجدة التي جاء بها القانون 49.16، ويعتبر كل من المكتري الأصلي والمكتري الفرعي ملزمان بالتضامن في مواجهة المكري عند الالتزامات الناتجة عن العقد الأصلي، وذلك ما جاء في المادة 24 من القانون السالف الذكر،يجوز للمكتري بأن يؤجر للغير المحل المكتري كلا أو بعضا، ما لم ينص العقد على خلاف ذلك، وتبقى العلاقة قائمة بين المكري والمكتري الأصلي…”.

– الحق في تفويت الحق في الكراء:

وقد عمل المشرع على التفصيل فيه أكثر خلافا لظهير 1955، وهكذا نصت المادة 25 من قانون 49.16 على ما يلي: “يحق للمكتري تفويت حق الكراء، مع بيان عناصر الأصل التجاري أو مستقلا عنها دون ضرورة الحصول على موافقة المكري، بالرغم من كل شرط مخالف.
يتعين على كل من المفوت والمفوت إليه إشعار المكري بهذا التفويت، تحت طائلة عدم سريان آثاره عليه…”
– الحق في التعويض نتيجة إنهاء العلاقة الكرائية
عمل المشرع على وضع أسس عملية مضبوطة لإنهاء العلاقة الكرائية، وهكذا نجد المادة 7 من القانون 49.16 تنص على أنه يستحق المكتري تعويضا عن إنهاء عقد الكراء مع مراعاة الاستثناءات الواردة في هذا القانون.
يعادل التعويض ما لحق المكتري من ضرر ناجح عن الإفراغ…

الحق في الرجوع والأسبقية:

حدد المشرع الحالات التي يحق فيها للمكتري الحق في الرجوع، وذلك في حالة الهدم وإعادة البناء وكذلك حالة المحلات الآيلة للسقوط.
وقت نصت المادة 14 من القانون 49.16 على ما يلي:
“إذا تعدد المكترون، يكون الحق في الأسبقية في المحلات التجارية المعاد بناؤها كالآتي:
– … حق الأسبقية يعطى لأقدمهم الذي عبر عن رغبته في خيار الرجوع…”.

• فيما يتعلق بحقوق المكري:

– الحق في مراجعة السومة الكرائية:

يبقى للمكري مطالبة المكتري بالزيادة في نسبة الوجيبة الكرائية المحددة في عقد الكراء إذا تبين أن هذه الوجيبة لا تتناسب والرأسمال الموظف في المحل المكتري أو لا تتناسب وقيمة المنفعة التي يجنيها المكتري وتوابعه، وقد نصت المادة 5 من قانون 49.16 على “تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية مقتضيات القانون رقم 07.03 المتعلق بمراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي“.

– الإعفاء من أداء التعويض:

تمالتنصيص من خلال المادة 8 من هذا القانون على ضمانات بالنسبة للمكري ومن بينها أن المكري لا يلزم بأداء أي تعويض للمكتري في حالات حددتها هذه المادة ومن أبرزها “إذا لم يؤد المكتري الوجيبة الكرائية داخل أجل خمسة عشرة يوما، من تاريخ توصله بالإنذار وكان مجموع ما بذمته على الأقل ثلاثة أشهر من الكراء…

عموما، تبقى هذه الضمانات أهم المستجدات الواردة في قانون 49.16 علما أن هناك مقتضيات أخرى لم يتسنى لنا ذكرها، والذي تؤكد لنا أن المشرع المغربي قد حاول من خلالها ملء الفراغ التشريعي الذي كان في ظهير 1955 وتصحيح إشكالاته العملية.

الفقرة الخامسة: مظاهر حماية المستهلك من خلال قانون 31.08:

يعتبر المستهلك أمام التطور الحاصل في شتى المجالات، جديرا بالحماية كيفما كان النظام الاقتصادي الذي تأخذ به الدولة، ونظرا لما يمتاز به المهنيون أو الموزعون من قدرة على الإقناع بالتعاقد، وأمام حاجة المستهلك الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، حيث يستحيل عليه مناقشة شروط العقد، الأمر الذي أسفر عنه ظهور عقود الإذعان ورغم أن المواطن المغربي يعتبر استهلاكيا بكل المقاييس فإن ظل لمدة طويلة يفتقد لقانون خاص يوفر حماية فعالة، لتبقى العلاقة بين المورد والمستهلك خاضعة للمبادئ العام لقانون الالتزامات والعقود، هذه الأخيرة سرعان ما أبانت عن قصورها.
الأمر الذي فرض ضرورة تدخل المشرع المغربي من خلال القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك بتاريخ 17 أبريل 2011، فهل استطاع المشرع من خلال القانون المذكور أن يمنح للمستهلك حماية فعالة؟ وما هي تجليات هذه الحماية؟
سنجيب عن الإشكالية من خلال الترتيب التالي:

• حق الإعلام:

طبقا للقواعد العامة للتعاقد، يتعين على كل شخص يرغب في إبرام عقد أن يتحرى بنفسه والبحث عن المعلومات التي تبرر إرادته، ذلك أن القانون لا يضمن سوى المساواة القانونية بين المتعاقدين، حيث أنه بمجرد أن يكون الطرفين معا متوفرين على أهلية التعاقد وألا يلحق برضا أحدهما أي عيب من العيوب، إلا أن صدور قانون حماية المستهلك خالف هذا المبدأ حين أضحى ينظر إلى أشخاص العقد ومدى وجود تفاوت في المركز القانوني والاقتصادي لكليهما. ويقصد بالالتزام بالإعلام إحاطة المتعاقد الآخر بالمعلومات الهامة والمؤثرة على إقدامه أو إحجامه على التعاقد، فالالتزام بالإعلام ضرورية لسلامة عقود البيع الاستهلاكية.
إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات، كما نصت المادة 3 من قانون 31.08يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال…”.

• حق الرجوع:

يتمثل حق التراجع في إمكانية المستهلك بإعادة النظر في العقد الذي أبرمه والعدول عنه خلال مدة محددة تختلف باختلاف محل العقد، ويتم برد المبيع واسترداد الثمن، وحق الرجوع يعتبر سلطة أحد المتعاقدين بالانفراد بنقض العقد والتحلل منه، دون توقف ذلك على إرادة الطرف الآخر، وقد جاء تعزيزا للمنظومة الحمائية للمستهلك، وضربا لمبدأ القوة الملزمة للعقد، وهكذا نصت المادة 36 من قانون 31.08 المتعلق بتدابير لحماية المستهلك على ما يلي: للمستهلك أجل:

– سبعة أيام كاملة لممارسة حقه في التراجع.
– ثلاثين يوما لممارسة حقه في التراجع في حالة ما لم يف المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي للمعلومات المنصوص عليها في المادتين 29 و32.
وذلك دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع غرامة باستثناء مصاريف الإرجاع إن اقتضى الحال ذلك.

• حماية المستهلك من الشروط التعسفية:

تعتبر العقود الاستهلاكية مجال خصب للشروط التعسفية، وذلك عائد للتفاوت الكبير للمراكز الاقتصادية والقانونية لأطراف العقد، وقد عمل المشرع على وضع تعريف للشرط التعسفي من خلال المادة 15 من ق.ج.م: يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب ليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك”.
ولانتشار العقود التعسفية في عقود الاستهلاك نظرا لطبيعة هذه الأخيرة، ورغبة من المشرع في حماية المستهلك نجده نص في المادة 19 من قانون 31.08يعتبر باطلا ولاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد والمستهلك”.

• جمعيات حماية المستهلك:

تلعب جمعية حماية المستهلك دورا هاما في الدفاع عن جمهور المستهلكين، لأنها أصبحت جزء لا يتجزأ من مكونات المجتمع المدني وكذا جماعات الضغط الاجتماعي، حيث تروم إلى تحسين مطالب المستهلكين ووضعيتهم في العلاقة الاقتصادية.
وقد سبق للأستاذ عبد الرزاق السنهوري أن عقد الإذعان، عقد غير متكافئ، وبالتالي اقتراح وسيلتين لإعادة التوازن، الوسيلة الأولى اقتصادية تتمثل في تجمع المستهلكين في إطار جمعيات اقتصادية، أما الوسيلة الثانية تشريعية تتجلى في تدخل المشرع بنصوص قانونية.

وقد نصت المادة 152 من قانون المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك على “تتولى جمعيات حماية المستهلك المؤسسة والعاملة وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، المتعلقة بحق تأسيس الجمعيات، الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك وتعمل على احترام هذا ا لقانون“.
وتتمتع جمعيات حماية المستهلك بعديد الوسائل التي تمكنها من الضغط على الموردين، كإبرام اتفاقية جماعية، أو نشر دوريات ونشرات بهدف الإعلام، وسلوك طرق الدعاية المضادة والمقاطعة بالإضافة إلى تمثيل المستهلكين أمام مؤسسة القضاء.

وبالرغم من كل ذلك فهي تواجه عديد المشاكل، كالمشاكل المادية وكذا انتشار الأمية، وتمركزها بشكل كبير بالرباط والدار البيضاء، كأن المدن الأخرى من المغرب آخر.
خلاصة الأمر، قد حاولنا معالجة موضوع حماية المستهلك الأمر الذي يدفعنا إلى القول بتجاوز المشرع الحدود المقررة للنظرية العامة للعقد، والمجتمع المغربي كان بحاجة ماسة لهذه الحماية، وتبقى مواضيع قانون حماية المستهلك من أهم المواضيع وأعمها، وللتوسع أكثر يمكن الرجوع إلى نزهة الخلدي، الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث، القانون المدني، جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2004-2005.

خاتمة:

خلاصة الموضوع، يبقى قانون الأعمال من القوانين التي تحظى بإهتمام تشريعي كبير، ونشير إلى مستجدات أخرى لم يتسنى لنا تناولها من خلال هاته الدراسة كالبنوك التشاركية، وقانون حوادث الشغل والامراض المهنية وغيرها.

قد يعجبك ايضا